رياضة

«من فضلك اقفل رجليك»: الكوبري بين المهارة والإهانة

تمرير الكرة بين قدمي الخصم، هل هي مجرد مهارة عادية يُعجَب بها الجمهور ويصفق لها، أم إهانة تُحرج من يتعرض لها؟

future صورة أرشيفية

عندما واجه فريق إكسيتر سيتي الجيل الذهبي لفريق مانشستر يونايتد في إحدى مباريات كأس الاتحاد الإنجليزي عام 2005؛ لم يدر سكوت هيلي لاعب فريق إكسيتر أن تلك المباراة ستخلد ذكره أكثر من ناديه الذي بالكاد يعرفه أحد.

كمدافع متواضع بحسب ما تُعرِّف مسيرته الكروية بنفسها، أخطأ سكوت في استلام كرة أرسلت له، ووضع نفسه في مأزق جوار خط التماس. لا شيء يثير الإعجاب حتى الآن، لكن عندما استعاد الكرة، ضغطه لاعب في مقتبل الشباب وعنفوانه، سيصنفه البعض لاحقًا كأحد أفضل لاعبي العالم، كريستيانو رونالدو، لم يفكر سكوت ولو للحظة في دفع الكرة والركض، لأنها مهمة مستحيلة أمام سرعة وقوة رونالدو.

في جزء من الثانية، لمح سكوت انفراجة بين قدمي رونالدو، فقرر مراوغته بدفع الكرة بينهما، والخروج من ذلك المأزق.

اشتهرت تلك اللقطة أكثر مما اشتهر سكوت وناديه، بسبب رونالدو بالطبع، وأيضًا بسبب الطريقة التي تمت بها المراوغة. بالطبع تعرفها.

إهانة بكل لغات العالم

ذلك المرور بالكرة بين قدمي الخصم، هو توصيف حرفي لتلك المهارة الشهيرة، التي تسمى في كثير من الدول العربية كوبري، وتسمى في فرنسا Petit Pon أي: الكوبري الصغير، أما في ألمانيا فيطلقون عليها Panna، وفي الدول اللاتينية التي تتحدث الإسبانية Cano، وتحمل نفس المعنى في كلتا اللغتين وهو معنى الكوبري أو ممر للعبور، أما الإنجليزية فتختلف عن تلك اللغات جميعًا وتسمى nutmeg، وهو اللفظ الذي يطلق أيضًا على ثمرة وبهار جوزة الطيب.

في كتاب «حديث كرة القدم: لغة وفلكلور اللعبة الأعظم في العالم»، يربط المؤلف بيتر سيدون بين التسمية الإنجليزية وعملية تصدير جوزة الطيب من شمال أمريكا إلى إنجلترا في القرن التاسع عشر.

كانت جوزة الطيب سلعة نفيسة، وكان بعض التجار الخبثاء يبادلون بحركة سريعة خاطفة، أكياسًا تحتوى على بقايا خشبية بأكياس جوزة الطيب التي يتم تصديرها لإنجلترا. ومن هنا جاءت التسمية التي تنبئ بالمهارة والخداع من قبل فاعلها، والسذاجة والغباء من قبل المفعول به.

تبقى المهارة واحدة وإن اختلفت التسميات، ويتحدد الإعجاب بها أو الضجر منها، توقيفًا على أي جانب منها ستكون.

لأن الحياة أكثر إشراقًا على الجانب الآخر

يحاول بعض اللاعبين إقناعنا بكل براءة أنها مجرد مهارة عادية، مثل عادل تاعرابت الذي يعلم الله وحده كم لاعبًا أهان بتلك الطريقة! وكأننا لا نعلم أنهم بداخلهم مثلنا: لو استطاعوا أن يصفقوا لأنفسهم لفعلوا!

دييغو سيميوني كان الأكثر اتساقًا مع نفسه، عندما راوغ -لاعبًا- خوسيه ماري باكيرو قائد برشلونة وقتئذ، مرة بعد مرة، في ظرف ثوان، ولم يستطع أن يخفي إعجابه بنفسه وفرط انتشائه بمهارته الفاتنة؛ فشرع يصفق لنفسه ولما تغادر الكرة قدميه.

أما خافيير باستوري لاعب باريس سان جيرمان، فكان مغرمًا بتلك المهارة، حتى إن الخصوم كانوا يتحاشوه، خشية أن يضافوا لقائمة ضحاياه، وهو ما جعل مراوغته لهم بالطرق الأخرى أيسر.

لكن شأنه في ذلك شأن قلة تؤمن أن دفع الكرة بين قدمي الخصم أيسر من محاولة مراوغته بالطرق التقليدية، خصوصًا إذا كان الخصم أقوى وأسرع. كما حدث من سكوت هيلي الذي رفض طلب الصحف المتكرر لحديثه عن مراوغة رونالدو بتلك الطريقة؛ لأنه كان يحاول الخروج من مأزق حقيقي، ولأن ذلك يعد استهزاء بالخصم وتقليلًا منه.

يصفق الجمهور للاعب يجعل خصمه يبدو كالأحمق، يبدو أنهم يحبون ذلك حقًا! لكن ماوريسيو بوتشيتينو لا يحب ذلك، حتى لو كان أحد لاعبيه الطرف الأذكى في المهارة، لا أحد يرتضي لنفسه أن يهان بتلك الطريقة.

غريب أمر بوتشيتينو اللاتيني الأرجنتيني المنحدر عن ثقافة كروية يصفها مواطنه ليونيل سكالوني بأن قوامها المشاغبة ومراوغة اللاعبين وتمرير الكرة من بين سيقانهم. الثقافة التي ما زالت حتى الآن تجد في فمها مرارة الكوبري الذي تلقاه أعظم لاعبيها مارادونا من لاعب الغريم القاري البرازيلي روماريو.

100 وجه للإهانة

لن يروق لأحد أن يكون الضحية لتلك المهارة بالتحديد، خصوصًا وإن كان الجلاد هو البرغوث ليونيل ميسي.

يتذكر جيمس ميلنر ذلك المشهد جيدًا، تلك المباراة أمام برشلونة بقميص مانشستر سيتي عام 2015، حين حاول أن يحشر ميسي في خانة اليك، مندفعًا نحوه بتهور وقد نسي أن يغلق قدميه، ليدفعها البرغوث بخفة ورشاقة بينهما، وليتعثر هو في نفسه ويسقط خاضعًا، على مرأى ومسمع من بيب جوارديولا الذي كان حاضرًا في المدرجات، وشعر بالحرج نيابة عن ميلنر فغطى وجهه بيديه.

من حق ميلنر أن يلوم زميله في الفريق وقتئذ يايا توريه لأن ميسي حذره أنه سيراوغه بتلك الطريقة. كان يجب أن يحذر البقية؛ لكنه كان مرتعبًا من الحرج الذي ستشهده عائلته إن فعل به ميسي ذلك. يسترجع ميلنر الذكريات بروح رياضية ويقول: يستطيع ميسي أن يجعلك تبدو كالأحمق.

ربما يظن البعض أن الإهانة تكمن في حضور الجمهور الغفير، الشاهد على استئساد لاعب واستضعاف آخر، لكن واقع الأمر أن الإهانة كلها تكمن في المهارة نفسها، سواء حدثت في زقاق أو في ملعب تدريبات أو في ويمبلي.

حمل بيلينجهام رقم زيدان في مدريد، وربما يسعفه حظه في قادم السنين ويصير زيزو عصره، لكن زميله في المنتخب كونور كودي سيتذكره دومًا على أنه الفتى الذي جعله يظهر بمظهر الأبله أمام باقي المعسكر، بعدما أعطاه الشاب الناشئ آنذاك كوبري في أول حصة تدريبية له. ضحك الإنجليز لمهارة الشاب الصغير، لكن الفرنسيين لم يجدوا أي طرافة في إظهار لاعب أكبر بمظهر الأبله.

في كتاب «الأزرق المقدس: رحلة كرة القدم من زيدان إلى مبابي» يحكي الكاتب ماثيو سبيرو عن لاعب فرنسي شاب راوغ ديديه ديشامب قائد المنتخب الذي فاز بكأس العالم 1998 في أحد التمارين بنفس الطريقة، فلم يرض عن فعلته أحد من اللاعبين، بل مارسوا عليه نوعًا من أنواع الإقصاء والعزل.

ذلك النوع من الإهانة الذي لم يقبله نيمار في أحد التدريبات من لاعب شاب وصرعه أرضًا، وهو نيمار الذي جثا أمامه لاعب على ركبتيه، يرجوه بحق الآلهة ألا يجعل منه أضحوكة أمام العالم، ولم يظهر البرازيلي أي رحمة.

تزامن ذلك العرض المستمر من التصفيق ومواراة الوجه، مع عصر التيك توك وثورة الفيديوهات القصيرة، التي تضخم تلك اللحظات وتمنحها خلودًا دائمًا، بربطها بأغنيات رائجة وتوصيفات ماكرة، من حسابات رسمية للأندية والمسابقات العالمية، تجعل اللاعبين حريصين على غلق أرجلهم حتى أثناء النوم.

قبيل انطلاقة كأس العالم 2022، أعلنت شركة بيبسي عن حملة تسويقية لفلسفة جديدة تخص علامتها التجارية العالمية، تضمنت فيلمًا قصيرًا بعنوان «Nutmeg Royale»، شارك في تمثيله عدد من اللاعبين الذين اشتهروا بتلك المهارة مثل: ميسي ورنالدينيو وبوغبا وغيرهم.

تعمد منتجو هذا العمل اختيار تلك المهارة تحديدًا، لما تتطلبه من مهارة حقيقية وثقة عالية ودقة في التنفيذ والحركة، وطبعًا لأنها المهارة الأكثر قدرة على إثارة المشاعر، عن طريق الجمع بين الجدارة والإهانة.

رغم نجاح تلك الحملة التي منحت التعليق الصوتي على حرب الكباري تلك للمعلق الإنجليزي الأشهر بيتر دروري؛ فإنها كانت لتحقق وهجًا تفاعليًا لا يخبو، لو تردد في الخلفية صوت جنرال التعليق المصري مدحت شلبي وهو يدلل ويحرض: «ما بين قربك وخوفي عليك، من فضلك اقفل رجليك».

# رياضة # كرة قدم # ليونيل ميسي # كريستيانو رونالدو

ليسوا جميعاً إيتو ودروجبا: كيف تتبخر أحلام الاحتراف الأفريقي في أوروبا؟
مَن الذي أغضب روي كين؟
جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً

رياضة