مجتمع

دليلك الشامل لحماية طفلك من التحرش

قد لا يقول الطفل شيئًا… لكن جسده وسلوكه يصرخان بالاستغاثة. هذا دليلك لفهم الإشارات قبل فوات الأوان.

future صورة تعبيرية (دليلك الشامل لحماية طفلك من التحرش)

يُعدّ الحديث عن التحرش بالأطفال من أصعب المواضيع التي قد يواجهها الآباء والأمهات، فهو يثير مشاعر القلق والخوف والغضب، ويجعلنا نتساءل: كيف يمكن حماية أغلى ما نملك في هذا العالم؟ لكن الصمت أو تجاهل هذا الموضوع ليس حلاً، بل قد يزيد من خطورته. إنّ أطفالنا أمانة في أعناقنا، وحمايتهم من كل أذى، بما في ذلك التحرش، هي مسؤوليتنا الأولى والأهم.

قد يعتقد البعض أن التحرش بالأطفال أمر نادر الحدوث أو أنه يقتصر على الغرباء، لكن الحقيقة الصادمة هي أن هذه الظاهرة أكثر شيوعًا مما نتخيل، وفي كثير من الأحيان، يكون المعتدي شخصًا معروفًا للطفل وللأسرة، شخصًا نثق به ونأتمنه على أطفالنا. هذا الواقع يجعل مهمة الحماية أكثر تعقيدًا، ولكنه يؤكد أيضًا على أهمية اليقظة المستمرة والتوعية.

سنغوص معًا في بعضٍ من تفاصيل هذا الموضوع الحساس، وربما نسلط الضوء على زاوية مختلفة مما قد مرّت علينا خلال الأحداث الحالية.

أنواع التحرش والإساءة للأطفال

الإيذاء الجسدي

هو إلحاق أذى جسدي متعمد بالطفل، مثل الضرب المبرح، أو الحرق، أو الخنق، أو أي فعل يسبب إصابات جسدية للطفل. قد تكون الإصابات واضحة، أو قد يحاول المعتدي إخفاءها.

التحرش أو الاعتداء الجنسي يشمل أي نشاط جنسي مع طفل، وينقسم إلى نوعين:

مع تلامس: يتضمن لمس الطفل بطريقة جنسية، أو تقبيله، أو إجباره على لمس المعتدي، أو الاعتداء الجنسي الكامل.

بدون تلامس: يشمل إجبار الطفل أو تشجيعه على مشاهدة مواد إباحية أو مشاهد جنسية، أو التحدث معه بكلمات ذات محتوى جنسي، أو تصويره بطريقة جنسية، أو التحرش به عبر الإنترنت (الاستدراج الإلكتروني).

التحرش عبر الإنترنت (Online Grooming & Exploitation): مع انتشار التكنولوجيا، أصبح الأطفال عرضة لنوع جديد من التحرش يحدث عبر الإنترنت، حيث يقوم المعتدي ببناء علاقة ثقة مع الطفل عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب الإلكترونية بهدف استغلاله جنسيًا أو ابتزازه.

من الضروري أن نتذكر أن المعتدي قد يكون أي شخص، ليس فقط الغرباء. في كثير من الأحيان، يكون المعتدي فردًا من العائلة، أو صديقًا مقربًا، أو جارًا، أو معلمًا، أو مدربًا، أو حتى طفلًا أو مراهقًا آخر. قد يبدو المعتدي شخصًا طبيعيًا ومحبوبًا في المجتمع، مما يزيد من صعوبة اكتشافه.

علامات وإشارات قد تدل على تعرّض الطفل للتحرش

قد لا يخبر الطفل مباشرة بتعرضه للتحرش، إما بسبب الخوف، أو الخجل، أو الشعور بالذنب، أو لأنه لا يفهم ما يحدث له، أو بسبب تهديدات المعتدي. لذلك، يجب على الوالدين ومقدمي الرعاية الانتباه لأي تغيرات مفاجئة أو غير مبررة في سلوك الطفل أو حالته الجسدية أو النفسية. هذه العلامات ليست دليلًا قاطعًا على التحرش، لكنها تستدعي الانتباه والتحقق والمتابعة. من أبرز هذه العلامات:

علامات جسدية

ظهور كدمات، أو حروق، أو كسور، أو إصابات أخرى غير مبررة، خاصة في أماكن غير معتادة.

شكوى الطفل من ألم أو حكة مستمرة في منطقة الأعضاء التناسلية أو الشرج.

صعوبة في المشي أو الجلوس.

التبول اللاإرادي المفاجئ بعد أن كان الطفل متحكمًا بنفسه.

إصابات أو نزيف في الأعضاء التناسلية أو الفم أو الشرج.

علامات سلوكية

تغيّرات مفاجئة وكبيرة في السلوك، مثل الانطواء والعزلة بعد أن كان اجتماعيًا، أو العدوانية والغضب غير المبرر.

الخوف المفاجئ من شخص معين أو مكان معين، أو رفض الذهاب إلى المدرسة أو النادي.

التعلق الشديد بأحد الوالدين أو مقدمي الرعاية بشكل غير معتاد.

تراجع ملحوظ في المستوى الدراسي أو فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كان يحبها.

إظهار سلوكيات جنسية غير مناسبة لعمره، أو استخدام لغة جنسية لا يُفترض أن يعرفها.

إيذاء النفس أو التفكير في الانتحار أو التحدث عنه (خاصة لدى المراهقين).

تغيّرات في عادات الأكل (فقدان الشهية أو الأكل بشراهة).

تغيّرات في عادات النوم (صعوبة في النوم، كوابيس متكررة).

السرقة أو الكذب بشكل غير معتاد.

علامات عاطفية ونفسية

ظهور علامات القلق أو الاكتئاب أو الخوف الشديد.

فقدان مفاجئ للثقة بالنفس وتدني احترام الذات.

الشعور بالذنب أو الخجل أو الارتباك.

صعوبة في التركيز.

تأخر في النمو العاطفي.

علامات متعلقة بالإنترنت

قضاء وقت طويل جدًا على الإنترنت بشكل سري.

تلقي هدايا أو أموال من أشخاص مجهولين عبر الإنترنت.

الانزعاج أو التوتر عند تلقي رسائل أو إشعارات على الهاتف أو الكمبيوتر.

وجود صور أو محادثات غير لائقة على أجهزته.

إغلاق الشاشة بسرعة عند اقتراب أحد الوالدين.

مرة أخرى، نؤكد أن وجود علامة أو أكثر من هذه العلامات لا يعني بالضرورة تعرّض الطفل للتحرش، فقد تكون هناك أسباب أخرى لهذه التغيرات. لكنها بالتأكيد جرس إنذار يدعونا للانتباه والاقتراب أكثر من أطفالنا، ومحاولة فهم ما يمرون به، وفتح قنوات الحوار معهم بلطف وحكمة.

بناء حصن الأمان

الحوار هو حجر الزاوية في الوقاية لذا يجب أن يكون الحديث عن الأمان الجسدي جزءًا طبيعيًا من حواراتنا اليومية مع أطفالنا، تمامًا كما نتحدث عن السلامة المرورية أو مخاطر الغرباء. ولا بد من التذكير بأن الطفل ليس لديه المعلومة التي عندك كولي أمر.

1. إليك كيف تبدأ…

ابدأ مبكرًا وبشكل مناسب للعمر: لا تنتظر حتى يكبر الطفل. ابدأ بتقديم مفاهيم بسيطة عن الخصوصية والجسد للأطفال الصغار، وقم بتعميق هذه المفاهيم تدريجيًا مع نموهم. استخدم لغة يفهمها الطفل وتجنب إخافته.

علّم طفلك عن جسده: استخدم الأسماء الشرعية للأعضاء التناسلية. هذا يزيل الخجل المرتبط بها ويساعد الطفل على التعبير بوضوح إذا تعرض للمس غير لائق. أكد له أن جسده أمانة وغالٍ، ويجب الحفاظ عليه، ولا يحق لأحد رؤية أو لمس أجزائه الخاصة (التي تغطيها الملابس، وخاصة الملابس الداخلية) إلا لأسباب ضرورية جدًا مثل النظافة أو الفحص الطبي وبوجود أحد الوالدين.

اشرح مفهوم اللمسة الآمنة واللمسة غير الآمنة: اللمسة الآمنة هي التي تشعرنا بالحب والراحة (مثل حضن ماما وبابا، التربيت على الكتف). اللمسة غير الآمنة هي أي لمسة تجعل الطفل يشعر بالخوف، أو الارتباك، أو الألم، أو الخجل، خاصة إذا كانت في الأجزاء الخاصة من جسده.

علّم طفلك حقه في قول لا: أكد لطفلك مرارًا وتكرارًا أن له الحق الكامل في رفض أي لمسة أو عناق أو قبلة لا يرغب بها، حتى لو كانت من شخص يعرفه ويحبه. علمه أن يقول لا بصوت عالٍ، وأن يبتعد عن الموقف فورًا.

وضّح الفرق بين الأسرار الآمنة والأسرار غير الآمنة: الأسرار الآمنة هي المفاجآت السعيدة. أما الأسرار غير الآمنة فهي التي يُطلب فيها من الطفل إخفاء شيء عن والديه، ويشعر بسببه بالخوف أو الانزعاج.

ابنِ جسور الثقة: الأهم من كل النصائح هو بناء علاقة قوية ومفتوحة مع طفلك، يشعر فيها بالأمان التام للتحدث معك عن أي شيء، دون خوف من اللوم أو العقاب أو عدم التصديق.

2. وضع حدود واضحة:

لا بد من حدود واضحة للأسرة أولًا، ويرى الطفل ذلك بنفسه ليستطيع تطبيقها، خاصة في بيوت العائلات والريف.

علّم طفلك عن المساحة الشخصية: اشرح له أن لكل شخص مساحة خاصة حول جسده لا يجب أن يتخطاها الآخرون دون إذنه.

راقب تفاعلات الطفل: كن واعيًا لكيفية تفاعل البالغين والأطفال الآخرين مع طفلك. لاحظ أي سلوك يبدو مفرطًا في الاهتمام أو غير لائق.

لا تترك طفلك مع أطفال العائلة دون ملاحظة لنوع الألعاب. الأفضل المشاركة أو المتابعة من فترة لأخرى.

ضع قواعد للسلامة الرقمية: تحدث مع طفلك عن مخاطر الإنترنت، وراقب نشاطه، واستخدم برامج الحماية.

3. بناء تقدير الذات وتعزيز الاستقلالية

الأطفال الذين يتمتعون بثقة عالية بالنفس يكونون أقل عرضة للاستهداف. شجّع طفلك على التعبير عن رأيه ومشاعره، وامدح جهوده، وعلمه كيف يكون حازمًا. لا تلمه أو تخرجه كثيرًا؛ فذلك يجعله فريسة سهلة للمعتدين. كلما شعر الطفل بالقوة والتقدير لذاته، كان أقدر على رفض المواقف غير المريحة.

4. اليقظة والمعرفة بالبيئة المحيطة

تعرّف على الأشخاص في حياة طفلك.

اسأل عن سياسات حماية الطفل في المؤسسات.

ثق بحدسك، وتحرك إذا شعرت بعدم الارتياح.

اليقظة والحوار المستمر.. درع أطفالنا الواقي

رحلتنا في هذا المقال حول حماية أطفالنا من التحرش كانت ضرورية، وإن كانت محفوفة بالمشاعر الصعبة. استعرضنا معًا ماهية التحرش بأشكاله المختلفة، وتعرفنا على العلامات التي قد تنذر بوجود خطر، والأهم من ذلك، تعلّمنا استراتيجيات عملية للوقاية والحماية، وكيفية فتح حوار بنّاء ومستمر مع أطفالنا حول هذا الموضوع الحساس.

# صحة نفسية # تربية # التحرش الجنسي

«دليل النجاة الفردية»: خارطة طريق للتعافي من إساءات الأهل
القلق: أزمة صامتة تهدد الصحة النفسية عالميًا
20 انحناءة في اليوم: كيف تطفئ التفاصيل الصغيرة قلوب الأمهات؟

مجتمع