تيرانس ماكينا المفكر والمستكشف الروحي، يُعد من أبرز الأصوات التي تربط بين استخدام المخدرات النباتية وتطور الوعي. يقترح ماكينا في نظريته المعروفة بـ«نظرية القرد المخدر» (Stoned Ape Theory) أن الإنسان مدين في رحلة تطوره إلى الفطر، بفضل تناوله أنواعاً معينة من الفطريات المهلوسة، خصوصاً الفطر السحري الذي يحتوي على السيلوسيبين. يعتقد ماكينا أن هذا النوع من الفطريات الذي كان يُستخدم في المناطق الرطبة حيث عاش أسلاف البشر، قد أسهم في توسيع قدرات الإنسان العقلية، بما في ذلك الوعي واللغة. بالنسبة لماكينا لم يكن المخدر مجرد وسيلة للهروب من الواقع، بل بوابة لفتح عوالم جديدة من الإدراك وتطوير العقل البشري.
فيديو لتيرانس ماكينا يشرح النظرية ☝️
يرى ماكينا أن هذه المخدرات لم تكن فقط أدوات لتغيير الإدراك اللحظي، بل كانت أدوات لتطور الجنس البشري على مدى آلاف السنين. من خلال هذه المواد، يمكن للبشر الوصول إلى تجارب روحية عميقة، والتحرر من الحدود التقليدية للواقع المادي، وتحقيق رؤى داخلية تقود إلى تطور فكري وروحي.
لم يكن تيرانس ماكينا مجرد عالم أو مستكشف عادي؛ بل كان صاحب رؤية فلسفية عميقة ترتبط بالتجربة الروحية. تأثر كثيراً بالشامانية، وهو النظام الروحي الذي يعتمد على التواصل مع العوالم الروحية من خلال الوسطاء الروحيين أو الشامان. في كثير من المجتمعات القديمة، كان الشامان يستخدمون النباتات المهلوسة مثل الفطر السحري والأيواهوسكا للدخول في حالات من الوعي المتغير، حيث يعتقدون أن هذه الحالات تسمح لهم بالتواصل مع العوالم الروحية واكتساب الحكمة.
كان ماكينا يرى في هذه التجارب الروحية وسائل لفهم أعمق للعقل البشري والطبيعة. من خلال تناول الفطر السحري أو الأيواهوسكا، يمكن للشخص أن يدخل في حالة من الانفتاح الذهني التي تمكنه من التواصل مع العالم الروحي. بالنسبة لماكينا، هذه التجارب الروحية لا تكشف فقط عن العالم الخارجي، بل تفتح أبواباً لفهم الذات بشكل أعمق.
أحد الجوانب التي كان يركز عليها ماكينا هو كيفية توظيف هذه المخدرات كأدوات لاستكشاف العقل البشري والإدراك. في هذا السياق، كان يرى أن التجربة الشامانية كانت وسيلة للتواصل مع الطبيعة وتحقيق توازن روحي. بالنسبة له، كانت المخدرات النباتية جزءاً من تاريخ البشرية، وأن استخدامها بشكل صحيح يمكن أن يسهم في تطور الإنسان عقلياً وروحياً.
بينما كان تيرانس ماكينا يرى في المخدرات النباتية وسيلة للتحرر الروحي وتطور الوعي، نجد أن هنتر س. تومبسون استخدم المخدرات كأداة لنقد المجتمع الأمريكي والفوضى التي كانت تحيط به. يُعد تومبسون أحد أهم الأصوات في الصحافة الأمريكية في القرن الـ20، واشتهر بأسلوبه الخاص في الكتابة المعروف بـ«صحافة الغونز»، وهو أسلوب يمزج بين الصحافة والرواية، إذ لا يكتفي الكاتب بتغطية الأحداث، بل يكون جزءاً من التجربة نفسها.
سمبسون كان يؤلف روايات من الكوميك، كانت قصصه ورسومه شديدة الجنون والخبل، حتى تفهم هذا الروائي، فالبعض يعد أنه أفضل مؤلف كوميك على الإطلاق في تاريخ اللغة الإنجليزية، منهجه كان مقارباً للروائي هنري ميللر وهو منهج خاص وذاتي وشخصي، البطل في الرواية هو المؤلف نفسه، والمواقف هي السيرة الذاتية الحياتية للمؤلف، ممكن أن تعدهم مؤلفين ينتمون للسيرة الذاتية، لكن بعقل مضطرب ونفس توشك علي الهاوية، ودور كبير وواضح للأحلام والهلاوس.
أحد أشهر أعمال تومبسون هو «الخوف والكراهية في لاس فيغاس»، الذي يمثل تتويجاً لتجربته مع المخدرات في إطار نقد اجتماعي وسياسي. في هذا العمل، يسافر تومبسون (المعروف في الرواية باسم راؤول ديوك) مع محاميه إلى لاس فيغاس في رحلة مليئة بالمخدرات والهلاوس. كانت المهمة تغطية صحفية لسباق دراجات عالي الأهمية، وهي مهمة فشلت تماماً بسبب كمية ما تناوله هو ومحاميه من كل أنواع المخدر الذي تم اختراعه في تاريخ الإنسان، بل كان مهدداً بالسجن لكل الجنح التي ارتكبها مع محاميه في المدينة الجهنمية، ومنها على سبيل المثال، إزعاج السياح بكل الطرق الممكنة، تدمير غرفته في الفندق تماماً، وممارسة الجنس مع قاصر، تلك الفعلة الأخيرة كانت من نصيب محاميه، وهذا بالطبع شهادة هنتر نفسه. لذلك لا ندري حقيقة من فعلها.
فيديو للبودكاستر الشهير جو روجان يصف فيه الروتين اليومي للمخدرات عند هنتر سمبسون ☝️
مما يجعل الأمر نكته كبيرة هو أن المهمة التالية كانت تغطية مؤتمر كبير لمكافحة المخدرات، طبعاً لك أن تتخيل الفضيحة التي حدثت بوجود شخصيات مثل سمبسون ومحاميه في مكان مثل هذا.
لاس فيغاس في الرواية ليست مجرد مدينة، بل تمثل رمزاً للفساد والانحلال في أمريكا. يرى تومبسون أن الثقافة الأمريكية في تلك الفترة كانت تسير نحو انهيار روحي وأخلاقي، ويستخدم المخدرات في الرواية كرمزية لفقدان التحكم والانغماس في الفوضى. تجربة تومبسون مع المخدرات لم تكن مجرد هروب من الواقع، بل كانت وسيلة لاستكشاف الفوضى الداخلية والخارجية التي كانت تحيط به وبالمجتمع الأمريكي ككل. بمعنى آخر، في واقع مركب ومنحل وفوضوي، ما تحتاجه حقيقة هو تهيئة مناسبة لاستيعاب هذا الواقع، وعند هنتر كانت المخدرات هي الحل لمحاولة التفاعل مع هذا الواقع، والأهم التحايل عليه، لأنه على الرغم من كل شيء، كان هنتر يرى نفسه أذكى من النظام. نظريته لها علاقة بأن النظام تم وضعه للمتوسطين من الناس، وأشخاص مثله من العار أن يسمحوا لهذا النظام البليد أن يتحكم بهم.
انتحر هنتر س. تومبسون عام 2005 بطلق ناري من مسدسه تاركاً ورقة مكتوباً عليها:
«موسم كرة القدم انتهى»
«فيلم -أشتري التذكرة- وثائقي عن حياة (هنتر سمبسون)» ☝️
الشمانية هي ممارسة روحية قديمة ترجع إلى مجتمعات ما قبل التاريخ، حيث يقوم الشامان بدور الوسيط بين الإنسان والعوالم الروحية. في الشمانية، يتم استخدام تقنيات متعددة مثل التأمل، الطبول، الرقص، وأحياناً استخدام النباتات المهلوسة مثل الفطر السحري لتوسيع الإدراك الروحي والتواصل مع العوالم الخفية.
الشامان في الثقافات التقليدية هو المرشد الروحي الذي يساعد في شفاء الجسد والعقل من خلال التواصل مع الأرواح والطبيعة. من منظور الشامان، العالم الروحي والمادي متداخلان، والتفاعل مع الأرواح جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية. هذا الفهم للعالم يتناقض مع الرؤية الحديثة التي تفصل بين الروحي والمادي.
تيرانس ماكينا يعتقد أن استخدام النباتات المهلوسة ليس فقط تجربة روحية، بل هو جزء من تطور البشرية. في كتاباته، يدعو ماكينا إلى استخدام النباتات المهلوسة مثل الفطر السحري والآياهواسكا كوسيلة لتوسيع وعي الإنسان وإعادة الاتصال بجذوره الروحية التي فقدها بفعل الحياة العصرية. يرى ماكينا أن هذه النباتات يمكن أن تساعد في الوصول إلى حالة من الوعي الجماعي، وتقدم رؤى عميقة حول الكون ووجود الإنسان.
من هذا المنظور، الشمانية ليست مجرد ممارسة روحية قديمة، بل هي محاولة لاستعادة الروابط المفقودة بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان وذاته الداخلية. في زمن تتحكم فيه التكنولوجيا والاستهلاكية في حياتنا.
إعلان فيلم «الخوف والكراهية في لاس فيجاس» ☝️
تم تشخيص هنتر س. تومبسون في عدة أفلام، لكن اثنين من هذه الأفلام كان لهما تأثير كبير في تشكيل صورة تومبسون في الثقافة الشعبية. أول هذه الأفلام هو «Where the Buffalo Roam» الذي صدر عام 1980، إذ قام بيل موراي بتجسيد شخصية تومبسون.
في هذا الفيلم نجد تومبسون مهتماً بقضايا القبض على المراهقين بتهم حيازة المخدرات في الستينيات من القرن الماضي، التي كانت شديدة القسوة. في إحدى الحالات حُكم بالحبس على مراهق بخمس سنوات فقط لحيازته سيجارة ماريجوانا. خلال العمل، نتتبع المحامي الخاص بتومبسون وهو يدافع مجاناً عن هؤلاء الأطفال دون جدوى، وكيف كانت الدولة تتعامل مع هذا الجيل كأنه جيل تم تربيته بواسطة الشيطان. هذا المحامي الغجري ذو الشخصية التي قد توصف بأنها أغرب حتى من تومبسون كان مجنوناً تماماً، لدرجة أنه خلال أحداث الفيلم يسأل صحفي تومبسون، «هل اخترعت هذه الشخصية؟» ليجيبه تومبسون برد غاية في البلاغة: «لا أحد يستطيع فبركة شخصية مثل هذه»، بل إنه يصفه بعد ذلك بقوله: إنه من المخلوقات الأولية للرب، غريب جداً ليحيا، نادراً جداً ليموت.
الفيلم الآخر والأكثر شهرة ودقة في تصوير حياة تومبسون هو «الخوف والكراهية في لاس فيغاس»، الذي صدر عام 1998، إذ قام جوني ديب بأداء دور تومبسون (أو راؤول ديوك في الرواية). أخرجه تيري جيليام، ونرى إبداعاً سيريالياً في التصوير لهلاوس المخدرات بأشكالها المختلفة. بشكل أرى أنه الأفضل على الإطلاق في نوعه، وإنجاز بصري صعب الوصول إليه، والأهم أنه مستحيل إنتاجه في عصر مشلول مثل عصرنا.
واجه الفيلم عديداً من الصعوبات المتعلقة بالتمويل والإنتاج قبل وأثناء تصويره. المنتج الرئيسي للفيلم كانت ليلى نابلسي (Laila Nabulsi)، التي كانت شريكة في حقوق إنتاج الفيلم وواحدة من المدافعين المتحمسين لتحويل الكتاب الشهير لهنتر س. تومبسون إلى فيلم، ومع ذلك كانت هذه المهمة مليئة بالتحديات.
نابلسي عملت على شراء حقوق الكتاب وتحويله إلى فيلم لمدة أعوام. وقد تعاملت في البداية مع أستوديوهات ريزارفوار دوجز. لكن الصعوبة الكبرى التي واجهتها كانت في العثور على مخرج وكاتب سيناريو يمكنهما الحفاظ على روح الكتاب وفهم التوجه الغريب والساخر للقصة.
في البداية، كان من المقرر أن يقوم أليكس كوكس بإخراج الفيلم، لكنه ترك المشروع بسبب اختلافات إبداعية. كان كوكس يريد استخدام نهج بصري مختلف وغير تقليدي لتصوير الهلوسات، وهذا ما أثار غضب نابلسي وأدى إلى طرده من المشروع.
كان التمويل إحدى أكبر العقبات التي واجهتها نابلسي. تيري جيليام الذي استلم المشروع لاحقاً، الذي يعد من المخرجين الأسلوبيين، بمعنى أنه له لغة سينمائية معروفة كبصمة، الإستايل الذي يتطلب في الغالب ميزانيات كبيرة. لكن مع ذلك تم تخصيص ميزانية متواضعة للفيلم. وكانت هذه الميزانية الصغيرة تمثل تحدياً كبيراً لجعل الفيلم يصل إلى المستوى البصري والفني الذي يتوقعه جيليام.
واجه الإنتاج صعوبات في تأمين المواقع المناسبة للتصوير في لاس فيغاس، بما في ذلك التصوير في الكازينوهات، إذ فرضت قيود صارمة على فريق العمل من حيث الوقت والمعدات التي يمكن استخدامها، مثلاً كان متاح لهم فقط التصوير في الساعات المبكرة من الصباح، وبناء عليه كان جدول التصوير محدداً بعدد ساعات قليل لا بد فيه من إنجاز المشاهد التي تحوي بطبيعة الحال أعداداً عالية من المجاميع، وهو شيء جعل التصوير مهمة شبه مستحيلة، لكن مع كل هذا، لا يسعك وأنت تشاهد تلك التحفة، سوى الإعجاب بهذا المنجز البصري الكبير
فيديو للمنتجة المنفذة ليلي نابلسي تتحدث عن كيفية الحصول علي توقيع نيري جليام ☝️
في النهاية، هذه حركات كانت تهدف لسماع صوت الإنسان الداخلي في مواجهة النظام، عالم حائر كان يصرخ ويئن بعد الحرب العالمية الثانية، عالم مهدد بالرعب النووي، ومخاطرة حدوث حرب عالمية ثالثة، حرب كانت ستنهي الكوكب لا محالة. في الستينيات الذهبية في لوس أنجلوس التي وصفها هنتر تومبسون بأنها كانت جنة الرب على الأرض في هذا الوقت، حكمنا على الحالمين بالموت والانحلال، وصادرنا عليهم دون أن نعطي فرصة لنفهم لماذا يصرخون؟