فن

«فولدمورت»: هل يصبح الجمهور جزءاً من العملية الإبداعية؟

بميزانية ضئيلة، ونتائج مدهشة، حقق الفيلم إقبالاً كبيراً، بدايةً من صدور المقطع الدعائي على مواقع التواصل الاجتماعي، ليحظى حتى الآن بـ20 مليون مشاهدة.

future ملصق فيلم «فولدمورت: أصول الوريث»

تخيل أن ينتظر منك جمهورك تقديم عمل وعندما ترفض يصنعونه بأنفسهم!

أفق الخيال غير المحدود

إحدى مميزات العوالم الخيالية، أنها مبنية على تفاصيل متشعبة، تسمح بخلق عشرات القصص والشخصيات الجديدة، بعيداً عن القصة الأصلية لهذا العالم، فمثلاً فيلم «حرب النجوم» الذي صدر عام 1977، ينطلق من نقطة تسبق الأحداث الفعلية، وينتهي عند ذروة واضحة ومكتملة، إلا أن العالم الخيالي شديد الاتساع الذي يدور الفيلم في فلكه، سمح بوجود 10 أفلام أنتجت لاحقاً حتى الآن من لدن العالم الخيالي نفسه، فضلاً عن المسلسلات التي عرضت على منصة ديزني.

مشهد من فيلم «حرب النجوم»

تقول الروائية كيت ميسنر التي أبدعت عدداً من الروايات والقصص الخيالية، «تماماً مثل الحياة الحقيقية، فإن العوالم الخيالية تشتغل باستمرار ضمن سلسلة من القوانين الاجتماعية والمادية، وهذا ما يجعل هذه العوالم المعقد، قابلة للتصديق وشاملة وتستحق الاكتشاف»، وتكمل قائلة، «كُتّاب الخيال قاموا حرفياً ببناء عوالم. يضعون القوانين والخرائط والأنساب واللغات والثقافات والأكوان، ومن تلك العوالم تبزغ القصص تلو الأخرى».

وكلامها ينطبق بالتأكيد على الأديب البريطاني ج. ر. ر. تولكين الذي ابتدع عالم الأرض الوسطى الذي يدور به أحداث «سيد الخواتم» و«الهوبيت»، حيث ابتكر تولكن أرضاً جديدة تماماً، لها خرائطها ومدنها ومعمارها وقوانينها الاجتماعية ومخلوقاتها ولغاتها، عالم موازٍ بشكل كامل لكوكب الأرض بكل ما فيه من تفاصيل، والحقيقة أنه ومن بعد تولكن، ما من أحد تمكن من تكرار النجاح والشعبية العالمية، إلا كل من الروائي الأمريكي جورج ر. ر. مارتن مبدع «عالم الممالك السبعة»، الذي يدور به أحداث «صراع العروش» ومؤخراً «آل التنين»، وأيضاً الروائية البريطانية ج. ك. رولينج مبدعة العوالم السحرية لـ «هاري بوتر».

مشهد من فيلم «سيد الخواتم»

النسخة المترجمة إلى العربية من سلسلة روايات هاري بوتر، تصل عدد صفحاتها إلى قرابة الأربعة آلاف صفحة عبر سبعة كتب، فضلاً عن الكتب الأخرى والمبنية كذلك على نفس العالم الخيالي السحري لبوتر، أحد هذه الكتب هو كتاب إرشادي بعنوان «وحوش مذهلة وأين تجدها»، ولم يظهر اسم رولينج على غلاف الطبعة الأولى منه، بل ذُكر اسم الكاتبة المتخيلة «نيوت سكاماندر» التي ألفت الكتاب المدرسي لهاري بوتر، وقد تحول لاحقاً إلى سلسلة أفلام من بطولة إيدي ريدماين، صدر منها ثلاثة أجزاء، لذلك كان من الطبيعي أن ينطلق خيال جمهور هاري بوتر هو الآخر ليكتب قصصه وشخصياته بل ويحولها إلى أفلام!

الجمهور يصنع أفلامه التي ينتظرها

تجد على «يوتيوب» أن لكل عمل فني ذي شعبية جمهوراً كبيراً يصنع فيديوهات منزلية تحاكي عوالمه بشكل بدائي، فيديوهات ليس لها قصة أو تفاصيل درامية، ولا تتجاوز كونها محاكاة لمشاهد القتال بالأسلحة الفانتازية، ولكنها تجعل صناعها يشعرون أنهم يعيشون داخل أفلامهم المفضلة، لكن الجمهور هذه المرة لم يكتفِ بمجرد صنع فيديوهات خفيفة، ولكن قرر صناعة فيلم سينمائي!

صحيح أنه ليس فيلماً رسمياً، ولم يحظ على موافقة ج. ك. رولينج، لكنه فيلم جيد الصنع، ذو ميزانية بسيطة، وفريق عمل مكون من مجموعة من الأصدقاء، أنتجته شركة «Tryangle Films» بميزانية تقدر بـ15 ألف يورو، جُمع جزء من المبلغ عن طريق حملة تمويل جماعي من المهتمين بالفيلم، وإن كانت الحملة لم تكتمل بسبب دعوى قضائية من شركة «وارنر برذرز»، المالكة لحقوق عوالم هاري بوتر، إلى أن توصل صناع الفيلم إلى تسوية، تسمح لهم بإصدار الفيلم طالما أنه غير تجاري، الفيلم من كتابة وإخراج جيانماريا بيزاتو وبطولة ستيفانو روسي في دور توم ريدلي، الذي سيعرف لاحقاً بسيد الظلام لورد فولدمورت، الخصم الرئيس في عالم روايات هاري بوتر.

تريلر فيلم «فولدمورت: أصول الوريث»

عندما صدر المقطع الدعائي للفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي، حقق إقبالاً كبيراً، وأصبح مرتقباً من جماهير هاري بوتر، وبعد صدور الفيلم مجاناً على يوتيوب، حظي حتى الآن بنسبة مشاهدة تقترب من الـ20 مليون مشاهدة، الفيلم ناطق باللغة الإنجليزية رغم أن الفيلم تم تصويره بالكامل في إيطاليا وجميع القائمين عليه إيطاليون، وهو ما حافظ على البنية اللغوية لعالم بوتر الذي يدور في بريطانيا، ويتحدث جميع من فيه الإنجليزية، مما ساعد أيضاً على ترويج الفيلم عالمياً.

فيلم «فولدمورت: أصول الوريث» يستخدم العوالم السحرية ذاتها وشخصية فولدمورت فقط، أما القصة وجميع الشخصيات الأخرى، فهي أصلية وجديدة تماماً، ولم تذكر من قبل في أي كتب لـ ج. ك. رولينج، وبالرغم من ذلك تبدو الأحداث متماشية تماماً مع كتاباتها، نظراً للبناء المحكم للعالم الداخلي الذي خلقته مؤلفته.

فيلم من وإلى الجماهير

مشهد من تصوير فيلم «فولدمورت: أصول الوريث»

تدور أحداث الفيلم حول توم ريدلي الطالب بمدرسة «هوجورتس» الذي يتضح أنه ينحدر من عائلة سليذرين، أحد السحرة الأربعة الذين أسسوا المدرسة، و لكنه ينقلب على بقية الورثة من أبناء السحرة الثلاثة الآخرين، ويتحول إلى الشر الخالص.

يبدأ الفيلم بـ غريشا ماكلاجين إحدى الورثة الثلاثة وهي تحاول اختراق مؤسسة أمنية رفيعة المستوى داخل الاتحاد السوفيتي، لتتمكن من سرقة مذكرات توم ريدلي،  وهناك يقبض عليها ويُفتح تحقيق معها لفهم ملابسات الاقتحام، ومن خلال سرد التفاصيل نعرف أن فولدمورت الذي قسّم روحه إلى سبعة أقسام من أجل الخلود كما ظهر في رواية «هاري بوتر ومقدسات الموت»، واستخدم عدة أغراض مختلفة مثل كأس وقلادة وخاتم، هذه الأغراض تنتمي للورثة الثلاثة وقد سرقها توم منهم بعدما قتلهم جميعاً، وغريشا تحاول استعادة مذكرات توم لتتمكن من فهم مخططاته واستيعاب مساعيه، خصوصاً وأنها تحبه وترى أنه لا يزال يحتفظ بجانب خيّر يمكن إنقاذه، قبل أن يتضح في النهاية أن غريشا ليست إلا فولدمورت نفسه، ويحاول استرداد مذكراته من أجل أن يودع بها جزء من روحه.

الفيلم جيد فنياً، خصوصاً في الجانب البصري منه، حيث التصوير والمؤثرات بصرية واجتهاد فريق العمل للبحث عن أماكن تصوير خارجية تتشابه مع تلك التي ظهرت في أفلام هاري بوتر، إضافة إلى صناعة أفضل بيئة بصرية ممكنة من خلال الميزانية الضئيلة المحكوم بها الفيلم، والنتيجة مدهشة حقاً، ومن العبث مقارنتها مع البذخ الإنتاجي الهوليودي الذي يصل إلى ملايين الدولارات، فباستثناء لقطات بسيطة، بدت الصورة مقنعة على الأقل من زاوية استخدام السحر والانتقال اللحظي من مكان إلى آخر، وإن كان الأمر لم يخلُ من مراهقة فنية طبيعية، جعلت استخدام المؤثرات أحياناً فائضاً عن حاجة المشهد، وبالرغم من الاجتهاد الكبير في كتابة السيناريو وخلق حوار من صميم عالم رولينج، إلا أن التمثيل والدوبلاج كان من الممكن أن يكون أفضل لو تم التدريب عليه لفترة أطول من ذلك، تصميم الإنتاج استخدم بومة حقيقية كان لها وقع جيد في أحد المشاهد، ولكن بسبب السقف الإنتاجي دارت المشاهد في عدد محدود من الديكورات ولكنها متنوعة لونياً وشكلياً، والنتيجة النهائية بعد شهور طويلة من الإعداد، هو أن العمل حقق نسبة مشاهدة عالية تعكس اهتمام الجمهور الموجه له الفيلم.

مشهد من فيلم «كل شيء في كل مكان دفعة واحدة»

ليس من المستغرب إذن أن يظهر بعد أربع سنوات فيلم «كل شيء في كل مكان دفعة واحدة»، الذي تأتي خبرة بعض صناعه من عالم اليوتيوب والميزانيات البسيطة، وتكون مؤثراته البصرية جيدة جداً حتى عندما توضع في مقارنة مع أفلام مارفل التي صدرت في نفس الموسم، بل ويصبح الحصان الأسود في ليلة الأوسكار ويختطف لنفسه سبع جوائز منها، وهو ما يعطي الأمل لكل صناع الأفلام، وقدرتهم على تحقيق رؤاهم الفنية بإمكانات في متناول اليد.

# سينما # فن # سينما عالمية # مراجعات سينمائية

بين الحزن والانتظار: فيروزية المشرق ومشرقية فيروز
فيلم «أبو زعبل 89»: عن مصر التي نعرفها
فيلم «The Apprentice»: الحقيقة وراء دونالد ترامب

فن