مجتمع

قنابل مميتة.. كيف انفجرت أجهزة «البيجر» في لبنان؟

ما هي أجهزة البيجر، ولماذا يستخدمها عناصر حزب الله، وكيف حولها الموساد إلى قنابل مميتة؟

future صورة تعبيرية: (كيف انفجرت أجهزة «البيجر» في لبنان؟)

في عصر يوم الثلاثاء، 17 سبتمبر، انفجرت الآلاف من أجهزة الاتصال اللاسلكي القديمة «البيجر» في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية في بيروت. تسببت الانفجارات في مقتل 12 شخصاً بينهم طفلان، وإصابة نحو 3 آلاف آخرين، كان معظمهم من عناصر حزب الله اللبناني.

شخص محمول على نقالة خارج المركز الطبي للجامعة الأمريكية في بيروت وسط انفجارات أجهزة البيجر في مختلف أنحاء لبنان [رويترز]

بالطبع، كان المتهم الأساس والوحيد في تنفيذ مثل هذه العملية هو دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو اتهام رسمي وجهته جماعة حزب الله لإسرائيل، متوعدة إياها بتوجيه «العقاب العادل». لم تتضح بعد تفاصيل العملية الأخيرة في لبنان، لكنها تعد واحدة من أكبر العمليات التي ينفذها الموساد ودولة الاحتلال في أراضي دولة أخرى.

من المفترض أن عناصر حزب الله يستخدمون أجهزة البيجر لأنها آمنة من ناحية التجسس والمراقبة، وبخاصة مع استخدام دولة الاحتلال لتقنيات تجسس معقدة ومتطورة، مع استهداف الهواتف المحمولة ومراقبتها بسهولة نسبياً. لكن تلك العملية الأخيرة كانت «أكبر اختراق أمني» واجهه حزب الله خلال عام من الصراعات الدائرة مع إسرائيل، وفقاً لما ذكره أحد مسؤولي الحزب لوكالة رويترز.

فما هي أجهزة البيجر ولماذا يستخدمها عناصر حزب الله وكيف حولها الموساد إلى قنابل مميتة؟

أجهزة البيجر

في فبراير الماضي، طلب حسن نصر الله، قائد جماعة حزب الله، من أعضاء الجماعة التخلي عن هواتفهم المحمولة، لأن دولة الاحتلال الإسرائيلي بإمكانها استغلال تلك الهواتف في عمليات التجسس والمراقبة.

تلجأ جماعة حزب الله لاستراتيجية الاستفادة من التقنيات المنخفضة لمواجهة التقدم التقني الذي تملكه دولة الاحتلال في مجالات التجسس والمراقبة، لذا تحاول الجماعة استخدام الخطوط الأرضية للاتصالات، وكذلك الاستفادة من أجهزة الاتصالات القديمة مثل جهاز «البيجر».

وهو جهاز لاسلكي صغير يُستخدم لاستقبال الرسائل، وكان استخدامه شائعاً في الثمانينيات والتسعينيات في الغرب قبل انتشار الهواتف المحمولة، خاصةً في مجالات الرعاية الصحية والطوارئ والأعمال. ربما قد تكون شاهدته في بعض الأفلام أو المسلسلات التي صدرت في تلك الحقبة الزمنية.

يقتصر عمل هذه الأجهزة على استقبال الرسائل دون القدرة على الرد، وأشهر أنواعها يتلقى رسائل نصية قصيرة أو أرقام هواتف، تظهر على شاشة الجهاز، وتدفع المستخدم للاتصال بالرقم، لكن توجد بعض الأنواع الأحدث التي يمكنها إرسال واستقبال الرسائل.

تتجلى أهمية هذا النوع من الأجهزة لحزب الله في عدة جوانب، أبرزها بساطة تصميمها، وقدرتها على العمل بنطاق واسع، وعدم اتصالها بالإنترنت. فهي تعتمد على ترددات راديوية تصل لمسافات بعيدة وتخترق المباني بشكل أفضل من إشارات الهواتف المحمولة. يمكنها كذلك تغطية مناطق واسعة، حتى مدن أو دول بأكملها، وتعمل بكفاءة في الأماكن النائية أو الجبلية أو تحت الأرض، كما أنها تتحمل الظروف الجوية القاسية، مما يجعلها مناسبة للاستخدام العسكري.

تستخدم هذه الأجهزة إشارات لاسلكية بسيطة وقليلة الطاقة، مما يجعل اكتشافها أو اعتراضها أقل احتمالاً مقارنة بالهواتف المحمولة التي تبث إشاراتها باستمرار ويمكن تعقبها. كما أن تلك الأجهزة لا ترسل إشارات إلى الشبكة، مما يقلل من فرص اكتشافها.

ربما أهم ما يميزها أنها غير متصلة بالإنترنت، وتتمتع بوظائف محدودة مقارنة بالهواتف الذكية، مما يقلل من احتمالية تعرضها للاختراق أو الهجمات السيبرانية، لكن يظل احتمال اختراقها احتمالاً وارداً.

قنابل مميتة

بدأ توجيه الاتهامات نحو إمكانية تنفيذ إسرائيل لعملية اختراق سيبراني ضخمة، تستهدف تسخين بطاريات الليثيوم داخل أجهزة البيجر، لكن على رغم خطورة تلك البطاريات فإنها لا تملك الخصائص الفيزيائية اللازمة للانفجار بتلك الشدة التي ظهرت في مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

قد يحدث ما يعرف باسم ظاهرة الانفلات الحراري، وهي السبب وراء احتراق هذا النوع من البطاريات، لكن ما يشير إليه الخبراء أن الاختلاف واضح بين انفجار بطارية ليثيوم لأي جهاز والتفجير السريع لأي نوع من المتفجرات العسكرية حتى إن كانت بكمية قليلة جداً لا تتعدى بضع جرامات. لأن الحالة الأولى يحدث فيها اندلاع مفاجئ للهب ثم تحترق البطارية، لكن الحالة الثانية أقرب إلى دوي انفجارات الألعاب النارية القوية.

لذا، كان الاستنتاج الثاني هو أن جهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد» زرع متفجرات داخل أجهزة البيجر، مخترقاً سلسلة التوريد التي يتبعها حزب الله لاستيراد هذا النوع من الأجهزة، وهذا ما أشار إليه تقرير في نيويورك تايمز، مستشهداً بتصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين ممن اطلعوا على تفاصيل العملية، وأوضح أن دولة الاحتلال نفذت تلك العملية عبر إخفاء مواد متفجرة داخل شحنة جديدة من أجهزة البيجر التي تصنعها الشركة التايوانية "جولد أبوللو" (Gold Apollo).

كانت طرازات معظم الأجهزة (AR924) التي تنتجها الشركة، وذكر العديد من المسؤولين أن حزب الله طلب أكثر من 3 آلاف جهاز بيجر من شركة «جولد أبولو» خلال الفترة الماضية، ثم وزعها على عناصره في أنحاء لبنان، كما وصل بعضها إلى حلفاء الحزب في إيران وسوريا.

وفقاً لما ذكره هؤلاء المسؤولون، زرع الموساد متفجرات صغيرة، بحجم لم يتجاوز 28 جراماً تقريباً، داخل تلك الشحنة من الأجهزة، مع وضع الشحنة المتفجرة بجانب البطارية وكذلك جهاز استقبال للتفجير عن بعد. ثم في تمام الساعة 3:30 مساءً بتوقيت لبنان، تلقت أجهزة البيجر رسالة تبدو كما لو كانت واردة من إحدى قيادات حزب الله، ولكنها كانت الرسالة التي فعَّلت الشحنة المتفجرة داخل الجهاز.

وبحسب ما ذكره ثلاثة من هؤلاء المسؤولين، فإن الأجهزة التي تأثرت بالهجوم هي التي كانت قيد التشغيل وتستقبل الرسائل، وكانت مبرمجة لتصدر صفيراً لعدة ثوانٍ قبل أن تنفجر.

من تايوان إلى المجر

هذا السيناريو أكدته تقارير أخرى من عدة صحف عالمية، إذ أشارت وكالة رويترز، وفقاً لأحد مصادر الأمن اللبنانية الرفيعة المستوى، إلى أن الموساد زرع متفجرات داخل 5 آلاف جهاز بيجر كان قد استوردها حزب الله قبل عدة أشهر.

وأوضح المصدر الأمني اللبناني لرويترز أن الموساد عدّل تلك الأجهزة في مرحلة الإنتاج، عبر إضافة لوحة داخل الجهاز تحتوي على المادة المتفجرة التي تتلقى رسالة لتفعيلها، ويصعب اكتشافها بأي وسيلة متاحة لدى أعضاء حزب الله. وأضاف أن 3 آلاف جهاز انفجروا بعد توجيه رسالة مشفرة لها، مما أدى إلى تفعيل المتفجرات في اللحظة نفسها.

كما أشار المصدر إلى أن تلك الأجهزة كانت من إنتاج شركة «جولد أبولو» لكن الشركة التايوانية أفادت في بيان لها أنها لم تصنّع هذه الشحنة من الأجهزة. وذكرت أن الشركة المُصنّعة لها هي شركة تحمل اسم "بي إيه سي" (BAC) ومقرها العاصمة المجرية بودابست، وتملك ترخيصاً من الشركة التايوانية لاستخدام علامتها التجارية.

وأضافت الشركة في بيانها أن طراز (AR924) أنتجته وباعته شركة «بي إيه سي»، وجاء في البيان أن «شركة جولد أبولو سمحت للشركة المجرية باستخدام علامتها التجارية لبيع هذا المنتج في مناطق محددة، ولكن تصميم وتصنيع المنتجات تتولاه شركة «بي إيه سي» بالكامل».

أشار تقرير رويترز إلى أن العنوان المعلن لهذه الشركة المذكورة في بودابست هو مبنى يقع في شارع معظمه سكني في إحدى ضواحي العاصمة، وقد عُلق اسم الشركة على الباب الزجاجي على ورقة. وذكر شخص في المبنى، طلب عدم ذكر اسمه، أن الشركة مسجلة في هذا العنوان، ولكن ليس لها وجود فعلي هناك.

وأشار هسو تشينج كوانج، مؤسس شركة «جولد أبولو»، إلى وجود مشكلات في التحويلات المالية للشركة المجرية، وذكر أن عمليات تحويل الأموال كانت تأتي من الشرق الأوسط، لكنه لم يقدم أي تفاصيل أخرى.

تاريخ حافل بالقتل عن بعد

تملك دولة الاحتلال الإسرائيلي تاريخاً حافلاً من عمليات التخريب والقتل والاغتيال المتقدمة عن بعد باستخدام تقنيات الاتصال أو الاختراقات السيبرانية.

من ناحية استخدام أجهزة الاتصالات المتفجرة في عمليات الاغتيال، فإن دولة الاحتلال تشتهر بتنفيذ مثل هذا النوع من الاغتيالات. في عام 1996، تمكن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «الشاباك»، من اغتيال يحيى عياش، الذي اشتهر بلقب «المهندس»، عبر خداعه بمكالمة هاتفية من هاتف محمول من طراز «موتورولا ألفا»، الذي جلبه أحد العملاء الفلسطينيين إلى غزة. احتوى الهاتف بداخله على نحو 50 جراماً من المتفجرات، وهي كمية كافية لقتل أي شخص يضع الهاتف على أذنه.

بينما من حيث حجم العملية الأخيرة في لبنان، وتنفيذها عن بعد، فإن المقارنات توجهت نحو عملية كبرى نفذها الموساد بمساعدة المخابرات الأمريكية عام 2010 داخل الأراضي الإيرانية. حينها بدأت أجهزة الطرد المركزي للبرنامج النووي الإيراني، وهي الأجهزة التي تخصب اليورانيوم، فجأة تخرج عن السيطرة حتى توقفت عن العمل.

وتبين في النهاية وجود فيروس مثبت في أنظمة حاسوب شركة سيمنز التي تدير أجهزة الطرد المركزي، إذ جرى تحميل الفيروس، وهو برمجية حاسوبية تدعى «ستوكسنت» (Stuxnet)، على وحدة تخزين محمولة تم توصيلها إلى شبكة الحاسوب الإيرانية.

بُرمج الفيروس للبحث عن أنظمة التشغيل الخاصة بشركة سيمنز، وظل كامناً في أجهزة الحاسوب داخل إيران وحول العالم وهو ينتشر حتى وصل أخيراً إلى محطة نطنز النووية، التي يجري فيها تخصيب اليورانيوم الإيراني، وهناك تعرف الفيروس على فريسته وانطلق إلى تنفيذ مهمته بتدمير أنظمة التشغيل الخاصة بأجهزة الطرد المركزي.

# لبنان # إسرائيل # حزب الله # تقنية

«معركة خلدة»: عن الهزائم التي تلد انتصارات
تل أبيب: قصة الحي الشعبي الذي أصبح قلب إسرائيل
الشابات: كيف نفهم حياة الحريديم في الأراضي المحتلة؟

مجتمع