رياضة

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً

ثناء جوارديولا على المدربين المهددين بفقدان وظيفتهم تحول إلى مزحة، لكنها تخبرنا الكثير عن عمدة كرة القدم الحديثة التي تمثل المستقبل المشرق.

future صورة تعبيرية (جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً)

«سوف ينجح، النتائج قادمة دون شك، يلعب فريقه بشجاعة».

«إذا قررت التخلي عن أفكارك كمدرِّب، سوف يلاحظ اللاعبون، وسوف يدركون أنك لست مؤمناً بها بشكل كامل».

— بيب جوارديولا، المدير الفني لمانشستر سيتي الإنجليزي

كانت التصريحات أعلاه ملخصاً لإجابات جوارديولا على سؤال بشأن رأيه في راسل مارتن، المدير الفني لساوثهامبتون، قبل المباراة التي جمعت الفريقين في الدوري الإنجليزي، بالطبع، فاز مانشستر سيتي.

بعد المباراة، أشاد بيب مجدداً بأسلوب راسل، وشجاعة لاعبيه، وطريقة خروجهم بالكرة من الخلف، لكن جدول ترتيب البريميرليج يشير إلى حقيقة واضحة: ساوثهامبتون يقبع بالأسفل، وراسل مارتن مهدد بفقدان وظيفته.

تحوّلت إطراءات جوارديولا على مدربي الأندية التي تعاني إلى مزحة متداولة بين أوساط المشجعين، إذ أصبح أي ثناء موجه من الإسباني نحو أي مدرب شاب لفريق أصغر نسبياً علامة على اكتساح مانشستر سيتي لهذا الفريق باليوم التالي.

والسؤال إذاً: هل يمكن اعتبار مثل تلك التصريحات مجرد مجاملة من رجل متحقق لآخر قاب قوسين أو أدنى من التعرُّض للطرد؟ أم أنه حين يقول «علينا أن نتعلّم من ساوثهامبتون» يكون بالفعل يعني ما يقوله؟ أم أن هنالك سبباً آخر؟ لنر.

التحوُّل

منذ ظهوره عام 2008، منح جوارديولا خياراً جديداً لأندية كرة القدم التي تبحث عن التعاقد مع مدير فني جديد، إذ أصبح من العادي جداً أن تمنح الأندية  فرصاً للمدربين الشباب، بغض النظر عن سيرتهم الذاتية وحجم النجاحات التي حققوها من قبل.

مع وصوله لذروة مسيرته المهنية، قاد الإسباني ما وصفه ستيڨن تشيكين، كاتب مجلة Four Four Two، بالتحوُّل الثقافي في الطريقة التي تختار بها أندية النخبة مدربيها.

في 2024 على سبيل المثال، ارتبطت أسماء مثل: كيران ماكينا، إنزو ماريسكا، فينسنت كومباني بأندية عريقة كمانشستر يونايتد وتشيلسي، بل إن ماريسكا وكومباني حصلا على وظيفة في تشيلسي وبايرن ميونيخ على الترتيب.

حسب تشيكين، الذي أمضى نحو 15 عاماً في متابعة دوري الدرجة الثانية الإنجليزية «تشامبيونتشيب»، هذه الظاهرة جديدة نسبياً؛ إذ لم تكن أندية النخبة لتُفكر من قبل في التعاقد مع أسماء لم تُثبت نفسها بالفعل في البريميرليج أو أي من دوريات النخبة، ضارباً عدة أمثلة لمدربين شباب قادوا أندية متواضعة في الصعود للبريميرليج دون أن يلتفت لهم أحد مثل: ماركو سيلڤا، ديڤيد ڤاجنر، كريس وايلدر ودانيل فاركيه.

ربما لعبت كثرة فرص العمل الشاغرة دوراً في إقحام أسماء أقل لمعاناً داخل دائرة الضوء، لكن الأكيد أن الاتجاه الرائج حالياً هو البحث عن الأسماء التي تُمثِّل مستقبل اللعبة، ومستقبل اللعبة هنا للمفارقة مرتبط بالأساس بالرجل الذي يثني على من تأثروا بأسلوبه قبل أن يدك شباكهم.

رجال المبادئ

«لقد فزت بـ21 لقباً في سبعة مواسم مستخدماً أسلوبي نفسه، إن لم تنجح طريقتي مع مانشستر سيتي، سوف أعود إلى بلدي».

— بيب جوارديولا

نجح بيب، وتسيَّد فريقه البريميرليج، لكن هذا لم يكن حجم الإنجاز الحقيقي، بل كان الإنجاز هو النجاح دون أن يتخلى عن مبادئه وفلسفته المتعلقة بلعب كرة القدم القائمة على الفعل وليس رد الفعل.

في عالم مواز، كان عشرات المدربين الشباب الذين يعشقون طريقهم بعالم التدريب يشاهدون نجاحات جوارديولا المتتالية، يأمل كل منهم في أن يحظى بتجربة مشابهة.

في مقاله الذي جاء تحت عنوان: «Guardiola effect: how Pep has changed English football beyond the Premier League» تحدَّث دانيل تايلور، محرر ذي أثليتيك، عن الأثر الحقيقي لبيب جوارديولا، إذ ألهم الإسباني الجميع، حتى أندية الدرجات الدنيا الإنجليزية.

في بارو، الذي ينشط حالياً بالدرجة الرابعة الإنجليزية «League Two» حاول إيان إيڤات في 2020 أن يقارع المنطق عبر انتهاج أسلوب اللعب التموضعي. وقتئذٍ، يحكي إيڤات، أن جماهير الفريق لم تستسغ الأمر، خصوصاً وأن السردية الشائعة هي صعوبة تحقيق النجاح بهذا الأسلوب في الدرجات الأدنى، لكن فريق إيڤات نجح، حتى أصبح لقبه «Barrowcelona».

لم تنجح كل التجارب بكل تأكيد، على سبيل المثال، فشل راسل مارتن، مدرب ساوثهامبتون الحالي، في تجربته مع سوانزي سيتي في الحصول على مركز بالنصف الأعلى من جدول ترتيب دوري الدرجة الثانية، كما طرد الهولندي فرانك دي بور المتشبع بأسلوب الكرة الشاملة الخاص بأياكس أمستردام من عمله في كريستال بالاس بعد 77 يوماً فقط.

على كلٍ، يزعم جوارديولا أنه لا يمكنه إطلاق أحكام سلبية على المدربين الذين يقررون أن تنتهج فرقهم أساليب أخرى وإن كانت لا تعبر عن جوهر كرة القدم بالنسبة له، كذلك يفعل تلاميذه.

شيخ الطريقة

حقيقةً، لا تكمن الأزمة في كرة القدم الجميلة أو بالأحرى الحديثة التي تم اختزالها مؤخراً في الأسلوب الذي أعاد جوارديولا تقديمه، وحاول العشرات محاكاته من بعده، لكن الأزمة هي الظروف المحيطة بكل مدرب واختياره لتطبيق أي من أساليب كرة القدم بحثاً عن النجاح.

يقول ماوريسيو بوتشيتينو، المدير الفني الأسبق لتوتنهام الإنجليزي، إن أندية البريميرليج بشكل ما أصبحت عبارة عن نسخ مكررة، لكن في 2014 مثلاً، لم يكن هنالك سوى ساوثهامبتون، الذي أشرف على تدريبه بنفسه فقط من يتبع أسلوب الاستحواذ والضغط العالي، ولأن الرياضة مثل الحياة، كان نجاح جوارديولا الساحق مبرراً كافياً لتقليده.

وبعيداً عن كرة القدم، يمكن تطبيق الفكرة نفسها على معظم الرياضات الجماعية، فمثلاً مع ظهور ستيفن كيري بكرة السلة الأمريكية، طفت على السطح ظاهرة اللاعب القادر على تسجيل الثلاثيات، لكن الأمر لم يتوقَّف عند هذا الحد، بل أصبح عدم امتلاك الفريق للاعب بالخصائص نفسها يعني بداهةً إبعاده عن دائرة المنافسة على لقب الـNBA قبل انطلاق الموسم من الأساس.

في تدوينة بعنوان «Football ideological war: Pep Vs The Tradionalists» يطرح الكاتب، الذي بدا متحيزاً ضد جوارديولا، فكرة تبدو منطقية، وهي أن التشابه الحالي بين الأساليب التي يتبعها المدربون جعل التباين في نتائج المباريات ضئيلاً جداً؛ لأن اللقاءات أصبحت تدور حول نقطة مفصلية واحدة، وهي أي من الفريقين يمكنه اللعب أفضل بالأسلوب، أو بالأحرى أي من الفريقين يمتلك لاعبين أفضل، وهذا بكل تأكيد لا يصب في صالح مدربي الفرق الصغيرة.

لماذا؟ بشكل ساخر، يجيب جوارديولا بنفسه حين يُقر أنَّه يُصدم حين يصنفه البعض كأفضل مدرب في التاريخ، لأنه إن كان كذلك فهذا لأنه يمتلك لاعبين ممتازين وموظف لدى إدارة تمنحه كل الوقت والموارد لتطبيق أسلوبه الخاص، وتلك رفاهية لا يحظى بها كثيرون.

هنا، يمكننا الوصول إلى إجابة عن السؤال الذي طرحناه في البداية، ربما يوجد بالفعل ما يمكن أن يتعلَّمه بيب من رجل يصارع للبقاء في الدوري، لكن هذا ليس السبب الوحيد لمجاملته، فربما يعتقد جوارديولا أنّه شيخ لهذه الطريقة.

أما بالنسبة لأمثال راسل مارتن، فالخسارة أمام سيتي احتمالية قائمة، سواء قام بالضغط أو تراجع، استحوذ أو ترك الكرة، لكن استمراره على النهج نفسه، حتى وإن قاده إلى فقدان وظيفته الحالية، فهو يعني في الوقت نفسه حصوله على فرصة جديدة مستقبلاً، لأنه أحد أتباع «الطريقة الجوارديولية» التي تُمثل من وجهة نظر الأندية مستقبل كرة القدم المشرق.

# رياضة # كرة القدم العالمية # بيب جوارديولا

الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟
الأطفال مرافقو اللاعبين: لأن كرة القدم لا تخلو من البراءة

رياضة