رياضة

مائة عام إسماعيلي: لماذا لا يجب أن نقلق على الدراويش؟

بما أن الإسماعيلي في مئويته يبدو أقرب إلى الانهيار منه إلى صعود القمة، فعلينا أن نجيب على تساؤل: هل علينا أن نقلق على من وُصفوا يوماً ببرازيل مصر؟

future صورة تعبيرية: مئوية النادي الإسماعيلي

«هل احتفل فريقك بمئويته بشكل جيد؟»

طُرح السؤال أعلاه على إحدى المدونات الرياضية الخاصة بكرة القدم، وجاءت إجابات المشجعين متباينة؛ منهم من ذكر أن فريقه قدم للجماهير لقب الدوري، ومنهم من تذكر احتفال فريقه بالمئوية رفقة كأس قارية، ومنهم من كانوا أقل حظاً، حيث وثقوا وصول الفريق لعامه الـ 100، عن طريق الحصول على قميص الفريق الجديد، الذي طُبع على واجهته تاريخ تأسيس النادي.

حين حل أبريل 2024 أطفأ النادي الإسماعيلي شمعته الـ 100 مستنداً على حائط صغير من الإنجازات، وسط إصرار على الاحتفال بمناسبة فريدة، لن يحضرها أي من مشجعي الفريق الحاليين مرة أخرى.

بالطبع، ستقام مباراة ودية مع فريق أوروبي كبير للاحتفال بهذه المناسبة الاستثنائية، وتطبع أقمصة صفراء جديد يتوسطها الرقم 100، وربما يصدر كتاب بعنوان: «الإسماعيلي: قصة كفاح عمرها مائة عام»، ولم لا تنتج إحدى الجهات أغنية توثق هذا الحدث.

لكن هنا، على أرض الواقع، حيث يبتعد الدراويش عن القمة بأشواط، وتتوالى الأزمات المادية واحدة تلو الأخرى، هل علينا أن نقلق على من وُصفوا يوماً ببرازيل مصر؟

هذه المرة، سنلجأ لمجموعة من الأندية العريقة، التي مرت بظروف مشابهة لما مر به الدراويش، لربما يمكنهم أن يمنحونا إجابة منطقية.

من يرتدي ثوب المنقذ؟

«دفعت من جيبي الشخصي 20 مليون جنيه للنادي الإسماعيلي».

— المهندس يحيى الكومي، رئيس النادي الإسماعيلي الأسبق

كما تعلم، لا يمتلك النادي الإسماعيلي مصادر دخل ثابتة، كما أن حصته في حزمة البث الفضائي قد لا تتعدى 25 مليون جنيه سنويًا على أقصى تقدير، وفي ظل مدرجات شبه فارغة يبدو الحل المنطقي والوحيد هو ظهور شخص ما من العدم؛ ليتكفل بضخ الأموال من أجل الحفاظ على قوام الفريق الأساسي، ثم تعزيزه إن أمكن.

يأتي الرئيس الجديد ومعه حقيبة وعود ممتلئة، تدور حول إعادة الفريق لسابق عصره؛ ولأننا نتحدث عن رجل - أياً كان اسمه - ينفق من ماله الشخصي على النادي، فلا بد لنا أن نتوقع منه أن ينفرد بالقرارات، بالتالي، يبدو بديهياً كذلك أن نتوقع استحالة استدامة هذا النموذج الإداري.

بنهاية التسعينيات ومطلع الألفية كان بارما الإيطالي يعيش أزهى فتراته بالدوري الإيطالي، يحرز ألقاباً قارية، ويمتلك تشكيلاً ضم مجموعة اللاعبين الذين تحولوا لأساطير فيما بعد، بينما كان كاليستو تانزي هو المنقذ الذي حول النادي من مجرد نادٍ متواضع إلى أحد عمالقة أوروبا.

ضخ تانزي، الذي ورث عن والده شركة بارمالات للأغذية ومنتجات الألبان، عشرات الملايين داخل النادي، لكن مع إعلان إفلاس الشركة الأم في 2004 انهار بارما كلياً، ورحل نجومه لأندية أخرى، وظل النادي يعاني من أزمات مادية لعقد كامل حتى أفلس تماماً عام 2015. 

وبغض النظر عن أهداف تانزي، أو حتى سوء إدارته لمؤسسته التجارية العملاقة، كانت مشكلة بارما الرئيسية في عدم وجود نظام بديل قائم يمكنه الإنفاق على الفريق حال اختفائه عن المشهد.

«حصل النادي الإسماعيلي على 5 من بطولاته الـ 6 تحت قيادة عائلة عثمان أحمد عثمان».

— الموقع الرسمي للنادي الإسماعيلي

هذه الفكرة تحديداً هي ما يجعل نادياً مثل الإسماعيلي، على عراقته، مضطراً لانتظار طفرة ما تحدث كل فترة من الزمن، كي يمنح مشجعيه بارقة أمل.

أسطورة غياب النجوم

بمراجعة تاريخ بطولات النادي الإسماعيلي، الصغير بالمناسبة، نجد أنه بجانب ارتباطها بشكل وثيق بعائلة المعلم، لم تكن مرتبطة بجلب نجوم الشباك، بل صناعتهم، عبر تقديمهم للساحة الكروية المصرية كمواهب واعدة نجحت فيما بعد في التحول لأساطير.

يقال إن داخل الثقافة الكروية الإنجليزية اعتقاد راسخ بأن مديراً فنياً يستطيع أن يقارع كل التوقعات، حيث يقود مجموعة - ليست الأقوى على الورق - لإنجاز فريد من نوعه.

حين تولى برايان كلوف تدريب نوتنجهام فورست الإنجليزي عام 1975 كان أول ما أخبره به مساعده بيتر تايلور أن الوصول للمركز الثامن بدوري الدرجة الثانية يعد إنجازاً؛ لأن قوام الفريق مكون من لاعبين درجة ثالثة.

في كتابه «سوكرنوميكس» يحكي المؤلف سيمون كوبر مجموعة من أسرار الثنائي كلوف وتايلور المتعلقة بانتداب اللاعبين. كان تايلور العين الثاقبة التي تكتشف المواهب غير المقدرة جيداً، بينما كان كلوف الرجل الذي يتولى مهمة توظيف هذه الموهبة فنياً وأحياناً تعديلها سلوكياً.

في الوقت نفسه، أكد تايلور أن أحد أهم النصائح التي يمكن أن يوجهها لأي مدرب هي بيع المواهب التي بدأت في التشبع في الوقت المناسب قبل أن يلاحظ المنافسون، حتى يحصل النادي على أكبر عائد من بيع الموهبة.

في الواقع، لم يتمكن الإسماعيلي في أي وقت من الحفاظ على نجومه الذين صنعهم، لكن المشكلة كانت دائماً في الشعور بالخزي عند التفريط في أحدهم وكأنها جريمة. بالعكس تماماً، المشكلة ليست في ترك المواهب، بل في عدم وجود شخص قادر على استغلالها بالشكل الأمثل وبيعها، ثم اكتشاف غيرها.

ربما ينشأ هذا الشعور بالحسرة لسبب بسيط، وهو الرغبة في التعلق بالماضي، بكل ما فيه من أسماء وذكريات، بدلاً من التفكير في المستقبل. وهذه أزمة تقودنا لأكثر الأمثلة شبهاً بالدراويش؛ سانتوس البرازيلي.

آلهة كرة القدم التي لا تنقذ أحداً

«عدم قدرة الأندية الجماهيرية صاحبة التاريخ العريق مثل النادي الإسماعيلي ونادي الاتحاد السكندري على مجاراة الارتفاعات الكبيرة في أسعار اللاعبين هي السبب في تراجع مراكزهم ومعاناتهم في الدوري المصري».

— علي أبو جريشة، نجم النادي الإسماعيلي

بعد 111 عاماً من إنشائه هبط سانتوس البرازيلي لدوري الدرجة الثانية لأول مرة في تاريخه. قد يبدو الخبر للوهلة الأولى صادماً، أو بالأحرى فضيحة، لكن ليس لأن سانتوس فريق جماهيري، فطبقاً لـ ذي أثليتيك، يحتل النادي الذي لعب له بيليه وروبينهو ونيمار المرتبة الـ 12 من حيث الشعبية داخل البرازيل.

لكن مع ذلك، ارتبط سانتوس في الوعي الجمعي بالمواهب التي تغذي المنتخب الوطني بلاعبين مميزين، لذا لطالما مثل سانتوس الطرف الذي يحبه مشجعو كرة القدم البرازيلية كافة.

«كنت أظن أن آلهة كرة القدم سوف تحمينا».

بيبي، زميل بيليه في سانتوس البرازيلي

حسب الصحفي البرازيلي برونو ليما، هبوط سانتوس ليس مفاجأة، فعلى مدى السنوات الأخيرة أنفق النادي الكثير من الأموال على لاعبين متواضعين، كما لم يستثمر النادي في أكاديميته، التي كانت نقطة تفوقه الأبرز مثل معظم أندية البرازيل.

تويت

بالتأكيد، لن نتمكن من حصر عدد اللاعبين الذين أبرم الإسماعيلي التعاقد معهم في السنوات الأخيرة، لكن بكل بساطة يمكننا استنتاج مدى تواضعهم بمجرد النظر لترتيب الدراويش في آخر 10 سنوات على سبيل المثال، إلا في استثناءات نادرة.

لست قلقاً

حقيقةً، لا يحدث الانهيار فجأة، بل تتراكم الأخطاء واحدةً تلو الأخرى حتى يحدث ما يظن الجميع أنه كارثة لا يمكن أن تتحقق. وبما أن الإسماعيلي، في مئويته، يبدو أقرب إلى الانهيار منه إلى صعود القمة، فعلينا أن نجيب على تساؤل أهم من هوية الفريق الأوروبي الذي سيلاقيه الدراويش في احتفالية المئوية، أو تصميم قميص هذا العام الاستثنائي، أو حتى عنوان الكتاب الذي يوثق رحلة قرن من الكفاح، وهو هل على أحد أن يقلق على الضلع الثالث لمثلث كرة القدم المصرية؟

ربما تنتظر الآن مجموعة من النصائح التي يمكن أن نقدمها لإدارة الدراويش كي تتفادى مصير الأندية العريقة أعلاه. لكن كما ترى، ارتكبت إدارات الإسماعيلي المتعاقبة كل الأخطاء الممكنة وغير الممكنة، ومع ذلك، لا يزال هناك عزاء.

على عكس أي بيزنس آخر، نادي كرة القدم محصن من الاختفاء، وهذا ما يعرفه الاقتصاديون بالمخاطرة الأخلاقية Moral Hazard، حين يتسبب شخص ما في كارثة، لكنه يدرك جيداً أن شخصاً آخر سيتحمل تبعات أخطائه.

وحين يحدث هذا الانهيار لن يجرؤ دائن أو محصل ضرائب على غلق أبواب النادي الشعبي، فيما ستبدأ الإدارة في تقليل نفقات النادي، وإذا ساءت الأمور أكثر، فربما تذهب بفريقها العريق للمنافسة في دوري أدنى؛ ذلك لأن وفاء بعض الجماهير لناديها ليس مرتبطاً بجودة المنتج الذي يقدم على أرض، بل بالتاريخ الشعبي للنادي، الذي سيجعلها تهتف له، تردد أهازيجه، داخل أي ملعب، وأمام أي منافس، حتى ولو ساءت النتائج بالضبط مثلما يحدث مع الدراويش.

# النادي الإسماعيلي # كرة القدم المصرية

كيف أتت الشركة الألمانية بنظام الدوري الجديد؟
هل يمكن للكرة المصرية مواجهة نفوذ الخليج؟
الحاج فوزي غانم: صندوق الكرة المصرية الأسود!

رياضة