بعد تدمير الهيكل الأول في عام 586 ق.م شهد المجتمع اليهودي في فلسطين التاريخية وتحديداً في مملكة يهودا تحولات عميقة، إذ برز الكهنة كقادة روحيين، وبعضهم تمكن من الحصول على نفوذ سياسي بفضل الدعم الذي تلقوه من الحكام الأجانب، ومع ذلك، لم يكن هذا النفوذ موحداً، وكانت هناك صراعات داخلية بين الفصائل اليهودية، وفي سياق هذه الصراعات، فر أونياس الرابع، أحد الكهنة البارزين، إلى مصر بعد مقتل والده أونياس الثالث الذي كان رئيس الكهنة، إذ استمرت الكهانة في هذه الأسرة لفترة طويلة من الزمن بالوراثة.
قرار الفرار الذي اتخذه أونياس الرابع كان مدفوعاً بمجموعة من العوامل، منها الخوف على حياته، وربما الرغبة في بناء قاعدة قوة مستقلة مدعومة ببناء هيكل جديد في مصر، استناداً على تفسيره الخاص لنبوءة إشعياء في الإصحاح 19 بأنه سيبنى مذبح للرب وسط أرض مصر، الأمر الذي أثار جدلاً بين اليهود بسبب الرأي الغالب بأنه محرم على اليهود وفقاً للنص التوراتي بناء أي هيكل خارج أورشليم.
نحو عام 270 قبل الميلاد، أصبح الكاهن الأكبر في أورشليم (التي كانت في عائلة أونياس) يمتلك صلاحيات سياسية وإدارية من منطلق زعامته الدينية، إضافة إلى رؤساء العشائر في المدن الأخرى، ونظراً لعراقة القدس فقد كان الهيكل يمثل مركزاً للحياة الدينية والاجتماعية، وأقام بها عدد كبير من الكهنة، وعلى إثر ذلك تكونت أسرة طوبيا من الكتبة القائمين على تفسير القوانين الكهنوتية، والتي كانت في نزاع مباشر مع أسرة أونياس، إذ كان أونياس يفضل البطالمة في مصر، والأسرة الأخرى تفضل السلوقيين في سوريا، وكانت فلسطين محل نزاع مباشر بين السلوقيين والبطالمة، وفقاً لكتاب «اليهود في فلسطين في العصرين البطلمي والسلوقي - المكابيون: دراسة في الناحية الدينية والسياسية» للدكتور هاني عبد العزيز جوهر.
ويحكي يوسيفوس فلافيوس المؤرخ اليهودي في كتابه «حروب اليهود»، وهو أقدم المصادر التي تشير إلى وجود هذا الهيكل في مصر، أن هذا النزاع انتهى بمقتل أونياس الثالث، الأمر الذي أدى إلى هجرات كبيرة لليهود من فلسطين إلى مصر وعلى رأسهم أونياس الرابع، بحسب موسوعة «مصر القديمة» للدكتور سليم حسن، وموسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية»للدكتور عبد الوهاب المسيري.
تشير أغلب المصادر إلى أن أونياس الرابع كان يرغب في اكتساب الشهرة والمجد الأبديين إضافة إلى الانتقام من الذين تسببوا في نفيه؛ لذلك كتب رسالة إلى الملك بطليموس والملكة كليوباترا يطلب فيها منهما السماح له ببناء هيكل في مصر على غرار الهيكل في أورشليم، وتعيين كهنة من جنسه، وجاء في هذه الرسالة: «لقد قدمت لكما خدمات كثيرة وجليلة خلال الحرب (يقصد حرب البطالمة في سوريا وفينقيا)، بمساعدة الله، وعندما جئت مع اليهود إلى (ليونتوبوليس)، وجدت أن معظمهم لديهم معابد، خلافاً لما هو مناسب، لذلك أرجو منكما أن تسمحا لي بتطهير هذا الهيكل، الذي لا يخص أحداً وهو في حالة خراب، وبناء هيكل لله تعالى على شاكلة ذلك الذي في أورشليم وبنفس الأبعاد، نيابة عنكما وزوجتكما وأولادكما، حتى يتمكن اليهود المقيمون في مصر من التجمع هناك في وئام متبادل وخدمة مصالحكما، وهذا هو ما تنبأ به النبي إشعياء: «سيكون هناك مذبح في مصر للرب الإله».
تشييد الهيكل كان في ليونتوبوليس بالقرب من هليوبوليس (حي عين شمس حالياً)، ويسمى موقعه الحالي تل اليهود مكان معبد مصري للإلهة باشت، ورغم تشكيك البعض في وجود هيكل أصلاً لليهود بين المصريين، فإن المسيري يشير إلى أنه كان هيكلاً مركزياً لإقامة العبادة القربانية، وكان الهدف من بنائه أن يحل محل هيكل فلسطين، وليس معبداً، لكن الشكل أثار خلافاً كبيراً؛ إذ يشير البعض إلى أنه بني على شكل الهيكل في أورشليم، والبعض الآخر يشير إلى أنه لم يكن يشبه الهيكل الأورشليمي.
الرأي الأخير يقول إنه بني على شكل البرج، والحجارة الضخمة وبلغ ارتفاعه 60 ذراعاً، لكن المذبح بني على غرار المذبح في أورشليم، وزين الهيكل بقرابين مماثلة، باستثناء شكل الشمعدان، وفقاً لورقة بحثية بعنوان «هيكل ثان في مصر: الدليل على وجود هيكل أونيا الصدوقي» للدكتورة جوان إي تايلور المؤرخة النيوزيلندية المتخصصة في الدراسات المسيحية واليهودية، التي تشير إلى أنه «بدلاً من أن يبني أونياس هيكلاً، كان لديه مصباحاً مصنوعاً من الذهب يشع ضوءاً ساطعاً، وكان معلقاً بسلسلة ذهبية، وكانت الأماكن المقدسة محاطة بالكامل بجدار من الطوب المحروق، وكانت الأبواب حجرية»؛ وإضافة إلى ذلك يتحدث المؤرخ اليهودي يوسيفوس أن هيكل أونياس كان أصغر وأفقر.
لكن المسيري يؤكد أن هيكل أونياس لم يكن معبداً وإنما كان هيكلاً مركزياً لإقامة شعائر العبادة، وكان الهدف هو إحلاله محل هيكل فلسطين، كما كان اليهود في مصر يقدمون فيه القرابين ويحجون إليه، ورغم أن أقلية من يهود مصر اتخذت موقف المعارضة من هذا البناء الجديد، فإن بعض حاخامات اليهود أبدوا اهتماماً خاصاً به ودرسوا شعائره وهو ما يعني اعترافاً ضمنياً به، ولكن الرأي الحاخامي الشائع هو رفضه لأنه كان يشكل منافسة للعبادة القربانية.
ورغم كل ذلك؛ فإن هناك رأياً ثالثاً يشير إلى أن بناء الهيكل لم يكن بدافع منافسة هيكل أورشليم، أو إنشاء مكان للعبادة ليهود مصر، بل إنه كان جزءاً من تأسيس مستعمرة عسكرية؛ لذلك فإن الأمر لم يتخط كونه معبداً عادياً ككل المعابد الي كانت موجودة في مصر لليهود في ذلك الوقت، وربما يفسر ذلك غياب أي ذكر مفصل له في الأدب العبري الهلينستي، بحسب ما يشير الحاخام حاييم ماكيرنوفيتس، في ورقة بحثية بعنوان «الثنائيات وهيكل أونياس» في كتاب صادر عن الأكاديمية الأمريكية للدراسات اليهودية.
يشير هاينريش جراتس، أحد أوائل المؤرخين الألمان الذين كتبوا عن التاريخ اليهودي، إلى أن اليهود في فلسطين استاؤوا من بناء هيكل أونياس في مصر، لكنهم لم يفعلوا شيئاً حياله، لأنه وفقاً لوجهة نظره فإن الأوان قد فات، وترسخت جذور الهيكل في مصر، أو بالأحرى أن الكهنة في ذلك الوقت رأوا أن هيكل أونياس بني وفقاً لأحكام الشريعة اليهودية، رغم أنه وفقاً للتوراة يحرم على اليهود بناء هيكل خارج أورشليم.
لكن الأثري الألماني إرنست هرتسفلد يوضح أن الهيكل لم يكن له أتباع كثيرون قط، حتى بين اليهود المصريين، باستثناء أولئك الذين عاشوا في جواره المباشر؛ وأن الأمر برمته لم يكن أكثر من شأن شخصي من جانب أونياس؛ وأن الهيكل كان في الواقع بلا أي تأثير، وظل مجهولاً تقريباً.
وبحسب البروفيسور صاموئيل أبراهام هيرتش (1843-1923) في ورقته البحثية «هيكل أونياس»؛ فإنه «لا شيء يبرهن بوضوح على عدم أهمية هيكل أونياس حتى بالنسبة لليهود في مصر، أكثر من الصمت التام الذي التزمه جميع الكتاب الهلنستيين باستثناء يوسيفوس؛ حتى مع وجود تلميحات في مصادر أخرى لكن دون أساس»، وهو الرأي الذي يؤكده الحاخام أرائيلبريش، في ورقته البحثية بعنوان «معابد يهودية في مصر» حيث يشير إلى أن«هناك عدة تفسيرات لمسألة الصمت هذه أبرزها يزعم أن «هيكل حونيو كان معبداً محلياً لأهل أرض التي أقيم عليها، بينما بقية يهود مصر بما فيهم يهود الإسكندرية المجاورة رفضوا الاعتراف بشرعية هذا الهيكل».
المؤرخ اليهودي يوسيفوس المذكور آنفاً وفقاً لكتابه «حروب اليهود» فيشير إلى أن أونياس بيّت النية للصراع مع اليهود في أورشليم، ولم يستطع أن ينسى السخط الذي شعر به بسبب نفيه من هناك؛ وبناءً على ذلك، فقد اعتقد أنه ببناء هيكله سوف يجتذب عدداً كبيراً من يهود أورشليم إليه.
لكن هيرتش يشير إلى أن اليهود المصريين لم يحيدوا أبداً عن ولائهم للهيكل في القدس، كما يروي أيضاً المؤرخ اليهودي يوسيفوس عن يهود الإسكندرية (التي كانت أكبر المراكز اليهودية في ذلك الوقت) أنه «كان من عادتهم التبرع بمبالغ من المال من باكورة ثمارهم لهيكل القدس، ونقل كميات كبيرة من الذهب والفضة إلى هناك عن طريق رسل سافروا لهذا الغرض».
الانقسام والتناقض الذي بدا واضحاً في الرواية التاريخية لهيكل أونياس، بدأ جلياً في التلمود؛ لكن قبل الخوض في هذا الأمر يجب الإشارة إلى أن التلمود يقدم رواية مختلفة تماماً عن الرواية التاريخية، وتحديداً لفرار أونياس إلى مصر؛ إلا أنه رغم الصمت من أغلب حاخامات اليهود عن هذا الهيكل، فإن البروفيسور ميرون بتروفيسكي أستاذ التاريخ اليهودي القديم في كلية ولفسون، قال إن «الحاخامات كانوا يعرفون بالتأكيد عن وجود هيكل أونياس في مصر، وعن وجود الكهنة اليهود هناك، وأن التضحيات لإله إسرائيل كانت تقدم هناك».
في البداية ورد ذكر هيكل أونياس في التوراة باسم «بيت حونيو בית חוניו»، ويشرح الحاخام مئير، أن رئيس الكهنة شمعون الصديق، حين شعر باقتراب نهايته، عين ابنه أونياس خليفة له، على رأس ابنه الآخر شمعي، الذي كان أكبر منه بسنتين ونصف، فحسده الأخير وقال لأخيه: «تعال، سأعلمك كل شيء عن الخدمة»، وألبسه لباس النساء، وجعل إخوته يسخرون منه، وعندما حدث ذلك، أراد الكهنة قتل أونياس؛ لكنه هرب إلى مصر، حيث بنى مذبحاً لتقديم القرابين للأوثان، أما الرواية الثانية هي أن أونياس ذاته رفض تعيينه كاهناً أعظم، لأن أخاه أكبر منه وتنازل عنها، ومع ذلك كان يحسد أخاه أيضاً، وبعد ذلك وقعت سخرية إخوانه منه، وهو نفس السبب الذي هرب بسببه إلى مصر، بحسب ما يرويها الحاخام «يهودا».
لكن بحسب البروفيسور صاموئيل أبراهام هيرتش، فمن الواضح أن التلمود يتبنى الرأي القائل إنه كان مذبحاً لـ«يهوه»، وكل اعتبارات الشريعة اليهودية في المقاطع الأخرى التي يشار فيها إلى معبد أونياس، تستند إلى هذا الافتراض.
حتى الرواية التلمودية بشقيها البابلي والأورشليمي، تعرضت للنقد من قبل الأثري الألماني إرنست هرتسفلد، الذي فند هذه الرواية مقدماً ثلاثة أسباب لعدم قبولها، التي تكمن في: أولاً: شمعون الصديق لم يكن ليفضل ابنه الأصغر أونياس على ابنه الأكبر شمعي، السبب الثاني هو أنه من غير المعقول ألا يعرف أي من ابني شمعون الملابس التي يجب أن يرتديها رئيس الكهنة، أما السبب الثالث فإنه التناقض في الروايتين المذكورتين آنفاً بشأن فرار أونياسإلى مصر؛ التي تشير إلى أن تعيين أونياس رئيساً للكهنة كان ليوم واحد، أما الرواية الثانية فتشير إلى أن تنازل أونياس لأخيه الأكبر عن الكهانة تعني أنه لم يتولها على الإطلاق.
لم تخلُ روايات «هيكل أونياس» عن تناقض شديد يعصف بمصداقيتها، حتى هذا التناقض وصل إلى مدة بقاء الهيكل، فرواية المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلاسيفوس في كتابه «الآثار اليهودية» تشير إلى أنه بقي 343 عاماً، أما في روايته الأخرى في كتابه «حروب اليهود» تشير إلى بقائه 243 عاماً.
والشيء بالشيء يذكر فإن وجود الهيكل في مصر تزامن مع وجود الهيكل في أورشليم، وفي النهاية أغلق الرومان هذا الهيكل عام 73م إثر تمرد قام به يهود مصر، أي إنه أغلق بعد مرور عامين فقط على إغلاق هيكل فلسطين، بحسب ما يذكر عبدالوهاب المسيري في موسوعته.