رياضة

كرة قدم الصالات: الجذور والأثر الذي لا يمكن تخيله

المكوِّن الأكثر تأثيرًا في كثير من أجيال نجوم كرة القدم العالمية ويدينون له في تشكيل هويتهم لم يكن كرة الشوارع قط، بل كرة قدم الصالات.. فما قصتها؟

future كرة قدم الصالات

في لحظة ما يقرر رونالدينهو جاوتشو أن يتوقف عن الركض، يترك الكرة تتهادى أمامه إلى أن تتوقف تمامًا وتصبح بينه وبين الخصم. وفي لحظة سحرية يتوقف العالم كله عن الحركة في انتظار القادم، تتحرك الكرة إثر ركلة خفيفة من قدم الجاوتشو في اتجاه اليمين ليتحرك معها الخصم، ثم فجأة تنقلب القدم نفسها إلى اليسار ليبقى البرازيلي وحده رفقة الكرة وسط صيحات الجميع.

تسمى تلك المراوغة بالـ«فليب فلاب»، ورغم تعلق الملايين بتلك المراوغة على أقدام رونالدينهو، فإنه لم يكن مخترعها أبدًا، فهي العلامة المميزة لصاحب الشارب الكث الجناح الأيسر المتوج بكأس العالم 1970 روبيرتو ريفيلينو، والذي اعترف بعد الاعتزال أنه تعلمها من لاعب يدعى سيرجيو إيتشيجو.

لا تحتاج إلا أن تنظر في وجه إيتشيجو لتعرف أنه من أصول يابانية خالصة، أما ريفيلينو فهو لا يملك جذورًا برازيلية هو الآخر، فهو ابن لمهاجرين إيطاليين.

هذا يعني ببساطة أن تلك المهارة الفائقة المتعلقة بالمراوغة مثل بقية مهارات كرة القدم، لا يولد بها الناس في البرازيل، لكنها مهارات تتعلق بالبيئة التي لُعبت فيها كرة القدم في أمريكا الجنوبية، حيث الأزقة الضيقة والأرض غير الممهدة وبراعة التحكم في كرة القدم في أضيق الأماكن.

لكن جيل بيليه وريفيلينو لا يدين إلى كرة الشوارع بشكلها المتعارف عليه في تشكيل هوية كرة القدم البرازيلية، فالمكوِّن الأكثر تأثيرًا في هذا الجيل والأجيال التي تلته لم يكن كرة الشوارع قط، بل كرة قدم الصالات أيضًا.

ورغم كل هذا لم تُخترع كرة قدم الصالات على يد البرازيليين، بل إن مخترعها لم يكن لاعب كرة قدم من الأساس. بدأت القصة على يد مدرس تربية بدنية أرجنتيني وجد نفسه داخل ملعب كرة سلة دون كرة سلة في الأوروجواي، فلمعت عيناه وبدأ كل شيء.

كرة الصالات: الحاجة أُم الاختراع

استطاعت الأوروجواي، تلك الدولة الصغيرة على الخريطة، أن تجذب أنظار العالم من خلال كرة القدم. حقق منتخب السيليستي ذهبية أولمبياد 1924، ثم تكرر الأمر عام 1928؛ لذا كان الأمر منطقيًّا باستضافة أول بطولة كأس عالم عام 1930، وبلغت ذروة الجنون بتحقيق تلك البطولة والوقوف على قمة كرة القدم في العالم.

اجتاحت حمى كرة القدم بلاد الأوروجواي، الجميع أصبح مهووسًا بكرة القدم ويريد لعبها في بلاد يعود معظم ملكية حقولها إلى القطاع الخاص، كما أن هطول الأمطار المستمر خرَّب عددًا كبيرًا من المباريات.

كل هذا أدى إلى زحف منطقي إلى صالات كرة السلة والطائرة. لاحظ كل هذا الأستاذ في جمعية الشبان المسيحيين كارلوس سيراني، فقد وجد عددًا من الأطفال يركلون كرة القدم بشكل عشوائي دون أن يحاول أحدهم حملها نحو السلة.

التقط سيراني طرف الخيط، لماذا لا تُلعب كرة القدم داخل الصالات. وقرر أن يقضي عددًا لا بأس به من سنوات عمره في محاولات إضفاء الحضارة على لعبة كرة القدم التي كان يراها دومًا لعبة خطيرة وعنيفة رغم المتعة التي لم ينكرها سيراني أبدًا.

استلهم سيراني قواعد اللعبة من عدد من رياضات الصالات، لكن كان لكرة السلة التأثير الأكبر، يمكنك ملاحظة ذلك من خلال حجم الملعب وعلاماته وعدد اللاعبين في الفريق ومدة المباراة.

تم استخدام الكرة الطائرة في البداية، وسرعان ما تخلى عنها سيراني لأنها كانت خفيفة للغاية مما تسبب في كسر نوافذ الصالات، تلا ذلك عدد من التجارب العجيبة، شملت نماذج أولية مصنوعة من الفلين والخرق وشعر الخيل ونشارة الخشب.

وفي غضون عقد من الزمن تطورت هذه الرياضة وصولًا لإصدار وثيقة قواعد مكونة من ست صفحات كتبها سيراني لتصبح لعبة كاملة للبالغين عام 1933، ثم انتشرت اللعبة بشكل كبير، خاصة في البرازيل.

وبحلول خمسينيات القرن الماضي كان بيليه وريفيلينو يقطعان صغارًا ملاعب الصالات رفقة كرة القدم الثقيلة ذات الارتداد الضعيف، والتي صنعت مهارات جيل أثَّر في لاعبي البرازيل إلى يومنا هذا.

كرة الصالات تتطلب منك التفكير والتصرف سريعًا؛ لذا يصبح الأمر أكثر سهولة عندما تتحول إلى لعب كرة القدم العادية.

بيليه

كيف صنع جونينو مسيرة ميكا ريتشاردز

لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى تصل كرة الصالات إلى أوروبا. لكن التنظيم الرسمي لم يتبع نفس الوتيرة السريعة لمباراة كرة الصالات، فقد تأسس الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFUSA) في عام 1971، ولم تقَمْ أول بطولة عالمية إلا في عام 1982.

قام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بوضع خطة تطوير لكرة الصالات، بدأت في العام 1996 بعد أن أدرك نمو اللعبة عبر القارة في أوائل تسعينيات القرن العشرين، وذلك بتنظيم بطولة أوروبية للمنتخبات الوطنية في قرطبة بإسبانيا، والتي فاز بها أصحاب الأرض في النهاية.

واصل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم البناء على الشعبية المتزايدة للعبة، فقد اجتذبت بطولات كرة قدم الصالات عددًا قياسيًّا من الجماهير، وأقنعت الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بمواصلة تطوير اللعبة، لكن أثر هذه اللعبة كان يحدث بشكل أكثر بساطة.

ولأنه لا يمكن أبدًا تناول مسيرة هذه الرياضة دون أن تبرز أثرها في كرة القدم، فلم يختلف الأمر كثيرًا في أوروبا. ففي إنجلترا لم تنطلق اللعبة على المستوى المحترف في البداية، ولكنها انتشرت على مستوى القاعدة الشعبية، وكانت البداية عبر ما يسمى بمدارس كرة القدم البرازيلية.

لم تكن تلك المدارس إلا شبكة من مراكز التدريب أنشأها مدرس التربية البدنية السابق سيمون كليفورد، وهو أحد مشجعي ميدلسبره المخلصين الذي سأل في منتصف تسعينيات القرن العشرين لاعب خط الوسط البرازيلي جونينيو برنامبوكانو عن أسرار مهاراته، فأجاب جونينيو: «كرة الصالات».

لأكثر من عشر سنوات ظل كليفورد يبشر بفوائد كرة الصالات لتطوير المهارات. ولم يأخذه أحد على محمل الجد إلا بعد أن بدأ أحد خريجي مدرسته اللعب لمانشستر سيتي، والمقصود هنا هو اللاعب ميكا ريتشاردز.

هنا بدأت إنجلترا في الاستماع إلى كليفورد، حتى إنه انضم إلى نادي ساوثهامبتون في محاولة لوضع أساليبه موضع التنفيذ في عام 2005.

يمكن أن تمثل كرة الصالات تغييرًا لقواعد اللعبة بالنسبة للاعبي كرة القدم في إنجلترا مستقبلًا، وقد أثبتنا ذلك. يجب أن يكون هؤلاء اللاعبون البرازيليون العظماء دليلًا كافيًا على التأثير الذي يمكن أن تحدثه بالنسبة للاعبين الذين يطورون مهاراتهم بهذه الطريقة في المراحل المبكرة.

سيمون كليفورد

فيفا والصبغة الرسمية

انتشرت اللعبة في كامل أوروبا بالطبع، لكنها شهدت تطورًا ملحوظًا في إسبانيا، ولذا يبرز التنافس في كرة الصالات بين البرازيل وإسبانيا بشكل أساسي وشرس. ومع الوقت مورست اللعبة في أكثر من 100 دولة حول العالم وفقًا لـFIFA، الذي تولى السيطرة على اللعبة في عام 1990، وأدخل أيضًا قواعد جديدة من أجل جعلها أكثر ملاءمة للتلفزيون، مثل لعب رميات التماس بالأقدام، كما يُسمح لحراس المرمى بمغادرة منطقتهم، والأهم من ذلك كله، يمكن تسجيل الأهداف داخل منطقة الجزاء، فكرة قدم صالات سيراني كانت متأثرة بكرة اليد فيما يتعلق بأماكن تسديد اللاعبين!

غُيِّرت الكرة أيضًا إلى نسخة أخف قليلًا وأكبر حجمًا من السابق، حيث زيدت إلى الحجم 4، ولكنها لا تزال مثقلة لتقليل الارتداد، واستُبدل بمساعدي الحكم الحكمَ الثاني، وقُدِّمت تبديلات غير محدودة، لكن الأهم أن الاسم الرسمي لكرة الصالات أصبح فوتسال، وهو الاسم المشتق من فوتبول سالا، أي كرة قدم الصالات بالبرتغالية.

خلال طفولتي كل ما كنا نلعبه هو كرة الصالات. ساعدتني مساحة اللعب الصغيرة على تحسين قدرتي على التحكم عن كثب، وكلما لعبت كرة الصالات، شعرت بالحرية. لولا كرة الصالات لما أصبحت اللاعب الذي أنا عليه اليوم.

كريستسانو رونالدو

قواعد اللعبة

ربما لزمنا الآن أن نستعرض بعضًا من قواعد تلك اللعبة التي أنشأها سيراني بمزيج من ألعاب الصالات، ثم تطورت كثيرًا وصولًا لشكلها الحالي.

يتكوَّن كل فريق من 14 لاعبًا، خمسة منهم، وفيهم حارس المرمى، يكونون على أرض الملعب في أي وقت، مع تبديلات متجددة وغير محدودة.

يستمر كل شوط 20 دقيقة، مع ساعة تتوقف عندما تكون الكرة خارج اللعب؛ يمكن لكلا المدربين أيضًا طلب مهلة مدتها دقيقة واحدة لكل منهما في أي وقت من الشوطين.

تُلعب الركلات الحرة وركلات الجزاء بشكل عام كما هو الحال في كرة القدم، ومع ذلك بمجرد أن يرتكب الفريق خمسة أخطاء في الشوط الأول، يحصل خصومهم مقابل كل خطأ لاحق على تسديدة حرة نحو المرمى من علامة الجزاء الثانية، والتي تكون على بعد عشرة أمتار، والمعروفة غالبًا باسم ركلة الجزاء المزدوجة.

أما إذا كان الخطأ أقرب إلى المرمى، فيمكن تسديد الركلة الحرة من مكان حدوث المخالفة. في نهاية الشوط الأول تُمحى كل الأخطاء، لكن لا تُمحى قبل أي من الفترتين الإضافيتين، حيث لا تزال أخطاء الشوط الثاني تحتسب.

هناك أربعة حكام للمباراة: الحكم على خط التماس المقابل للمقاعد، والحكم الثاني على خط التماس الآخر، وكلاهما يمكن أن يدخل الملعب إذا لزم الأمر، وحكم ثالث بجانب الطاولة في منتصف الملعب لمراقبة التبديلات واحتساب الأخطاء، والاتصال مع الحكم المسئول الآخر عن ضبط الوقت.

يُطرد اللاعبون بسبب بطاقتين صفراوين، أو واحدة حمراء مباشرةً، ولا يشاركون في المباراة. وبعد الطرد يلعب الفريق المعاقب لمدة دقيقتين بلاعبين أقل واحدًا، وإذا لم تستقبل شباكه خلال تلك الفترة هدفًا، يعود عدده إلى التمام على الفور. ولا يمكن استخدام اللاعب الذي طُرد مرة أخرى.

# رياضة # كرة قدم

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟

رياضة