«الطائفة الدرزية هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل.. أبناؤنا يخدمون في كافة أذرع جيش الدفاع وقوات الأمن، وهم موجودون على خط الدفاع.. ندعو لهم بالحفظ والصيانة والعودة بسلامة إلى بيوتهم وذويهم».. هكذا تحدث الشيخ موفق طريف الزعيم الروحي للطائفة الدرزية العربية في إسرائيل، وفقاً لبيان منسوب إليه بعد يومين من بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة، في أكتوبر 2023.
حُوربت هذه الدعوة بدعوة مضادة من وليد جنبلاط الزعيم الاشتراكي اللبناني الدرزي الذي دعا أبناء طائفته الدروز في أراضي عرب 48، من المجندين في صفوف الجيش الإسرائيلي، إلى عصيان الأوامر وعدم المشاركة في الهجوم على غزة ضد من وصفهم بمناضلي حركة حماس، بحسب تغريدة له على منصة «إكس» تناقلتها المواقع الإخبارية.
وذكرت تقارير أن الحرب الأخيرة على غزة 2023/2024 شهدت مشاركة جنود وضباط من الدروز الإسرائيليين في الخطوط الأمامية، وقتل عدد منهم في العمليات على أيدي مقاومي حركة حماس.
ولعل أهم درزي قتلته حماس من القادة العسكريين الإسرائيليين هو إحسان دقسة قائد اللواء 104 الإسرائيلي الذي قتل في شمال غزة على يد كتائب القسام في 20 أكتوبر 2024، والذي ولد ونشأ في قرية دالية الكرمل الدرزية، جنوب شرقي حيفا.
الدروز هم تلك الطائفة العربية المتمركزة اليوم في مناطق شمال فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان، انحدرت من المذهب الشيعي الإسماعيلي الإسلامي، حتى صارت بمثابة ديانة مستقلة، ولكنها من الناحية الثقافية جزء من الحضارة العربية الإسلامية.
بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 عملت تل أبيب على دمج الدروز في مجتمعها بإعطائهم الجنسية الإسرائيلية وتجنيدهم في جيشها، ثم الاعتراف بهم كديانة مستقلة، لا فرقة من المسلمين، ومن رفض منهم هاجر أو جرى تهجيره إلى لبنان وسوريا أو الأردن، ومن بقي منهم رضي بالأمر الواقع طوعاً وترحيباً أو كرهاً.
وصار الدروز هم الطائفة العربية الوحيدة التي تنضم للجيش الإسرائيلي، على عكس باقي العرب الموجودين في أراضي 1948، وبحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية، يتجاوز عدد الدروز في إسرائيل 100 ألف نسمة.
ولم يكن الدروز في إسرائيل، أو جزء كبير منهم يرفضون قيام إسرائيل، بل انضموا إلى عصابات الهاجاناه الصهيونية في حربها ضد العرب خلال حرب 48، ولكن بعضهم كانوا يتمسكون بعروبتهم وانضموا إلى جيش الإنقاذ العربي خلال الحرب، بحسب الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية.
ولكن، على عكس هذه الصورة، يجد المتأمل في التاريخ الإسلامي، أن الدروز تجاوزوا خلافاتهم مع السنة والشيعة، وكانوا مقاتلين أشداء ضد الصليبيين، خلال احتلالهم فلسطين وأجزاء كبيرة من بلاد الشام، حيث تحالفوا مع الفاطميين الشيعة، ومع السلاجقة ثم الزنكيين والأيوبيين السنة ومنهم السلطان صلاح الدين الأيوبي، في حروبهم ضد الصليبيين.
ماذا قدم الدروز خلال القتال ضد الصليبيين، ومن أبرز قياداتهم، وكيف كانت علاقاتهم بالدول الإسلامية الحاكمة للمنطقة وقت الحملات الصليبية؟ هذا ما نحاول توضيحه في ما يلي.
حين جاءت الحملة الصليبية الأولى على بلاد الشام (1096 – 1099م/ 490 – 493هـ) كان الدروز يقطنون في عدة مدن وقرى بمنقطة وادي التيم، جنوب شرقي لبنان، ومنطقة غرب وسط الشام، لا سيما جبل حوران أو جبل الدروز في سوريا الحالية.
وكان قادتهم فاعلين في المنطقة، بل كانوا ولاة لبعض الإمارات الإسلامية، ولكن ما يجعل هذا الدور مخفياً أن المؤرخين المسلمين لم يعرفوا هؤلاء الولاة والقادة كدروز، وبما أن أسماءهم عربية فلا ينتبه القارئ إلى معتقدهم الديني ويحسبهم على السنة أو الشيعة، بحسب ما نفهم من دراسة العربي بوبكر، المعنونة بـ«شخصية الدروز في الحروب الصليبية خلال القرنين 05-06 هـ/ 11 – 12م».
وربما ساعد على تهميش هويتهم كدروز في كتب التاريخ، أن العقيدة الدرزية هي بالأساس عقيدة باطنية، أي أن معتنقيها لا يفضلون البوح بمعتقداتهم ويحذرون في التعامل مع المختلف معهم، وفي الغالب يحبون الانعزال فوق سفوح الجبال أو بين الوديان البعيدة عن الناس، وخلال المعارك لم يكن قادتهم يرفعون راياتهم كدروز خلال جهادهم.
وربما ساعد على عدم إبراز المؤرخين المعاصرين لهؤلاء القادة كدروز في كتبهم، أن الطائفة الدرزية وقتها كانت في طور التشكيل خلال القرن الخامس الهجري، ولم يكن من الكياسة أن يبالغ قادتهم في إبراز أنفسهم كدروز.
وينسجم هذا الرأي مع ما ذهب إليه نديم حمزة في كتابه «التنوخيون أجداد الموحدين الدروز»، حيث قال إن الدروز في عصر الحملات الصليبية كانوا لا يزالون في حالة ضعف، وكانوا يدخلون في تحالفات مع قوى المنطقة في بعض الأحيان حرصاً على الحفاظ على وجودهم كطائفة، أكثر منه ولاء لتلك القوى.
ولكن هناك مؤرخين اهتموا بالبحث والتنقيب خلفهم وإبراز دورهم في المعارك مع الصليبيين، وربما على رأسهم طنوس الشدياق (1794 – 1861م) المؤرخ اللبناني الماروني الذي أبرزهم في كتابه الأهم «أخبار الأعيان في جبل لبنان».
حيث أفرد لهم الشدياق عدداً من الفصول، بدءاً من الفصل الـ12 حتى الـ20، وعنونت هذه الفصول بعنوان عام هو «نسبة أعيان الدروز من أمراء ومشايخ»، وفي كل فصل يتناول أمراء عائلة معينة منهم، ويذكر أدوارهم في الحياة العامة.
جمع الشدياق أخبارهم من مؤرخي الأنساب مثل خطار تلحوق، ومن وثائق ومخطوطات مثل وثائق محكمة صيدا في لبنان، وذلك في سياق حديثه عنهم كدروز، ولكن وهو يسرد أخبارهم ذكر الكثير عن أدوارهم في الحروب الصليبية.
وهي أخبار تتسق مع ما يذكره مؤرخو تلك الفترة مثل ابن الأثير صاحب كتاب «الكامل»، أو من جاءوا بعده بأزمنة ليست بعيدة، مثل ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة»، وصالح بن يحيى في «تاريخ بيروت»، الذين كانوا يذكرون أسماء الأمراء الدروز من دون أن يشيروا لعقيدتهم.
ونلمس من تأريخ الشدياق مع المصادر المشار إليها، أن هناك ثلاث عائلات درزية أساسية، أسهمت بدور كبير في الحرب ضد الصليبيين في هذه المنطقة، وهي «أرسلان»، «شهاب»، «التنوخي»، وسنتناول كل عائلة منهم في ما يلي، وفقاً لما جاء في المصادر المذكورة.
تعود أصول أسرة أرسلان إلى الأمير أرسلان بن مالك بن الملك (لقبه «المغرور») ابن الملك النعمان الشهير بأبي قابوس، ابن الملك المنذر (لقبه «ماء السماء») اللخمي.
وكانت بلاد الشام والعراق مكاناً للهجرات الآتية من شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام بقرون، بل كانت لهم دولتان جنوبي الشام هما «المناذرة» جنوبي العراق، وجنوب شرقي الشام، و«الغساسنة» جنوب الشام.
عرف المناذرة باللخميين، وكان الملك المنذر الملقب بـ«ماء السماء» الذي تنسب إليه عائلة أرسلان الدرزية أحد ملوك المناذرة، ويمكن مراجعة أخبارهم في موسوعة «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» للدكتور جواد علي.
أسرة أرسلان اعتنقت الدرزية في أواسط القرن الخامس الهجري/الـ11 الميلادي، حين انتشرت تلك العقيدة في الشام وافدة من مصر، حيث مقر الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي ألهه الدروز. وكانت العائلة كبيرة العدد في بلاد الشام ولها بأس، وحين هجم الصليبيون كان لها دور في مواجهته، يبدو في أكثر من موقف.
الأمير الأرسلاني عضد الدولة شمس المعالي أبي المحاسن، قاوم الصليبيون خلال الحملة الصليبية الأولى، إذ أرسل قوة عسكرية من رجاله إلى نهر الكلب في لبنان، حيث أعدوا كميناً للأمير الصليبي بلدوين أخي جودفري ملك مملكة بيت المقدس الصليبية في ما بعد، لمنعه من الوصول إلى بيت المقدس، إلا أنه انتصر عليهم.
وفي العام التالي أرسل عضد الدولة قوة أخرى لنفس المكان تقريباً لإعداد كمين للأمير الصليبي ريموند، ولكن القوة انهزمت أيضاً، نتيجة وصول مدد للصليبيين من مملكة بيت المقدس.
عقب هذه المواجهات العسكرية هرب عضد الدولة باتجاه بيروت ومعه قواته، وهنا حاولت الدولتان الرئيسيتان في المنطقة (الفاطمية، السلجوقية) احتواءه، فقد راسله ملك دمشق السلجوقي شمس الملوك دقاق، يقره على تولية بيروت وصيدا معاً، بحسب الشدياق، وفي الوقت ذاته كانت السيادة على المدينتين تعود إلى الفاطميين بحسب دراسة معمر جعيرن «أثر التحالف الفاطمي الصليبي على بلاد الشام ومصر».
لكن الأمر الواقع يقول إن عضد الدولة الأمير الدرزي كان هو الحاكم للمدينتين، بسحب الشدياق، بصرف النظر عن الراية التي يقاتل تحت لوائها، فاطمية أو سلجوقية.
وربما كان هذا العداء بين عضد الدولة والصليبيين هو ما دفعهم إلى الانتقام من سكان وادي التيم الدروز في ما بعد؛ ففي عام 503هـ - 1110م هاجم بلدوين ملك بيت المقدس الصليبي بيروت، فحاصرها براً وبحراً، لكنه عجز عن دخولها نتيجة استبسال سكانها بقيادة عضد الدولة، فقرر دخول وادي التيم وارتكاب مجزرة بين الأهالي من الدروز، حيث قَتل منهم كثيرين وأسر عدداً منهم.
وبعد ذلك هاجم بيروت مرة أخرى حتى دخلها بعد شهرين من الحصار والقتال، وقتل خلال المعارك عدداً كبيراً بمن فيهم الأمير الدرزي عضد الدولة.
وبعد ذلك اتجه بلدوين إلى صيدا وكان على رأسها قيادة درزية أخرى وهو الأمير مجد الدولة محمد بن عدي الذي اضطر بعد حصار طويل إلى تسليم المدينة، وخرج إلى وادي التيم واستقر به كعادة الدروز.
وهذا التسليم لم يكن أمراً غريباً إذ حدث كثيرًا بين الأمراء السلاجقة السنة، والفاطميين الشيعة، الذين كانوا على رؤوس مدن شامية خلال الحملات الصليبية.
وكان مجد الدولة يدافع عن صيدا تحت الراية الفاطمية إلا أن علاقته بالسلاجقة السُنة كانت جيدة، فقد راسله بعد ذلك ملك دمشق ظهر الدين ظغتكين عام 520هـ - 1126م، يعترف له بموافقته على إمارته لوادي التيم، ويحثه على قتال الصليبيين الفرنجة، وهو ما حدث حيث استمر في إغارته عليهم، حتى قتل على أيدي الصليبيين في موضع يسمى أرض البرج.
كما حال عائلة أرسلان في الانتساب إلى جذور عربية عريقة، تنحدر جذور عائلة التنوخي إلى تنوخ بن قحطان بن عوف بن كندة بن جندب بن مذحج بن سعد بن طيء بن تميم بن النعمان بن المنذر ملك الحيرة المعروف بماء السماء.
انتقلت الأسرة من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، واعتنقت العقيدة الدرزية في القرن الخامس الهجري.
استقر الوجود الصليبي في الشام نهاية القرن الخامس، وفي منتصف القرن السادس الهجري وتحديداً 546هـ- 1151م وقعت بينهم وبين الصليبيين موقعة حربية في موضع يسمى رأس التبنة، انتهت بانتصارهم بزعامة أميرهم أبو العشائر بحتر بن عضد الدولة علي بن عمر، الذي ظل عدواً للصليبيين حتى توفي في 552هـ - 1157م.
وكان أبو العشائر قد اعتُرِفَ به أميراً على وادي التيم من ملك دمشق السلجوقي مجير الدين آبق، عام 542هـ - 1147م، حيث راسله مقراً بإمارته، وحثه خلال الرسالة على قتال الصليبيين.
بعد وفاة أبي العشائر تولى إمارة العائلة زهرة الدولة كرامة بن بحتر الذي عاش في حصن سرحمول المجاور لبيروت، وتحالف زهرة الدولة مع الدولة الزنكية السُنّية بزعامة نور الدين محمود، ضد الصليبيين، بعد أن ولاه الأخير على وادي التيم، ومنحه جنوداً وعتاداً لمحاربة الصليبيين.
وحاول الفاطميون الشيعة استمالة زهرة الدولة، حيث أرسل وزيرهم الشهير أبو الأشبال ضرغام رسالة إليه يحثه خلاله على الانضمام إليهم ضد الزنكيين، وهو الأمر الذي أغضب نور الدين محمود.
وسواء مال زهرة الدولة إلى الزنكيين أو الفاطميين، فقد ظل على موقفه العدائي للصليبيين حتى مات، رغم أن المؤرخ المملوكي ابن تغري بردي يقول في «النجوم الزاهرة»، إنه كان قد تحالف مع الصليبيين قبل تحالفه مع الزنكيين.
وطعن البعض في إخلاص زهرة الدولة للقوى الإسلامية، ومنهم الباحث نديم حمزة الذي استند إلى ما ذكره ابن تغري بردي من تحالف قديم لزهرة الدولة مع الصليبيين، وقال إن دخوله في تحالف مع نور الدين محمود كان اضطرارياً بعد أن قويت شوكة الأخير، بدليل أن أبناءه لم يستمروا في تحالفهم مع الدولة الزنكية.
فحين توفي زهرة الدولة ترك أربعة أبناء، ثلاثة منهم تحالفوا مع الصليبيين ضد العرب، ولكن الثلاثة قتلوا في كمين نصبه لهم الصليبيون، وهذه الحادثة ربما تشير إلى أن القتلى الثلاثة لم يكونوا على وفاء للصليبيين، وإنما كانوا يهادنونهم أو دخلوا معهم في تحالف مرحلي تكتيكي.
وهو الرأي الذي يدعمه ما ذكره العربي بوبكر في دراسته التي أشرنا إليها سابقاً، حيث يرى أن تحالف أبناء زهرة الدولة مع الصليبيين كان مناورة للحفاظ على كيانهم مع صغر حجم طائفتهم وقوة الصليبيين.
وربما يكون ذلك صحيحاً، خصوصاً وأن التحالف مع الفرنجة الصليبيين بشكل مؤقت لم يكن بدعة ابتدعها الدروز، فالفاطميون أنفسهم تحالفوا معهم في البداية قبل دخول بلاد الشام، ثم حاربوهم في ما بعد.
وبعد مقتل الإخوة الثلاثة تولى أخوهم الرابع حجي بن زهرة الدولة الإمارة فتحالف مع الزنكيين في بدايات عصر السلطان الأيوبي صلاح الدين ضد الصليبيين وقبل معركته الفاصلة في حطين.
وخاض حجي ضد الصليبيين موقعة عسكرية انتهت بانتصاره، وبسبب هذه المعركة هنأه الملك الصالح بن نور الدين محمود بانتصاره، وأرسل إليه معلناً تقليده إمارته على الأراضي التي كانت تحت سيطرته.
وحين دخل صلاح الدين بيروت عام 563هـ - 1187م التقاه واعترف به والياً على ما كان بيد أبيه من قبل.
الأسرة الشهابية تنحدر إلى قريش، وزعيمها المؤسس هو مالك الملقب بـ«شهاب»، واستقرت بمنطقة الشام مع الفتح الإسلامي، واعتنقت الدرزية في القرن الخامس الهجري. برز دور الأسرة في عصر نور الدين محمود، حيث كانت تسكن جبل حوران في سوريا، الذي سمي بجبل الدروز باعتبار أن الدروز هم أغلبه.
وكان نور الدين محمود قد تحالف معهم، واعترف بأميرهم منقذ الشهابي أميراً على جبل حوران، وكانوا سنداً له ضد الصليبيين، خصوصاً مع استراتيجية موقعهم الجغرافي.
ثم تحالفوا مع صلاح الدين ضد الصليبيين لما وفد على الشام تحت راية الدولة الزنكية بزعامة نور الدين محمود، في الفترة التي سبقت انتصاره الساحق عليهم في معركة حطين، وقاتل الشهابيون بجانب صلاح الدين في معاركه الصغيرة ضد الصليبيين، في عصر الدولة الزنكية.
وحين وقع خلاف بين نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي، خشي منقذ الشهابي غضب نور الدين عليه، ففضل أن يرحل بقومه من الجبل إلى صحراء الجسر اليعقوبي، ويتخذ موقفاً أقرب للحياد، فأعجب نور الدين بموقفه.
وكان صلاح الدين في الأساس جزءاً من الدولة الزنكية بزعامة نور الدين محمود، التي كانت تدين بالولاء للخلافة العباسية السنية، وجاء صلاح الدين من شمال العراق إلى مصر على رأس قوة عسكرية لوأد فتنة سياسية داخل الدولة الفاطمية الشيعية المناوئة للدولة العباسية.
وبعد قضائه على الفتنة، طلب منه نور الدين ضم مصر للدولة العباسية وإلغاء الخلافة الفاطمية، فلما تأخر صلاح الدين في تنفيذ الأمر غضب نور الدين محمود، وتوترت علاقته بصلاح الدين، ولكن لم يصل هذا التوتر إلى صدام عسكري لأن نور الدين محمود توفي قبل اتخاذ إجراء عسكري عنيف ضد صلاح الدين، الذي فعل ما كان يريده نور الدين محمود في ما بعد، ويمكن مراجعة ذلك في كتاب «نور الدين محمود زنكي: شخصيته وعصره» لعلي محمد الصلابي.
ما يعنينا هنا هو أن منقذ الشهابي الدرزي كان حليفاً لقوتين سنيتين، ومعادياً للصليبيين، وفضل ألا يغضب أكبرهما نفوذاً وهو نور الدين محمود بتفضيله الرجوع عن التحالف مع صلاح الدين ولكن من دون أن يعاديه هو الآخر، والارتحال إلى صحراء الجسر اليعقوبي وترك جبل حوران.
ونتيجة لذلك طلب منه نور الدين محمود العودة إلى دياره في جبل حوران، بعد أن أثنى على صنيعه، ولكنه فضل البقاء في صحراء الجسر اليعقوبي، وخلال وجوده هناك وقعت معركة بينه وبين الصليبيين في قلعة حاصبيا، وهو أمر أسعد نور الدين محمود، وشكر منقذ الشهابي عليه، وقرر تعيينه والياً على الأراضي الجديدة التي ضمها من الصليبيين.