فن

البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو: أن ينقذك كلبك

مراجعة لفيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» الذي جاء عرضه العالمي الأول ضمن اختيارات الدورة الـ81 لمهرجان ڤينيسيا السينمائي الدولي الأعرق في العالم

future مشهد من فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

من ربى كلباً يعرف جيداً كيف هي العلاقة بين كلب وصاحبه، علاقة ربما تجمع بين عدة عناصر، الشهامة والصداقة والأبوة والسيادة في آنٍ. تاريخياً تطورت الكلاب من فصيلة الذئاب، حيث استأنسها البشر، فكانت من أوائل الحيوانات التي تتعاون مع البشر وتفهمهم وتتعلم منهم الكثير وتعيش معهم رحلاتهم. في تاريخ السينما العالمية أيضاً، وخاصة في الآونة الحديثة، رأينا العديد من الأفلام التي تسلط الضوء على الكلاب وقصصهم، وبينها: سبعة كلاب لرودريجو جوريرو، وآموريس بيروس لإيناريتو، وتشريح سقطة لجوستين ترييه، ودوجمان لماتيو جاروني، و«دوجمان» الآخر للوك بريسون، وأحدثها في مهرجان كان الفيلم الصيني كلب أسود لجوان هو.

السينما المصرية والكلاب: مقدمة لا بد منها

رغم ذلك ظلت علاقة السينما المصرية بالكلاب محدودة نوعاً ما، وربما يأتي ذلك من حساسية دينية أو ثقافية نحو الكلاب، فالكلاب في الثقافة العربية موضعها جدلي بين تعبيرها عن شهامة ووفاء أو خسة وخضوع. لكن السبب الثاني وربما الأكثر منطقية هو أن الاعتماد على الحيوانات في التمثيل فيه تعقيد إنتاجي يصعِّب الأمر على صنَّاع الفيلم، ناهيك عن كتابة فيلم يدخل فيه الكلب كشخصية درامية مؤثرة. كل تلك الأسباب جعلت من الكلاب شخصيات هامشية في السينما المصرية، سواء في الشموع السوداء لعز الدين ذو الفقار حيث يلعب الكلب دور صديق البطل، أو في أفلام كوميدية مثل ظرف طارق لوائل إحسان، حيث يعد الكلب محركاً لحدث كوميدي بسيط يعتمد على خوف البطل منه، أو حتى في فيلم كلب بلدي من إخراج معتز التوني، والذي يتربى بطله على يد كلبة فيمتلك بعضاً من صفات الكلاب.

ربما يعد الاستثناء الوحيد لذلك هو الفيلم القصير أحد سكان المدينة لأدهم الشريف، والذي يعتمد على حكي قصة من خلال لقطات تسجيلية لكلاب شوارع تسكن منطقة وسط البلد. هذه مقدمة واجبة لشرح ريادية فيلم خالد منصور الروائي الطويل الأول البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو، الذي تلعب فيه الكلاب أدوار البطولة جنباً إلى جنب مع ممثلين محترفين، وتشارك كأبطال أساسيين في الدراما، تتمحور القصة حولهم، كما تغير تصرفاتهم من مجرى الأحداث.

رامبو وحسن في ليل القاهرة

يدخل عصام عمر، الممثل البازغ نجمه في الدراما المصرية مؤخراً، إلى عالم السينما من خلال دور حسن، الشاب الثلاثيني المطيع لأمه، والعامل بشركة أمن، والذي يعيش دون والده، ويرفض الدخول في أي صراع ويفضِّل الهروب دائماً من أي موقف متطلب للمواجهة. تتعقد حياة حسن وأمه عندما يهددهما كارم، صاحب ورشة الميكانيكا التي تقبع أسفل البيت وهو مالك البيت، ذو شخصية مناقضة تماماً لشخصية حسن؛ إذ إنه مفتول العضلات، يحل مشاكله بأي طريقة كانت، حتى وإن تطلب الأمر ممارسة العنف والقوة ضد أبرياء.

في أحد الأيام، وجراء تفاقم هذا الصراع، يهجم كارم على حسن جسدياً، فيتدخل رامبو دون أمر، ليعض كارم، ويصر الأخير على قتل الكلب، فيتحتم على حسن الخروج في رحلة للإبقاء على كلبه حياً، وربما تكون هذه النقطة هي أول نقطة يشعر فيها حسن بحتمية المواجهة وانعدام الهروب؛ إذ إن الكلب البلدي رامبو ذا العيون الرقيقة والذكاء الحاد هو صديقه الوحيد الذي يشاركه كل شيء، ويخلص كلٌّ منهما للآخر.

هكذا يدفع الكلب رامبو صاحبه لاتخاذ موقف لأول مرة في حياته، لتبدأ رحلتهما في ليل القاهرة، وهما يركبان دراجة حسن النارية، التي تشبه دراجات بائعي الجرائد ذات الكرسي الجانبي. تفاصيل الرحلة لا داعي للكلام عنها قبل عرض الفيلم في مصر ومشاهدته من جمهور عريض، لكن المؤكد أن تلك الرحلة تنجح في خلق مشاعر كثيرة متناقضة، بعضها كئيب وبعضها رقيق لدى المشاهد.

مجازية الكلب هي أحد عناصر الدراما أيضاً، كما تحدثنا في المقدمة فإن الكلاب في الأدب والسينما والفنون بوجه عام تعبر عن معانٍ مزدوجة، والأمر حاصل هنا؛ إذ إن حسن ربما يقترب من مشاعر الخضوع الخاصة بالكلاب، والتي ربما تدفعهم للخنوع دائماً حتى آخر نفَس. ربما يمكن النظر أيضاً إلى شخصية كارم ككلب شرس، لا يخشى شيئاً، ويدفعه خوفه من سقوط هيبته إلى مهاجمة الآخرين قبل أن يهاجموه، عنيف وقوي ككلب بولدوج، لم يجد حناناً فتحول إلى وحش شرس، ويرفض مسامحة الكلب الفعلي في عضة، ويود أن يقتله! ربما تتصرف معظم الشخصيات في الفيلم ككلاب طيبة خاضعة أو كلاب شرسة عنيفة، إلا حسن وكلبه؛ إذ ربما يمثلون نوعاً من كلاب مسالمة لكنها ترفض الخضوع للظلم.

أضواء المدينة الخضراء

ملصق فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»

يبدأ الفيلم في حي شعبي، حيث يؤخذ الحق بشكل عرفي دون وجود لقانون غير قانون القوة الجسدية والقَبلية، في المقابل يعمل حسن في شركة معمارية في الزمالك، حيث يحبه المهندسون وأصحاب الشركة، لكنهم يرفضون إقامة الكلب في المكان، لتظهر صديقة حسن الوحيدة والمقهى الصغير الخاص بها أو بيتها كمساحة آمنة لحسن ورامبو، وترغب هذه الصديقة/الحبيبة السابقة وحدها في أن تنقذ الكلب، بل ربما ترى في تلك المحاولة لإنقاذ رامبو باباً لحسن ينفتح في أن يخلع عباءة الخضوع والانكسار والقبول بالأمر الواقع.

ترينا أجواء الفيلم البصرية ليل القاهرة خاوياً من البشر إلى حد كبير، مشبعاً بأضواء نيونية خضراء وأضواء زرقاء شاحبة تنقل مشاعر الخوف والوحدة، وتجعلنا ربما نرى العالم من عيني حسن وكلبه؛ إذ إن علاقاته بالبشر لا تتعدى عدداً محدوداً منهم، وهو كما تُعرَّف الشخصيات في عالم علم النفس انطوائي أو «داخلي – Introvert» يخفي أكثر مما يُظهر. إلى جانب ذلك، فإن للفيلم جانباً سوريالياً يظهر في مشهد عيد الميلاد أو في المشهد الذي يمنح فيه المخرج «تحية – Tribute» سينمائية لفيلم هو من أكثر الأفلام تعلقاً بالكلاب في تاريخ السينما آموريس بيروس، أو الحب كلب، حتى وإن كانت تلك التفصيلة تقلل من واقعية عالم الفيلم. يقدم الفيلم نوعاً ما من فيلم «نوار – Noir» بظلاله وأجوائه القاتمة التي لا يكسرها إلا لطف العلاقة بين حسن وكلبه، وأداء الكلبين اللذين يلعبان دور رامبو وأداء عصام عمر، الذي اختير للفيلم حتى قبل تقديمه لأعماله المتميزة في عالم الدراما.

إجمالاً، يقدم خالد منصور في فيلمه مشاهد غاية في الحساسية، ويقدم قصة خروج من المراهقة مختلفة؛ إذ إنها لشخص تعدى عشرينياته، لكنها ربما تعبر عن تعقيد لواقع يعيشه شاب وحيد لا يود استخدام العنف، فهو ككلب أليف لن يستعمل القوة حتى الاضطرار، ولكنه حين يصل لذروته يصبح قوياً عتياً لا يتوقف حتى يحصل على حقه. إلى جانب ذلك، فإن الفيلم هو واحد من الأفلام المستقلة التي يمكن أن نتوقع لها نجاحاً في شباك التذاكر، لسهولة وصول قصته إلى جمهور واسع، إضافة إلى أن عصام عمر وركين سعد تصاعدت نجوميتهما بشكل كبير في عالم الدراما في سنوات صناعة الفيلم السبعة.

# سينما # فن # السينما المصرية

بين الحزن والانتظار: فيروزية المشرق ومشرقية فيروز
فيلم «أبو زعبل 89»: عن مصر التي نعرفها
فيلم «The Apprentice»: الحقيقة وراء دونالد ترامب

فن