ميدو! عاوزك تعلِّمهُم «كودينج».
_محمد فاروق، عضو لجنة تحكيم مسابقة «شارك تانك».
أثناء استعراضه لمشروعه «The Maker»، وأملًا في الحصول على تمويل مادّي لفكرته التي تهدُف لتحويل اكتشاف المواهب الفذّة في كرة القدم إلى استثمار حقيقي يُحقق أرباحًا، حرص الدولي المصري السابق «أحمد حسام ميدو» على تغطية كل الجوانب التي يُمكن أن تلعب دورًا في تأسيس لاعب كرة يمتلك عقلية أوروبية.
حسب ميدو، يوفِّر مشروعه للناشئ رعاية نفسية واجتماعية ممتازة، تدريبات رياضية على أعلى مستوى، وأخيرًا يُجبر كل ناشئ على تعلُّم اللغة الإنجليزية، كي يصبح مستعدًا لخوض تجربة الاحتراف الأوروبي دون عوائق تُذكر.
بعد أن استعرض «ميدو» مشروعه كاملًا، وخطته الاستثمارية الطموحة، قام أحد أعضاء لجنة الحكام بإلقاء القنبلة الموجودة في الاقتباس أعلاه.
صمت الحضور لأجزاء من الثانية مستغربين الاقتراح، متسائلين: فهل من المنطقي أن نطالب لاعب كرة قدم بتعلُّم أساسيات البرمجة؟ «»
شاذ عن القاعدة
«في بيرنلي بدأت الأزمة حين سألت المُدرب عن سبب عدم مشاركتي في المباريات. بدأ المُدرِّب في تبرير قراره بكوني مولودًا وفي فمي ملعقةً فضيّة، نشأت بطريقة جعلتني لا اضطر لبذل مجهود لتحقيق أي شيء.»
_الإنجليزي باتريك بامفورد، لاعب ليدز يونايتد، عن مدربه في بيرنلي «شين ديتش» في 2017.
بامفورد، الذي تألَّق لاحقًا تحت قيادة المُدرِّب الأرجنتيني مارسيلو بييلسا في ليدز يونايتد، لا يُشبه لاعب كرة القدم الذي نعرفه، على العكس تمامًا، لم يأت الشاب الوسيم من خلفية اجتماعية متواضعة، بل أمضى سنوات دراسته في مدرسةٍ داخلية، حصل على شهادة «GSCE» المكافئة للثانوية العامّة، قبل أن يرفُض منحة لاستكمال دراسته الجامعية بجامعة «هارڤارد»، ضِف إلى ذلك كونه عازفًا للكمان.
أثناء إعداده لكتابه «Soccernomics»، حاول الكاتب «سايمون كوبر» الوصول لأسباب فشل المنتخب الإنجليزي في تحقيق البطولات. من ضمن هذه الأسباب كان إقصاء أبناء الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة من مجتمع كرة القدم الإنجليزي، ما يجعل البقعة التي يتم البحث بها عن المواهب مُقتصرة على أبناء الطبقة العاملة، والتي تعد مساحة محدودة جدًا للاختيارمقارنةً بالشعب الإنجليزي ككل.
وفقًا لأحد اللاعبين الذين حاورهم «كوبر» أثناء إعداده لكتابه، توجد نظرة شَك دائمة تجاه من حصلوا على تعليم جيّد؛ لأنهُّم غرباء، ليسوا كغالبية اللاعبين الذين يتم إخراجهم من المدرسة في سن السادسة عشرة بعد حصولهم على شهادة «تعليم مهني»، من أجل التركيز على كرة القدم.
تخبرنا الإحصائيات أنّ 0.5% فقط ممن يتم تسجيلهم في أكاديميات الأندية الإنجليزية في سن 9 سنوات يتمكنون في نهاية المطاف في تحويل كرة القدم لمصدر دخل دائم، بل أنّ 98% من اللاعبين الذين يحصلون على منحة دراسية من إحدى أكاديميات أندية كرة القدم الإنجليزية في سن السادسة عشرة غالبًا ما تنتهي قصتهم مع كرة القدم الاحترافية في سن الـ18.
أهم الأشياء غير المهمة
عند بلوغ الناشئ سن الثامنة عشرة، إما يقوم النادي بتوقيع عقد احترافي معه، أو يتم التخلُّص منه. يعتقد «توني بوليس»، المدير الفنِّي الأسبق لعدة أندية في البريميرليج، أنّ تجاهل هذه الحقيقة عند الحديث عن نجاح أو فشل قطاعات الناشئين في إنجلترا مثير جدًا؛ لأنّه يعني ضياع الحلم الذي تبيعه الأندية لناشئيها يوميًا في لحظة.
وبالنظر إلى حدّة المنافسة على هذا العقد الاحترافي، الذي يضمن راتبًا مكونًا من خمسة خانات، غالبًا ما يتم تجاهل الغالبية العُظمى التي تضطر لمواجهة العالم الحقيقي بلا خطة بديلة عن امتهان كرة القدم، وبحصيلة أكاديمية أقل من المتوسط الوطني الإنجليزي.
فقط ضع نفسك مكان هذا اللاعب. تنازلت للتو عن حلم النجم القادم، ثم نجحت بطريقة ما في اجتياز مرحلة الاكتئاب، ثم ما يُعرف بمرحلة «فقدان الهوّية»، وقررت أن تذهب كأي شاب عادي لأحد مراكز التوظيف، وفي جعبتك دبلومة في التعليم المهني، لم تدرسها سوى لأنّ النادي ألزمك بدراستها كجزء من التزامه الاجتماعي تجاه لاعبيه. هل تعتقد أن أي بابًا تطرقه قد يُقتح لك على مصرعيه؟
يرى «فرانك لامبارد»، نجم تشيلسي والمنتخب الإنجليزي السابق، وأحد القلائل الذين نجحوا في الجمع ما بين لعب كرة القدم عالية المستوى والنجاح الأكاديمي، أن التعليم يجب أن يكون «الخطة A» للناشئ، حيث يتمكَّن في إيجاد ما يستند عليه إذا فشل في أن يصبح محترفًا.
في الحقيقة، تبدو نصيحة «لامبارد» بديهية ومستهلكة. لذا، دعنا نتجاهل النسبة الكاسحة من الشباب الذي يفشل في الوصول، بل ونصُب كامل تركيزنا على الشريحة المحدودة التي تحقق الـ«حلم». والسؤال الآن: هل يستفيد لاعب كرة القدم المحترف بالفعل من كونه متعلمًا؟
بحثًا عن لاعب أفضل
في 2017، اعترف الإيڤواري «إيمانويل إيبويه»، نجم أرسنال السابق، أنّ حصوله على تعليم محدود للتركيز على لعب كرة القدم، تسبب لاحقًا في تحويله لشخص ساذج خسر ثروته التي جمعها طوال مسيرته بالملاعب الأوروبية.
هذه السذاجة منطقية جدًا؛ لاعب كرة القدم يبدأ مشواره الاحترافي في سن الـ18 تقريبًا، وهذا يعني أنّ هؤلاء الرياضيين، الذين لم يكتمل نضجهم، عليهُم تحمُّل مسؤولية كبيرة فيما يتعلَّق بالتعامل مع ثرواتهم، علاقاتهم التعاقدية والاجتماعية، عبر اتخاذ قرارات حاسمة قد تؤثر إيجابًا أو سلبًا على حياتهم داخل وخارج المستطيل الأخضر.
قبل عقد من الزمن، كان من 10% إلى 20% من اللاعبين السابقين يعلنون إفلاسهم طبقًا لاتحاد اللاعبين المحترفين في إنجلترا، ونسبة أكبر تعاني من صعوبات مادية بعد 5 سنوات فقط من اعتزال اللعبة.
بالطبع هناك العديد من الأسباب لمثل هذه الأزمات مثل التعرُّض للاحتيال، إدمان المقامرة، الطلاق، أخذ النصائح المالية من أشخاص ليسوا أكفَّاء، إلخ. لكن هل يعني ذلك أنّ الدراسة قد تحمي اللاعب من الإفلاس؟
الإجابة هي نعم.
يعتقد «چواو بايڤا»، مدير علاقات اللاعبين في الاتحاد السويسري لكرة القدم، أنّ لاعب كرة القدم المُتعلِّم أكثر قُدرة على فهم نفسه والعالم من حوله. لكن ليس هذا وحسب.
في بحث بعنوان: «الاستعداد لأن لا تصبح لاعب كرة قدم أمريكية»، يخبرنا مايك هاينس، أنّه طبقًا لأبحاث الرابطة الوطنية لكرة القدم الأمريكية، فاللاعبون الذين يملكون شهادات جامعية أكثر قدرة على جني الأموال، البقاء في الملاعب لوقت أطول، بل واتخاذ قرارات أفضل داخل الملعب.
طبقًا للإسباني رودريجو، لاعب مانشستر سيتي، كانت الدراسة الجامعية متنفسًا مثاليًا للخروج من ضغط كرة القدم، كذلك يعتقد فينسنت كومباني وخوان ماتا وغيرهم. لكن الحقيقة هي أن الدراسة يُمكن أن يمتد تأثيرها لما هو أكثر من ذلك.
«التعليم هو مفتاح استبدال عقل فارغ بآخر أكثر انفتاحًا».
_مالكوم فوربس.
لاعب كرة القدم صاحب التعليم المحدود، عادة ما يظهر مُبرمَجًا، هذا ما يرفضه المدرب الألماني «كريستيان سترايخ»، الذي يرى أنّ التعليم ضروري كي يحصل على لاعبين أذكياء على أرض الملعب.
بالطبع، الشهادة الجامعية ليست دليلًا على الذكاء، لكنها قد تجعل لاعب كرة القدم يتحوَّل من شخص أحادي التفكير، لآخر أكثر قابلية للتفكير في المشكلات داخل أرض الملعب وأكثر قدرة على التكيُّف مع المتغيرات خارجه.
بكل تأكيد، يُمكننا الآن تفهُّم صمت «ميدو» حين طالبه الحكم بتعليم الناشئين أساسيات البرمجة، لكنَّها ليست فكرة سيئة إطلاقًا.