فلسطين

«مجدل شمس»: قرية عربية بين أنياب الأسرلة

تحبس المنطقة بل العالم أنفاسه خوفاً من تصعيد عسكري كبير على الجبهة اللبنانية بعد مذبحة قرية مجدل شمس، فما قصة تلك القرية، ومن يقف وراء الحادث؟

future قرية مجدل شمس، أكبر قرى الجولان السوري المحتل

عصر السبت السابع والعشرين من يوليو، وهو اليوم 295 منذ اندلاع حرب الإبادة ضد غزة، تشاغل العالم عن المذابح اليومية التي أصبحت معتادة في شوارع ومدارس ومنازل غزة، بمذبحة مؤلمة في قرية مجدل شمس العربية الدرزية في الجولان السوري المحتل.

صاروخ سقط في ملعب لكرة القدم في مجدل شمس، فتسبب في إزهاق أرواح 12 طفلاً عربياً على الأقل وإصابة قرابة 40 من الأطفال ومن ذويهم. سارع حزب الله في بيان رسمي بنفي مسئوليته عن استهداف مجدل شمس، رغم أنه في اليوم نفسه تبنى استهداف موقعين عسكريين إسرائيليين على الأقل في الجولان المحتل بصواريخ الكاتيوشا والقلق، بينما اتهمت إسرائيل والولايات المتحدة حزب الله بالمسئولية عن الهجوم.

تناولت وسائل إعلام متعددة تصريحات لغالب سيف، رئيس المبادرة الدرزية - المناهضة للأسرلة بين الدروز والتجنيد في جيش الاحتلال - يذكر فيها أنه في وقائع عديدة تسقط صواريخ القبة الحديدية الإسرائيلية على القرى والمناطق العربية في الجليل وفي الجولان، وتسبب أضراراً كبيرة.

وأورد التلفزيون العربي شهادة لأحد شهود العيان من سكان مجدل شمس يشكك في أن الصاروخ قد أطلقه حزب الله، ويندد بإهمال السلطات الإسرائيلية؛ حيث دوت صفارة الإنذار قبل بضع ثوانٍ فحسب من الانفجار، فلم يجد الأطفال الوقت للاختباء.

لكن الجيش الإسرائيلي يصر على أن الهجوم حدث بصاروخ إيراني من طراز «فلق-1» يملك رأساً متفجراً كبيراً يتجاوز 50 كجم، وأنه أُطلق من قرية شبعا الحدودية اللبنانية غير البعيدة عن مجدل شمس.

تحبس المنطقة - بل العالم - أنفاسها خوفاً من تصعيد عسكري كبير بعد تلك الواقعة على الجبهة اللبنانية، كما أنها أعادت تسليط الأضواء ولو بشكل غير مباشر وغير مقصود على الصراع المستمر في صفوف عرب الجولان الدروز، بين من يرفضون مخططات العدو لدفع العرب الدروز في الجولان إلى التماهي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والاندماج فيها، ومن قبلوا الأمر الواقع واستمراره، وتجاوبوا مع مخططات الأسرلة، وتجندوا في جيش الاحتلال وفي أجهزته الأمنية.

ذكرت صحيفة الاتحاد العربية المستقلة التي تصدر في الكيان المحتل أن المئات من سكان مجدل شمس ممن شيعوا ضحايا الهجوم الصاروخي لم يكونوا مُرِحبين بتواجد وزراء الاحتلال، وسعوا إلى طردهم من الجنازة، وفي المقابل بثت وسائل الإعلام الإسرائيلية مشاهد لقادة جيش الاحتلال مثل رئيس الأركان وقائد المنطقة الشمالية … إلخ في مجدل شمس مع بعض القيادات الدينية والمحلية هناك، وهم يربتون في تأثر مصطنع على كتف المكلومين من ذوي القتلى.

احتلال وأسرلة ونضال

مجدل شمس هي أكبر القرى العربية في الجولان المحتل، وتبلغ مساحتها 12 كيلومتراً مربعاً، وتقع على السفح الجنوبي لجبل حرمون - جبل الشيخ - الذي يعتليه العديد من المواقع العسكرية الإسرائيلية ذات الأهمية الاستراتيجية في المراقبة الجوية والدفاع الجوي والصاروخي. وقد استهدف حزب الله في السابع من يوليو 2024 أحد تلك المواقع، وهو مركز الاستطلاع الفني والإلكتروني بعيد المدى، بالمسيرات الانقضاضية.

يبلغ عدد سكان مجدل شمس قرابة 14 ألفاً من العرب الدروز، ويعمل أكثرهم في الزراعة؛ إذ تشتهر مجدل شمس بتربتها الخصبة الغنية بأشجار الفواكه، لا سيما التفاح، الذي يمثل لعرب الجولان - من رافضي الأسرلة والاندماج في الكيان المحتل - ما تمثله أشجار الزيتون للشعب الفلسطيني هويةً وثقافةً وصموداً.

احتلت إسرائيل هضبة الجولان في حرب يونيو 1967، ونزح عشرات الآلاف من سكان الجولان إلى الداخل السوري، لكن بقي بضعة آلاف من العرب الدروز تحت الاحتلال في الجولان في القرى الدرزية المعروفة باسم القرى الخمس، وأبرزها مجدل شمس وعيناثا ومسعدة … إلخ، وخضعوا للحكم العسكري الإسرائيلي.

في عام 1981، أعلنت إسرائيل ضم الجولان السوري المحتل رسمياً، وفرضت هذا الأمر الواقع كالعادة رغم غياب أي اعتراف رسمي دولي به، باستثناء اعتراف إدارة ترامب الأمريكية عام 2019. وفي عام 1982، أصبح لمجدل شمس بلدية محلية إسرائيلية مثل باقي مناطق فلسطين المحتلة. وشهدت عقود الاحتلال مناوشات مختلفة بين سكان مجدل شمس وقوات الاحتلال، نتيجة لرفض أكثرهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية، والتي يتعرض الحاصلون عليها لنوع من الحرمان الديني والاجتماعي بين أكثرية المجتمع العربي الدرزي في الجولان.

منذ الاحتلال في 1967، توسعت إسرائيل في بناء المستوطنات في الجولان. وأقل تقدير لعدد المستوطنين الإسرائيليين الآن في الجولان المحتل هو 20 ألف مستوطن وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، والتي قدرت كذلك عدد المواطنين السوريين العرب في الجولان المحتل بالعدد نفسه تقريباً.

وفقاً لتقرير مصور لقناة الحرة الأمريكية قبل أعوام، فإن معدلات الحصول على الجنسية الإسرائيلية بين دروز الجولان قد تصاعدت كثيراً في أعقاب الثورة السورية، والتي سببت تداعياتها السياسية والإنسانية شرخاً في علاقة بعض سكان الجولان بالنظام السوري، الذين يدين أغلبهم بالولاء له تعبيراً عن انتمائهم العربي السوري. وفي عام 2010 السابق للثورة، حصل على الجنسية الإسرائيلية اثنان فحسب من عرب الجولان، بينما في عام 2015 بلغ العدد ثمانين.

ماذا لو كان ضحايا الهجوم من اليهود؟

رغم تلقف مجرمي الحرب ومُسعريها داخل الكيان الصهيوني لهجوم مجدل شمس، ومسارعة العديد منهم وعلى رأسهم رئيس الأركان الإسرائيلي لزيارة القرية خلال الساعات التي تلت الهجوم الصاروخي، ورفع سقف التهديدات بحرب شاملة مدمرة انتقامية ضد حزب الله، فإن التقديرات تشير إلى أن الرد الإسرائيلي لن يكون واسعاً.

تلك التقديرات تستند إلى مؤشرات عدة؛ فإلى جانب المعارضة الأمريكية لحرب واسعة قد تتورط فيها إذا خرجت عن السيطرة، ونحن في الشهور الحاسمة قُبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن العرب والدروز مهما اندمج بعضهم في الكيان، هم مواطنون درجة ثانية في الدولة اليهودية العنصرية، لا سيما مع هيمنة اليمين الصهيوني المتطرف. ولن تخاطر إسرائيل بفتح حرب واسعة مع حزب الله من أجل أطفال العرب الدروز في الجولان، تنكسر فيها الخطوط الحمر، ويُطلِق حزب الله حممَ صواريخه على المدن الإسرائيلية مهدداً أرواح اليهود الإسرائيليين الأغلى ثمناً.

ولنحاول أن نتخيل لو كان نفس صاروخ حزب الله الطائش - وفقاً لرواية العدو - أصاب ملعباً لكرة القدم في نهاريا أو عكا أو حيفا كان يلعب فيه أطفال وشباب من اليهود الإسرائيليين البيض – الأشكيناز - ذوي الأصول الأوروبية.

على الأرجح كانت الخسائر لتكون أقل، فالمناطق ذات الغالبية اليهودية أفضل تجهيزاً بوسائل الإنذار المبكر والملاجئ المحصنة، وأكثر وعياً بتعليمات الجبهة الداخلية الإسرائيلية في تلك الحالات، وهذا ما تعاني من نقصه بل فقدانه التام المناطق ذات الغالبية غير اليهودية في الكيان المحتل.

لو كان الهجوم أسفر عن مصرع بضعة أطفال يهود، لكانت الطائرات الإسرائيلية تقصف الآن بوحشية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وترتكب بضع مجازر انتقامية في لبنان، وتفتح الأبواب على مصراعيها أمام انزلاق الأمور في الشرق الأوسط إلى الحرب المفتوحة التي يخشاها الكثيرون، ولم يكن ليجرؤ بعض الساسة الغربيين من حلفاء الكيان على مطالبته بأن يكون رده متوازناً، ولم يكن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، المعروف بانحيازه السافر للكيان، ليخرج في تصريح يؤكد فيه أنه رغم اقتناعه بأن الهجوم مسئولية حزب الله، وأن إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن النفس، فإنه يطالب إسرائيل بعدم التصعيد في الصراع.

# سوريا # لبنان # حزب الله # فلسطين # إسرائيل

هاشم صفي الدين: القائد المنتظر الذي يخشى حزب الله غيابه
فيلم «المخدوعون»: فلسطين في مواجهة الرجال والشمس
جولات بلينكن في المنطقة ولعبة سياسة الهندسة

فلسطين