مجتمع

داعمة لحزب العمال ومناهضة للتحول الجنسي: الوجه الآخر لمؤلفة هاري بوتر

ليست فقط كاتبة سحرت العالم بهاري بوتر، بل امرأة تشتبك مع جبهات متعددة وصراعات لا تهدأ في ميدان السياسة والمجتمع.

future الروائية البريطانية جي كي رولينج

من منا لا يعرف جي كي رولينج، مؤلفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة؟

ربما لا أحد! فقد تُرجمت كتاباتها إلى معظم اللغات العالمية، وحققت انتشارًا لم يحظ به كاتبٌ من قبل، وجنت ثروة طائلة من مبيعات أعمالها، حتى صارت أول مؤلفة تصبح مليونيرة من الكتابة فقط!

لكن، إلى جانب الأدب، تتفاعل رولينج مع القضايا السياسية والاجتماعية المحلية والعالمية، لتجسِّد بذلك صورة المثقف الشامل؛ حيث تتخذ مواقف حاسمة تجاه القضايا السياسية الشائكة، وتتبنى مواقف جريئة في الدفاع عن حقوق المرأة، وتؤسس الجمعيات الخيرية الداعمة للأطفال، وتُسخِّر الكثير من أموالها في سبيل ما تؤمن به.

في هذا المقال، نُلقي الضوء على الجانب الآخر من حياة رولينج؛ فنتتبع مواقفها السياسية في بلديها بريطانيا واسكتلندا، وكذلك آرائها إزاء القضايا العالمية، بخاصة رأيها في كل من دونالد ترامب وفلاديمير بوتن. ثم نعرج بعد ذلك لنتعرف على أنشطتها الاجتماعية سواءً في مجال رعاية الأطفال أم الدفاع عن حقوق المرأة.

العمل السياسي:

حزب العمال

تتمتع رولينج بحضورٍ بارز على الساحة السياسية سواء في بريطانيا أم اسكتلندا؛ فهي من أهم الداعمين لحزب العمل البريطاني، وخاصةً تحت قيادة جوردون براون؛ حيث تبرَّعت للحزب عام 2008م بمبلغ قدره 1,9 مليون جنيه استرليني، قائلةً بأن الحزب «يحمي الأسر الفقيرة بشكلٍ أفضل بكثير من حزب المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون .. وإن حكومة حزب العمال نجحت في عكس الاتجاه الطويل الأمد فيما يتصل بفقر الأطفال.»

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

لكن دعمها المستمر للحزب سواءً بالتصويت في الانتخابات أم بالتبرعات، لم يمنعها من توجيه النقد إلى جيرمي كوربين رئيس حزب العمال الذي أعلن أن المملكة المتحدة ستخرج من الاتحاد الأوروبي إذا أصبح رئيسًا للوزراء، وغرَّدت على حسابها على منصة تويتر قائلة: «لقد صوَّت لحزب العمال طوال حياتي، لكنني الآن لا أستطيع ذلك … ألا ترون أن القديس جيرمي يؤذي حزبكم».

فلقد كانت رولينج من أشد المعارضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث كتبت مقالًا في يونيو 2016م على موقعها الإلكتروني بعنوان: «عن الوحوش والأشرار واستفتاء الاتحاد الأوروبي»، قالت فيه:

«أنا من أصل هجين من هذه القارة الأوروبية … أحب أن يكون لدي هذه الولاءات والارتباطات الثقافية المتعددة. إنها تجعلني أقوى، وليس أضعف. أنا فخورة بالارتباط بثقافات زملائي الأوربيين. قيمي ليست مقيدة أو محظورة بالحدود. إن غياب التأشيرة عندما أعبر القناة له قيمة رمزية بالنسبة لي. قد لا أكون في منزلي، لكنني في مسقط رأسي».

وهاجمت في المقال نفسه دونالد ترامب في هذه النقطة على وجه الخصوص، حيث وصفته بأنه «فاشي في كل شيء إلا اسمه، وأن أصابعه القصيرة أصبحت في متناول أيدي شفرات الأسلحة النووية الأمريكية بشكل مرعب». وأضافت، «إن دونالد ترامب يؤيد تفكيك الاتحاد الأوروبي … ومن بين الزعماء الأجانب أو القادة المحتملين، لا ينضم إلى ترامب سوى فلاديمير بوتن ومارين لوبان في حث المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبخلاف هؤلاء الثلاثة، لا يوجد زعيم سياسي كبير لا يتوسل إلى بريطانيا من أجل الاستقرار السياسي والاقتصادي لأوروبا والعالم الأوسع».

استقلال اسكتلندا

إلى جانب رفضها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رفضت رولينج أيضًا استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، وتبرعت بمبلغ قدره مليون جنيه استرليني لصالح حملة «الأفضل معًا Better Tigether» المناهضة للاستقلال، وشبَّهت المتعصبين للانفصال بـ«أكلة الموت».

وعبر موقعها الالكتروني كتبت مقالًا في يونيو 2014م بعنوان: «لماذا أدعم الأفضل معًا»، طرحت فيه وجهة نظرها في بقاء اسكتلندا مع بريطانيا حيث قالت: «إذا انسحبنا من الاتحاد، فلن يكون هناك مجال للعودة إلى الوراء. ولن يكون هذا الانفصال سريعًا ونظيفًا، بل سوف يتطلب الأمر جراحة مجهرية لفك تشابك ثلاثة قرون من الترابط الوثيق».

المهاجرين في أوروبا

لم تقتصر مواقف رولينج السياسية على الشأن الداخلي فقط، بل اتخذت العديد من المواقف الداعمة في السياسة الدولية؛ فلقد تبنَّت قضية المهاجرين في أوروبا، بخاصة السوريين الذين هاجروا إلى أوروبا بعد عام 2011م، حيث تزعمت رولينج مجموعة من المؤلفين الدوليين الذين يطالبون بالتعاطف والتحرك بشأن قضية اللاجئين المتصاعدة في أوروبا، وخصصت سلسلة من التغريدات لهذه القضية بعد نشر صورة لجثة الطفل السوري «إيلان الكردي» البالغ من العمر ثلاث سنوات، وقد جرفته المياه إلى شاطئ في تركيا.

قالت في هذه القضية:

«إذا لم تتمكن من تخيُّل نفسك في أحد هذه القوارب، فهذا يعني أنك تفتقد شيئًا ما. إنهم يموتون من أجل حياة تستحق العيش».

وانتقدت النفاق الأوروبي بقولها إن الصحف الإنجليزية تهتم بالحيوانات أكثر من البشر، حيث انتقدت صحيفة الديلي ميل؛ لأنها أعطت الأولوية لقصة كلب بلا مأوى على الصفحة الأولى، على قصص الآلاف من طالبي اللجوء المشردين. وقالت:

«هل تريد أن تهتم صحيفة ديلي إكسبريس بمحاولتك العثور على منزل آمن؟ كن كلبًا».

دونالد ترامب

ناهضت رولينج أيضًا الحزب الجمهوري تحت قيادة دونالد ترامب، بخاصة عندما أعلن الأخير عقب هجمات باريس 2015م، باتخاذه الحظر الكامل والشامل على دخول جميع المسلمين إلى الولايات المتحدة؛ حيث شبَّه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ترامب بالشخصية الخيالية اللورد فولدمورت (وهو عالِم خيالي من تأليف رولينج متخصص في تحسين النسل ومهووس بالإبادة)، فعلَّقت رولينج على هذا التشبيه قائلةً «بل هو أسوأ».

أوكرانيا

دعَّمت رولينج أوكرانيا أثناء الغزو الروسي عليها عام 2021م؛ حيث تبرَّعت بمبلغ قدره مليون جنيه استرليني لمساعدة الأطفال المحاصرين في دور الأيتام في أوكرانيا. كما قامت مؤسستها «لوموس Lumos» بجمع الأموال لتوفير الغذاء ومستلزمات النظافة والمستلزمات الطبية للمتضررين من الأزمة، والعمل مع الحكومة الأوكرانية لحماية الأطفال المعرضين للخطر بشكل أفضل وإصلاح نظام الرعاية الخاص بها، حيث كرَّست جهودها في منطقة «جيتومير» غرب العاصمة الأوكرانية «كييف».

بسبب هذه الحرب، اتخذت رولينج موقفًا رافضًا من فلاديمير بوتن، وهو ما بدا واضحًا في ردها عليه عندما ذكر اسمها في سياق حديثه عن ثقافة الإلغاء التي تمارسها أوروبا تجاه المجتمع الروسي والثقافة الروسية، حيث شبَّه بوتن معاملة الغرب لبلاده بردود الفعل العنيفة التي واجهتها رولينج بسبب آرائها بشأن المتحولين جنسيًّا (كما سنرى). فردَّت رولينج عليه قائلة:

«إن الانتقادات الموجَّهة لثقافة الإلغاء لا يمكن تقديمها بشكل أفضل من قِبل أولئك الذين يذبحون المدنيين».

إسرائيل

في مقابل هذه المواقف المناهضة للحروب وقتل الأطفال والمدنيين، تتخذ رولينج موقفًا عكسيًّا في القضية الفلسطينية؛ حيث تدعم إسرائيل دعمًا كاملًا، وتقف في مواجهة من يحاولون فرض عقوبات عليها؛ ففي فبراير 2015م أعلن عددٌ كبير من فناني المملكة المتحدة (يتجاوز 700 فنان)، توقفهم عن الانخراط في أي علاقات ثقافية مع إسرائيل بسبب حربها على غزة في العام السابق (2014م)، ومما جاء في الإعلان:

«لن نقبل دعوات مهنية لزيارة إسرائيل، أو تمويلًا، من أي مؤسسات مرتبطة بحكومتها … لن نعزف الموسيقى، ولن نقبل الجوائز، ولن نحضر المعارض، أو المهرجانات، أو المؤتمرات، ولن ندير الفصول الدراسية أو ورش العمل، إلى أن تحترم إسرائيل القانون الدولي وتُنهي قمعها الاستعماري للفلسطينيين».

لكن رولينج ناهضت هذا الإعلان، ودعَّمت برنامج ثقافة التعايش، وهي منظمة ثقافية مستقلة في المملكة المتحدة، أطلقت برنامجًا من أجل بناء جسور ثقافية مع إسرائيل. وأعلنت رولينج أيضًا أن المقاطعة الثقافية التي تستهدف إسرائيل هي مقاطعة تفريقية وتمييزية، ولن تؤدي إلى تعزيز السلام، وأن الحوار المفتوح والتفاعل يعززان التفاهم والقبول المتبادل، ومن خلال هذا التفاهم والقبول يمكن التحرك نحو حل الصراع، وأضافت «في نهاية المطاف، فإننا جميعًا نؤمن بحل الدولتين حتى يتحقق تقرير المصير الوطني للشعبين، مع دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية اللتين تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام وأمن».

واتساقًا مع موقفها الداعم لإسرائيل، فقد هاجمت رولينج بشدة هجوم السابع من أكتوبر؛ فشاركت عبر حسابها على منصة تويتر صورة لفتاة إسرائيلية تبلغ من العمر 12 عامًا، تُدعى نويا، ومصابة بالتوحد، حيث أعلنت إسرائيل أن حماس اختطفتها، وأن نويا معجبة كثيرًا بسلسلة هاري بوتر. علَّقت رولينج على هذه الصورة قائلةً: «إن اختطاف الأطفال عمل حقير وغير مبرر على الإطلاق. ولأسباب واضحة، فقد أثَّرت هذه الصورة في نفسي. أتمنى أن تعود نويا وجميع الرهائن الذين اختطفتهم إسرائيل إلى أُسرهم سالمين في أقرب وقت».

وفي تغريدة أخرى وجَّهت كلامها إلى مؤيدي حماس قائلةً: «والآن دعوا المدافعين عن الاغتصاب والقتل والتعذيب يشرحون كيف كان هذا الأمر مبررًا».

العمل الاجتماعي:

فيروس كورونا

تنخرط رولينج بصورة كبيرة في العمل الاجتماعي العام؛ فلقد كان لها العديد من المواقف الإيجابية أثناء جائحة كورونا عامي 2020-2021م؛ حيث تبرعت بمبلغ قدره مليون جنيه استرليني لمساعدة ضحايا العنف المنزلي والمشردين خلال جائحة كورونا، ونشرت كتابًا جديدًا للأطفال وأصدرته في أقساط مجانية بالكامل، وتبرَّعت بعائدات مبيعات رواية «The Ichabog» للعائلات العالقة في المنزل أثناء الجائحة.

وأطلقت أيضًا تطبيق «Harry Potter at Home»؛ لمساعدة الأطفال والآباء ومقدمي الرعاية والمعلمين المحاصرين في المنزل أثناء تفشي فيروس كورونا، وهو عبارة عن مركز للمعلومات والأنشطة لاكتشاف سحر هاري بوتر، من خلال القراءة والاستماع بمفردهم أو مع أحبائهم، أثناء البقاء في المنزل.

إلى جانب ذلك كله، منحت ترخيصًا مفتوحًا للمعلمين يمكنهم من نشر مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يقرؤون بصوتٍ عالٍ من كتب هاري بوتر على شبكات المدارس الآمنة أو المنصات التعليمية المغلقة من اليوم حتى نهاية العام الدراسي؛ من أجل الأطفال الذين مُنعوا من الذهاب إلى المدرسة بسبب فيروس كورنا.

مؤسسة الوالد الواحد One Parent Families

عقب انفصالها عن زوجها الأول، والد ابنتها جيسكا، عاشت رولينج لفترة كأم عزباء مسئولة عن طفلتها، حيث عانت خلال هذه الفترة من النظرة المجتمعية غير اللائقة للمنفصلين، وتحمَّلت وحدها مسئولية ابنتها، بخاصة أن أوضاعها المادية لم تكن قد تحسنت بعد؛ فكما هو معروف أن رولينج كانت تعاني من الفقر وتعيش على المعونات قبل أن تُصبح كاتبة وتتربَّح من مؤلفاتها.

هذه التجربة القاسية التي مرت بها رولينج؛ دفعتها إلى تأسيس مؤسسة الوالد الواحد؛ وهي مؤسسة خيرية تعمل مع الآباء والأمهات العازبين وأطفالهم. من أجل إحداث تغيير إيجابي وبناء مجتمع عادل لجميع الأسر، من خلال تمكين هؤلاء الآباء والأمهات من التعبير عن آرائهم بشأن أمورهم الخاصة، وتقديم النصائح لهم، والعمل على تحسين الخدمات المقدمة لهم كالعمل والتعليم ونفقة الأطفال والديون والعطلات.

ترأست رولينج أيضًا لفترة منظمة «Gingerbread» الخيرية التي تدافع عن الأسر ذات الوالد الواحد، وهاجمت من خلال موقعها الحكومة البريطانية بسبب سوء أوضاع الأسر ذات الوالد الواحد الفقيرة، وكتبت تقول: «إن الإدارة الحالية تعاني من انفصال عميق عن الناس الذين يعانون من أجل البقاء على قيد الحياة».

مرض التصلب اللويحي (MS)

على غرار تأسيسها مؤسسة الوالد الواحد بسبب معاناتها من الفقر والإهمال عندما كانت أمَّا عزباء، أسست عيادة آن رولينج تخليدًا لذكرى والدتها التي توفيت عام 1990م بمرض التصلب اللويحي عن عمرٍ يناهز 45 عامًا. وقد أُنشئت هذه العيادة عام 2010م في أدنبرة بهدف تقديم الرعاية السريرة وإجراء الأبحاث من أجل تحسين حياة الأشخاص المصابين بالتصلب اللويحي.

ومنذ إنشاء العيادة، ورولينج تدعمها بالمال دائمًا؛ ففي عام 2019م تبرعت بمبلغ قدره 15.3 مليون جنيه استرليني لجامعة أدنبرة، بحيث يُنفَق هذا المبلغ في دعم الأبحاث العلمية التي تُجرى على مرض MS وفي إنشاء مرافق جديدة في عيادة آن رولينج.

لوموس Lumos

في عام 2004م، انزعجت رولينج كثيرًا مما نشرته صحيفة صنداي تايمز حينئذٍ، بخصوص احتجاز الأطفال في أقفاص داخل إحدى المؤسسات، فقررت أن تؤسس مؤسسة خيرية تعمل على إنهاء احتجاز الأطفال في المؤسسات، فكانت مؤسستها الرائدة في مجال رعاية الأطفال لوموس Lumos التي أسستها عام 2006م، وتولَّت فيها منصب رئيس مجلس الأمناء، وفي عام 2014م أصبحت رئيسة لها مدى الحياة.

تهدف لوموس إلى تحسين أوضاع الأطفال في جميع أنحاء العالم؛ حيث تحصر المؤسسة جميع الأطفال المتضررين في جميع أنحاء العالم، وأسباب تضررهم سواء الحروب أم الفقر أم الظروف الاجتماعية، وتتعاون مع باقي المؤسسات المجتمعية من أجل تحسين ظروفهم، وخاصةً الأطفال الموجودين في دور رعاية غير مناسبة، وقد استطاعت لوموس بفضل نشاطها أن تُنقذ أكثر من 31,500 طفل من مؤسسات ودور أيتام ضارة منذ عام 2009م.

 تُكثِّف لوموس جهودها أيضًا في دعم الأسر الفقيرة من أجل الحفاظ على استمرار الغطاء الأسري للأطفال، والحيلولة دون تسربهم من التعليم، وحمايتهم من العنف المنزلي، والعمل على خلق بيئة صحية تؤهلهم للنمو بشكل طبيعي وبنَّاء.

صندوق فولانت The Volant Charitable Trust

إلى جانب لوموس، أسست رولينج أيضًا صندوق فولانت الائتماني عام 2000م لتقديم المنح لدعم القضايا الخيرية في اسكتلندا، من أجل المساعدة في تخفيف الحرمان الاجتماعي مع التركيز بشكلٍ خاص على دعم النساء والأطفال والشباب المعرضين للخطر.

يساعد صندوق فولانت في تمويل المنظمات والمشاريع الخيرية التي تتخذ من اسكتلندا مقرًّا لها. كما يعمل أيضًا على دعم الآباء والأمهات العازبين من خلال دعمه لمنظمة «Gingerbreead» وغيرها من الجمعيات الخيرية التي تساعد الفئات الضعيفة المتضررة من تكاليف المعيشة. فضلًا عن تقديمه  ما يزيد عن 12 مليون جنيه استرليني عام 2020م من أجل مواجهة فيروس كورونا.

مناهضة التحول الجنسي

في إطار أنشطتها الاجتماعية، تحتل المرأة محورًا رئيسيًّا في اهتمامات رولينج، ويظهر ذلك بوضوح من خلال مواقفها المناهضة لظاهرة التحول الجنسي؛ حيث تخوض رولينج حربًا شرسة للدفاع عن المرأة البيولوجية، والحفاظ على حقوقها التي اكتسبتها بشق الأنفس على مدار تاريخٍ نضالي طويل، وترى أن نشاط المتحولين جنسيًّا يدفع إلى تآكل التعريف القانوني للجنس، ويؤثر سلبًا على القضايا التي تدعمها.

تُعبِّر رولينج في مقالٍ لها، نشرته عبر موقعها الإلكتروني، عن قلقها الشديد إزاء ما تعتبره «انفجارًا هائلًا في أعداد الشابات الراغبات في التحول الجنسي»؛ حيث شهدت السنوات الأخيرة تحوُّل أعدادٍ هائلة من الشباب جنسيًا، إلى درجة تثير الريبة بشأن ما إذا كان جميع هؤلاء المتحولون يعانون من اضطراباتٍ حقيقية في هويتهم الجنسية تجعلهم بحاجة ماسة إلى التحول الجنسي أم لا؟

يُؤكد الشك عند رولينج ما تعاينه في الضفة الأخرى؛ حيث يتزايد عدد النساء اللاتي يرغبن في التراجع عن التحول الجنسي والعودة إلى الجنس البيولوجي الأصيل؛ شاعرين بالندم على اتخاذ خطواتٍ أدت إلى تغيير أجسادهن، وحرمانهن من الإنجاب.

ترى رولينج وجود أسبابٍ أخرى وراء التحول الجنسي غير اضطراب الهوية الجنسية؛ من بينها: الانجذاب إلى الجنس نفسه، حيث يلجأ كثيرٌ من المثليين إلى التحوُّل هربًا من رهاب المثلية الجنسية، وكذلك العدوى الاجتماعية والتأثُّر بالأصدقاء، فلقد ذكرت الباحثة الأمريكية «ليزا ليتمان» لرولينج أنها رصدت مجموعات أصدقاء تحولت بأكملها جنسيًا!

وتَعتبر رولينج أن نسبة كبيرة (تتراوح بين 60 إلى 90%) من اضطراب الهوية الجنسية، يمكن معالجتها دون الحاجة إلى التحوُّل؛ من خلال جلسات العلاج النفسي، والموسيقى، والوعي بقيمة الجسد. وتتخذ من نفسها مثالًا على ذلك؛ فتقول: «بما أنني لم أكن أملك أي احتمالٍ واقعيّ لأن أصبح رجلًا في ثمانينيات القرن العشرين، فقد كانت الكتب والموسيقى هما اللتان ساعداني على تجاوز مشاكل صحتي العقلية والفحص والحكم الجنسيين اللذان يدفعان العديد من الفتيات إلى خوض حربٍ ضد أجسادهن في سن المراهقة».  

وفي المقال نفسه، تُفصح رولينج عن دافعٍ شديد الخصوصية يجعلها تُناهض التحول الجنسي، وهو يتعلق بتجربة زواجها الأول، وتعرُّضها لعنفٍ أُسري كبير، حيث تؤكد على أن هذا الزواج على الرغم من أنه انتهى، وأنها تعيش الآن وضعًا مستقرًّا، فقد ترك داخلها ندوبًا لا تُمحى، تجعلها تخشى على حياة النساء المتحولات إلى ذكور من الاندماج داخل مجتمع الرجال الذي لا يخلو من بعض الأشخاص شديدي العنف، مما يمثل خطرًا على حياتهن.

وفي سبيل مواقفها المناهضة، تعرَّضت رولينج لهجومٍ حاد؛ حيث تلقَّت تهديدًا بالعنف من قِبل متطرفين متحولين جنسيًّا، ونعتوها بأنها «عاهرة» و«متغطرسة»، وانتقدها ممثلو سلسلة أفلام هاري بوتر، بخاصة «دانيال رادكليف Daniel Radcliffe» الذي علَّق على موقف رولينج قائلًا: «النساء المتحولات جنسيًّا هن نساء، وأي تصريح مخالف لذلك يمحو هوية وكرامة المتحولين جنسيًّا».

واتُهمت رولينج أيضًا بأنها تُنكر الهولوكست، مما دفعها إلى إصدار بيان نشرته على موقعها الإلكتروني بتاريخ 14مارس 2024م، قالت فيه:

«إن الادعاء بأنني أُنكر الهولوكست لا أساس له من الصحة ومثير للاشمئزاز … أنا على دراية بأن الأشخاص المتحولين جنسيًّا تعرضوا للاضطهاد والقمع بشكل استثنائي في التاريخ، لكن الادعاءات بأنهم كانوا الأهداف الأولى للنازيين –وهو الادعاء الذي دحضته على حسابي على منصة X وأدى إلى هذه الاتهامات وأنني أويد أيديولوجية النازية حول الجنس- هو انحدار جديد».

وقد تخلَّت مدرسة ثانوية في إسكيس عن اسم جي كي رولينج الذي كانت تُسمي به أحد منازلها؛ بسبب تعليقاتها بشأن المتحولين جنسيًا، وذكرت نشرة المدرسة أن هذه الخطوة جاءت بناءً على طلبات من الطلاب والموظفين.

كما نشرت مؤسسة روبرت ف. كينيدي لحقوق الإنسان، بيانًا على موقع المؤسسة، تندد فيها بآراء رولينج بشأن المتحولين جنسيًّا، مما دفع رولينج إلى نشر بيانٍ على موقعها الإلكتروني أعلنت فيه عن تنازلها عن الجائزة التي مُنحت لها في العام الماضي من قبل المؤسسة، حيث قالت في بيانها:

«ليس لدي خيار سوى إعادة جائزة «موجة الأمل» التي مُنحت لي العام الماضي. إنني أشعر بحزن عميق لأن مؤسسة RFKR لحقوق الإنسان شعرت بأنها مضطرة لتبني هذا الموقف، ولكن أي جائزة أو تكريم، بغض النظر عن إعجابي بالشخص الذي سُمِّيت باسمه، لا يعني لي الكثير لدرجة أنني سأتنازل عن حقي في اتباه ما يمليه عليَّ ضميري».

في إطار دعمها لقضايا المرأة، شاركت رولينج ها العام (2024م) ضمن مجموعة من النساء في كتابة كتاب «النساء اللاتي لا يستسلمن The Women Who Wouldn’t Wheesht». وقد خصَّصت رولينج مقالتها في الكتاب والتي جاءت تحت عنوان «لماذا قررت الدفاع عن المرأة؟» للحديث عن تجرتها الخاصة في العمل النضالي من أجل الدفاع عن حقوق المرأة، حيث تقول في مستهل المقالة:

«بمعايير عالمي، كنت كافرة. كنت قد توصلت إلى الاعتقاد بأن الحركة الاجتماعية السياسية التي تصر على أن «النساء المتحولات جنسيًا هن نساء» ليست لطيفة ولا متسامحة، بل في الواقع معادية للنساء إلى حد كبير، ورجعية، وخطيرة في بعض أهدافها واستبدادية بشكل صارخ في تكتيكاتها. ومع ذلك، احتفظت بأفكاري لنفسي في الأماكن العامة، لأن الناس من حولي، بما في ذلك بعض أحبائي، كانوا يتوسلون إلي ألا أتحدث. لذلك كنت أشاهد من على الهامش النساء اللواتي لديهن كل شيء ليخسرنه، في اسكتلندا وفي جميع أنحاء المملكة المتحدة، للدفاع عن حقوقهن. كان شعوري بالذنب لأنني لم أكن أقف إلى جانبهن يرافقني يوميًّا، مثل الألم المزمن».

# مجتمع # شخصيات # جي كي رولينج

يوميات المازني في رمضان
وهم السيطرة: كيف تتحكم العشوائية في حياتنا أكثر مما نعتقد؟
الثقافة الرمضانية والوظيفة الفسيولوجية للفن

مجتمع