رياضة

فلورنتينو بيريز: للسلطة أبواب خلفية

فلورنتينو بيريز رجُل قوي لم يلتفت لكونه قصيرًا، ومع ذلك لم يتمكَن من التسامح مع الرفض، بل قرر أن يحصُل على السلطة على طريقته الخاصة.

future فلورينتينو بيريز

كان نابليون بونابرت قصيرًا، مقارنة بنخبة الجنود وكبار المسؤولين والرجال الأرستقراطيين في عصره. وطبقًا لإحدى الخرافات الشائعة، لم تكن السلوكيات العدوانية التي عبَّر عنها بالسعي وراء السلطة والغزو سوى تعويض لشعوره الدائم بالنقص. 

فلورنتينو بيريز، رجُل قوي آخر،  لم يُشعل حربًا بكل تأكيد، وربما لم يلتفت لكونه قصيرًا مقارنة بأبناء جلدته، ومع ذلك لم يتمكَّن من التسامح مع الرفض، بل قرر أن يحصُل على السلطة، النفوذ والأموال، لكن على طريقته الخاصة. فما القصة؟

أكثر ما أحببته دائمًا هو السياسة. إنه المكان الذي تملك فيه القوة لتغيير العالم. لم أستمر فيها لأنهم طردوني. كوني رئيسًا لريال مدريد هو أقرب شيء وجدته.
فلورنتينو بيريز، رئيس ريال مدريد.

إسبانيا التي تدار بالهاتف

عمل الإسباني بسنواته الأولى بعد التخرُّج في كلية الهندسة في الحكومة، حيث تنقَّل بين عدة وظائف وأسندت إليه مهمة الإشراف على عدّة مشاريع تابعة لوزارة النقل والأشغال العامة. نحن هنا، نتحدَّث عن مهندس ذكي، امتلك في بداية مسيرته المهنية علاقات جيِّدة مع مسؤولين بمجلس مدينة مدريد بسبب طبيعة وظيفته، لكنّه لا يزال بعيدًا تمامًا عن القمة. 

يُقال إنّه حتى تفهم قصة صعود رجال مثل فلورنتينو بيريز عليك أن تدرُس إسبانيا، تحديدًا إسبانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية. والسبب في ذلك هو أنّ إسبانيا كانت البلد الأوروبي الوحيد الذي لم تتم الإطاحة بنظامه اليميني الفاشي، الذي حاول تدارُك الموقف عبر إعادة بناء اقتصاده على الطريقة الرأسمالية. 

مع وصول اليميني «خوسيه ماريا أثنار» لرئاسة الوزراء عام 1996، اتضحت رغبته في تصعيد طبقة برجوازية جديدة، تكون بمثابة الأوليغارشية التي يرعاها الحزب الحاكم، وتعتمد عليه. 

في هذه الأثناء، كان بيريز بالفعل قد وصل للقمّة، حيث استفاد من موجة الخصخصة، وأصبح قائدًا لشركة البناء «ACS» بدعم من عائلتي «مارش» و«ألبرتوس» المحسوبين على نظام فرانكو. ومنذ هذه اللحظة، وعلى مدار العقود التالية، استفادت «ACS» مثل باقي تكتلات البناء الجديدة من سخاء اليمين الإسباني الحاكم الذي ضمن لها الحصول على عقود التشغيل العامة دون منافسة تُذكر والائتمان من خلال بنوك الادخار الإقليمية «Cajas».

هذه الشبكة المُعقَّدة من العلاقات دفعت «فلورنتينو» للعودة مجددًا لمطاردة هوسه بالنفوذ، الذي ارتأى أنّه يتمثَّل في رئاسة ريال مدريد. وبعد محاولة غير ناجحة في 1996، وصل بيريز بالفعل لرئاسة ريال مدريد عام 2000. لم يَكن «لويس فيجو» كلمة السر في هذه القصة كما تعتقد، بل شبكة المحسوبية التي يمتلكها «القرش» كما تلقبه جماهير النادي الملكي.

ديمقراطية ولكن

هذه أكبر فضيحة رياضية للديمقراطية.
الصحفي الإسباني خوسيه ماريا غارسيا. 

في كتابه «طريق ريال مدريد» The Real Madrid Way، يحكي ستيفن مانديز اكتشاف بيريز حقيقة ديون ريال مدريد خلال فترة الرئيس السابق لورينزو سانز. لذا كان عليه أن يضمن الوفاء بالعهد الذي قطعه باستقدام «لويس فيجو» من برشلونة، مع إيجاد حَلٍ لأزمة الديون، التي وصلت طبقًا لشركة المراجعة المالية التي استأجرها، لحوالي 150 مليون يورو. 

كان الحل هَندسيًا بالطبع، باع بيريز قطعة الأرض التي بُني عليها مقر تدريبات النادي القديم في منطقة لا كاستيانا، التي كانت عبارة عن منحة للنادي من النظام الفرانكوي على ألا تستخدم لأغراض ربحية مقابل 500 مليون يورو. وفي نفس الوقت، حصلت شركة «ACS»، التي يرأسها بيريز نفسه، على عقد يضمن لها المشاركة في عملية إعادة التخطيط العمراني للمنطقة وتحويلها لحي مالي فخم، يتوسطه أربع ناطحات سحاب. صفقة غريبة صحيح؟ 

وقتئذٍ، رفض خوسيه ماريا ألڤاريز ديل مانزانو، عمدة مدينة مدريد المُقترح بشكل قاطع، بل إنّه طبقًا لتسريبات El Confidencial الإسبانية قال إن هذا المقترح لن يُمرر سوى على جثته، لكنّه في النهاية رفض بعد مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء يأمره خلالها بالتوقيع بالموافقة. 

بحسب إندبندنت البريطانية، أثارت هذه القصة شكوك الاتحاد الأوروبي، الذي بعث للحكومة الإسبانية استجوابًا للتساؤل عن سبب شراء قطعة الأرض، وبأي سعر. لكن الأمر برُمته دُفن تحت التراب، لأن إعادة التقسيم العمراني كان يعني ارتفاع سعر الأرض بشكل جنوني، مما يجعل شراءها -المشبوه- من قبل مجلس المدينة بهذا السعر منطقيًا.

لا يمكن تغيير جغرافيا المدينة لدفع ديون نادي كرة قدم. نحن هنا نتحدَّث عن شخص قوي لدرجة تجاوز لوائح التخطيط الحضري التي يتم التفاوض عليها ديمقراطيًا لأجل مصالحه الخاصة.
ماتيلدا فيرنانديز، المتحدثة باسم الحزب الاشتراكي في مدريد

نجحت فكرة بيريز تجاريًا، ووضع الجالاكتيكوس النادي في منطقة بعيدة عن منافسيه، لكنه لم ينجح رياضيًا بكل تأكيد، ليعود بيريز مرة أخرى في 2009، وتعود شبكة العلاقات المُعقَّدة مجددًا في الظهور. 

هنا تحديدًا، يظهر اسم «ميجيل بليسا»، الرجل الذي أدين في إحدى أكبر قضايا الفساد بإسبانيا عام 2017، الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير بنك الإدخار الإقليمي في مدريد، والصديق المقرَّب من رئيس الوزراء أثنار.

عند بداية الولاية الثانية لبيريز، كانت إسبانيا قد تضررت بالفعل من الأزمة الاقتصادية العالمية، 

لكن  بليسا كان لا يزال وفيًا لعهد «حلم أثنار» الذي جعله مُمولًا رئيسيًا لابن الحزب المدلل، بداية شراء ملايين الأسهم في «ACS»، كي يصبح بيريز صاحب أكبر نسبة أسهم بالشركة (13%)، وصولًا لمنح النادي قرض وصل لـ76 مليون يورو في ذروة الأزمة الاقتصادية عام 2009 لاستقطاب كريستيانو رونالدو وكاكا، في لحظة كانت الحكومة الإسبانية بالفعل قد جمدّت فيها الائتمان للغالبية العظمى من الشركات.

«أغيثونا»

لا توجد مؤامرة فساد أو احتيال أو تمويل غير قانوني لا يظهر فيها اسم فلورنتينو بيريز.
فونسي لوايزا مؤلف كتاب «فلورنتينو بيريز: قوة الصندوق». 

يبدو التصريح أعلاه زعمًا عريضًا، يتهم الرجل الذي يُنظر له كأنجح رئيس ناد في العصر الحديث بأنّه فاسد صراحةً. لذلك، دعنا نختبر هذه الفرضية. 

ربما جال في ذهنك سؤال بديهي أثناء رحلتك معنا وهو ما المقابل الذي يدفعه بيريز كي يحصل على كل تلك المميزات؟ 

في 2014، تم القبض على 51 سياسيًا، موظفًا ورجل أعمال لتورطهم في فضيحة «Punica Caso»، بعد شكوك حول تلاعب باشتراكهم في مخطط منح عقود خدمات عامة بقيمة 250 مليون يورو، في مقابل عمولة تصل لـ3% من قيمة هذه العقود.

كان فلورنتينو بيريز، أحد من طلبتهم المحكمة للشهادة في هذه القضّية، حيث اتضح أن ريال مدريد كان قد دفع نحو 300 ألف يورو على مدار عامين لشركة يرأسها أحد المتهمين الرئيسيين في هذه القضية والمنتمي للحزب الشعبي المسيحي اليميني «PP».

في شهادته، أوضح بيريز أنّ هذه المدفوعات تمت بالفعل، لكن مقابل خدمات رقمية تقدمها شركة يملكها نفس الرجُل. في هذه اللحظة، اندهش القاضي؛ لأن الشركة التي تُقدِّم خدمات لناد بحجم ريال مدريد مكونة من 10 أفراد فقط. والأكثر إثارة للدهشة حدث بعد ذلك بعام تقريبًا، حين وقَّع ريال مدريد عقدًا مع شركة «مايكروسوفت» العالمية لتقديم الخدمات الرقمية مقابل 10 أضعاف هذا الرقم.

ليست هذه هي المشكلة الوحيدة، لكن بمحاولة فهم ماهية الخدمات الرقمية التي قدمتها هذه الشركة، اتضح أنها كانت عبارة عن إنشاء موقع جماهيري هدفه تحسين صورة رئيس النادي في أوساط المشجعين وتلميع قراراته وأحيانًا وضع الضغط على مدرب الفريق لإشراك أو استبعاد لاعبين بعينهم أو صب الضغط على الحكام.

في إسبانيا، لا يجرؤ أحد على انتقاد ريال مدريد، شركة تيليفونيكا، وبنك سانتاندير.
مايكل ريد، كبير محرري The Economist في أمريكا اللاتينية وإسبانيا

يعتقد فونسي لوايزا، الرجل الذي كتب الكتاب الوحيد غير الخاضع لرقابة بيريز، أنّ السر في صعوبة اتهام بيريز بأي شيء، وبغض النظر عن شبكة علاقاته المتشعبة، هي أنه رجل يعرف إسبانيا جيدًا، يفهم مخاوف الناس من البطالة ويمتلك القُدرة الكاملة على إنهاء المسيرة المهنية لأي صحفي يجرؤ على انتقاده.

بصيغة مشابهة، يؤكد ميجيل ديلايني، صحفي «إندبندنت» البريطانية على نفس الفكرة، وهي أن الصحفيين المحليين الإسبانيين يطالبون الصحافة الأجنبية بانتقاد بيريز، مثلما حدث في قضيّة السوبر ليج كمثال، ببساطة «لأنهم لا يستطيعون فعل ذلك».

فلورنتينو بيريز أحد غير القابلين للمساس.
ديفيد خيمينيز، مؤلف كتاب «The Director».

في النهاية، دعنا نفترض أن كل ذلك محض إشاعات، وأن بيريز رجل لم يخطئ ولو لمرة، هل كان ريال مدريد ليحظى بهذا الهدوء دون وجود رجل كهذا؟

طبقًا لأحد المصادر لـ«ذي أثليتيك»، رحيل بيريز عن النادي أشبه بالخيال العلمي، لا يوجد مُجرَّد تصور لطريقة إدارة النادي في حال عدم وجود الرجل الذي لم يتقبَّل عدم حصوله على القوة بتصويت المواطنين، فانتهى به المطاف كأحد أقوى رجال إسبانيا؛ فقط لأنه -بحسبما يزعم- رئيسًا لريال مدريد، لكن الحقيقة هي أننا لم نرَ رئيسًا لريال مدريد بمثل هذه القوة.

# كرة القدم # الكرة الأسبانية # ريال مدريد # الإدارة الرياضية # بروفايل

ليسوا جميعاً إيتو ودروجبا: كيف تتبخر أحلام الاحتراف الأفريقي في أوروبا؟
مَن الذي أغضب روي كين؟
جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً

رياضة