معرفة

فلتة وقانا الله شرها: كيف تفاعل الصحابة مع بيعة أبي بكر؟

كيف نجت دولة الإسلام من فتنة كادت  تعصف بها بسبب تنصيب أبي بكر الصديق خليفةً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟

future صورة تعبيرية (أبو بكر الصديق)

على الرغم من معرفة الجميع أن النبي، صلى الله عليه وسلم، سوف يموت يومًا ما، {إنك ميت وإنهم ميتون} (سورة الزمر - الآية 30) فإن موته سبب إرباكًا في مجتمع الصحابة.

ولعل أبرز مثال على ذلك رفض عمر بن الخطاب فكرة موت النبي، إذ تروي لنا كتب التاريخ، مثل «أنساب الأشراف للبلاذري» رواية لعمر الذي يدخل على النبي في اللحظات الأخيرة من حياته ومعه المغيرة بن شعبة، وبعد خروجهم بلحظات يعلن وفاته، فيرفض عمر ذلك ويقول للمغيرة الذي كان قد أخبره بوفاة النبي: «كذبت، ما مات رسول الله، والله لا يموت حتى يُؤمر بقتال المنافقين».

بينما أورد ابن سعد في طبقاته رواية للواقدي، تقول إن عثمان بن عفان قال بعد وفاة النبي، إنه لم يمت ولكن رُفِع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم.

رفْضُ بعض كبار الصحابة لفكرة موت النبي كان من الأدلة، التي تؤكد أن النبي لم يحدد معالم ما بعد وفاته ومن سيخلفه في أمر المسلمين ولا الطريقة التي يجب على المسلمين اتباعها عند اختيارهم لحاكمهم.

وما زاد حدّة الأزمة، هو عدم وجود نص في القرآن يوضح للمسلمين طريقة اختيار من سيكون في السلطة بعد وفاة النبي.

أما المشهد العام لمجتمع المدينة فكان سوداويًا حزينًا للغاية، إذ تورد رواية أخرى عن عبدالله بن عمر أنه بعد انتشار خبر موت النبي بكى الناس في المدينة، وكادت البيوت تسقط من شدة صراخهم وعويلهم على موت رسولهم.

في وسط هذه الأجواء الحزينة غير العادية يتم تحضير النبي للصلاة عليه ودفنه، وأثناء ذلك بدأت تصل إلى نخبة الصحابة المهاجرين أنباء اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لمناقشة انتخاب كبير الخزرج سعد بن عبادة الأنصاري لخلافة النبي.

لم توضح لنا كتب التاريخ كيف علم المهاجرون خبر هذا الاجتماع في السقيفة، ولكن قد يكون تسريب خبر هذا الاجتماع من داخل السقيفة نفسها، لأن الخلاف بين الأوس والخزرج لم يستطع الإسلام محوه بشكل كامل، ولذلك كان كل فريق يريد أن يبعد الآخر عن هذا الأمر قدر المستطاع.

ما سبب اجتماع الأنصار؟

لم تكشف لنا كتب التاريخ أيضًا عن سبب هذا الاجتماع، هل هو لإدارة وحكم مدينتهم (المدينة المنورة) واختيار حاكم لهم على الطريقة القبلية أم كانوا يرون أنهم أحق بالأمر من المهاجرين، بما أن عاصمة الدولة هي مدينتهم التي اختار النبي أن يؤسس دولته فيها؟

في كتابه «الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر»، يقول الدكتور هشام جعيط: «إن الأنصار كانوا يرغبون في تحاشي هيمنة قريش، وكان خوفهم يدور حول استيلاء عشائر قريش الكبيرة التي دخلت الإسلام متأخرة على السلطة، فتقرر الانتقام منهم- أي الأنصار- لأنهم كانوا سيف النبي في حروبه الأولى ضد قريش نفسها».

تقول الروايات، إن خبر الاجتماع وصل إلى أبي بكر الصديق الذي قرر التوجه فورًا للسقيفة واصطحب معه عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح، وسط تجهيز بني هاشم لتغسيل ودفن جثمان النبي.

وبدأ نقاش اختلفت حدته بين المهاجرين من جهة والأنصار من الجهة الأخرى، بخصوص من له الحق في هذا الأمر بعد النبي المعصوم، عليه الصلاة والسلام، وبدأت الأنصار على لسان الحُباب بن المنذر، في عرض فكرة تقسيم السلطة مناصفة بين الفريقين، «منا أمير ومنكم أمير»، ثم هدد ثلاثي المهاجرين بالقتال في حال إقصاء الأنصار عن الأمر وقال: «أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب، إن شئتم فرزنا، فرددناها جذعة».

قرر عمر بن الخطاب أن يرد على الحُباب ولكن أبا بكر الصديق قرر إسكاته ليقدم هو ردًا وصف بالعقلانية والمنطق، وبدأ حديثه بذكر فضل الأنصار وكيف كانوا سندًا للنبي، «نصرتم وآويتم وآسيتم، فجزاكم الله خيرًا»، ثم حدد شكل السلطة بقوله: «نحن الأمراء وأنتم الوزراء» وليبعد أي جدال بشأن هذا الشكل، أكد أن العرب لن تقبل أن يكون خليفة النبي بعيدًا عن قبيلته، «لن تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش، الأئمة من قريش».

يرد الحُباب على مقولة أبي بكر الصديق، ويكشف عن مخاوف الأنصار من سيطرة نخبة قريش على الأمر، التي قد تكون هي السبب الأبرز الذي دفع الأنصار لعقد هذا الاجتماع فورًا بعد موت النبي، ومن دون المهاجرين، إذ قال: «نخشى أن يكون الأمر في أيدي قوم قتلناهم فيحقدوا علينا».

استطاع أبو بكر بردوده العقلانية أن يزيل مخاوف الأنصار ولو قليلًا عندما قدم صاحبيه عمر وأبا عبيدة، كأشخاص مرشحة للسلطة، «إن تطيعوا أمري، تبايعوا أحد هذين الرجلين»، ولكن عمر رفض ذلك العرض بشدة، وأكد أن أحق شخص بهذا المنصب هو أبو بكر نفسه، وقال: «ما كان لأحد أن يؤخرك عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله، فابسط يدك»، فبسط يده فبايعه عمر، وبايعه أسيد بن حُضير، ثم بايعه من كان في السقيفة.

انهارت جبهة الأنصار فورًا بفضل عدة عوامل، أولها، قوة حجة المهاجرين، التي أكدت أن العرب لن تعترف بخليفة للنبي إلا من عشيرته (قريش)، ولتبديد أي مخاوف، أكد أبو بكر أن الاختيار سيكون وفقًا للفضل الديني والسابقة، «نحن المهاجرين أول الناس إسلامًا، وأوسطهم دارًا، وأمسهم رحمًا برسول الله».

أما العامل الثاني، فكان بسبب الصراع بين الأوس والخزرج، الذي لم يستطع الإسلام القضاء عليه بشكل كامل. فالاجتماع الذي تم في السقيفة كان يناقش بيعة سعد بن عبادة كبير الخزرج، وبعد وصول ثلاثي المهاجرين، وانتهى الأمر ببيعة أبي بكر، كان من أوائل من بايعوا الخليفة الأول أسيد بن حُضير، وهو كبير الأوس الذي مال إلى كفة أبي بكر.

وفي كتابه «صفة الصفوة» يورد بن الجوزي رواية على لسان أسيد بن حُضير، كانت عاملًا حاسمًا في القضاء على أي فرصة لسعد بن عبادة والأنصار بشكل عام في أمر السلطة وتصدع جبهة الأنصار أمام مقاومة المهاجرين، «تعلمون أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان من المهاجرين فخليفته إذًا ينبغي أن يكون من المهاجرين، ولقد كنا أنصار رسول الله، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته».

ومع هذا التصدع الداخلي لجبهة الأنصار، كان هناك تحركات خارجية تمثلت في الضغط العسكري، لقبيلة أسلم ووجود عناصرها في شوارع المدينة بعدّة وعتاد الحرب، التي كانت بينها وبين قريش تحالفات، ولذلك تم استخدام تلك القبيلة من قِبَل المهاجرين كأداة من أدوات الضغط على الأنصار.

ففي تاريخه أورد الطبري رواية عن أبي مخنف تقول: «أقبلت أسلم بجماعتها، فبايعوا أبا بكر فكان عمر يقول: ما هي إلا أن رأيت أسلم، أيقنت بالنصر».

ينتهي أمر السقيفة بمبايعة جميع من كانوا فيها لأبي بكر، ما عدا سعد بن عبادة الذي يعد أول من رفض بيعة الخليفة الأول.

اقتلوا سعدًا قتله الله!

رفض سعد بن عبادة أن يبايع الخليفة الأول، وتنص رواية في «تاريخ الطبري» على لسان عمر بن الخطاب أن الجمع في السقيفة، بعد بدء مبايعتهم الخليفة الأول وتكالبهم على ذلك، كادوا يطؤون سعد بن عبادة الذي كان مريضًا وقتها، «فبايعته، أي أبا بكر الصديق، المهاجرون والأنصار، ثم نزونا على سعد، أي وثبوا عليه من تكالبهم على الخليفة الأول لبيعته، حتى قال أحدهم قتلتم سعد بن عبادة! فقلت، أي عمر بن الخطاب، قتل الله سعدًا».

بعد البيعة، قرر سعد بن عبادة التوجه إلى الشام ليقيم بها.

يورد البلاذري رواية مفادها أن سعد رفض بيعة الخليفة الأول، والخليفة الثاني، فقرر الأخير، عمر بن الخطاب، في فترة خلافته أن يرسل إليه رجلًا يدعوه للبيعة، فرفض وقال له: «لا أبايع قرشيًا أبدًا»، فهدده الرجل الذي لم يوضح البلاذري اسمه بالقتل لو لم يبايع عمرًا، وفي النهاية رماه بسهم وقتله.

وبعد ذلك يورد البلاذري في كتابه «أنساب الأشراف»، رواية أخرى، وعلى الرغم من غرابتها فإنها هي الأشهر، وهي قتل الجن لسعد بن عبادة ونصها كالآتي: كان سعد جالسًا يتبول، فرمته الجن، فقتلته، ثم سُمِع صوتًا يقول:

قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة -- رميناه بسهمين فلم نُخْطِ فؤاده

الرواية الأخيرة، قد تكون قد تم وضعها في ما بعد، لإبعاد فكرة أن السلطة الإسلامية في عهد الخلافة كانت تتخلص من المعارضة بالاغتيال.

قول سعد «لا أبايع قرشيًا أبدًا» إن صحت تلك الرواية، فهي تدل على أمر مهم، وهو احتمال عدم صحة الحديث المروي عن النبي، صلي الله عليه وسلم، «الأئمة من قريش». لأنه لو صح ذلك الحديث عن النبي المعصوم، لكان هو أهم حجة ودليل للمهاجرين ضد الأنصار في السقيفة، ولما تجرأت الأنصار على التفكير في اجتماع السقيفة من الأساس.

سادة قريش: بنو عبد مناف وبيعة الخليفة الأول

الجزء الأكبر والأهم للمعارضة، فكان من بني عبد مناف (بني هاشم، بني أمية) وهم أقرب الناس للنبي نسبًا.

تكمن معارضتهم للبيعة متباينة في كتب التاريخ، والروايات بخصوص هذا الشأن، غير واضحة ومتضاربة، ولا تعبر عن سبب واحد لهذه المعارضة.

فالبلاذري، في كتابه «أنساب الأشراف» يورد رواية يعاتب فيها علي الخليفة الأول الصديق، «بعد بيعة السقيفة، ذهب أبو بكر المسجد، ليبايعه باقي الصحابة، فسمع العباس بن عبدالمطلب، وعلي بن أبي طالب، التكبير في المسجد، وكانوا لم يفرغوا من غُسل النبي، صلي الله عليه وسلم، فسأل علي: ما هذا؟ فقيل له: بويع لأبي بكر بالخلافة. فخرج علي وقال: يا أبا بكر، ألم ترَ لنا حقًا في هذا الأمر؟ قال: بلى، ولكني خشيت الفتنة، وقد قلدت أمرًا عظيمًا، فقال علي: وقد علمت أن رسول الله أمرك بالصلاة وأنك ثاني اثنين في الغار، وكان لنا حق ولم نستشر والله يغفر لك، وبايعه».

الرواية توضح أن عليًا عاتب الخليفة الأول لأنه لم يستشره ولم يستشر بني هاشم في أمر خلافة النبي، ويبدو أن سيدنا عليًا كان يرى أنه يجمع بين القرابة الشديدة للنبي، فهو ابن عمه وزوج ابنته السيدة فاطمة، إضافة إلى السابقة في الإسلام، لكونه ضمن أول ثلاثة أفراد دخلوا الإسلام. ولهذا كان يرى أن هذا الأمر لا يجب أن يتم من دون مشورته، ولذلك كانت تلك المعاتبة.

أما الرواية الثانية التي توضح وجهة نظر مختلفة تمامًا فأظهرت أن بني هاشم كانوا يرون أنهم أحق الناس بخلافة النبي، وكانت كلها ترى أن علي بن أبي طالب هو أنسب هاشمي لهذا الأمر.

فالرواية يذكرها البلاذري أيضًا في الجزء الثاني من كتابه «أنساب الأشراف» وتقول: «قال العباس لعلي: ما قدمتك إلى شيء إلا تأخرت عنه، وكان قد قال له لما قبض النبي: أخرج حتى أبايعك على أعين الناس، فلا يختلف عليك اثنان، فأبى وقال: أو منهم من ينكر حقّنا ويستبد علينا؟ فقال العباس: سترى أن ذلك سيكون، فلما بويع أبو بكر، قال له العباس: ألم أقل لك يا علي؟».

هذه الرواية توضح أن بني هاشم كانت ترى أنها أحق بهذا الأمر، بينما كان يرى الإمام علي أنه أمرٌ مفروغٌ منه، أو منهم من ينكر حقنا ويستبد علينا؟ بل كان يرى أنه حقهم.

بينما الرواية الثالثة التي ذكرها الطبري في تاريخه تقدم صورة جديدة عن الروايتين الأولى والثانية والتي تقول: «خرج علي ما عليه إزار ولا رداء، عجلًا، كراهية أن يبطئ، حتى بايع أبا بكر».

أما وجهة النظر الشيعية، التي يمثلها كتاب «نهج البلاغة» المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب وجمع محتواه الشريف الرضي، فتؤكد أن عليًا في إحدى خطبه، قال صراحة إنه أحق الناس بخلافة النبي بعد موته: «أما والله لقد تقمصها- أي الخلافة- ابن أبي قحافة- يقصد هنا أبا بكر الصديق- وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى».

الجانب الآخر من المعارضين كانوا بني أمية الفرع الثاني لبني عبد مناف، كانت من شخصيتين، أهمهم أبو سفيان الذي قال لعلي بحسب رواية أوردها البلاذري قال فيها: «أترضون أن يلي أمركم ابن أبي قحافة؟ أما والله لئن شئتم لأملأنها عليهم خيلًا ورجالًا. فقال علي: لست أشاء ذلك. ولولا أنّا رأينا أبا بكر أهلًا لها ما خلّيناه وإياها».

بينما الشخصية الثانية الأموية التي عارضت خلافة أبي بكر هو خالد بن سعيد الذي توجه إلى علي بن أبي طالب وقال له: «أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي أمركم عليكم غيركم؟ فقال علي له: أو غلبة تراها؟ إنما هو أمر الله يضعه حيث شاء؟».

متى بايع علي بن أبي طالب؟

مع تضارب الروايات بشأن الخلاف بين الخليفة الأول وعلي بن أبي طالب كما ذكرنا أعلاه، نصل إلى السؤال المهم: متى بايع الإمام علي سيدنا أبا بكر الصديق؟

يورد ابن الحجر العسقلاني في كتابه «فتح الباري شرح صحيح البخاري» رواية طويلة نقتطع منها الجزء التالي، «فلما توفيت السيدة فاطمة دفنها زوجها علي ليلًا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر الستة».

وبعد كل هذا الروايات التي أوضحناها، نرى أنه لا يوجد إجماع، على الوقت المحدد الذي بايع فيه علي بن أبي طالب الخليفة الأول أبا بكر الصديق. ولكن هناك بعض الشواهد التي تجعلنا نركن إلى أن البيعة تمت بعد فترة طويلة.

الشاهد الأول هو تعدد الروايات التي تؤكد أن عليًا وبني هاشم كانوا يرون أن أمر البيعة لا يتم إلا بمشورتهم وبرضاهم.

الشاهد الثاني، هو عدم وجود أي ذكر للإمام علي خلال حروب الردة التي حدثت خلال فترة الصديق، عندما أعلنت العرب ردّتها عن الإسلام بعد موت النبي، صلي الله عليه وسلم. فعند قراءة تفاصيل حروب الردة لا نرى الإمام عليًا حاضرًا فيها، وهذا الإقصاء الذي قررته القيادة السياسية قد يكون بسبب موقفه من البيعة، وعليه تم تحديد تحركاته أو تهميش دوره.

يقول تقي الدين بن تيمية في كتابه «مجموع الفتاوى»: «وجميع الحروب التي حضرها علي، رضي الله عنه، بعد وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثلاثة حروب: الجمل، وصفين، وحرب أهل النهروان. والله أعلم».

فلتة وقى الله المؤمنين شرّها

الفلتة في اللغة العربية، هي الأمر الذي يحدث من غير رويَّة وإحكام، وعند وضعك لهذا المعنى حاضرًا في ذهنك ترى أن بيعة الخليفة الأول أبي بكر الصديق كانت بالفعل هفوة وحدثت بشكل متسرع وغير مخطط له.

في «تاريخ اليعقوبي» رواية عن عمر بن الخطاب قال فيها: «کانت بيعة أبي بكر فلتة، وقي اللَّه شرها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه».

وهناك رواية أخرى مثلها أوردها البخاري في صحيحه عن لسان عمر أيضًا/ «إنما كانت بيعة ‏‏أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس فيکم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. من بايع رجلًا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي تابعه تَغِرّة أن يُقتلا».

من تلك الروايتين نرى أن سيدنا عمر الذي كان شاهدًا لوقائع السقيفة بأكملها، كان يرى أن بيعة الخليفة الأول فلتة، كانت من الممكن أن تسبب فتنًا أو خلافًا بين المسلمين، ولكن الله أبعد ذلك عنهم.

أما سبب وصف عمر بن الخطاب لبيعة أبي بكر الصديق بالفلتة، فراجع إلى أن بيعته تمت من دون مشورة المهاجرين، وهم أصل الدين وعماده، وكما قال أبوبكر الصديق في حديثه مع الأنصار في السقيفة: «إن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش، هم أوسط العرب دارًا ونسبًا، هم أول من عبد الله في هذه الأرض وآمن بالله وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده».

حديث الخليفة الأول من الممكن استخدامه ضده، فبعد كل هذه المناقب التي عدّها للمهاجرين، تمت بيعته بعيدة عنهم، ومن حضر تلك البيعة من المهاجرين مع الصديق كان عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح.

ومن المعلوم أن هذا الثلاثي كان يُنسب إلى أحياء متواضعة من قريش، فأبو بكر الصديق كان من بني تيم، وعمر من بني عدي، بينما أبو عبيدة فهو من بني الحارث بن فهر التي تنتمي إلى قريش الظواهر، وهم أقل شرفًا من قريش البطاح.

أما الفروع المهمة لقريش، مثل بني عبد مناف (الهاشميين– الأمويين)، لم يكونوا حاضرين، ولم تتم استشارتهم، ولذلك ثاروا ضد البيعة بدرجة صغيرة، تمكن المجتمع الإسلامي من احتوائها ولم تخرج عن السيطرة وتمت البيعة، ورضى عنها الغالبية ونجت دولة الإسلام من فلتة كادت  تعصف بها.

# الخلافة الإسلامية # تاريخ # الصحابة # تاريخ المسلمين

حوار| كايل أندرسون: توثيق تاريخ الفلاحين أجمل تجارب حياتي
بسبب التنافس على السلطة: أشهر قصائد المعارضة عند العرب
أقاموا بالقاهرة ورفعوا علمهم بالإسكندرية: الصليبيون في مصر

معرفة