رياضة

رونالدو نموذجًا: كيف يفسر عبدالوهاب المسيري شغف الرياضي

هل لا يزال رونالدو مطالبًا بإثبات أي شيء لأي أحد، وهل يمكن أن يمنحنا انفجاره العاطفي عقب خسارة لقب كأس ملك السعودية مؤشرًا لقياس مدى شغفه بكرة القدم؟

future بكاء كريستيانو رونالدو بعد إنهاء الموسم بدون لقب بعد فوز الهلال على النصر في نهائي كأس السعودية

في الـ31 من مايو 2024 كان كريستيانو رونالدو على موعد مع ليلة حزينة، حين خسر رفقة فريقه النصر السعودي نهائي كأس الملك ضد الهلال. ربما لم يكترث كثيرون بالنتيجة النهائية التي بدت منطقية بالنظر لأداء الفريقين أثناء الموسم، بقدر الاهتمام بمشهد بكاء قائد الفريق بعد انتهاء اللقاء.

بالطبع، أبرزت الصحف مشهد بكاء رونالدو وحسرته على ضياع آخر ألقاب الموسم الكروي السعودي. لكن المثير كان الإصرار على كون دموع رونالدو دليلًا ماديًا على شغفه وتفانيه في هذه الرياضة ورغبته الدائمة على النجاح في كل مكان تطؤه أقدامه.

تظهر الآن مجموعة من الأسئلة المنطقية: هل لا يزال كريستيانو رونالدو مطالبًا بإثبات أي شيء لأي أحد، وهل كانت كأس ملك السعودية درة التاج التي يفتقدها رونالدو ويذرف الدموع لأجلها، والأهم هل يمكن أن يمنحنا انفجار الدون العاطفي عقب هذه الخسارة تحديدًا مؤشرًا لقياس مدى شغف اللاعب بكرة القدم؟

البطل الذي لا يتوقف عن البكاء

يعني اسم كريستيانو رونالدو كثيرًا بالنسبة لأولئك الذين يحبون كرة القدم. الجميع يظن أنّه يعرفني جيدًا؛ كيف ألعب، كيف أراوغ، لكن هناك كثيرًا عني لا يعرفه أحد
— كريستيانو رونالدو في سيرته الذاتية المنشورة عام 2007

من أين نبدأ؟ حسنًا، سواءً فاز فريقه أو خسر، سجَّل أو لم يُسجِّل، اعتاد رونالدو البكاء حين يشعر أن الأمور تخرج عن سيطرته.

بحسب ريكاردو سانتوس الذي زامل رونالدو في أندورينها البرتغالي في طفولته كان الدون كثير البكاء يبكي حين لا يُمرر له زملاؤه الكرة، ويبكي حين يتشاجر معه أحد، ناهيك عن البكاء بعد الخسارة. وفي الواقع، لم يتبدل الحال كثيرًا بعد أن أصبح كريستيانو نجمًا، بكى رونالدو عقب تتويج مانشستر يونايتد بلقب دوري أبطال أوروبا أمام تشيلسي.

حاول جوناثان ويلسون مؤلف كتاب «الهرم المقلوب» تحليل مشهد بكاء رونالدو عقب الفوز بدوري الأبطال الأول له، علمًا بأنه كان قد أضاع ركلة ترجيحية كادت لولا تألق زميله ڤان دير سار أن ترجِّح كفّة المنافس. يعتقد ويلسون الذي يؤمن تمامًا بقدرات رونالدو الفنية، أن لقطة انهيار البرتغالي بالبكاء سببها رغبته الدائمة في تصدر المشهد.

يبدو هذا الاتهام ظالمًا بالطبع؛ ببساطة لأننا لا نستطيع الولوج داخل عقل رونالدو في هذه اللحظة لنتأكد من حقيقة منحه الأولوية لأناه على حساب الفريق.

بذكر الأنا شاهد دانيل تايلور كاتب الجارديان البريطانية السابق وثائقي رونالدو الذي صدر عام 2015، واستنتج مما شاهده أن أنا رونالدو بحجم كوكب. وربما مع الوقت تعلم المحيطون به بالتجربة ضرورة إرضاء الوحش الذي بداخله، عبر الحفاظ على مسافة بينه وبين منتقديه، وإنشاء سردية مفادها أن رونالدو أفضل من الجميع، من أجل الحصول على أفضل نسخة منه.

مثلنا جميعًا، يحب رونالدو أن يسمع أنه الأفضل في ما يفعله، أحيانًا يكون الأمر بمثابة حافز له. حين لا يخبره أحد بأنه الأفضل بالتدريبات، يأتي باليوم التالي ليثبت ذلك.
— إيتور كارانكا، المدرب المساعد السابق في ريال مدريد

أن تشاهد عالمك ينهار

لست مهووسًا بالتدريبات أنا مهووس بالنجاح. الرؤساء التنفيذيون للشركات الكبرى يعملون بجد لتحقيق أشياء كبرى.
_ كريستيانو رونالدو

في كتابه، «God Is Round»، خصص الكاتب المكسيكي خوان بيورو فصلًا لكريستيانو رونالدو، الذي لا يبدو نموذجه المفضل للاعب كرة القدم، حيث يعتقد أن وجهة نظر رونالدو تدور حول كون هذه اللعبة رياضة عالية الأداء أكثر من كونها لعبة تهدف للسحر.

بغض النظر عن نوايا الكاتب المكسيكي الحقيقية، وتعريفه الخاص للسحر والمتعة في كرة القدم، يخبرنا توني سترودويك، رئيس قسم الأداء السابق بمانشستر يونايتد الإنجليزي، أن منزل لاعب ريال مدريد الأسبق مصمم لإنتاج لاعب كرة قدم خارق، بدءًا من الوجبات المعدة مسبقًا والمعبأة في الثلاجة وصولًا إلى غرفة الأوزان ومسبح الغطس، بمعنى أن أسلوب حياة اللاعب كله يدور حول كيفية أن يكون الأفضل. هكذا، تم بناء أسطورة رونالدو البطل الخارق.

طبقًا لكارل أنكا، كاتب ذي أثلتيك، بذل كريستيانو رونالدو جهدًا كبيرًا لتسويق نفسه بطلًا خارقًا: يصر على الاستمتاع بالعمل الشاق، لا يكتفي بكونه أحد أفضل لاعبي كرة القدم في التاريخ، بل يشير إلى نفسه بلقب G.O.A.T، أي الأعظم في كل العصور.

تكمن الأزمة في أن رونالدو في النهاية إنسان، يعاني مما قد يعانيه أي إنسان؛ يكتئب لوفاة نجله، ويطلب استشارة نفسية من متخصص، قد لا يستطيع التأقلم مع تقدمه بالعمر وشعوره بتضاؤل تأثيره على المباريات.

الآن، ربما يمكننا الإجابة على السؤال الذي افتتحنا به حديثنا: هل كانت مباراة النصر والهلال بهذه الأهمية حقًا، على الأقل بالنسبة لرونالدو؟

المسيري يشرح: رونالدو ضحية

لا يتحدث اللاعبون عن نهاية مسيرتهم، لنفس الأسباب التي لا يتحدث بسببها البشر عن الموت؛ لأنه يخيفهم.
— خورخي ڤالدانو، لاعب ريال مدريد السابق

في إحدى محاضراته، أشار الدكتور عبدالوهاب المسيري إلى مصطلح «علمنة الوظائف»، حيث يُعرَّف الإنسان في ضوء وظيفته، وهي الظاهرة التي تجلت بوضوح بالقرن العشرين. وبحسب المسيري فمن يخضع بشكل كامل لهذه الحالة غالبًا ما يتسم بالكفاءة؛ لأنه يكرس حياته لوظيفته وما حولها.

ربما يبدو رونالدو ضحية أو ربما نموذجًا مثاليًا لما سماه المسيري الرياضة في العصر الحديث، إذ لم تعُد الرياضة تهدف لتهذيب النفس أو إظهار الجانب الجمالي والإبداعي لدى الإنسان عبر ممارسة اللعبة، بل الهدف هو تحقيق الأرقام القياسية.

بالفعل سعى رونالدو طوال مسيرته لتحطيم الأرقام القياسية واحدًا تلو الآخر، مستعينًا بعقلية فريدة تجعله يقاوم الإنسان الذي يسكن داخله، حتى وإن كانت حياته اليومية بائسة لا تُحتمل.

ربما لم تكن مباراة خسارة رونالدو أمام الهلال بهذه الأهمية، لكنها مجرد إشارة للفارق الجوهري بين الشغف الذي يدفع طفل لمداعبة كرة قدم في زقاق بأحد الأحياء، وبين شغف لاعب كرة القدم المحترف، الذي شارفت مسيرته على الانتهاء، لكن حياته لا تزال تدور حول كونه محترفًا لهذه اللعبة.

# كريستيانو رونالدو # رياضة # كرة قدم # عبدالوهاب المسيري

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟

رياضة