مولده ونشأته
زُهران كوامي ممداني، أول عمدة مسلم يفوز بولاية نيويورك (مواليد 18 أكتوبر 1991، كامبالا – أوغندا)، سياسي أمريكي من أصل هندي وعضو في جمعية ولاية نيويورك، عاش زُهران في كامبالا حتى سن الخامسة، ثم انتقلت الأسرة إلى كيب تاون بجنوب أفريقيا، قبل أن تستقر في نيويورك وهو في السابعة من عمره.
أمه المخرجة والمنتجة الهندية-الأمريكية ميرا ناير، ووالده محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية والأنثروبولوجيا في جامعة كولومبيا، وقد تولى إدارة «معهد ماكيريري للبحوث الاجتماعية» في كامبالا بين عامي 2010 و2022، ويشغل أيضًا منصب مستشار (Chancellor) «جامعة كامبالا الدولية». ومن أبرز مؤلفاته: «المواطن والرعية: أفريقيا المعاصرة وتراث الكولونيالية المتأخرة» (1996)، «المسلم الصالح والمسلم الطالح: أمريكا والحرب الباردة وجذور الإرهاب» (2004)، «دارفور: منقذون وناجون – السياسة والحرب على الإرهاب» (2009)، و«لا مستوطن ولا مواطن: صناعة الأقليات الدائمة وتفكيكها» (2020)، وقد أُهدي الكتاب الأخير –الذي يعد زهران تجسيدًا له– إلى زهران بإهداء رقيق يشبه النبوءة المتحققة، فكُتب فيها:
«إلى زهران.. لقد علمتنا كيف نشتبك بالعالم في أوقات عصيبة لعلك تلهم الكثيرين وتنير المسير».

زهران ممداني عمدة نيويورك في عمر الثانية عشرة
ساهمت نشأة ممداني المتعددة المشارب في تكوين فكره السياسي؛ فقد بدأ مشاركته العملية المبكرة عبر انتخاباتٍ طلابية في مدرسته Bank Street School for Children بنيويورك وهو في الثانية عشرة، في مناخٍ مدرسي حر، إلى جانب تأثره بأفكار والده التي تفسر الظواهر السياسية عبر تفكيك بُنى الحكم والاستعمار وآثارهما، لا عبر طبائع الشعوب. وقد انعكس ذلك لاحقًا في برنامجه الذي يركز على السياسات الهيكلية: تجميد الإيجارات، وتوسيع السكن الميسور، وتحسين النقل العام (بما في ذلك طرح الحافلات المجانية).
المشاركة في التظاهرات والعمل الميداني

زهران ممداني في إحدى التظاهرات بنيويورك
إلى جانب اهتمامه المبكر بالنشاط الاجتماعي، قدم موسيقى راب باسم «Young/Mr. Cardamom» وشارك في مشاريع موسيقية أوغندية خلال 2015–2016. كما شارك في تحركات ميدانية عدة، من بينها:
-
حركة السكن ووقف الإخلاءات – كادمان بلازا، 19 أغسطس 2021: شارك في اعتصام بوسط بروكلين للمطالبة بتمديد الحماية للمستأجرين بعد قرار المحكمة العليا الأمريكية تعطيل أجزاء من وقف الإخلاءات؛ وخلال الوقفة جرى توقيفه مع آخرين بمخالفات إخلال بالنظام.
- إضراب جوع سائقي سيارات الأجرة – أمام مجلس المدينة، أكتوبر–نوفمبر 2021: انضم ممداني إلى إضراب الجوع الذي قادته «نقابة عمال سيارات الأجرة في نيويورك» للمطالبة بحل لأزمة ديون الميداليون (رُخص التاكسي). بعد نحو أسبوعين من الاعتصام والإضراب، أُعلن في 3–4 نوفمبر 2021 عن اتفاق يتضمن ضمانًا مدعومًا من المدينة لإعادة هيكلة القروض، بحيث تُخفض الديون القائمة إلى نحو 170 ألف دولار مع سقف دفعات شهرية يقارب 1,122 دولارًا؛ وهو ما مثّل نقلة نوعية مقارنة بالديون السابقة التي بلغت في حالات كثيرة مئات الآلاف.
- احتجاجات مرتبطة بحرب غزة – قرب منزل تشَك شومر، 14 أكتوبر 2023: شارك في إغلاق طريقٍ للدعوة إلى وقف إطلاق النار؛ ليكون أول عمدة لنيويورك يهدد نتنياهو بالقبض عليه كمجرم حرب إذا زار المدينة، ويصف ما يجري في غزة بأنه فصلٌ عنصري وإبادةٌ جماعية لأهلها.
كيف بدأ حملته الانتخابية؟
بدأ ممداني سياسته المحلية في نيويورك مديرًا لحملات انتخابية لكل من خضر اليتيم وروس باركان. فاز في انتخابات عام 2020 بعضوية جمعية الولاية بعد هزيمته النائبة الديمقراطية أرافيلا سيموتاس، وأُعيد انتخابه دون معارضة في 2022 و2024.
في أكتوبر 2024، أعلن ممداني ترشحه لمنصب عمدة نيويورك ضمن انتخابات 2025، وفاز في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية على أندرو كومو قبل أن ينتصر في الإنتخابات العامة على كومو ومرشح الحزب الجمهوري كورتيس سليا.
قبل عام كان ممداني ينزل إلى الشارع يخاطب الناس معرفًا بنفسه، يحمل أحيانًا كرتونةً كُتب عليها رسالة ما؛ كانت تبدو هذه المحاولة ساذجةً في وقتها، لكنها استندت إلى قضايا الناس، ثم مع جلده وإصراره أصبح لديه فريقٌ ضخمٌ من المتطوعين في حملته الانتخابية. وفاجأ ممداني جمهوره المسلم ذا الأصول العربية بفيديو يحدثهم فيه العربية ويقول لهم: «أنا صهركم»، قاصدًا بذلك زوجته السورية راما صواف دوجي (وُلدت في 30 يونيو 1997م)، وهي رسامة رسوم متحركة وفنانة وصانعة خزف أمريكية من أصول سورية عربية.
بدا ممداني وحيدََا في شوارع نيويورك حين بدأ حملته الانتخابية لكنه سرعان ما جمع قلوب الناس حوله بصدق أدائه وتعاملاته وقربه من الناس والنقاش معهم في ما يعانون منه، ولم تثنه أي ردود فعل محبطة عن الاستمرار بدعم مادي قليل استطاع أن يهزم به الدعم العلني من اللوبي الصهيوني لخصمه ومنافسه أندرو كومو.
حرب غزة تعيد تشكيل الوعي الأمريكي
أحدثت حرب غزة طوفانًا واسعًا في إعادة توجيه الوعي الأمريكي؛ بعدما كان للوبي الصهيوني السيطرة الكاملة، ليس بالمال فقط ودعم المليارديرات، وإنما بالتجذر الطويل في العقل الأمريكي وفي السياسة والتنظيم والنشاط والقدرة على النزول إلى الشارع وإقناع الشرائح الاجتماعية بالقدرة على تمثيلها، تحولت رؤيةُ الأمريكيين لإسرائيل باعتبارها أصبحت مشكلةً لأمريكا لا مصلحةً لها، ما ساهم في انقسام اليمين وإتاحة الفرصة لليسار لإعادة توجيه الوعي الأمريكي.
عدلت حرب غزة تفضيلات شرائح شبابية وديمقراطية تجاه السياسات الأمريكية المرتبطة بإسرائيل، ورفعت حضور خطاب وقف إطلاق النار في المجال العام. هذا التحول هيأ بيئةً أكثر تقبلًا لمرشح مثل ممداني في نيويورك. ورغم أنه لا يمكن إسناد الفوز لحرب غزة وحدها، بل يُفهم ضمن تلاقي المزاج العام الدولي مع همومٍ محلية وبرنامجٍ تقدمي، إلا أنه لا يمكن إنكار دورِها الهام والمحوري.
هجوم ترامب وأثرياء أمريكا وتصريحات عبرية غاضبة
يمثل خطاب ممداني الانتخابي خطورة على أثرياء أمريكا وكبار مستثمريها مع شركات ضخمة، فهو يطالب فيه بتغييرات هيكلية كزيادة الضرائب على الأغنياء والاستثمار في المزيد من الخدمات العامة كالاسكان والنقل مما أثار حفيظة المليارديرات الذين أنفقوا ملايين الدولارات لوقف حملته الانتخابية، وهذا ما جعل ترمب يصفه بالشيوعي وهدد بتقليص تمويلٍ فدرالي لمدينة نيويورك إذا فاز، في محاولة لتأطيره كخطرٍ يساري متطرف على الأمن والاقتصاد المحلي—وذلك ضمن سردية حربٍ ثقافية يستخدمها ترامب مع خصومه في المدن الديمقراطية.
هاجم ترامب أي ناخبٍ يهودي يصوت لممداني ووصفه بالغبي، واتهم ممداني بمعاداة السامية؛ الهدف الواضح كان تحشيد القاعدة المؤيدة لإسرائيل وتأليبها ضد مرشح يدعو لوقف إطلاق النار وينتقد الحرب على غزة.
جزء من رسائل ترامب وإعلامه صور ممداني—الهندي-الأوغندي المسلم—كـ«آخر» لا يمثل «قيم» أنصار ترامب، وربط فوزه بمواجهةٍ مباشرة مع البيت الأبيض.
ومع إعلان فوز ممداني توالت التصريحات الإسرائيلية الغاضبة، صرحت صحيفة إسرائيل اليوم العبرية:
«من غزة إلى قطر، يحتفل الناس بفوز زهران ممداني عمدة لولاية نيويورك».
وفي نفس الصحيفة صرح إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الصهيوني:
«إن انتخاب زهران ممداني عمدة لنيويورك سيُذكّر العالم بكيفية تغلب معاداة السامية على المنطق السليم. ممداني مؤيد لحماس، وكاره لإسرائيل، ومعادٍ صريح للسامية. ومثل يهود نيويورك، أشعر بالقلق إزاء هذا التغيير، لكنني في الوقت نفسه واثق من صواب نهجنا كدولة في مواصلة القضاء على حماس في غزة، رغم تصريحاتها الكاذبة بأننا نرتكب "إبادة جماعية في غزة". سنواصل محاربة جميع أعدائنا بكل قوتنا، ولن نحاسب كارهي إسرائيل».
أما قناة كان العبرية فقالت: فاز زهران ممداني في الانتخابات، وسيصبح عمدة نيويورك القادم. وفي خطاب فوزه، قال: «لقد منحتموني تفويضًا للتغيير. ستبقى نيويورك مدينة المهاجرين. لن نتردد في مكافحة معاداة السامية، وسنقف إلى جانب يهود المدينة».

صورة تعبيرية ساخرة من زهران ممداني لمعاداته السامية
وبالنسبة لموقع ميرلين العبري فقد وضع صورة لممداني مرتديََا شارة كتائب القسام من داخل نفق بعنوان: «ممداني يتعهد بتوسيع نطاق مترو أنفاق مدينة نيويورك».
فوز ممداني
ظهر ممداني في خطاب فوزه عمدةً لنيويورك اليوم 5 نوفمبر 2025 كبطلٍ شعبي وأول أمريكي مسلمٍ يعتلي هذا المنصب، معتزًّا بهويته المسلمة وأصوله الهندية الأوغندية، في عمر الرابعة والثلاثين. يظهر فوز ممداني تحولًا كبيرًا في الولايات المتحدة، خصوصًا نيويورك؛ فرغم ما أُنفق من ملياراتٍ لدعم منافسه، فقد اختار الناخبون، بما فيهم يهود نيويورك الذين حذرهم ترامب من التصويت لممداني، ويُقدر عددهم بحسب استطلاعات الرأي والمشاركات بحوالي 660000 ناخب، قرروا مع بقية الناخبين أن يمنحوا ثقتهم لرجلٍ تعهد تمثيل قيم العدالة والكرامة والإنصاف، وانكسرت بفوزه فزاعة الإسلاموفوبيا و«كذبة اللوبي الصهيوني».
ووقف ممداني اليوم متحديًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلًا:
«دونالد ترامب بما أنني أعلم أنك تشاهد، لدي أربع كلمات لك، ارفع مستوى الصوت للأعلى».