مجتمع

حاربوه بالشائعات: سلاح أوروبا لضرب شعبية الملك فاروق

طالت الملك فاروق الكثير من الإشاعات بغرض التنكيل بسمعته، سواء كانت من الاحتلال البريطاني أو من أعضاء في النظام الجديد بعد ثورة يوليو، فكيف أثرت عليه؟

future الملك فاروق

طالت الملك فاروق -أثناء حكمه وحتى بعد تركه السلطة- الكثير من الإشاعات، بغرض التنكيل بسمعته، سواء كانت من الاحتلال البريطاني أو من أعضاء في النظام الجديد بعد ثورة يوليو، التي أثّرت بدورها على سمعة عائلته الحاكمة لمصر منذ عهد محمد علي. 

مملكة مصر الإفريقية

مع تمدد حركات التحرر الوطني في دول إفريقيا المحتلة -آنذاك- من بريطانيا، عملت تلك الأخيرة على تقديم صورة الحاكم الوطني لرعاياها الإفريقيين بأسوأ شكل؛ بزعم أن ذلك ما ينتظرهم بعد خروجها، وبخاصة أن الملك كان يمتلك شعبية في جنوب النيل الإفريقي، اكتسبها من بعض الدعم الذي قدمه لتلك الشعوب، مثل تخصيصه بعثة سنوية للطلاب الأوغنديين؛ للدراسة في مصر، أسماها على اسمه في عام 1940، وبادله الأوغنديون برد الجميل حين طالبوه بأن يكون ملكاً لمملكة متحدة توحد أوغندا تحت حكم مصري.

كما كان هناك رغبة ملحة لفاروق في إعادة تكوين مملكة مصرية ممتدة، تضم برقة والصومال وإريتريا والسودان، وصارح بذلك السفير البريطاني في مصر -حينها- مايلز لامبسون، لكن تلك الرغبة عززت من تحركات بريطانيا لتشويه صورة الملك الحالم، ليتم تداول أنباء حول علاقات الملك النسائية ونشرها بين السفراء الأجانب في مصر، كما نقلتها صحيفة الصنداي تايمز اللندنية، ووزعتها عبر الصحف الاستعمارية التابعة لها، مثل تايمز نياسا في مالاوي المستعمرة البريطانية.

إضافة إلى ذلك، بسبب معارضة مصر لمشروع حلف الدفاع الإفريقي، الذي يضمن لبريطانيا ترتيب أوضاعها وتقسيم الأقاليم الإفريقية إلى مناطق يسهل قيادتها، أقامت لذلك بريطانيا هيئة استعلامات في مستعمراتها، تزود الصحف المحلية بأخبار تهدف لتسويقها، وكان الملك فاروق في مرمى انتقادات تلك الصحف، خاصة حين قامت صحيفة picture post في شرق إفريقيا، بنشر تقرير عن رحلة فاروق الصيفية في عام 1950م، واتهامه بالبذخ وامتثاله للعب القمار دون دليل، لدرجة أن المترجم الأوغندي الذي كُلِّف بترجمة التقرير للغات المحلية، شعر بالخجل مما ينقله عن الملك، وذكر أنه في بعض الأحيان كان يضطر إلى تحريف الكلام بسبب بشاعة ما يُكتب.

حملة التشويه تصل إلى جنوب إفريقيا

في مقابل ذلك، قاومت الصحف المصرية تلك المحاولات البريطانية للوقيعة بين مصر والجيران الأفارقة، فبدأت صحيفة الأهرام في الاهتمام بنقل حركات المقاومة في إفريقيا، وتحذير رعايا تلك الدول من ألاعيب بريطانيا ورغبتها في إقامة دولة جديدة لهم في إفريقيا.

ويبدو أن الحملة الصحفية البريطانية لتشويه فاروق وصلت إلى مستعمرة جنوب إفريقيا، ففي خطاب لحسين منصور، القائم آنذاك بأعمال المفوضية الملكية المصرية العامة ببريتوريا، إلى وكيل الخارجية المصرية في الأول من مايو 1952، يشير إلى أن صحيفة Cape Argus، التي تصدر من كيب تاون، نشرت في عددها الصادر يوم 29 أبريل 1952، إشاعة عن حادث اعتداء على الملك فاروق خطط له حزب الوفد للقفز على السلطة، نقلاً عن شركة National Broadcasting Company في نيويورك، ولفت إلى أن المفوضية كذبت تلك الأخبار، ووزعت على الصحف المهمة في جنوب إفريقيا ذلك التكذيب.

حكايات الملك المصري تنتشر حول العالم

انتشرت حكايات الملك المصري في أنحاء العالم، كما أشار إليه السفير عبدالوهاب عزام في خطابه لوكيل الخارجية يوم 28 يونيو 1951، عندما ذكر أن صحيفة Dawn التي تصدر في كراتشي الباكستانية -إحدى المستعمرات البريطانية السابقة- نشرت يوم 27 يونيو أنباء تحت عنوان «فاروق يغني في فندق نابلس»، نقلاً عن مراسل الأنباء الأمريكية بنابولي، حيث اتهمت الملك فاروق بالغناء في مطعم فندق نابلس بالجيتار، والملكة ناريمان تراقبه مبتسمة، بينما تزاحم الناس للتصفيق له، وأشارت إلى أن الملك حجز 70 غرفة للإقامة في فندق Luxury Hotel؛ مما دفع السفارة المصرية هناك للاتصال بالجريدة المذكورة لتكذيب الخبر.

وأثار تأييد الملك لقضايا الدول العربية في شمال إفريقيا، غضب الدوائر الفرنسية، بجانب الإنجليزية والأمريكية، وبخاصة عندما رحب بعبدالكريم الخطابي، الزعيم المغربي الشهير، بصفته لاجئاً سياسياً في عام 1947، إضافة إلى إرساله معونة لتونس في العام نفسه؛ الأمر الذي جعل فرنسا تساند بريطانيا في تشويه صورة فاروق داخل مستعمراتها، كما انضمت لهما إيطاليا، التي خافت من رغبة فاروق في ضم معسكراتها بعد الحرب العالمية الثانية.

ولعل خطاب وكيل وزارة الخارجية إلى المفوض المصري بروما، الذي يفيد بأن الوزارة لاحظت أن بعض الصحف الإيطالية قد نشرت مقالات طالت مصر بالتجريح، ولا سيما عن الشئون الاجتماعية الداخلية، مستشهداً بما نشرته صحيفة «MiIano Di Corriere»، في عددها الصادر يوم 30 نوفمبر 1947 بعنوان «الحمار المصري يتكلف 987 قرشاً في السنة، بينما يعيش العامل المصري بـ800 قرش».

وانتقلت تلك الممارسات، التي استهدفت الملك الشاب، إلى الدول الشيوعية، وذلك عندما نشرت صحيفة Lzgrev البلغارية، المتحدثة بلسان حزب الاتحاد الوطني، يوم الأحد 29 فبراير 1948، مقالاً يدعي وصول عروض أمريكية للملك فاروق، تضمن له وضع ليبيا تحت حماية مصر، ومد مصر بما تحتاجه من قروض، وإجلاء القوات البريطانية عنها، مقابل إشراك أمريكا في إدارة السودان، وموافقة الملك المبدئية على تلك الاقتراحات، على رغم خشيته من رد فعل الشعب المصري ضدها.

أجبر ذلك، الملك، على إرسال تكذيب للخبر، والقول: إن «مصر التي تطالب بجلاء قوات بريطانيا عنها، لا يمكنها أن ترضى باستبدال قوات أمريكية محلها»، مشيراً إلى أن الدافع وراء نشر هذه الأنباء المغرضة في صحف البلاد الشيوعية، مثل روسيا ويوغسلافيا، هو «الإيهام بوجود محالفات تعقدها أمريكا مع دول الشرق الأوسط ضد روسيا من جهة، ومن جهة أخرى سعي تلك الدول إلى تجنيد مؤيدين لفكرها من العمال والفلاحين المصريين».

ردود فعل الملك على الشائعات

انقسم رد الفعل على تلك الإشاعات بين تجاهل من الملك في معظم الأوقات، أو التهديد في بعض المرات برفع قضايا ضد عملية تشويه سمعته، أو تبني موقف غاضب في بعض الأحيان، حيث ظهر هذا عندما نشرت صحيفة الصنداي إكسبريس في 21 مايو 1950 تحت عنوان «فاروق الأحمق»، وتناولت زواج الأميرتين فتحية وفايقة في أمريكا، وحينما احتج وزير الخارجية لدى السفير البريطاني بالقاهرة، واحتج السفير المصري لدى الخارجية البريطانية في لندن، كان رد المسئولين البريطانيين أنهم «لا يملكون اتخاذ أي إجراءات ضد الصحافة»، وهو ما جعل فاروق يصر على اتخاذ إجراء ضد هذا النشر.

ولعل ما حدث في السودان من تشويه لصورة الملك فاروق، يعد خير دليل على أن الحملة ضده قد وصلت إلى ذروتها، بل إن شدتها هناك جعلته يحاول بنفسه وقفها، حيث قدم اعتراضاً لدى السفير البريطاني في السودان (ستيفنسون)، في يونيو 1950، على سماح بريطانيا بنشر فيلم في السودان حول الصعوبات التي يواجهها مع والدته وأختيه فتحية وفايقة.

كان رد السفير على استفسار فاروق عن التساهل البريطاني في ترويج تلك الأخبار عبر دور السينما، بأنه لا توجد رقابة على الأفلام بالسودان؛ مما جعل فاروق يسأله عما إذا كانت حكومة السودان قد تسمح بعرض فيلم عن الإمبريالية البريطانية أم لا؟، بما يدلل على أنه كان مدركاً للدور الذي تلعبه بريطانيا في هذه المسألة، وهو ما جعل السفير البريطاني يكتب لحكومته مطالباً بسحب الفيلم ومصادرته.

أيضاً حين تلقى فاروق طلباً من المستر نويل مونكس، مراسل صحيفة الديلي ميل اللندنية في جنوب إفريقيا، يتضمن رغبته في إجراء حديث معه لنشره في الصحيفة التي توزع اثنين ونصف مليون نسخة، مبرراً أن هدفه من ذلك هو تغيير الصورة السيئة المنشورة عن الملك فاروق في الخارج، إلا أن فاروق رفض إجراء هذا الحديث؛ ما ألمح بأنه يقاطع الصحافة الإنجليزية، ويدافع عن صورته وفق سلطاته المحدودة.

وزارة الخارجية ترُد بقوة

كان دور وزارة الخارجية أقوى في هذا الصدد، وظهر ذلك في مواقف عدة، حين استدعت القائم بأعمال مفوضية جنوب إفريقيا بالقاهرة، وأبلغته بالرفض المصري لعملية تشويه الملك فاروق على صحيفة الراند ديلي ميل، وإعلامه بأن هذا النشر سيكون له أسوأ الأثر في العلاقات بين البلدين، إن لم تتخذ حكومة جنوب إفريقيا الإجراءات اللازمة لمنع تكرار هذا الحادث، ليقدم اعتذاره رسمياً، وأضاف أنه سيرفع هذا الموضوع قاصداً إلى رئيس وزراء جنوب إفريقيا، وسيطلب منه اتخاذ إجراءات شديدة وحاسمة إزاء ذلك.

وتكرر هذا الرفض مع زيارة مدير عام الإذاعة اللاسلكية بجنوب إفريقيا، إذ إن تلك التحركات المصرية أحرجت الحكومة في جنوب إفريقيا التي كانت تعاني من تلك الصحف، ليستقر رأيها على تشكيل لجنة؛ للتحري حول العوامل الخفية التي تسيطر على سياسة الصحف لديها، ما كشف الأيادي البريطانية الخفية وراء تلك الصحف وكتاباتها المهاجمة للملك فاروق.

# ثورة 23 يوليو # الملك فاروق # مصر

«فاروق وسقوط الملكية في مصر»، لطيفة محمد سالم
«سنة من عمر مصر.. تاريخ مصر بالوثائق السرية البريطانية والأمريكية»، محسن محمد
«سنوات مع الملك فاروق.. شهادة للحقيقة والتاريخ»، حسين حسني
محمد محيي الدين رزق، «إفريقيا وحوض النيل»
مذكرات السير مايلز لامبسون، «سلسلة تاريخ المصريين»
أقاموا بالقاهرة ورفعوا علمهم بالإسكندرية: الصليبيون في مصر
كيف أتت الشركة الألمانية بنظام الدوري الجديد؟
هل يمكن للكرة المصرية مواجهة نفوذ الخليج؟

مجتمع