مجتمع

وقف إطلاق النار: آمال مرتفعة على اتفاق هش

يدخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ، فما أبرز بنوده، وكيف ستكون تداعياته على المنطقة؟

future رجل يلوح بعلم لبنان أثناء وقوفه وسط مبنى دمره قصف إسرائيلي في لبنان بعد دخول وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيز التنفيذ يوم 27 نوفمبر 2024. (رويترز)

بعدما يزيد على العام من تبادل الضربات الصاروخية والطلعات الجوية بين إسرائيل وحزب الله، قرر الطرفان التوافق على صيغة لوقف إطلاق النار. حرب قتلت من الجانب اللبناني ما يزيد على 3700 فرد، غالبيتهم من المدنيين، وأجبرت أكثر من 1.5 مليون لبناني على النزوح. كما قتلت بالتأكيد من الجانب الإسرائيلي، لكن في ظل حالة التعتيم الشديدة التي تفرضها الرقابة العسكرية لا يعرف أحد الرقم الفعلي لقتلى هذه الحرب سواء من الجنود أو من المستوطنين. بينما المؤكد أن مستوطنات إسرائيل على الحدود مع لبنان قد أُفرغت بشكل شبه كامل.

لا تختلف النار المشتعلة بين حزب الله وإسرائيل عن غيرها من النيران التي تشتعل في باقي المنطقة، جراء الحرب التي تخوضها إسرائيل على قطاع غزة. مما يجعل هذا الاتفاق ذا أهمية للمنطقة كلها، لا لأطرافه فحسب، فالجميع يترقب منه شيئاً.

 دخل الاتفاق حيز التنفيذ مع الساعات الأولى من صباح الأربعاء 27 نوفمبر الجاري. حتى هذه اللحظة يبدو الجانب الإسرائيلي الرسمي أكثر ابتهاجاً بالاتفاق، ويستمر في الإعلان أنه دخل لطاولة المفاوضات من منطلق القوي الذي فرض شروطه. هذا الشعور، وتلك المزاعم الإسرائيلية، تدعمها مواقف تقوي المنظور الإسرائيلي للانتصار في هذه الجولة من الحرب. فقد استطاعت إسرائيل في هذه الجولة اغتيال كبار قادة الحزب، على رأسهم حسن نصر الله، الزعيم التاريخي للحزب، ومعه كامل قيادات الصف الأول والثاني. كما تُعد أبرز الهجمات التي ستظل إسرائيل تتحدث عنها طويلاً هي هجمة تفجير أجهزة النداء اللاسلكي في أيادي اللبنانيين، منهم بالتأكيد من هو في صفوف حزب الله. لتكون تلك الضربة بجانب الأذى العسكري مؤذية لسمعة الحزب نفسها.

على الطرف الآخر يقول حزب الله أيضاً، إنه قبل الاتفاق من منطلق الند المقاوم، لا الخصم المهزوم. فقد استمر الحزب في قصف إسرائيل بمئات الصواريخ على مدار الأشهر الماضية. كما أن قواته أبطأت الاندفاع الإسرائيلي في اقتحام لبنان. وأن الحزب استطاع لملمة صفوفه سريعاً، والثبات في الميدان.

اتفاق يستند إلى الماضي

قد يختلف الطرفان حول تعريف موقعهما من المعركة الدائرة، لكن المؤكد أن كلا الطرفين وافق على الاتفاق. مما يعني أن الطرفين يريدان منه شيئاً، حتى لو بعض الراحة وترتيب الأوراق، أو أن كل طرف يرى نفسه قد انتصر في جولته الحالية. لكن ما يحدد فعلاً من الذي دخل للمفاوضات بمنطق القوي هي الشروط التي يُصاغ منها الاتفاق، ومعرفة من اليد الطولى في النهاية، ومن صاحب اليد القصيرة.

الاتفاق يدعو بوضوح إلى وقف إطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي خلال فترة زمنية لا تزيد على 60 يوماً. كما يلتزم حزب الله بالانسحاب من مناطق، يمكن وصفها بالشاسعة تصل إلى 40 كيلومتراً، من جنوب لبنان. في المقابل، لن تنفذ إسرائيل أي عمل عسكري هجومي ضد أهداف في لبنان، سواء على الأرض أو في الجو أو في البحر.

الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الإسرائيلي، وتراجع قوات حزب الله، من المفترض، وفقاً للاتفاق، أن يمتلأ بآلاف من أفراد الجيش اللبناني، وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، قوات اليونيفيل. وستكون الولايات المتحدة رئيسة للجنة تشرف على التزام كل الأطراف بأدوارها المحددة التي منحها الاتفاق. كما يعود قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 الذي أنهى آخر حرب شاملة بين البلدين في 2006، للواجهة ليكون أساس الاتفاق الراهن.

كذلك ستكون قوات الأمن والجيش اللبناني الرسميين هي الجهات المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو تشغيل القوات في جنوب لبنان. وسيتم الإشراف على بيع الأسلحة أو توريدها أو إنتاجها أو المواد ذات الصلة بالأسلحة في لبنان من قبل الحكومة اللبنانية. بجانب تفكيك جميع المنشآت غير المصرح بها المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة بالأسلحة. علاوة على تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها التي لا تتوافق مع هذه الالتزامات.

بنود غير مكتوبة

لكن لا يبدو أن كل ما تم الاتفاق عليه جرى كتابته. فالجانب الإسرائيلي يصر على جملة حق إسرائيل في التصرف حال أخل حزب الله بالاتفاق. لكن اللبنانيين رفضوا كتابة هذه الجملة في الاتفاق. لكن رسالة الضمانات الأمريكية لإسرائيل شملت هذا الحق بشكل غير مباشر، في أنه إذا كان الخطر الذي يراه الإسرائيلي يُعد فورياً فيحق له التصرف لحظياً. هذا الأمر ليس وحده الذي يخضع للتقييم الإسرائيلي، لكن حتى الالتزام بالاتفاق يبدو خاضعاً للتقييم الإسرائيلي فعلياً، فقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس، بأنه إذا لم تر إسرائيل تطبيقاً فعالاً، على حد وصفه، فسترد بضرب حزب الله.

هذه التصريحات المتعنتة من الجانب الإسرائيلي، مع غياب مثلها من الجانب اللبناني، تجعل الاتفاق يبدو كأنه استسلاماً. خصوصاً أن المُعلن طوال الفترة الماضية، على لسان الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله، هو أن الحرب لن تتوقف إلا بإيقاف الحرب على قطاع غزة، وأن الساحات مرتبطة بين الجبهتين. لكن في أيام معدودة تلاشت وحدة الساحات، وقبل حزب الله باتفاق خاص به، دون أن تُذكر غزة في البنود المكتوبة أو الشفهية.

وتلك هي النقطة الأبرز التي صرح بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن الاتفاق يقضي على فكرة وحدة الساحات، ويجعل إسرائيل تركز على جبهة واحدة، هي جبهة غزة.  مما يعني أن غزة باتت وحدها حالياً في مواجهة التوحش الإسرائيلي. وفي غياب الاكتراث الإسرائيلي بورقة الأسرى التي تفاوض بها حماس، كذلك لا مبالاة نتنياهو تجاه المجتمع الدولي، تجعل من الاتفاق الحالي سبباً من أسباب التشاؤم نحو مصير غزة، لا العكس.

النقطة التي يعول عليها المهتمون بالشأن الفلسطيني هو أن يؤدي هذا الاتفاق إلى تعمق الانقسام الداخلي الإسرائيلي، خصوصاً مع وجود عديد من القوى الداخلية الإسرائيلية الرافضة لهذا الاتفاق. ومع تهديد سكان الشمال بعدم العودة لمنازلهم، واتهامهم للحكومة أنها لا تراهم، ولا تعرف حقيقة الوضع في الشمال. ربما يكون هذا السيناريو هو الأكثر تفاؤلاً في ما يتعلق بغزة، واحتمالية استفادتها من هذا الاتفاق، ومن تركها وحيدة.

أسباب التوتر لا يعالجها اتفاق واحد

 وحتى إذا نظرنا للمنطقة كلها فإن تداعيات هذا الاتفاق الذي يصفه الأمريكيون بالتاريخي، قد لا تكون تاريخية، أو على قدر الآمال المعقودة عليها. لأن جذور التوتر ضاربة في المنطقة منذ عقود، ولأسباب هيكلية قوية، ليست لمجرد تبادل الرشقات الصاروخية بين طرفين. كما أن التنافس الإقليمي بين إيران وإسرائيل، عبر عدة وكلاء بجانب حزب الله، يجعل التهدئة بين إيران وإسرائيل مرتبطة بسياق أوسع من مجرد حزب الله فقط.

كذلك فإنه في الحالة التي تعيشها القضية الفلسطينية حالياً من انسداد أفق واضح لحل للمأساة الفلسطينية، وإدراك الفلسطيني أن حل الدولتين لم يكن سوى مناورة استمرت عقوداً، فإن ذلك يقلل من أهمية أي اتفاق أحادي، أو من جدواه في إحداث تهدئة حقيقية ومستدامة. لذلك فإن الاتفاق لن تأتي أهميته من بنوده أو إيقافه الحرب الحالية، بل يجب أن يكون الاتفاق مفتاحاً لمزيد من القنوات الدبلوماسية لحل القضايا الشائكة الأخرى، وأبرزها الوضع المأساوي في غزة.

خصوصاً وأن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها قد باتت أقل موثوقية لدى العالم، والشرق الأوسط تحديداً، وأنها شريكة في حرب إسرائيل الحالية، لذا لا يُتوقع أن تكون ضامنةً أمينةً للاتفاق. خصوصاً أن الاتفاق يمنحها صلاحيات واسعة مثل التزامها بالتعاون مع إسرائيل لكبح أنشطة إيران المزعزعة في لبنان، بما في ذلك منع نقل الأسلحة أو أي دعم من إيران. واعترافها رسمياً بحق إسرائيل في الرد على التهديدات القادمة من الأراضي اللبنانية، دون تسمية نوع هذه التهديدات، أو وضع ضوابط لما يمكن أن يُسمى وفقاً للاتفاق دعماً من إيران.

تلك الأسباب تجعله اتفاقاً هشاً مكتوباً على الجليد، كما وصفه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، لذا فالاتفاق نفسه قد ينهار في أي وقت، حتى بعد ساعات من دخوله حيز التنفيذ، لذا من الصعب التنبؤ بأن يكون هو نفسه نقطة انطلاق لما هو أبعد.

# لبنان # بيروت # إسرائيل # حرب لبنان # حزب الله # طوفان الأقصى

جورج إبراهيم: أقدم سجين في العالم فداء لفلسطين
«معركة خلدة»: عن الهزائم التي تلد انتصارات
تل أبيب: قصة الحي الشعبي الذي أصبح قلب إسرائيل

مجتمع