رياضة

هانزي فليك: شراسة العالم خلف هدوء حي ماكينلوش

هانزي فليك، هو مزيج من كل أفكار كرة القدم الأكثر شراسة وحدّة، لكنه يغلفها ببساطة منقطعة النظير، لا يلبث أي خصم له أن يعرف بالدليل القاطع كم أنه مخادع.

future المدير الفني لنادي برشلونة الإسباني، الألماني هانزي فليك

يعود مدرب برشلونة هانزي فليك إلى دكة البدلاء على ملعب لا سيراميكا، على هامش مباراة فياريال في الدوري الإسباني، يجد فتًى لمَّا يخُض مباراته الرسمية الأولى بعد رفقة النادي الكتالوني، يدعى توني فيرنانديز، قد وطئ بحذائه مقعده الذي يجلس عليه، ينظر له فيما يشبه التوعد، ثم يبادر بابتسامة بسيطة ويمرر الأمر ويتفرغ للرد على فياريال بخماسية كاملة في ملعبه.

ما أبسط هانزي فليك! وما أجمل بساطته حين تكون نابعة من نشأته، وما أبسط تحوله بين كل شيء، وما أسهل تخطيه لكل قرارات حياته!

موسيقى أو كرة قدم!

«لقد نشأت في بلدة لدى الشاب فيها خياران: إما أن يكون لاعب كرة قدم، أو عضواً في فريق موسيقى!»

لهذا اختار هانزي فليك سريعاً أن يلتحق بفريق حي ماكينلوش الذي ولد فيه ضمن مدينة نيكارجيموند التي تملك إطلالة ساحرة على نهر نيكار، إنها بلدة متاخمة لطبيعة ساحرة وهادئة حتى النخاع، تماماً كهانزي فليك.

بعمر الخامسة فقط بدأ مسيرته الكروية في صفوف الشباب، كرة القدم وخلفيتها الموسيقى كما قال في تصريحه السابق ذكره، تلك الموسيقى التي سقت استمتاعه باللعبة، وأخرجت للنور مدرباً يريد أخذ الجمال من كل شيء، من كل أحد، من كل مدرسة تدريبية.

مسيرته الكروية مرت بأطوار عدة، لاعب كرة قدم متوسط مثَّل ألمانيا الغربية تحت 18 عاما، وحمل ألوان بايرن ميونخ خمسة أعوام، واعتزل إكلينيكياً بعمر 28 عاماً بفعل الإصابات، لكن ما صاحب مسيرته لاعباً، ومهد له مسيرته الاستثنائية مدرباً، يحمل الكثير من هذا المزيج.

تلميذ لاتيك

حينما استقدم برشلونة هانزي فليك، كان الكل يتحدث عن استثناء غير مسبوق منذ سنوات عديدة للمدرب الألماني، الذي لا تربطه أي علاقة بالنادي الكتالوني، على عكس النظام المتبع بين أروقة البلوجرانا.

لكن إطلالة على تاريخ الرجل ستقول لك إنه من أوفى أبناء المدرب الأسبق لبرشلونة أودو لاتيك، الذي قاد الفريق للقب كأس الكئوس الأوروبية عام 1982، ودرب دييجو مارادونا في النادي الكتالوني، وهو آخر مدرب ألماني قاد برشلونة قبل فليك.

فليك استقى من لاتيك الكثير، سواء في فترة اللعب تحت إمرته ببايرن ميونيخ بين عامي 1983 و1987، أو في نهايات مسيرة فليك مع كرة القدم لاعباً عام 1991 حين عاد إلى كولن.

هانزي فليك مع أودو لاتيك، آخر مدرب ألماني في برشلونة من 1981 إلى 1983، في بايرن ميونيخ في عام 1987

لست بعيداً عن كرويف وجوارديولا!

يؤكد فليك رابطته القوية ببرشلونة، وأنها ربما أكبر من مجرد التلمذة على يد أودو لاتيك، بل إن الأمر أكبر.

في المؤتمر الصحفي الذي قُدِّم فيه مدرباً لبرشلونة قال بوضوح: «أنا لست بعيداً عن الفكرة التي لعبها برشلونة من قبل عندما حقق هذا النجاح المذهل مع يوهان كرويف أو بيب جوارديولا، أريد فريقاً نشطاً على أرض الملعب، مع الكرة وبدونها، ويحدد إيقاع اللعب».

حين تكون المدرب الذي جرع برشلونة الهزيمة الأوروبية الكبرى في تاريخه بثمانية أهداف مقابل هدفين، وتبدي الاحترام لإرث هذا النادي، فإن هذا يعني حقاً أنك تريد أن تعيد أفضل نسخه، وأنك تفرِّق بين الفريق الذي هزمته تلك الهزيمة النكراء، وتلك النسخة الخيالية من برشلونة التي يعتبرها الكثيرون أقوى فريق في التاريخ.

الاقتراب من جوارديولا يعني احترام الإرث الإسباني والكتالوني، بينما يمكن أن تستقي تقدير المدرسة الهولندية من أحد أكبر عرابيها يوهان كرويف بين ثنايا تصريحات فليك.

ولديه من إرث مدريد!

هل تعلمون أن هانزي فليك تدرب على يد أحد أهم أساطير ريال مدريد عبر التاريخ؟ إنه يوب هانكس، الذي قاد فليك لاعباً في بايرن ميونخ بين عامي 1987 و1990، وتحصل تحت إمرته على 4 ألقاب محلية ألمانية.

كل ما يمكن أن تتخيله عن شراسة المكسب لدى ريال مدريد يمكن أن يعتبر هانزي فليك أحد أهم عرابيها، وإذا سألت مدريدياً عريقاً في تشجيع الملكي عن دوري أبطال أوروبا 1998، فسيخبرك الكثير عن تلك البطولة التي انتظر ريال مدريد 32 عاماً كي تعود إلى خزائنه، ويصبح «البعبع الأول» بها كما نعرفه هذه الأيام.

أسعفني الحظ في وقت سابق بإجراء حوار لصحيفة «آس» الإسبانية مع فيرناندو سانز الذي تُوِّج مع الملكي بتلك البطولة تحت قيادة هانكس، فوصفها لي بأنها كانت مثل «الشوكة عصية الكسر».

ربحية ريال مدريد هانكس يمكن أن تراها في تصريحات هانزي فليك، التي تقدر الجماليات حقاً في كرة القدم، لكنها لا تعبأ بها كثيراً حين يتعلق الأمر بضرورة الربح.

في تقديمه مدرباً لبرشلونة قال فليك: «هدفي هنا هو اللعب بشكل جيد بالطبع، ولكن أيضاً تقديم كل شيء على أرض الملعب والاستعداد جيداً، يجب على اللاعبين أن يُظهروا كيف تسير الأمور على أرض الملعب. بالنسبة لي، من المهم أن تقدم 100% من جهدك في التدريب».

«لا أقول إننا سنفوز بكل الألقاب، لكن إذا عملنا بجد يمكننا تحقيق ذلك، ولدينا خيارات لتحقيق النجاح. نحن نعلم أن العمل الجاد والنتائج مهمة، لكنني أتطلع إلى ذلك».

هانكس أيضاً هو أكثر من طور خطة 4-2-3-1 بشكل الجناحين المرعبين، بل ربما يكون أشرس من أعادها إلى كرة القدم الحديثة بعد عشرية أولى للقرن الحادي والعشرين انقسمت بين دفاع الطليان المحكم، و4-3-3 الكتالونية.

فرانك ريبيري، وأريين روبين

ظاهرة «الروبيري» التي أُطلقت على اثنين من أعظم ثنائيات الأجنحة في تاريخ اللعبة «أريين روبين» و«فرانك ريبيري» ميزت كرة هانكس، وكتبت له تفوقاً كاسحاً على أفكار برشلونة تحديداً وقتها، وهي بالمناسبة ما يحاول فليك صناعته الآن من ثنائية «يامال - رافينيا»، وما يطمح إليه بشدة من ثنائية «يامال - نيكو» الأشد فتكاً واقتراباً من «روبين - ريبيري».

خطة 4-2-3-1 هي خطة برشلونة الأكثر استخداماً من قبل هانزي فليك، التحول إليها من الشكل الكلاسيكي لـ 4-3-3 ثورة في تاريخ برشلونة الوفي دائماً لأفكاره الكروية، لكن «مزيج فليك» لا بد أن يأتي بتغييراته، جامعاً بين صخب الثورة وسلاسة التطبيق الهادئ.

ألماني كما قال الكتاب!

لا يمكن التنكر لألمانيتك، وفيما يتعلق بفليك، فهو بعد كل هذا المزيج المتنوع بين أفكار برشلونة وريال مدريد وهولندا وإسبانيا، من أكثر المدربين تأصيلاً من حيث العقلية الألمانية.

فرق فليك تتحول إلى ماكينات، كيف لا وهو المدرب الذي تتلمذ على يد أودو لاتيك، عرف قيمة تمثيل ألمانيا ولو على مستوى الشباب، كان المساعد الأهم ليواخيم لوف لمدة ثمانية أعوام، كان أهم إنجازاته فيها حصد لقب كأس العالم 2014.

ثم شغل منصب المدير الرياضي للاتحاد الألماني لكرة القدم لمدة ثلاثة أعوام، كان فيها ضمن المنظومة التي حصدت بطولة كأس القارات الوحيدة في تاريخ المانشافت عام 2017 بالمنتخب الثالث تقريباً.

وحينما تولى مقاليد تدريب بايرن ميونخ قادهم في أشهر قليلة للإنجاز الألماني الأكبر في التاريخ، وهو تحقيق السداسية الأوروبية، وبها بصم بالثمانية الشهيرة على برشلونة تحديداً، قبل أن يدرب منتخب ألمانيا في تجربة هي الأقل نجاحاً على الصعيد التدريبي العالي بالنسبة له حتى الآن.

إجمالاً، هانزي فليك هو ألماني يواري أفكاره الكروية الشرسة في سمت مسالم، لا يلبث أي خصم له أن يعرف بالدليل القاطع كم أنه مخادع، وهو مزيج من كل أفكار كرة القدم الأكثر شراسة وحدَّة، لكنه يغلفها ببساطة منقطعة النظير.

مزيج يمكنك أن تراه في ابتسامة فليك الهادئة، الآتية من ضفاف نهر نيكار، في بلدة يلعب نصف شبابها كرة القدم، والنصف الآخر يتكفل بعزف الموسيقى بينما يلعب الآخرون.

# كرة القدم العالمية # كرة القدم الإسبانية # برشلونة # هانزي فليك # كرة قدم

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟

رياضة