مجتمع

هل يمكن هزيمة رهاب الامتحانات؟

روشتة سريعة مبسطة تصلح لمواجهة فعالة ضد رهاب الامتحانات، تزيد فاعلية التحصيل والأداء، والأهم، لا تحول فترة الامتحانات للعنة تطارد حياة الطلبة وأسرهم.

future صورة تعبيرية: رهاب الامتحانات

هناك درجات طبيعية من التوتر والقلق الذي يصاحب خوض الامتحانات، والذي يمكن أن يكون إيجابياً؛ حيث يساعد الطالب على بذل جهد أكبر في التحصيل والمراجعة استعداداً للامتحان، لا سيما في الأيام القليلة الحاسمة التي تسبق الامتحان مباشرة، التي يعتمد عليها كثير من الطلاب الذين يحبون إحراز الأهداف الحاسمة في الوقت بدل الضائع!

لكن، ما سنركز عليه هنا، هو رهاب الامتحانات المرضي، الذي يفسد حياة بعض الطلبة على المستويات الشخصية والأسرية والاجتماعية، ويجعلهم فريسة للقلق الشديد وللاكتئاب لأسابيع قبل وأثناء وبعد الامتحانات، ويقلل في أحيان عديدة من فاعلية المذاكرة، ومن كفاءة الإجابة في الامتحانات، حيث يتسبب مثلاً في الوقوع في أخطاء جسيمة في أسئلة سهلة نتيجة المبالغة في التفكير والتقدير حول السؤال، بدافع من القلق الشديد والوساوس الغالبة.

يتسبب هذا الرهاب -لدى كثيرين- في أعراض جسمانية مؤرقة مثل آلام الصدر، وتسارع ضربات القلب، ونوبات الإغماء، والأرق الشديد، وفقدان الشهية... إلخ، وقد تتفاقم هذه الأعراض النفسية/الجسمانية إلى الحد الذي قد يخشى معه الطالب أنه قد أصبح مريضاً بالقلب وأن حياته في خطر جسيم.

ليس هناك مرحلة عمرية أو دراسية معينة يقتصر عليها رهاب الامتحانات، فيمكن أن يعاني منه طلاب الشهادات العليا مثل الدكتوراه، ويمكن أن يفسد الحالة المزاجية والنفسية لطفل صغير في سنوات الدراسة الابتدائية.

تقدر الدراسات العلمية والإحصاءات أن نسب الإصابة برهاب الامتحانات لا تقل عن 10%، وارتفعت بها بعض الدراسات إلى قرب الـ40% لا سيما لدى المراهقين. وهناك عوامل عديدة تتداخل في الإصابة برهاب الامتحانات، من أبرزها بعض السمات الشخصية للإنسان، والأجواء داخل الأسرة، ونمط التربية، وشكل الضغوط المجتمعية على الطلاب، ومدى أهمية بعض الامتحانات في مسار حياة الطالب (الثانوية العامة في مصر على سبيل المثال، التي كثيراً ما توصف بأنها عنق الزجاجة).

سنحاول في الأسطر القليلة القادمة تقديم روشتة سريعة ومبسطة تصلح لمواجهة فعالة ضد رهاب الامتحانات، وتزيد فاعلية من يطبقها في التحصيل وفي أداء الامتحانات، والأهم، لا تحول فترة الامتحانات إلى لعنة تطارد الحياة الطبيعية الصحية للطلبة ولأسرهم.

عدم التردد في طلب المشورة الطبية

هناك حالات شديدة من رهاب الامتحانات؛ تدفع الطلاب –في بعض المراحل- إلى التفكير في تجنب خوض الامتحانات، وبالتالي ضياع سنوات دراسية دون سبب موضوعي. خلال تلك الحالات، يشعر الطالب، لأسابيع أو أشهر، بقلق نفسي واكتئاب شديدين، أو قد يصاب بأعراض نفسية/جسمانية مؤرقة تدفعه للكشف الطبي الطارئ بشكل متكرر دون وجود مرض جسماني يفسرها، أو قد تتضرر حياة الطالب الأسرية والاجتماعية بشكل جسيم نتيجة الخوف الزائد من الامتحانات، وقد يصاب كذلك بنوبات هلع متكررة.

في مثل تلك الحالات، يجب طلب المشورة الطبية من الطبيب النفسي المختص أولاً، الذي يقيم الحالة جيداً، ويمكن أن يلجأ إلى وصف علاجات دوائية، مثل مضادات الاكتئاب أو بعض المهدئات، لا سيما عندما يكون رهاب الامتحانات جزءاً من الإصابة بمرض اضطراب القلق العام أو الاكتئاب المرضي... إلخ.

تعديل الأفكار الضاغطة

يلعب المعالجون النفسيون دوراً كبيراً في تلك النقطة المحورية، ويتأتى هذا بالحديث المطول مع الطالب لاستنباط بعض الأفكار السلبية التي تجعل منه فريسة لرهاب الامتحانات. من أمثلة هذا، المبالغة في طلب الكمال لدى بعض الطلبة المجتهدين، الذي يجعلهم يربطون بين احترامهم لذاتهم وتحقيق الدرجات الكاملة، التي يتعذر في معظم الامتحانات تحقيقها.

يجب إقناع هؤلاء بالتركيز أولاً على مدح الذات لما تبذل من جهد كبير في التحصيل والمراجعة... إلخ، بغض النظر عن النتائج حتى لو جاءت مخيبة للآمال العريضة قليلاً، وتطبيعهم مع فكرة تلقي بعض الخسائر، طالما يستخلص منها العبر المفيدة بنقد إيجابي بناء، دون الوقوع فريسة لجلد الذات المدمر.

يمكن للعلاج النفسي مساعدة الطلبة على اكتساب مهارات إيجابية تقوي مناعتهم النفسية، وذلك عبر تدريبات إدارة الضغوط، وتعلم كيفية التعايش الإيجابي مع وجود بعض القلق، لا سيما في مواسم الامتحانات.

وعندما يتعلق الأمر بالطلبة المتدينين، يمكن التركيز على ترسيخ بعض المعاني الدينية الأساسية مثل الرضا بالقدر وتقبل الابتلاءات، وأن الأهم هو السعي والاجتهاد وليس نتيجتهما العاجلة، ومواجهة بعض أنماط التدين الضاغط التي تبث ثقافة الوساوس، والهوس بالتفاصيل الصغيرة، وجلد الذات نتيجة الوقوع في بعض أوجه القصر. رغم أن الطب النفسي الحديث غربي الثقافة؛ حيث لا يحتل الدين مكاناً كبيراً في وعي وحياة الأفراد، فيجب عند تطبيق مبادئه وقواعده لدينا، مراعاة الخصوصية الثقافية الدينية عندنا، فهو مكون جوهري في أفكار ووعي وانفعالات الكثيرين.

هناك بعض نتائج البحث العلمي الطبي التي تشير إلى أهمية الوعي الديني في مجابهة القلق بوجه عام، مثل تلك الدراسة الإيرانية الموسعة والمنشورة عام 2019، والمفهرسة على محرك البحث الأمريكي الشهير PubMed، التي تناولت أكثر من خمسة آلاف طالب، وأظهرت أن هناك علاقة عكسية وإن لم تكن بالغة القوة، بين التدين والقلق الدراسي.

التربية الإيجابية للأطفال

العامل الأسرى مهم للغاية في الإصابة برهاب الامتحانات أو بالوقاية منه. فطرق التربية غير السوية التي تميل للتعنيف وإلقاء اللوم في كل كبيرة وصغيرة، تضعف ثقة الطفل في نفسه، وتجعله أقل في الأداء الدراسي، وأكثر عرضة للإصابة برهاب الامتحانات وبمضاعفاته النفسية والحياتية.

في المقابل، فإن التربية السوية التي تعزز الثقة والترابط الأسرى، تجعل الطفل أكثر اتزاناً نفسياً، وأكثر مناعة في مواجهة رهاب الامتحانات بوجه خاص، واضطرابات القلق والاكتئاب بشكل عام.

نمط الحياة الصحي هو الحل

نمط الحياة الصحي بشكل عام هو روشتة رابحة في مواجهة ما يكاد لا يعد ولا يحصى من الأمراض البدنية والنفسية، لا سيما المزمنة. وأعمدة نمط الحياة الصحي هي: الحرص على النوم الكافي ليلاً، وممارسة الرياضة المعتدلة بحد أدنى المشي نصف ساعة يومياً (خمسة أيام في الأسبوع)، وتخصيص وقت مقدس للأنشطة الأسرية والاجتماعية ولممارسة الهوايات المحببة، والطعام الصحي المعتمد على الأكلات عالية القيمة الغذائية، وذات التأثير الإيجابي على الحالة النفسية مثل الأسماك والفواكه والخضروات والشوفان، وتجنب الحرمان التام من السكريات التي تعطي الطاقة وتحسن الحالة المزاجية مثل الآيس كريم والشكولاتة، وذلك بكميات معتدلة محسوبة، حتى لا تتسبب في زيادة الوزن أو تزيد التوتر العصبي بجرعات كثيفة من السكر في الدم.

يجب التأكيد على فكرة بديهية تغيب عن معظم الطلاب، وهي أن النوم الجيد ليلة الامتحانات أجدى بكثير من السهر لقذف مزيد من المعلومات في عقل منهك، مما يصعب عليه في الصباح التالي أن يسترجع المعلومات المحشوة داخله بشكل جيد وفعال.

الدراسة الذكية على مدار العام

من أكثر أسباب رهاب الامتحانات ذيوعاً، غياب الاستعداد الجيد للامتحان، وسوء توزيع الجهد الدراسي والتحصيلي على مدار السنة الدراسية؛ فكثير من الطلبة لا يطلعون على أساسيات المناهج طوال العام، ثم يضغطون أنفسهم بشدة في الأسابيع القليلة الحاسمة قبل الامتحانات لاستدراك ما فات، والبعض قد يفعلون العكس فيضغطون أنفسهم بشدة طوال العام، ولا يتعاملون مع أنفسهم بالشكل الصحي جسدياً ونفسياً، فلا يكون لديهم الطاقة الكافية للمراجعة الفعالة في الأيام بالغة الأهمية التي تسبق الامتحانات بشكل مباشر، فيصبحون أكثر رهبة في مواجهة الامتحانات، وتكون المحصلة سلبية للغاية.

يجب توزيع الوقت والجهد جيداً على مدار العام الدراسي، والتركيز على الأهم فالمهم، وتجنب إرهاق الذهن والذاكرة في تفاصيل التفاصيل، والاعتماد على الفهم واستيعاب القواعد العامة لكل علم أو مادة دراسة والبناء عليها، بدلاً من المغالاة في الاعتماد على الحفظ والتحصيل المباشر. والتدرب الجيد على نماذج امتحانات شبيهة يعزز ثقة الطالب بنفسه، ويقلل من رهاب الامتحانات بشكل عملي.

أمام ورقة الامتحانات

يصل رهاب الامتحانات إلى ذروته في الدقائق القليلة السابقة على بداية الامتحان، وكذلك في الربع ساعة الأولى منه. وإليك بعض التعليمات البسيطة التي يمكن أن تساعد في مواجهة رهاب الامتحانات في هذا الوقت الحاسم:

  • احرص على تجنب الاحتكاك ببالغي القلق من الزملاء في ذلك الوقت الفارق. فالقلق والرهاب معديان فعلاً.
  • لا ترهق عقلك وتوتر أعصابك بالقراءة العصابية لبعض الملخصات، وحشو مزيد من المعلومات في عقلك المتوتر.
  • إذا شعرت بقلق جارف، خذ أنفاساً عميقة متتابعة وطويلة، فهذا يكسر حدة التوتر ولو قليلاً.
  • احرص على شرب السوائل بكمية كافية أثناء الامتحان لا سيما في الأجواء الحارة، فهذا يقلل التوتر، ويرفع الحالتين النفسية والذهنية.
  • تجاهل كل ما حولك من ضوضاء، وأسئلة بعض الزملاء أثناء الامتحان.
  • اقرأ الأسئلة ببطء وسيطر على الاندفاع.
  • لا تجعل القلق يدفعك إلى الاشتباك مع عدة أسئلة على التوازي، فهذا التشتت سيزيد قلقك وتوترك، ويقلل فاعليتك.

# تعليم # صحة # الدراسة # تربية

«نوبل» في الطب 2024: لماذا لا يملك البشر زعانف السمكة؟
بحثاً عن الكمال: هل يجب تقنين المنشطات في الرياضة؟
من جوتنبرج إلى آبي أحمد: لعنة الحصول على لقب أكاديمي رفيع

مجتمع