آه، يالَه من نهارٍ حافلٍ! من كان يصدق أن نشهد نهايةً كهذه للموسم الكروي الحالي؟ لابد أننا نحلم!
نحن الآن في سنة 2045. قبل حوالي 20 سنةً من الآن، تحديدًا في موسم 2025-2024 كنّا نظن أن كرة القدم قد جادت بكل ما تملك من متعةٍ وإثارة، ولن يبقَ من جنونها إلا طيفٌ تراه الأجيال الجديدة ولا تجد من وهجهِ الفتّانِ شيئًا، ولن يعقب ذلك إلا الاضمحلالُ والضَجر.
أوَليس هذا ما حدث فعلًا في الخمس عشرة سنةً اللاحقة؟
انتقمَ العملاقُ البافاري من خسارة الدوري أمام ليفركوزن؛ فعزم على استعادةِ حقّه الحصري، وحقق لقب الدوري الألماني لـ 14 موسمًا متتاليًا. عاد زيدان لريال مدريد واضطر وَرثةُ بيريز لإنشاء كابينة ضخمة لكؤوس دوري أبطال أوروبا العشرة التي حصّلها زيزو في ولايته الثالثة فقط، هذا النادي اللعين يحبّ تلك البطولة حقًا! ما زال ليفربول يجرب طُرقًا مختلفةً للحلولِ ثانيًا في ترتيب البريميرليج، تلاميذُ العجوز بيب جوارديولا في كل مكانٍ يغرون لاعبيهم بالحفاظِ على الكرة، والإنجليز ما زالوا يحلمون كل ليلةٍ بعودة كرة القدم إلى الوطن بعد طول غياب!
مع البطولات المستَحدثة، والهيكلِ الجديد لكأس العالم ودوري أبطال أوروبا، تولّدتْ حالةٌ من التُخمة الكروية الشديدة، أعقبها مللٌ وزهدٌ في متابعة أي حدثٍ كروي أو التعامل معه بجدّية. حتى اللاعبون أنفسهم لم يطيقوا استخدامهم كدُمى خشبية، لا تشعرُ بالإرهاقِ والتعب؛ فلجأوا للاعتزالِ المبكّر.
اقترح مجنونٌ كبيرٌ بدرجةِ خبيرٍ كرويّ لدى الـFIFA، تحويلَ مباريات كرة القدم إلى مصارعة حرة. لا يعني ذلك أن يضربَ اللاعبون بعضهم بعضًا؛ فتلك رياضة معروفة اسمها كرة القدم الأمريكية. وإنما أن تدارَ مباريات كرة القدم بنفس طريقة إدارة حلبات المصارعة ومنافساتها.
كان ركودُ اللعبة وانعكاساته الاقتصادية على أصحاب الصناعة من المسؤولين ورؤساء الأندية وأصحاب حقوقِ البث، محفزًا لتناول شطحةِ الخيالِ تلك بشيءٍ من الجديّة الحقيقية. وما حدث على إثرها أن استدعت الفيفا الرئيس الشرفي لـ WWE تريبل اتش, وزوجته ستيفاني ماكمان، للغوصِ في تفاصيل عالم المصارعة الحرة الذي يبدو مجهولًا بالنسبة لهم.
شرحت ماكمان باختصار السرّ وراء استمرار صناعتهم، والذي ورثته عن أبيها:
يبحث الناس عن المتعة، وهذا ما نقدمه لهم بالضبط، لا يُهم بأي طريقة المهم أن يعود الناس لبيوتهم وقد شعروا أن هذا الغرض قد تحقق. لقد أشاع الناس أن المصارعة ليست حقيقية، وهم على حقّ. فنحن من نصنعها، لكننا لا نحب أن نتناولها على هذا النحو، وبدلًا من ذلك نميل لوصفها بالنشاط الذي يتحد فيه المصارعون معًا لتحقيق المتعة للمشاهدين في المقام الأول، عوضًا عن التنافس بشكل حقيقي.
تدخّل تريبل إتش مانحًا حديثه جدّية حقيقيّة: «ليس الأمر ببساطةِ أننا نحدد من يفوز ومن يخسر فحسب. فلدينا قسمٌ كاملٌ من الكُتاب المبدعين والمصارعين القدامى وخبراء الجمهور، يخططون لكل صغيرة وكبيرة تحدث في هذا العرض المستمر الطويل. ولكل لاعبٍ فيه دور، وخلفه حكاية، وعنده طموح ، وضده عقبات، وله أصدقاء وأعداء، كأنها مسرحيةٌ من فصولٍ لا نهائية.»
ابتهجَ الخبيرُ الكرويّ بما سمع، حتى أنه قال: «ما المانع إذن من تطبيق ذلك في كرة القدم؟ أعني أنه إذا كان ريمستريو يمكن أن ينتصر على بيج شو ويهلل الجمهور لذلك، فبالطبع يمكن للنجم الأحمر أن ينتصر على ريال مدريد، ويصبح حديث العالم!»
بدا الحاضرون مقتنعون أيضًا، لكنْ بقيت مشكلةٌ صغيرة: كيف السبيلُ لإقناع الأندية واللاعبين بالمشاركة في تلك الخطة الجريئة، وإقناع الجمهور أن ما يرونه حقيقيٌّ تمامًا لا تدخل لنا فيه؟
«لا تخبرهم ولن يعرفوا!» بتلك البساطة أزال تربل إتش هاجس اعتراض الجمهور، لأنه يرى أن حمَاهُ فينسنت ماكمان قد أخطأ حين صرّح أمام العامة أن ما يجري على حلبة المصارعة ليس منافسةً رياضية حقيقية، هربًا من أعباءٍ ضريبيّة إضافية.
أما في كرة القدم، فما أسهل خداع الجمهور ما دام فريقٌ يهاجم وآخر يدافع!
لم يتوقع المسئولون أن يتحمس اللاعبون لِتلك الفكرة المجنونة، يبدو أنهم حريصون على راحتهم الجسدية والذهنية! لا مزيدَ من الإجهاد غير الضروري، أو الآمال الزائفة، أو الأعباء النفسية؛ فكل شيء معدٌّ سلفًا ولا حيلةَ في المكسب ولا ذنبَ في الخسارة.
بعضُ الأندية كانت لها أشراطٌ خاصة؛ مثل ريال مدريد الذي اشترط أن يتوج ببطولة دوري أبطال أوروبا على الأقل مرةً كل 3 سنوات بحدٍ أقصى، أما برشلونة فقد رهن موافقته بالسماحِ له بأخذ الثأر القديم من بايرن ميونخ، ليفربول كان له شرط غريب، وهو أن يحرز لقب البريميرليغ بفارق الأهداف على حساب مانشستر سيتي، عدا ذلك فقد كان التعاون جديرًا بالإعجاب..والقلق.
وفورًا، تشكلت هيئةٌ رفيعةُ المستوى شديدةُ السريّة، مسئولة عن تحديدِ الشكل الجديد لكرة القدم. ضمت ممثلين للأندية الكبرى وممثلين للأندية الصغرى التي ستكون الحصان الأسود موسمًا بعد آخر.
اقترح ممثل نادي بورتو أن يكون التغيير جذريًا من البداية، وأن يُعاد سيناريو عام 2004، حين ربحت الأحصنة السوداء كل السباقات، عسى أن يُرجِع ذلك الجمهورَ لحظيرةِ الكرة والبطولات مرةً أخرى!
لكن كبير الكُتّاب الإبداعيين لِـWWE المنتدَب لتحسين جودة التجربة، لم يحبِّذ ذلك الانتقالَ العنيف من الواقعية إلى الفانتازيا، ووقف في منتصف قاعة الاجتماع وعرض الأمرَ في حماسٍ على النحو التالي:
«القصة هي كل شيء، ويجب أن تبدأ في الملعب وتنتهي فيه. لابد أن نستثمر الوقتَ في خلق قصص الصعود والهبوط. لِنجعل المباراة الواحدة مليئة بالعقبات والحبكات الدرامية! فلا مانع إن أعدنا لاعبًا من الاعتزالِ ليبدأ ريمونتادا تحقق لفريقه اللقب أو أن يخرج لاعبٌ مصابًا بعد انتهاء تبديلات فريقه، ويعود في آخر الدقائق متحاملًا على إصابته ويتّقي بوجهه كرةً لا تُصدّ. من يكره أن يرى فريقًا مرشحًا للقبِ، يصارع الهبوط؟ من يرفض أن يصبح لاعبٌ منبوذٌ هدافًا لبطولة الدوري؟ تخيَّل، مجرَّدَ تخيلٍ، أن يتوج نادٍ لا يبدأ اسمه بـ«ريال» ولا ينتهي بـ«مدريد» ببطولة دوري أبطال أوروبا؟ سيُحدث ذلك ضجةً كبرى! »
هذا ما نريده، لكن لا نريده الآن. تلك الخطة التي سنجتمع على مدار هذا الموسم لتحضيرها، سنجني ثمارها الحقيقية بعد خمس مواسم، سيُذهلَ الجمهور مما سيرى، وبسهولةٍ تُحيل الخيالَ واقعًا يتبارى الجمهور للدفاع عن صدقه ووجاهته.
كان جمهور الكرة، في كل مكانٍ، مُترقِّبًا ومتفاجئًا ومندهشًا وراضٍ في الوقت ذاته. حالةٌ لم تعشها الجماهير ولم تنتعش معها محطات البثّ منذ عدّة مواسم. بالطبع لم أكن أبالغ حين وصفت نهاية الموسم الحالي بالحلم!
فأي واقعٍ يتوّج فيه بيرمنغهام سيتي بلقب البريميرليج، وهو النادي الذي هبط للدرجات الدُنيا قبل 3 مواسم؟ تلك العودة الدرامية للأخوين بيلينجهام على رأس الجهاز الفني لِإنقاذ نادي الطفولة بل وتتويجه باللقب، لقد كانت إنجلترا كلها تحدّث نفسها من الدهشة!
كان الجنون كلّه يتشكل في إسبانيا، حيث الصراع على اللقب بين أتلتيكو مدريد وإسبانيول. لكن أتلتيكو يواجه برشلونة وإسبانيول يواجه الريال. إن انتصر البلوغرانا؛ فسيُحرز إسبانيول اللقب، وإن انتصر المرينغي؛ فإن أتليتكو مَن سيتوّج باللقب. لو كان هذا «سكريبتًا» مُعدًا سلَفًا، لما أفضى لتلك الإثارةِ في آخر الدقائق!
مُنحت ركلة جزاء للاعب إسبانيول السابق الذي انتقل إلى برشلونة قبل عامٍ واحد؛ لُيسكنها الشباك ويحتفل وحده أمام جمهورِ فريقه الغاضب، ويُتوّج إسبانيول باللقب.
أما في ليالي الأبطال، فقد أوشك ريال مدريد أن يشرب من كأس المرارة الذي أذاقه لخصومه الأوروبيين طوال تاريخه، لكنه –بعد الخروج من نصف النهائي للعام الثاني على التوالي- وبعد التأخر بأربعة أهدافٍ عاد وسجل خمسةً بأقدام لاعبٍ واحد.
لم يعد ذلك النادي يثير دهشةَ أحد!