رياضة

لماذا نكتب عن كرة القدم؟

الكتابة عن كرة القدم تجعل الكاتب محاصراً؛ يحتقره المثقفون، ويكرهه المشجعون. مع ذلك، قد يتمكن الكاتب الرياضي من تفسير العالم عن طريق اللعبة وحدها.

future صورة تعبيرية: الكتابة عن كرة القدم

«كرة القدم أولاً. الجنون حول كرة القدم ثانياً. ثم بقية العالم».

— كارلوس مونسيڤايس، الروائي والناقد المكسيكي

في كتابه «Age Of Football» يخبرنا المؤلف ديڤيد جولد بلات أن كرة القدم ليست بهذه الأهمية على الإطلاق؛ في النهاية نحن أمام لعبة، لكن على الرغم من ذلك، وعلى مدار قرن أكثر، لم تحظ أي رياضة أو أي من أشكال الثقافات الشعبية  بهذا القدر من التملق.

وسط استهلاك لا متناهٍ للمباريات، مشاحنات جماهيرية لا تتوقف على مدار العام، هل يمكن لأدب كرة القدم أن يُقدم لكافة البشر وجهة نظر جديدة حول لعبة غارقة في تقارير إخبارية مُعبأة مسبقاً، أو بالأحرى هل يمكننا من خلال اللعبة نفسها أن نجيب على سؤال: لماذا نكتب عن كرة القدم؟ دون أن نلجأ لعبارة «حراقة» كالتي جاءت على لسان مونسيڤايس أعلاه.

فيل في الغرفة

«كُتاب ومثقفو كرة القدم فئة محاصرة، يحتقرهم المثقفون ومشجعو كرة القدم على حد سواء».

— الروائي البريطاني مارتن آميس

أرجع ألبير كامو كل ما تعلمه عن الأخلاق والالتزام لفترة لعبه لكرة القدم. لا نعلم إذا ما كانت أفكاره وكتاباته عن عبثية الحياة قد تأثرت بهذه الفترة تحديداً، وهي احتمالية قائمة، لأنه كان يشغل المركز الأكثر عزلة، حراسة المرمى، حيث يمتلك وقتاً كافياً في إعادة التفكير في جدوى الحياة ككل الفلاسفة والكتاب أثناء انشغال من أمامه بركل الكرة.

مع ذلك، هناك حقيقة لا يُمكن تجاهلها، وهي أن كرة القدم موصومة منذ نشأتها. كان خوان خوسيه أريولا الذي يعد أفضل كتاب القصة القصيرة في أمريكا اللاتينية رفقة خورخي لويس بورخيس، يرى أن كرة القدم لعبة رجعية، خطوة للخلف، تعيد البشرية لعصر ما قبل استخدام الأدوات؛ لأنها تتجاوز استخدام الأيدي، أساس الثقافة الإنسانية.

في كتابه «Home And Away: Writing The Beautiful Game» حاول المؤلف النرويجي كارل أوڤ ناوسجارد فصل التشابك ما بين الكتابة وكرة القدم. من جهة، يرى الكاتب أن لعب كرة القدم يشبه قليلاً فعل الكتابة، فاللاعب والكاتب كل منهما يتقن صنعته عبر سنوات من التكرار والالتزام.

لكنه امتلك رأياً قاطعاً حول كرة القدم كمنتج ثقافي: كرة القدم لعبة، مناهضة للجدية، معادية للمعنى، لا تصلح للمُفكرين.

على هامش كأس العالم 2006، أقيمت ندوة في برلين بعنوان: «الأدب العالمي يلتقي بكرة القدم العالمية». وكان الهدف من الندوة التي شهدت حضور عشرات المؤلفين والكتابة إيضاح مناطق تقاطع كرة القدم مع الأدب.

أثناء كلمته، وصف المؤلف الكوري هوانغ تشي وو علاقة الكتاب بكرة القدم بأنها أشبه بالفصام؛ إذ امتلك هو وآخرون شغفاً حقيقياً بكرة القدم لكنهم أنكروه أمام العامة؛ حيث لا يُفضل أن يُنظر إلى الكاتب كمشجع كرة قدم.

ورطة أدبية

في مقال بعنوان: «The Power And Glory Of Sports Writing» يشرح الكاتب الأمريكي نيكولاس داويدوف العقبة الأبرز التي تواجه الكاتب الرياضي: وهي جعل غير المُهم ضرورة قصوى. ثم يسترسل مضيفاً أحد أسباب ندرة الأعمال الأدبية الجيدة عن كرة القدم.

في رأيه، حين يشرع الكاتب في الكتابة عن الرياضة يضع نفسه فوراً في ورطة أدبية؛ فالمتلقي يعرف نهاية مشروعه قبل أن يبدأه، وهنا عليه أن يقُص الحكاية التي يعرفها القارئ جيداً بطريقة جذابة كفاية تجعله يتمنى لو كان جزءاً من الصورة التي اختلقها الكاتب.

ربما لهذه الأسباب قد يتجاهل المثقفون والأدباء كرة القدم. مفاجأة، مشجعو كرة القدم عادة لا يقرؤون، ومن يقرأ منهم، قد يُفضل مشاهدة كأس العالم عن قراءة منتج أدبي. بالتالي، لا بد وأن يقنع الكاتب غير المهتمين باللعبة بنصه، وأن يضع جهله في اعتباره، عبر تلوين المساحات الفارغة داخل القصة أو الكتاب بظلال من المجد والألم والانتصار والهزيمة.

هذا ما برع فيه الأديب الأوروجواياني إدواردو جاليانو الذي امتلك تواضعاً كافياً ليعامل نصه الأدبي بسخرية، حين قرر أن يلخص مسيرة مارادونا أحد أعظم لاعبي كرة القدم في التاريخ في 4 كلمات: لعب، فاز، تبول، خسر.

هنا، استطاع جاليانو، أن يتخطى فكرة أن كرة القدم ليست مصممة بالأساس لتقديم سردية، فمباراة كرة القدم لا تدور حول مصير الأفراد، بل صراع بين فريقين، فكرتين أو بالأحرى فلسفتين، على عكس الملاكمة مثلاً، تبدأ القصة وتنتهي عند بطل واحد.

هكذا يمكن أن نفسر العالم

في الواقع، قد يبدو وصف كرة القدم بالنشاط المُعادي للفكر مجرد طريقة مريحة لتجنب التفكير في أحد أشكال الثقافة الشعبية؛ فبالنسبة لملايين البشر، كرة القدم لها قيمة تتجاوز قيمتها الترفيهية.

يعتقد نيك هورنبي، مشجع أرسنال التاريخي ومؤلف كتاب «Fever Pitch» أن كرة القدم تمتلك ما يكفي من الإثارة ما يجعل الكاتب في حل عن اختلاق قصص لجذب القارئ.

في مقاله: «لطالما كانت كرة القدم أكبر من مجرد رياضة»، أكد الصحفي والكاتب الإيطالي جابرييل ماركوتي أن كرة القدم ليست فرعاً معزولاً قائماً بذاته في صناعة الترفيه، بل تجربة ثقافة عالمية.

في أسبوع واحد بأكتوبر 2019، وجهت أحداث مباريات الأجندة الدولية لفيفا ماركوتي نحو الصراع التركي- الكردي، الاضطرابات ما بين كوريا الجنوبية والشمالية، صعود حركات النازيين الجدد في بلغاريا، القمع الإسباني للحركات الانفصالية الكتالونية، العنصرية وحقوق السيدات في إيران.

فرد كتاب الرياضة مساحات لهذه الأحداث أعلاه، مما يعني بداهة أن كتابات كرة القدم ليس هدفها النهائي هو الكتابة عن كرة القدم، بل الهدف هو وضع حياة ملايين البشر في الاعتبار.

وربما يبدو استبعاد أي منتج يتعاطى مع كرة القدم من الاعتبار الأدبي ليس إلا تعاملاً كسولاً مع نشاط جماعي يمكن من خلاله تفسير العالم، أو بالأحرى الإجابة عن طريقه على كل أسئلة العالم الشائكة.

# رياضة # كتابة # كرة قدم

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟

رياضة