مجتمع

عودة الهنود الحمر: كيف يؤثر السكان الأصليون في الانتخابات الأمريكية؟

كيف تمكن الهنود الحمر من تزايد تأثيرهم في الانتخابات الأمريكية خلال العقدين الماضيين وأبرزوا قوتهم، بعد أن كانت قضاياهم بعيدة عن اهتمام الأمريكيين؟

future صورة تعبيرية (عودة الهنود الحمر: كيف يؤثر السكان الأصليون في الانتخابات الأمريكية؟)

يتزايد تأثير الهنود الحمر في الانتخابات الأمريكية يوماً بعد يوم، فمع ازدياد إقبالهم على التصويت في الولايات المتأرجحة استطاع الرئيس جو بايدن الفوز في عام 2020. ويُقدر عدد السكان الأصليين في الولايات المتحدة بـ 3%، إلا أنهم كتلة تصويتية قوية في بعض الولايات؛ فيُشكِّلون أكثر من 10% من سكان نيو مكسيكو، وحوالي 13% في أوكلاهوما، ونحو 20% في ألاسكا.

تاريخياً كانت قضايا السكان الأصليين بعيدة جداً عن اهتمام معظم الأمريكيين، ولم يكن الناخبون الأصليون متحالفين بقوة مع أي من الحزبين، لكن في العقدين الماضيين، استطاعوا إبراز قوة تأثيرهم في بعض السباقات الانتخابية؛ فقد ساعدت أصواتهم السناتور ليزا موركوفسكي، من ألاسكا، في الفوز بحملتها الانتخابية في عام 2010؛ وأعادوا انتخاب السناتور جون تيستر، من مونتانا، في عام 2018؛ ودفعوا جو بايدن إلى القمة في 2020.

كامالا هاريس

اليوم تخوض نائبة الرئيس، كامالا هاريس، المنافسة الرئاسية، وقد تعهدت بدعم السيادة القبلية، وهي الأقرب إلى نيل تأييد الهنود الحمر لعدة أسباب؛ فبالإضافة إلى كونها مرشحة الحزب الديمقراطي، فقد اختارت حاكم ولاية مينيسوتا، تيم والز، نائباً لها، وهو شخص يحظى بشعبية بين السكان؛ فبعد انتخابه حاكماً لولاية مينيسوتا في عام 2018، أُعيد انتخابه في عام 2022، ونال ثناء قادة الهنود الحمر باعتباره شخصاً يفهم الأمم القبلية ويحترمها. كما أن نائبته، بيجي فلاناغان، تنتمي لقبيلة «وايت إيرث»، وإذا فازت هاريس بالرئاسة، فستصبح فلاناغان أول امرأة وأول شخصية على الإطلاق من السكان الأصليين تشغل منصب حاكم أي ولاية أمريكية.

تبارى قادة الهنود الحمر في مينيسوتا في إعلان تأييدهم للثنائي هاريس ووالز؛ فقال غرانت جونسون، رئيس مجتمع «برايري آيلاند»، الذي يبلغ عدد سكانه 1100 نسمة، إنه شعر بالسعادة بمجرد سماعه الخبر. وقال كول ميلر، رئيس مجتمع «شاكوبي ميدواكانتون سيوكس»، إن والز دعَّم السلطات القبلية علناً وبكل قلبه منذ أن كان في الكونجرس.

وينتظر الهنود بشغف اللحظة التاريخية لإعلان تولي فلاناغان حكم مينيسوتا. ولا تقتصر أصداء هذه الخطوة المنتظرة على هذه الولاية فقط، بل ستكون سابقة تُحتذى في أنحاء البلاد، وسترفع من شأن الهنود الحمر وتمثل إلهاماً كبيراً لهم.

وفي ولاية ويسكونسن المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين، هناك 2.5% من مواطنيها ينتمون للسكان الأصليين ويُنسب إليهم الفضل في ترجيح كفة الرئيس جو بايدن بهذه الولاية في انتخابات 2020. وفي أريزونا لعب الأمريكيون الأصليون دوراً حيوياً في تحويل الميزان لصالح بايدن في الانتخابات الماضية، وهذه الولاية المتأرجحة هي ساحة معركة حامية أيضاً في انتخابات الكونجرس، وكانت تُعتبر ذات ميول جمهورية حتى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لكنها اتجهت نحو الديمقراطيين مؤخراً؛ حيث فاز بايدن فيها بفارق ضئيل في عام 2020، أقل من 10500 صوت، بعد ازدياد المشاركة القبلية بشكل ملحوظ، مما ساهم في فوز بايدن في ولاية لم تختَرْ ديمقراطياً في الرئاسة منذ عام 1996.

من الصعب تحديد العدد الدقيق لأصوات الأمريكيين الأصليين في أريزونا، نظراً لأن العديد منهم أصبحوا يقيمون خارج المحميات، لكن بحسب تقييم وكالة «أسوشيتد برس» فإن الناخبين داخل دوائر محميات نافاجو وهوبي فقط، شكَّلوا نحو 60 ألف بطاقة اقتراع خلال انتخابات عام 2020، وهي زيادة كبيرة مقارنة بنحو 42500 بطاقة اقتراع في عام 2016.

مظالم تاريخية

لم يحظَ الهنود الحمر بالحق في التصويت في الانتخابات الفيدرالية إلا منذ 100 عام، فالعام الحالي يصادف الذكرى المئوية لمنح حق التصويت للسكان الأصليين عام 1924، مع إقرار قانون المواطنة الهندية، ولم يُسمح لأولئك الذين يعيشون في المحميات في نيو مكسيكو بالتصويت حتى عام 1948. وحتى بعد ذلك، استُخدمت أساليب لمنع مشاركتهم في التصويت؛ من اختبارات القراءة والكتابة إلى فرض ضرائب على الاقتراع، مما تسبَّب في إبعاد أجيال منهم عن صناديق الاقتراع.

ولم يكن الهنود أصلاً يحملون الجنسية الأمريكية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، حتى مَن حاربوا منهم في صفوف الجيش الأمريكي لم يحصلوا على الجنسية إلا عام 1919، وحتى اليوم تعد المحميات الهندية أكثر المناطق تخلفاً في أنحاء البلاد. وفي كتابه حق التضحية بالآخر، يُقدِّر الباحث منير عكش عدد من أُبيدوا من الهنود الحمر بنحو 112 مليون نسمة، وانتُزعت أراضي من بقي منهم وأُودعوا محميات بدائية مغلقة.

ديب هالاند

لمع من الهنود الحمر عدة شخصيات حققت نجاحات مهنية كبيرة؛ فظهر منهم رجال أعمال أثرياء وأكاديميون، لكن بقيت تلك الأمثلة استثناءات تؤكد القاعدة، وتعد وزيرة الداخلية الحالية، ديب هالاند، أرفع شخصية من الأمريكيين الأصليين، وأول من تولى منهم منصباً وزارياً. وقبلها كان تشارلز كورتيس، هو الأمريكي الأصلي الوحيد الذي تولى منصباً رفيعاً؛ إذ كان نائب الرئيس هيربرت هوفر بين عامي 1929 و1933، لكنه كان يُعرِّف نفسه بأنه «12.5% هندياً أحمر من قبيلة الكاو و100% جمهورياً».

تنتمي الوزيرة هالاند لقبيلة لاغونا بويبلو في نيو مكسيكو، ودخلت التاريخ عام 2018 باعتبارها واحدة من أول سيدتين من السكان الأصليين في الكونجرس، وهي ديمقراطية حتى النخاع؛ فقد قادت فرع الحزب الديمقراطي في نيو مكسيكو بعد تراجع وضعه، واستعادت الولاية من الجمهوريين في انتخابات الكونجرس، وساعدت هيلاري كلينتون في الفوز بكل أصوات نيو مكسيكو عام 2016.

تبنت هالاند بقوة خطة الرئيس بايدن للحفاظ على البيئة والمياه، واستعادت الحماية لمئات الآلاف من الأفدنة التي اقتطعها الرئيس السابق دونالد ترامب لصالح أنشطة التعدين والصناعة والطاقة، والتي تضم الآلاف من المواقع المهمة لقبائل الهوبي ونافاجو ويوت، وشعب لاجونا بويبلو الذي تنتمي إليه هالاند.

أسَّست هالاند وحدة للمفقودين والقتلى داخل مكتب الشئون الهندية، لمحاولة حل آلاف القضايا المفتوحة المتعلقة باختفاء وقتل الهنود الحمر وسكان ألاسكا الأصليين بسبب الانفلات الأمني في المحميات، كما أنشأت فرقة لتغيير الأسماء الجغرافية المهينة، وتابعت تنفيذ قانون حماية قبور الأمريكيين الأصليين وإعادتها إلى الوطن، الذي صدر في عام 1990، والذي يُمكِّن القبائل من استعادة بقايا أجدادهم من أي متحف أو مؤسسة تتلقى تمويلاً فيدرالياً. كذلك دعَّمت هالاند قانون رعاية الطفل الهندي، الذي يمنع نزع الأطفال الهنود من قبائلهم، وذلك للتبني من قِبل غير الهنود.

فتحت هالاند تحقيقات مُطوَّلة في انتهاكات المدارس الداخلية ضد الهنود الحمر، ونظَّمت جلسات استماع لأبناء القبائل لتسجيل شهادات الناجين وتوثيق ما حدث في تلك المدارس قديماً، من انتهاكات مروعة نفسية وجسدية وجنسية على أيدي أعضاء الكنائس المالكة لتلك المدارس.

نظر السكان الأصليون إلى هالاند باحترام كبير منذ أن أصبحت أول وزيرة للداخلية منهم، لذا فإن الكثير منهم كان يتردد في انتقادها، لكن ثقتهم في قدرتها على الدفاع عن احتياجاتهم تضاءلت، وتعرضت لبعض الانتقادات بسبب فشلها في وقف مشروع «ويلو» للحفر النفطي في ألاسكا، واتهمها آنذاك النشطاء القبليون بأن وجودها في البيت الأبيض يوفر غطاءً لتمرير القرارات الضارة بأراضيهم.

مطالب وقضايا الهنود الحمر

تقبع نسبة كبيرة من الهنود الحمر تحت خط الفقر، وتتحدث السلطات الفيدرالية عن جهود لرفع مستوى معيشتهم ومنح امتيازات اقتصادية لتعويضهم، لكنهم يشتكون من التمييز، ولا يشعرون بقدرتهم على إيصال أصواتهم للسلطة؛ لذا كان عام 2020 هو العام الذي شهد تحولاً كبيراً، وأظهر لهم الإمكانات التي يتمتعون بها، فتلك هي المرة الأولى التي شعروا فيها بأنهم قرروا نتيجة الانتخابات الرئاسية.

ففي دولة ديمقراطية، يعتبر حق الاقتراع هو الحق المدني الأكثر أهمية، لأن ممارسته هي الوسيلة الرئيسية لحماية الحقوق الأخرى، ومن المتوقع هذا العام أن يكون لهؤلاء الناخبين تأثير، ليس فقط في السباق إلى البيت الأبيض، بل أيضاً في السيطرة على الكونجرس.

فعلى سبيل المثال، تعد أريزونا من أكبر الولايات التي تضم ناخبين من السكان الأصليين، حيث يبلغ عددهم أكثر من 300 ألف، ويشكل السكان الأصليون 6% من إجمالي سكان أريزونا وفقاً للمؤتمر الوطني للهنود الأمريكيين، وتحتل الولاية المرتبة الثالثة على مستوى الولايات التي من المرجح أن يشكل فيها الناخبون الشباب السباق الرئاسي، وفقاً لبيانات جامعة تافتس، والولاية الأولى من حيث تأثير الناخبين الشباب على انتخابات مجلس الشيوخ.

ورغم منح السكان الأصليين المواطنة عام 1924، لم يُمنح السكان الأصليون في أريزونا حق التصويت حتى عام 1948. واليوم يعد مجلس القبائل المشتركة في أريزونا أحد أقدم وأكبر المنظمات القبلية المشتركة في البلاد، وهو عبارة عن اتحاد يضم 21 أمة قبلية في الولاية، ويهدف المجلس لتوحيد أصوات الهنود الحمر وتشكيل كتلة تصويتية ضاغطة تختار مرشحيها في أي منصب على حسب مدى دعمهم لقضاياها، وبالتالي يتنافس المرشحون على كسب أصواتهم. لكن مثل هذه المبادرات تواجه مقاومة من الناخبين الأصغر سناً، بسبب رغبتهم في عدم المشاركة في نظام أضر بمجتمعاتهم ولا يشعرون بالانتماء له.

كذلك هناك موجة إحباط من أداء إدارة بايدن الديمقراطية لعدة أسباب؛ منها دعمه للإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، فالعديد من السكان الأصليين احتجوا على منصات التواصل الاجتماعي أو ذهبوا إلى الاحتجاجات السلمية للتضامن مع الفلسطينيين، فهم يعرفون بعمق معاني الإبادة والفصل العنصري وحبس أصحاب الأرض في محميات معزولة لصالح المستوطنين.

ويرى الهنود الحمر أن أصواتهم يجب ألا تُمنح للديمقراطيين بشكل تلقائي، بل مقابل تنفيذ مطالبهم وتحسين أوضاعهم، رغم أنهم محسوبون على الديمقراطيين بصفة عامة، فعندما فاز دونالد ترامب بالرئاسة عام 2016 نظَّم الهنود الحمر تظاهرة في شيكاغو احتجاجاً على ذلك.

وتعد أبرز مطالبهم اليوم توفير الموارد الاقتصادية والأكاديمية والرعاية الصحية والأمن في المحميات، والتي تبدو وكأنها تنتمي لدولة فقيرة من دول العالم الثالث، فرغم التقدم الأمريكي الهائل، فإن ذلك لم ينعكس على محميات الهنود الحمر، بسبب عقلية المستعمر، التي ما زالت تسيطر على كثير من الساسة الأمريكيين في تعاملهم مع السكان الأصليين، أولئك الساسة من أحفاد المستعمرين القادمين من وراء البحار قبل قرون من الزمن.

# الانتخابات الأمريكية # الولايات المتحدة الأمريكية # انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024

من هو ماركو روبيو المرشح لمنصب وزير الخارجية الأمريكي؟
هيجسيث: وزير دفاع يكره المرأة في الجيش الأمريكي
فيلم Civil war: متى تبدأ الحرب الأهلية الأمريكية؟

مجتمع