29/9/2024
أولد ترافورد
لم يبلغ الـ40 بعد، يجلس في المدرج وحيداً، كثيرون من حوله، لكنه بمعزل عنهم. ربما لثقل ما يراه على قلبه أو ربما لأمر يخفيه ويخشى أن يطلع عليه أحد. عيناه غائرتان، ولحيته غزاها الشيب، وبطنه العظيمة تبحث عن مخرج طوارئ من الثوب الأسود الذي اختاره لستر ذلك الجسد المترهل.
ينقل صاحب الكاميرا الصورة بينه وبين لوحة النتيجة التي تشير إلى تأخر فريقه بثلاثة أهداف دون رد، هل النتيجة المهينة سبب حالته تلك، أم إن سبباً أعمق ملأه بالحزن والدهون؟
واين روني
12/2/2011
أولد ترافورد
بصره مصوب للسماء، وعينه معلقة بالكرة، واثق يترقب، في منطقة الخصم وأي خصم! إنه الغريم المحلي وشريك المدينة. اتخذ موقعه خلف المدافع وانتظر، تهيأ لضربة بالرأس استناداً على ارتفاع الكرة. لكن لمسة بسيطة في ظهر المدافع غيرت اتجاهها، عدل موضعه ملليمترات قليلة للخلف، ارتفع بكامل جسده عن الأرض وكأنه يتجلى، مقصية في زاوية الشيطان. لا أحد يصدق ما فعله للتو.
ركض نحو الزاوية وكأنه يكتشف الركض للمرة الأولى، بسط ذراعيه للسماء، وعب كل سعادات الحاضرين وانبهارهم في صدره، وظن في قرارة نفسه أن تلك اللحظة ستكون وقود سعادته الذي لا ينفد، هذا لا يحدث كل يوم.
من يصدق أن الفتى الذي ارتقى وسجل المقصية، هو ذاته الرجل الذي جعل منه الزمن شبيهاً لروبرت براثيون ملك الممالك السبعة في صراع العروش؟
سؤال ندعي أنه يتجاوز روني شخصياً، ويتجاوز أيضاً مجرد التلميح إلى حالة الترهل التي لم تصب روني وحده، وإنما لوحظت على عدد من مشاهير اللاعبين المعتزلين، مثل سمير نصري وويسلي شنايدر وأحمد حسام ميدو.
ومن صيغته الأكثر مباشرة: لماذا يسمن اللاعبون بعد الاعتزال؟ انطلقت دراسة ببليوغرافية لعالمين بجامعة الطب والصيدلة بمدينة تارجو موريس الرومانية، تقترح ظهور مشكلة الوزن كعرض صارخ للاعتزال، وهو العرض الذي كان مكبوحاً بالتمرينات المنتظمة والحالة الغذائية الخاضعة للإشراف الدقيق بما يجعل زيادة الوزن أمراً مستحيلاً.
وفي معظم الأحيان، يختفي ذلك التوجيه والمراقبة الدقيقة فور إعلان الاعتزال، ولو أبقي على العادات الغذائية ذاتها، فإن غياب المجهود البدني المكثف والتمرينات العضلية الحادة؛ يعطي تصريحاً للدهون والسوائل باستيطان الجسد.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أوجد البحث في قواعد بيانات ثلاث من أكبر مكتبات العلوم الطبية الرقمية، عدداً من الدراسات تثبت شيوع حالات الإصابة بخشونة مفاصل الفخذ والركبة والكاحل بين لاعبي كرة القدم المعتزلين، إضافة للآلام المبرحة في العظام والعضلات.
يتحكم في زيادة الوزن أكثر من 400 جين مختلف، ووفقاً لموقع كلية هارفارد الطبية، تتفاوت تلك الجينات في ما بينها في طريقة ومدى التأثير. فتارة تكون مسئولة عن 25% من قابلية الجسم لزيادة الوزن، وتارة تلعب دوراً أكبر بقدر يتراوح بين 70% و80%. ويبدو أن روني كان من النوع الثاني الذي يزداد وزنه بمجرد تناول أطراف الحديث مع أسرته في إجازة نهاية الموسم. ولهذا السبب تحديداً كره روني الفترة التحضيرية قبل بداية الموسم، فقد كان يعود من عطلته بوزن أكثر من المطلوب بستة أو سبعة باوندات.
من أجل خسارة تلك الباوندات قبل قياسات الوزن التقليدية في القلعة الحمراء، كان روني يتمرن بملابسه الثقيلة كاملة على الدراجة في غرفة البخار، بلا طعام أو شراب لمدة ليلة كاملة. وإن حدث، لأي سبب، ولم يتمرن لمدة أسبوع واحد فقط، فإنه وزنه يزيد باوندين أو ثلاثة من تلقاء نفسه. فما بالك لو طال الغياب خمس سنوات منذ أعلن اعتزاله ودخل مباشرة في دوامة عالم التدريب الضاغط؟
يهيأ للاعب أن امتلاء الجوانب وظهور الأرداف أسوأ شيء قد يحدث له بعد الاعتزال، ولا يدري أنه بداية نفق مظلم أو أفعوانية كالتي في مدن الملاهي، لكنها في معظم الأحوال تتجه للأسفل فقط.
إحدى الدراسات التي تناولت التغيرات النفسية في حالة لاعبي كرة القدم المعتزلين، أثبتت وجود مجموعة من الاضطرابات النفسية والصحية في ما بين 11% و29% من اللاعبين المعتزلين. تتراوح تلك الاضطرابات بين الإحساس العام بالحزن إلى القلق المرضي والاكتئاب ومعاقرة الخمر والتغير الحاد في أنماط النوم وتستغرق 12 شهراً بصورة مبدئية. وتفاقم تلك المشاعر السلبية الصدمة الأولى التي يقف فيها الجسد غريباً عن هيئته المعتادة أمام المرآة، بعدما انتفت منه علامات المثالية والكمال. وبعد السنة غالباً ما يبدأ الانهيار التام مثل تأثير قطع الدومينو.
وفقاً لمؤسسة «إكس برو» الخيرية التي أنشئت من أجل رفاهية لاعبي كرة القدم السابقين، فإن 33% من اللاعبين المعتزلين تنتهي زيجاتهم بالطلاق بعد سنة من الاعتزال، ويعلن 40% منهم إفلاسهم خلال خمس سنوات من الاعتزال. وقد نجا روني من ذلك المصير بأعجوبة.
ولا يعود له أي فضل في ذلك، وإنما غفران زوجته كولين التي تغاضت عن فضائحه الجنسية وعلاقاته المتعددة أثناء لعبه وبعد اعتزاله، وصمت آذانها عن التحريض المستمر من المقربين والمبعدين بالطلاق. وإن لم تكن سنواته في القلعة الحمراء قد أنعشت خزائنه بملايين تكفيه مؤونة العمل والقلق والإفلاس الحتمي؛ فالبداية السريعة لمسيرته التدريبية في آخر أيامه في ديربي كاونتي لاعباً ثم مديراً فنياً للفريق، وبعدها إلى نادي دي سي يونايتد ثم إلى برمنجهام بلا راحة تذكر تقريباً ضمنت له الأمان من الإفلاس القريب.
لكننا لم نر من مسيرة الجولدن بوي التدريبية حتى الآن، أي بادرة حضور استثنائي أو مميز، وليس غلواً القول إنها بلا حضور إطلاقاً سواء في أمريكا أو في الدرجات غير الممتازة من الدوري الإنجليزي، الهزائم والضغوطات والإقالات وفقط.
«هو أنا بقيت الحيطة المايلة؟ هو فيه إيه؟ الزمن! آه يا زمن! ده أنا وحش الوحوش، ده أنا اللي كنت بخلص على نص الملعب كله. خلاص الأسد سنانه وقعت؟»
على عكس باقي المهن، يأتي التقاعد للرياضيين سريعاً، خصوصاً في الرياضات التي تستلزم جهداً وافراً ككرة القدم. يفني اللاعب زهرة شبابه في إتقان مهنته، يمنحها كل الوقت والجهد وربما يصير من صفوة الصفوة أو ربما الأفضل على الإطلاق في لحظة ما. وفي أوج هذا العطاء، في الثلاثينات غالباً، يجد نفسه مطالباً بالمضي قدماً وترك كل ما يعرفه ويتقنه وراءه؛ لأن الجسد لا يرحم، ومع مرور الوقت يصبح الأمر أكثر صعوبة.
يقال إن الرياضي يموت مرتين، الأولى عندما يعتزل، والثانية عندما يموت حقاً. وللموتة الأولى عدة أوجه، تتبدى بصورتها الأعنف والأكثر فتاً في عضد صاحبها، في حالة الرثاء الذاتي والتندم على الزمان الفائت، كما هو واضح بين في حديث الكابتن مجدي عبدالغني آنف الذكر.
تعرضت دراسة نشرت عام 2021 في مجلة «علم نفس الرياضة والتدريب»، بعنوان «عند صافرة النهاية»، إلى مجموعة العوامل التي تجعل الاعتزال حدثاً مفصلياً في حيوات اللاعبين المعتزلين، منها ما هو نفسي بحت ومنها ما يترك بصمته على الجسد أيضاً، لكن فقدان الهوية والانفصال عنها المصاحب للاعتزال يأتي على رأس تلك العوامل.
يتشابه في ذلك، وفق الدراسة، اللاعبون المعتزلون في الشرق والغرب، مما يعني أن واين روني ربما لو قرأ رثاء محبيه وكارهيه على حد سواء، للحالة التي صار عليها، لاستعار مرثية مجدي عبدالغني: ده أنا وحش الوحوش.