رياضة

لماذا أكل الجيل الذهبي بعضه بعضًا؟

الصراعات بين لاعبي الجيل الذهبي لمنتخب مصر من 2006 وحتى 2010 لا تتوقف، فما الدوافع وراء تلك الصراعات؟

future الجيل الذهبي لمنتخب مصر لكرة القدم

هل تتذكرون فيلم ولاد رزق؟ مجموعة الأشقاء الذين تعاهدوا في جرائمهم ألا يتفرقوا، وأن يكونوا سويًا في الحلوة والمرة؟ ثم دب الخلاف بينهم إثر عملية فاشلة فانقلب الاتفاق رأسًا على عقب وتفرقوا عما بدؤوه؟

هذا ما يمكن أن نصف به خلافات الجيل الذهبي لكرة القدم المصرية، والذي حقق مع المعلم حسن شحاتة ٣ ألقاب متتالية في كأس أمم أفريقيا لأول وآخر مرة حتى الآن عبر التاريخ.

هذا الذي أطره خلاف يصل إلى درجة القطيعة بين محمد بركات وسيد معوض، الثنائي الذي لم ينتمِ فقط لحقبة ما يعرف بالجيل الذهبي تاريخيًا في الكرة المصرية، بل إنه قد انتمى لعدد من الأجيال الذهبية، بداية من إسماعيلي مطلع الألفية الثالثة، مرورًا بمنتخب حسن شحاتة الأنجح في تاريخ مصر، وانتهاء بكونهما من أهم عناصر جيل الأهلي التاريخي.

ليس هذا هو الصراع الوحيد ضمن صراعات عناصر الجيل الذهبي، سيد معوض لم يوعد من بركات فقط بتدريب منتخب الناشئين مواليد 2005، بل أتى وعد من حازم إمام أيضًا، وكذلك محمد شوقي الذي وعد بدوره بتدريب منتخب 2007.

يفتح هذا القوس على مصراعيه دون إغلاق، لعشرات المشاكل التي حدثت بين أفراد الجيل الذهبي، بداية من مشكلة وائل جمعة وحسام غالي، مرورًا بمشاكل جمعة مع عماد متعب، بركات مع سيد معوض ومحمد شوقي، الأخير مع أيمن عبد العزيز وحازم إمام، وكذلك حسني عبد ربه مع ميدو. وغيرها الكثير مما طفا على السطح بسرعة في سنوات لم يكد يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة منذ اعتزال آخر لاعبي هذا الجيل الذهبي الكبير.

الجيل الذهبي لمنتخب مصر والذي فاز ببطولات أفريقيا الثلاثة المتتالية، لم يستطع في أحيان كثيرة أن يسير على خطى جيل 1990، الذي رغم وجود خلافات عديدة بين أبنائه، فإنها لم تصل إلا بعد سنوات عديدة إلى التراشق الإعلامي «مجدي عبد الغني وأحمد شوبير نموذجًا» وعلى أسوأ حال لم تصل أبدًا إلى القطيعة، رغم أن كأس العالم 1990 فات عليه الآن 34 عامًا!».

وجع سيد بسبب إنه اتوعد بحاجة وما اتنفذتش! 

اللحظة التي لم يتوقع فيها سيد معوض أن يتم وعده من قبل صديق عمره، وزميله في الإسماعيلي والأهلي ومنتخب مصر، بل وشريكه التجاري، محمد بركات، بأن يتولى قيادة منتخب مصر مواليد 2005، ثم يفاجأ فيها بتعيين واحد ممن عاصروا الجيل الذهبي وإن لم ينتم كرويًا إليه وهو حازم إمام، لمدرب آخر مكانه رغم أن العديد من النقاشات دارت بين كل هذه الأطراف، خلص من خلالها سيد معوض أنه سيكون مدرب 2005 لا محالة!

أحد عناصر الجيل الذهبي في الأهلي، صرح لـ«كروم» بأسباب المشكلة، فقال لنا إن سيد معوض أرسل رسائل شديدة الوقع صعبة الألفاظ إلى حازم إمام في هذا الصدد، بخلاف ما خرج إعلاميًا منه تجاه بركات وحازم إمام في الموقف ذاته.

تباين المصالح لم يكن وليد اللحظة بين عناصر الجيل الذهبي في مشكلة «سيد معوض-بركات». نتذكر كيف انتهت علاقة الزميلين حسام غالي ووائل جمعة تقريبًا، بسبب مشاكل إدارة الكرة في الأهلي. استمرار جمعة كان يعني على الأرجح خروج حسام غالي من الأهلي، ولذلك دفع الصخرة ثمنًا باهظًا، وكان لحواره الصاخب مع إسلام صادق في المصري اليوم بعد ذلك أثر كبير في مسيرته الإدارية التي لم يكتب لها النجاح الكبير.

تباين المصالح سبب منطقي لهذه الخلافات قطعًا، لكن هناك ما يجعلنا نفكر، ما الذي يجعل التناحر يصل إلى هذا الحد؟ هل كان يمكن إعداد الجيل الذهبي بشكل نفسي أفضل كي لا يقصي بعضه بعضًا بتلك القسوة في سنوات قليلة؟

طبيب نفسي؟ هو إحنا مجانين؟

«من ساعة ما كنا بنلعب وهو بتاع مصلحته. المصلحة يمين يروح يمين، المصلحة شمال يروح شمال!».

ذات مرة سمعت هذا التصريح بأذني من أحد أفراد ما يعرف بالجيل الذهبي عن زميل من نفس الجيل. تزاملا معًا لسنوات عديدة وتحليا لفترة طويلة بعلاقة صداقة وطيدة، الآن لا تبدو العلاقة بينهما على ما يرام، نظرًا لخلاف يخص أمرًا يتحكم فيه أحدهما بما يريده الآخر، ويرفض بكل الطرق أن ينفذ له إرادته.

في اللحظة التي طرأ فيها الخلاف، كان من السهل جلب إرث من أيام الزمالة في الملاعب، وهنا يطرأ السؤال: هل كان هناك ما يعرف بالإعداد النفسي للاعبي الجيل الذهبي؟ حتى لو لم تكن هناك هيكلية واضحة مردها إلى غياب دور التأهيل النفسي في الفرق الرياضية حتى وقت قريب؟

كان حسن شحاتة القائم على الملف النفسي كله في ما يتعلق بفترة الجيل الذهبي، فكان مؤمنًا أن مدرب المنتخب مسؤول عن كل شيء يخص لاعبيه حتى حالتهم النفسية والمزاجية.

«كان يطلب منا تعيين طبيب نفسي، لكننا لم نكن نسمع الكلام. طبيب نفسي إيه اللي نجيبه للمنتخب ده اللعيبة تجننه!».
_ تصريح حسن شحاتة مع الإعلامية اللبنانية راغدة شلهوب عام 2017.

عكس الأهلي الذي اعتمد مع مانويل جوزيه على طبيب نفسي مختص هو دكتور محمد فكري، وبدرجة أدنى يأتي اللاعبون القدامى وكبار الجيل.

رياضي سوي أم رياضي فائز؟

لكن هل تهيئة فريق رياضي سواء بتأسيسه من الصفر أو التعامل مع نجومه أمر لا يحتاج حقًا هذا المنحى من الاهتمام بالطب النفسي الرياضي؟ يقول لنا إسلام فايز، المدرس بكلية التربية الرياضية جامعة الفيوم، والحاصل على درجة الماجستير في علم النفس الرياضي «بالتأكيد تحتاج تنشئة الفريق الرياضي تهيئة نفسية مختلفة، بدءًا من انتقاء اللاعبين مرورًا بمعرفة كل ظروفهم الاجتماعية التي هي من صميم عمل المدرب، لا يمكن انفصال المدرب عن ظروف لاعبيه خارج الملعب، وهذا كلام علمي وليس فقط وليد الصدفة أو العشوائية».

ويضيف فاير أنه قديمًا كان المدرب بنفسه يفعل كل ذلك، بينما أخذ دور الطب النفسي الرياضي في العالم موقعه الحالي من كأس العالم 2006 وتحديدًا في المباراة النهائية حين استدعى مارشيلو ليبي مدرب إيطاليا معدًا نفسيًا لتهيئة اللاعبين قبل المباراة، قام بتجربة محاكاة لأجواء الملعب لهم قبل 24 ساعة منها، وبالفعل دخل اللاعبون أهدأ وكانوا أكثر قدرة على تسيير المباراة من فرنسا التي رغم أنها كانت أقوى، إلا أن توتر نجمها زين الدين زيدان وتعرضه للطرد في المباراة يوحي باستعداد الإيطاليين نفسيًا على الأقل أكثر من فرنسا. 

فهدف ممارسة الرياضة الذي ينبغي زراعته لدى النشء ليس الفوز، بل الرياضة من أجل الرياضة نفسها، وهذا يخلق إنسانًا سويًا في المقام الأول وهو الهدف الرئيس الذي يعرفه المتخصصون، إنتاج لاعبين يهتمون بالفوز فقط، يخرج الكثير من الحالات غير السوية نفسيًا، ومع الاضطرابات الأسرية والاجتماعية تصبح الأمور أصعب، وفي حالة الجيل الذهبي، لم يتلق اللاعبون ربما أي نوع من الإعداد النفسي الرياضي طيلة مسيرتهم وظلوا مركزين على الفوز ولا شيء آخر. 

لكن فايز يقول إن عدم وجود مؤثرات كبرى مثل وسائل التواصل الاجتماعي في حالة الجيل الذهبي، كان كفيلًا أن تمر مسيرتهم بسلام من الناحية النفسية، لكن فور تعرضهم لها بكثافة عالية شأنهم شأن غيرهم عقب اعتزال كرة القدم، تبدأ المشكلات بأنواعها في الظهور.

كيف يرى أحد أعضاء الجيل الذهبي نفسه الأمر؟

لكن إسلام الشاطر أحد المنتمين لجيل الأهلي التاريخي، الذي تتشابه مسيرته مع الثنائي سيد معوض ومحمد بركات لحد كبير، وكان نواة تشكيل أهم أجيال الكرة المصرية، لا يرى أن هناك علاقة أصلًا بين أي شيء حدث داخل الملعب بما يحدث عقب الاعتزال، فما يحدث بعد الاعتزال له ظروفه الخاصة دون أي رواسب نفسية أو عملية قد حدثت في فترة الاحتراف.

يقول الشاطر في تصريحات خاصة لـ«كروم»: «كنا نستوعب الغيرة بين أعضاء الفريق ولا نظهرها للعلن ونحل المشاكل داخليًا بيننا، بعض التنافس الشخصي كان يحدث بين بعض اللاعبين وخصوصًا بين اللاعبين المنتمين لمركز واحد في الملعب».

ويردف: «بعد انتهاء مسيرتنا في كرة القدم، انتهت أي مشاكل تخص علاقتنا أثناء اللعب، ربما باتت هناك مشكلات جديدة لأسباب أخرى، لكن لا صلة لما كان بيننا في الملعب».

تستطيع أن ترى بوضوح نقطة أخرى، الرباعي الملقب بأبناء حسن شحاتة وهم: عماد متعب وعمرو زكي وحسني عبدربه وأحمد فتحي، لم تحدث بينهم مشاكل أو على الأقل لم تظهر على السطح منذ أنا كانوا معًا في كأس إأفريقيا للشباب 2003، 21 عامًا ظل هذا الرباعي مرتبطًا برباط ما اسمه «أبناء حسن شحاتة» وهي تسمية استنكرها كل من دخل الجيل الذهبي في ما بعد من خارج هذا المحيط، واستعملها نجم مثل أحمد حسام ميدو استعمال التهكم تارة والحنق تارة أخرى.

يخبرنا إسلام فايز يخبرنا أن حالة هذا الرباعي في ظل عدم التأهيل النفسي خارج الملعب طيلة مسيرتهم يمكن أن نردها إلى عوامل أخرى مثل أنهم لم يتشاركوا في معظم مسيرتهم ناديًا واحدًا بل اقتصر الأمر على تجمعات المنتخب التي كانت تأتي مرة كل 3 أو 4 أشهر، أو لأن حالتهم الاجتماعية بمحض الصدفة بها بعض التشابه الذي يكفل عدم وجود خلافات واضحة بينهم بعد الاعتزال. 

ربما يمكننا أن نرى في المستقبل نجومًا -أسوياء- أكثر على المنحى الرياضي، لأن المسؤولين عن الرياضة المصرية التفتوا أخيرًا إلى أهمية الإعداد النفسي الرياضي في أعقاب عدم الرضا الحكومي عن الحصيلة المصرية في أولمبياد طوكيو 2020 التي كانت 6 ميداليات، وبالتالي بات ملف الإعداد النفسي الرياضي - يعود عمره العالمي إلى نهايات القرن الثامن عشر - مدعومًا من وزارة الشباب والرياضة، ربما نرى أجيالًا أخرى في الرياضات المختلفة، لا يوجد بها أجزاء أخرى أكثر خلافًا من ولاد رزق الرياضيين.

# حسن شحاتة # كرة قدم # مصر # المنتخب المصري # لاعبون

أقاموا بالقاهرة ورفعوا علمهم بالإسكندرية: الصليبيون في مصر
التحرش وكرة القدم النسائية: الخطر الأكبر الذي يهدد اللعبة
كيف جمعت كرة القدم بين الخبث والجمال؟

رياضة