تُعرّف الحبكة الدرامية على أنها الشيء الذي يحول مجريات الأحداث ليدفع القصة للأمام. لذلك تُعد أداة أساسية لتحقيق الهدف من أي قصة؛ عبر إيجاد صراعات بين قوى متضادة وصولاً لذروة الأحداث. وبنهاية الحبكة يكون البطل قد تخطى صراعاته بنجاح.
تعتقد الكاتبة الأرجنتينية مارسيليا مورا التي شاركت في كتابة السيرة الذاتية لمارادونا أن كرة القدم على الرغم من كونها لعبة ترفيهية فإنها طالما أغرت الجميع للبحث عن معانٍ قيمة داخل قصصها. ومن هنا ربما تُنتج أنجح قصص اللاعبين المبنية في الأساس على حبكة البطل المُنتقم الشاب الذي قارع المنطق وانتصر بالنهاية.
يبدو الطرح منطقياً على الأقل من وجهة نظر تجارية لن يبتاع أحدهم كتاباً أو يشاهد فيلماً تدور أحداثه عن بطل ساعده الجميع نجح من أول محاولة أراد شيئاً فتحقق.
لهذا لا تبدو قصة عمر مرموش جذابة، لأنها من الخارج تبدو خالية من أي صراعات ومن ثَم لا يمكن بيعها للجماهير. فهل هذا صحيح؟
«مرموش هو محمد صلاح جديد في البونديسليغا». بهذه الصيغة جاء عنوان «ESPN» البريطانية تعليقاً على اعتلاء مرموش صدارة هدافي الدوري الألماني الممتاز متفوقاً على اسم بحجم الإنجليزي هاري كين.
بالطبع، شتان الفارق بين المعالجة الصحافة الغربية لمسيرة صلاح ومسيرة مرموش على الرغم من خروجهما لأوروبا في سن صغيرة، كان من السهل جداً وصف قصة صعود صلاح بالملهمة للشباب الحالم، بينما نصطدم بأن قصة مرموش حتى طبقاً للمعايير الغربية لا تبدو مادة خصبة للحديث.
مرموش هو ابن لمهندس مصري يحمل الجنسية الكندية درس في مدرسة أمريكية بالقاهرة. هنا افتقدت قصة اللاعب أهم عوامل نجاحها وهي المعاناة المادية التي كانت على الدوام الوقود الذي يدفع مئات الشباب لاحتراف كرة القدم.
يحكي علي أبوجريشة مدير قطاع ناشئي وادي دجلة السابق، شكل المعاناة التي واجهها مرموش حين كان ناشئاً. بعد أن لفت انتباه مدربي القطاع طلب المهندس خالد والد عمر مرموش السماح لنجله بالانقطاع عن التدريبات أثناء فترة الدراسة؛ بسبب تعارض الحصص التدريبية مع دوامه الدراسي في المدرسة الدولية.
في هذه اللحظة رأى عمر أن حل هذه الأزمة، إن جاز اعتبارها أزمة، هو ترك التعليم بلا رجعة، والتركيز على لعب كرة القدم فقط، الأمر الذي رفضه والده بشكل قاطع. ليتدخل علي أبوجريشة الذي آمن بقدرة اللاعب على الوصول بعيداً ويطلب من أحد مدربي النادي أن ينتظر اللاعب عصر كل يوم بعد أن يفرغ من دوامه المدرسي ليدربه منفرداً.
تدور الأيام ويصبح عمر لاعباً لمنتخب مصر الأول، وكأي لاعب يؤمن بدوره تجاه المجتمع يطلق حملة خيرية بعنوان «باصيها لغيرك». فكرة الحملة هي توفير 10 آلاف حذاء كرة قدم جديد للاعبين غير المتيسرين مادياً.
الآن يتضح جزء كبير من الصورة، يرى مرموش أن الحاجز الحقيقي بين الناشئ ولعب كرة القدم هو امتلاكه حذاء جيداً يجعله أكثر راحة وثقة في نفسه ليصبح بذلك لاعباً أفضل. وبالطبع لا يمكن لومه لأنه يفكر في حدود خبراته السابقة، إذ يروي أحد زملائه السابقين في وادي دجلة حبه الشديد لامتلاك أحذية من تصنيع ماركات عالمية، وإهداءه بعضاً منها لزملائه في الفريق.
هذه بكل تأكيد قصة لا يمكن لأغلبية الشباب الذين يرغبون في ممارسة كرة القدم الاحترافية التعاطف معها، ليس لأن فكرة الموازنة بين الدراسة ولعب كرة القدم بشكل احترافي لا تحمل في طياتها أي نوع من أنواع المعاناة، لكن فقط لأنها قصة مُختلفة، قد لا تستطيع الأغلبية محاكاتها أو الشعور بالألفة نحوها.
«عمر مرموش يلعب مثل ليروي ساني، لكنه أكثر مرونة».
— بيير ليتبارسكي، رئيس قسم الكشافة السابق في ڤولڤسبورج الألماني.
في 2016 كان مرموش قد صُعد للفريق الأول بنادي وادي دجلة بعد انبهار مدرب الفريق باتريس كارتيرون بقدراته، إذ سجل 44 هدفاً في 28 مباراة بدوري منطقة القاهرة. وبعد تمثيله الفريق الأول نال استدعاءً لمنتخب مصر تحت 20 عاماً، إذ شارك في بطولة أفريقيا للشباب في زامبيا عام 2017.
يحكي ليتبارسكي أن سرعة وحدة لعب عمر مرموش أمام لاعبين أكبر منه سناً جعلته يبعث توصية لناديه الألماني بضرورة التعاقد مع اللاعب الذي وصل في صيف نفس العام لرديف ڤولڤسبورج وهو في سن الـ17.
بلا أي ظهير جماهيري أو دعم إعلامي يُذكر وفي مدينة صغيرة لا يُحبذ سكانها التحدث الإنجليزية التي يُتقنها ظل مرموش ثلاث سنوات يلعب للفريق الرديف قبل أن يتضح لمسئولي النادي الألماني أنه ليس جيداً كفاية للعب في البوندسليغا. ليرحل في إعارات لأندية سان باولي بالدرجة الثانية الألمانية، ثم شتوتغارت بالدوري الممتاز بحثاً عن دقائق لعب، لم يمنحها له ناديه الأصلي.
في هذه الأثناء تلقى عُمر صدمة فنية جديدة إذ حرمه شوقي غريب من فرصة تمثيل منتخب مصر الأولمبي في بطولة أفريقيا للشباب التي أقيمت في القاهرة، لأن المنتخب امتلك وقتئذٍ رمضان صبحي وطاهر محمد طاهر الأفضل فنياً طبقاً للمدير الفني آنذاك، ثم يحرمه ناديه من فرصة المشاركة في أولمبياد طوكيو.
كان موسم 2022/2023 مفصلياً بالنسبة لمرموش إذ عاد للتو من رحلة إعارة ناجحة في شتوتجارت أسهم خلالها في إبقاء الفريق بالدوري الممتاز، والخطوة التالية هي إقناع نيكو كوڤاتش مدرب ڤولڤسبورج بإمكانياته.
شارك مرموش في 37 مباراة مع الفريق في ذلك الموسم، وهو أكبر عدد من المباريات سبق له وأن شارك به خلال موسم واحد منذ بداية احترافه، لكن في أبريل 2023، وأثناء مباراة ڤولڤسبورج ضد بوخوم يستبدل كوڤاتش مرموش بعد 18 دقيقة من دخوله بديلاً بين شوطي اللقاء.
قبل هذا المشهد بشهر تقريباً كان كوڤاتش ينتقد عمر علناً، مؤكداً أنه عليه التحسن أثناء اللعب من دون الكرة والتخلي عن اللعب كأنه ميسي وإلا قد تصبح مشكلة.
بعيدًا عن المتابعة الدقيقة كان مرموش يخوض صراعاته منفرداً، يخرج عن شعوره في مباريات يقدم خلالها مستويات سيئة، يغضب بسبب قرارات مدربيه، تطالب جماهير ڤولڤسبورج بإبعاده عن قائمة الفريق لأنه يطمع في راتب أفضل مع نادٍ جديد. بينما يرد اللاعب على ذلك بأكبر قدر ممكن من الاحترافية؛ يظهر متفهماً لقرارات المدير الفني وغضب الجماهير من بعده.
هذه الاحترافية ربما تقودنا إلى سبب آخر قد يجعل كثيرين أقل ألفة مع قصة عمر مرموش؛ لأن مسيرته لا تُشبه كثيراً من اللاعبين المصريين، تتسم بالتخطيط ليس الآن بل منذ أن بدأت.
منذ أن كان ناشئاً حرص مرموش على أن يأخذ بكل الأسباب: تعامل مع طبيب لياقة فرنسي لرفع مستواه البدني لم يوقع عقداً احترافياً مع وادي دجلة على الرغم من محاولة النادي ربطه بعقد في أكثر من مناسبة، وفضل اللعب بنظام استمارة الناشئين كي يستطيع الخروج لأوروبا دون عوائق كبيرة.
وبعد خروجه لألمانيا وقع مرموش عقداً مع وكالة ألمانية لتسهيل انتقاله بين الأندية الألمانية، لكن قبل انتهاء عقده ڤولڤسبورج بعام واحد وقع عقداً مع شركة «Stellar» الإنجليزية لتسويق اللاعبين التي تضم عملاء من نخبة لاعبي كرة القدم الأوروبية مثل: إدواردو كاماڤينجا وچاك جريليتش وغيرهم، والتي ساعدته في الحصول على عقد مع اينتراخت فرانكفورت براتب لم يستطع ڤولڤسبورغ منحه إياه.
لا توجد كثير من اللقاءات التلفزيونية لمرموش ولا يدلي بكثير من التصريحات الصحفية خارج الإطار المتعارف عليه؛ لأن هذه المهمة هي مسئولية شركة خاصة تعمل كوكيل لإدارة شؤونه الإعلامية. بالضبط نحن على الأغلب أمام نسخة جديدة أقل توهجاً من صلاح على المستوى المهني.
حقيقةً يمكن بكل سهولة توقع ما يريده عمر مرموش من خطوته القادمة في أوروبا: اللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز. لكن حتى يتحقق ذلك ستظل قصة عمر مرموش قصة جميلة، لكنها ليست قابلة للبيع. لماذا؟ ربما لأن نجاح البطل كان منطقياً ومتوقعاً أو هكذا تعتقد الأغلبية.