فن

فيلم The Secret Agent: لماذا نقاوم وكم مرة يجب أن نموت؟

بين كرنفالات الألوان وعبث الرصاص، يبحث فيلم «The Secret Agent» عن قيمة المقاومة في مواجهة الأسرة، هل يصبح كل زمن تقضيه بعيدًا عن أسرتك هو زمن ضائع؟

future مشهد من فيلم «The Secret Agent»

كيف شاهد الناس تحفة «Serpico» لسيدني لوميت للمرة الأولى في السينما؟ في بداية السبعينيات، كيف شاهدوا بعدها بعشر سنوات آل باتشينو حينما قام ببطولة «Scarface»؟ وكيف استقبلوا عودة برايان دي بالما للعمل مع باتشينو مرة أخرى بعدها بعشر سنوات في «Carlito's Way»؟ ولماذا يصبح الحديث عن هذه التحف السينمائية بدايةً لمقال عن فيلم جديد في المسابقة الرسمية لمهرجان كان في دورته الـ78 لعام 2025؟

العديد من الأسئلة، لكنها أسئلة تعد بالكثير حينما نتحدث عن فيلم «The Secret Agent» للمخرج البرازيلي «كليبر ميندونسا فيلهو» ومن بطولة «فاجنر مورا» بطل المسلسل الشهير «ناركوس». لكن دعنا نضيف سؤالًا أخيرًا قبل أن نبدأ: كم مرة يمكن أن يموت المرء؟

استبداد ومقاومة

تدور أحداث الفيلم حول قصة مارسيلو، مهندس برازيلي وخبير تكنولوجي، يصل إلى المدينة البرازيلية «ريسايف» خلال أسبوع الكرنفال، ويحاول أن يجد مكانًا آمنًا يسمح له باستعادة ابنه الذي يعيش رفقة الجد والجدة منذ أن ماتت الأم.

لا يستغرق الفيلم وقتًا طويلًا حتى يعرّفنا على هذا العالم. ندرك منذ مشهد البداية أننا نعيش في برازيل السبعينات، تحكمها سلطة فاسدة، ويبدو أن بطلنا على الجانب الآخر من هذا النظام.

يفتتح الفيلم أحداثه قبل وصول مارسيلو إلى المدينة؛ يتوقف لملء سيارته بالوقود، فيفاجأ بجسد رجل ميت ملقى أمام محطة الوقود، ومغطّى جزئيًّا بالجرائد. وحينما تصل الشرطة أخيرًا، بعد قرابة ثلاثة أيام من الانتظار، يصبح همّها الأول هو التطفل عليه، ثم ابتزازه لنيل بعض المال أو السجائر. هكذا يقدّم ميندونسا عالمه السينمائي.

عالم كرنفالي بألوان السيبيا

نتعرّف عقب الافتتاحية على مجموعة من الهاربين داخل مدينة ريسايف، بأسماء ندرك لاحقًا أنها مستعارة. يعيش «مارسيلو» رفقة هؤلاء في بناية تديرها امرأة عجوز تملك حس فكاهة أيقوني. الزمان هو السبعينات، والمكان هو برازيل خلال فترة الكرنفال؛ عالم مزدحم مليء بالألوان، بالأزياء التنكرية، بالموسيقى، والرقص، والاحتفال.

يقدّم الفيلم تصميم مواقع وأزياء ولقطات بصرية تذكّرك بتحف خالدة في تاريخ السينما. تشعر أنك في عالم سينما السبعينات. يوجد فارق كبير بين محاكاة الزمن وإعادة خلقه. لا تكفي المؤثرات، بل يلزم حضور روح العصر. وهذا ما يحققه ميندونسا هنا بشكل أكيد. السبعينات ليست احتفالات فقط، بل عنف وعبث أيضًا، وأهم من كل هذا: سينما تهتم بصنع أفلام ممتعة للجمهور ومؤثّرة في أفكاره كذلك.

عنف وعبث

يهندس ميندونسا فيلمه ليعمل كفيلم جريمة وتشويق، وينجح في خلق إيقاع مناسب لذلك. لكنه يرفع مستوى العنف لدرجة تنقل الفيلم إلى نوع آخر: العنف العبثي. يصبح توقع ما يحدث ضربًا من المستحيل، فكل الخيارات متاحة، والجميع في محاولة لقتل الجميع.

يصبح العنف هنا، في بعض اللحظات، مثيرًا للضحك، لكن ميندونسا لا يتورّط في عنف احتفالي. يبقى الأمر قاسيًا ومخيفًا.

لا ننسى أن بطلنا ومن معه مهدَّدون، ولم يتورّط أيّ منهم في جريمة. يكفي في الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة أن ترفض التورّط في الفساد، لتصبح مهدَّدًا بالقتل.

لماذا نقاوم؟ وكم مرة نموت؟

حينما تكتمل فصول الحكاية، يصبح مركز الفيلم ليس محاكاة عنف السبعينات أو إعادة خلقه، بل البحث عن قيمة المقاومة في مواجهة العلاقة بالأسرة. يمكنك أن تتخذ كل القرارات الصحيحة. يمكنك أن تكون بلا خيارات أصلًا. لكن في النهاية، كل زمن تقضيه بعيدًا عن أسرتك، عن ابنك، هو زمن ضائع من علاقتكما معًا.
هل يشفع لك ما تفعله في هذا الوقت؟ هل سيتذكّر ابنك ذلك؟ هل سيتذكّرك شخصيًّا؟!

هكذا ينتهي الفيلم بمشهد يكمل التنقّل الزمني بين الحاضر والماضي. يترك المشهد أثرًا ربما أعمق بكثير من الجروح التي خلّفها الرصاص.

# سينما عالمية # سينما # فن

فيلم Sirat: تعزية صوفية لأب حزين
الحياة بعد سهام: بطولة مطلقة للعائلة
وجوه العنف المُقنعة: كيف يخفي الخطاب الفني إيذاء النساء؟

فن