فن

فيلم «No Beast so fierce»: سينما تظهر العرب كوحوش

فيلم يحكي كيف يرى اليمين المتطرف العرب كوحوش برية، فهل يخرج المشاهد العربي، الألماني، أو حتى العالمي بجديد عن العرب في برلين بعد مشاهدة الفيلم؟

future الممثلة السورية كندا حميدان في فيلم «لا حيوان بكل هذه الوحشية»

عائلتان عربيتان تتصارعان على عالم الجريمة في برلين، لكنهما يتبادلان مونولوجات ويتشاركان ديالوجات طويلة كتبها شيكسبير، هذا ما يقدمه المخرج الألماني برهان قرباني في فيلمه«لا حيوان بكل هذه الشراسة»، أحد أهم أفلام العروض الخاصة في برليناله 2025. 

يقدم قرباني فرصة لفريق تمثيل عربي للقيام بأدوار البطولة في فيلم كبير يتم عرضه على منصة كبيرة، فيلم صاحب طموح فني في تقديم معالجة معاصرة لتراجيديا ريتشارد الثالث، وطموح ربما أهم في تقديم نقد سياسي واجتماعي لحاضر المجتمع البرليني، لكن هل يصل الفيلم في النهاية لأي من هذه الطموحات، وهل يخرج المشاهد العربي، الألماني، أو حتى العالمي بجديد عن العائلات العربية في برلين بعد مشاهدة الفيلم؟ 

العراب يلتقي بروميو وجولييت

مشهد من فيلم لا حيوان بكل هذه الوحشية

تدور تراجيديا ريتشارد الثالث التي كتبها شيكسبير عن قصة عائلتي يورك ولانكستر المتصارعتان على العرش، وكيف يستخدم ريتشارد الحيلة والخيانة والقتل للوصول للعرش حتى على حساب دماء إخوته وحتى أطفال عائلته، هذه الحكاية الدموية استلهمها قرباني ونقلها للعائلات العربية في برلين.

تختلط الحكاية مع إحالات سينمائية وأدبية أخرى، حيث ينقل قرباني هنا إرث ريتشارد إلى رشيدة ابنة العائلة الصغيرة والتي تملك طموح قيادة العائلة، وفي سبيل ذلك تضحي باخوتها، يبدو المقارنة هنا مع الكلاسيكية السينمائية «العراب» أمر طبيعي، فالفيلمان يدوران عن عائلات إجرامية من أصول مهاجرة، وكلاهما يظهران تطور شخصية صغير العائلة ليصبح وحشها وقائدها. 

لكن الفارق الكبير للغاية بين الفيلمين أن كوبولا يقدم حكاية عن بشر، يمكن الشعور بما يمرون به، يمكن تفهمهم في بعض اللحظات، ويمكن رؤية كيف تتغير دوافعهم وشخصياتهم مع مرور الوقت، على جانب آخر يقدم قرباني معالجة عن شخصيات لا يمكن وصفها بالبشرية، مسوخ مشوهة، لا يمكن التماهي معها ولا تمر بتطورات أو تغييرات مهما حدث. 

الإحالة الأدبية الأخرى هي قصة شيكسبير «روميو وجولييت» عن علاقة حبيبين من أسرتين بينهما عداوة لا تمكن الحب من التحقق، هنا تظهر علاقة رومانسية بين رشيدة من عائلة يورك وشابة أصبحت أرملة من عائلة لانكستر، يصبح الحب هنا في الحكاية المعاصرة بين إمرأتين عربيتين، لكنه يبقى مسرحيا أيضا دون تعبير غير منطوق أو رغبة في التضحية من أجل الحبيب. 

الجدار الرابع يتم تفجيره 

تتحدث رشيدة التي تؤدي دورها السورية كندا حميدان مع الكاميرا منذ الفصل الأول في الحكاية، تنطلق في مونولوجات طويلة وفي أداء شديد المسرحية، رغم ذلك لا نتفهم دوافعها وغضبها، يتحطم الجدار الفاصل بيننا وبين عالم الفيلم من البداية، عقب ذلك يخلط قرباني بين الواقع والحاضر والماضي، في بعض اللحظات نشاهد واقع بشوارع برلين التي نعرفها، وفي لحظات أخرى نصبح في واقع ديستوبي في صحراء سمائها حمراء، وفي الفصل الأخير من الفيلم يبدو وكأننا في مدينة مهدمة. 

هذه الفوضي ليست عيبا في حد ذاتها، لكنها تصبح غير مبررة طالما لم تؤثر في سرد الحكاية ولا في تطور الشخصيات. يمكن تفهم المقاربة التي يصنعها قرباني مع ما يتخيله عن ماضي هذه العائلات العربية، وكأن رشيدة ترى ذكرياتها وذكريات أهلها في أحد حروب الشرق الأوسط التي هربوا منها، لكننا بالكاد نرى شيئاً عن هذا وبالكاد نسمع عن هذا الوطن الذي تركوه. 

لا ينجح الأداء التمثيلي والتجسيد الجيد التي تقدمه كندا حميدان في إنقاذ الفيلم، تقدم حميدان هنا تجسيد شيطاني لإمرأة مخيفة، يكفي أن تنظر إليك لتجمدك في مكانك، لكن الشر يحتاج دائما لجانب إنساني، هذا ما يغيب في النص كما يتم فقده تماما في الفصل الآخير.

ولسخرية القدر تصبح شخصية القاتلة المأجورة التي تؤدي دورها الفلسطينية هيام عباس هي عنصر التحول الوحيد في حبكة الفيلم، السخرية هنا لأن قرباني قرر استخدامها بشكل يصنع من اللغة العربية فيتيش سمعي تماما كما يستخدم عارضات الأزياء الأجانب وشوم مكتوبة باللغة العربية دون أن يدركوا معناها، تتحدث عباس" بلغة عربية فصحى وسط حوارات ألمانية، تتحدث لكنةً ولغةً لا يتحدث بها أحد داخل الفيلم ولا يتحدث بها أحد في أي مكان في العالم.

لكن شخصيتها على الرغم من ذلك تمر بتحول في دوافعها وسلوكها، تبدأ كقاتلة محترفة خبيرة ترسم خط على يديها في كل مرة تقبض فيها روحا جديدة، وتنتهى وهي رافضة لذلك وراغبة في العودة للوطن الأم، ربما لو كانت هذه هي الشخصية الرئيسية لأصبح للفيلم مسار أخر. 

العرب كحيوانات في عقل رجل أبيض

مشهد من فيلم لا حيوان بكل هذه الوحشية

حينما نكتب مراجعة نقدية لفيلم سينمائي نحاول قدر الإمكان أن نبتعد عن الحكم الشخصي على صناع الفيلم، كما نحاول قدر الإمكان أيضا أن نبتعد عن السياق غير الفني لأجواء عرض الفيلم، لكن هنا يصبح هذا صعبا للغاية. يتم عرض فيلم «لا حيوان بكل هذه الوحشية» ضمن مهرجان برلين السينمائي الذي يتم مباشرة قبل الانتخابات البرلمانية الألمانية، يعاني العرب وذوي الأصول العربية والملونين عموما من عنصرية وتيار يميني كاره للأجانب يبدو أنه يحظى بأكثر لحظاته شعبية داخل ألمانيا ربما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. 

يستند اليمين المتطرف الكاره للأجانب على صور نمطية عن العرب في برلين، ويضعهم كمسئولين عن كل شر، يبدو هكذا فيلم برهان قرباني -الابن لأبوين مهاجرين من أفغانستان!- كفانتازبا داخل عقل رجل ألماني متطرف كاره للعرب، يشبع قرباني كل الصور النمطية التي يتخيلها هؤلاء عن العرب، قتل، دعارة، مخدرات، وحشية غير مبررة، وصف تفصيلي لقتل الأطفال وسحق رؤوسهم.

يحمل الفيلم أيضا اسم «Kein Tier so wild» بالألمانية، وصف Tier تصبح ترجمته الحرفية حيوان كما يمكن استخدامه بمعنى وحش، يصبح الفصل عن السياق السياسي والمجتمعي صعب للغاية بسبب هذا أيضا، لأننا نعيش في توقيت يرى فيه البعض العرب في منزلة أدنى من البشر، ويصفوهم في خضم عملية إبادة بنفس الوصف حيوانات. 

تخرج هكذا من الفيلم بغصة كمشاهد عربي، وبصور نمطية فانتازية مشبعة كمشاهد ألماني، وكمشاهد عالمي يصبح الفيلم صاحب محتوى وإيقاع عشوائي، يوفر بعض لحظات المتعة البصرية أو السمعية، خصوصا مع مزج الأحلام ومونولوجات شيكسبير مع موسيقى تيكنو صاخبة، يقدم هذا تجربة فنية تجريبية يمكن تقديرها، لكن لا يبقى من شخوص الفيلم وتفاصيله معك إلا أقل القليل حينما تنتهي من مشاهدته.  

# فن # سينما عالمية # مهرجان برلين السينمائي # شكسبير

صورة قابض الأرواح في السينما: كيف تغلب المخرجون على هاجس الموت
مسار تيريزا الأزرق: رحلة عجوز في الأمازون
الثقافة الرمضانية والوظيفة الفسيولوجية للفن

فن