معرفة

حوار | أشرف العشماوي: لا أكتب لنيل الجوائز

قاضٍ وكاتب وأديب.. حوار مع أحد أشهر الروائيين المصريين على الساحة الأدبية العربية الآن، حول نشأته، وعمله كقاض، ومدى تأثير عمله على كتاباته.

future الكاتب والأديب المصري أشرف العشماوي

رواياته تقتحم دائماً قائمة الـ«Best seller» بمجرد صدورها، ندواته على ندرتها تمتلئ بالقراء والمعجبين، يتابعه ما يقترب من 35 ألف متابع على «فيسبوك»، لا تخلو مجموعة قراءة من منشور أو أكثر لمناقشة أحد أعماله يومياً. أصدر 12 رواية وكتاباً واحداً، وفاز بخمس جوائز مصرية وعربية مهمة.

لطيف، هادئ، مبتسم دائماً ويتجنب الخلافات بحكمة وسعة صدر.

أشرف العشماوي القاضي والكاتب والأديب وواحد من أشهر الروائيين المصريين على الساحة الأدبية العربية الآن.

كان لـ«كروم» معه هذا الحوار حول نشأته، وعمله كقاض، ومدى تأثير عمله على كتاباته.

نقطة البداية

عندما سألته عن نشأته وكيف تأثر حاضره ككاتب بتلك النشأة، فيقول إنه وُلد لعائلة ميسورة من طبقة فوق المتوسطة اجتماعياً ونال تعليماً محترماً وثقافة راقية من أبيه وأمه وجدته وعمته على التوالي، حيث نشأ في بيت به مكتبة هائلة وعائلة تشجع على القراءة وإخوة يقرءون كل يوم، ثم هناك زيارة أسبوعية لمسرح أو سينما فتشكل وعيه مبكراً وأدمن القراءة وأحب الفنون.

ثم يضيف لـ«كروم» أن وعيه تشكل في مراحل العمر الأولى من خلال أصدقاء وصحبة لهم الاهتمامات ذاتها، فحظي بفرصة للاطلاع على فنون مختلفة في سن صغيرة نسبياً حتى أصبح بعد تخرجه بسنوات قليلة من الجامعة مهيئاً للكتابة، لكن الأمر ظل مختزناً بداخله ينتظر لحظة شجاعة للإعلان عنه، أو ربما لحظة إدراك لمقدرته على الحكي، ويستطرد «تأخرت بضع سنين حتى استطعت التغلب على خوفي من الإقدام على كتابة قصة أو رواية». ثم يعود ليؤكد أن النشأة وسط عائلة تحب الثقافة وتكاد تفضلها على التعليم أفاده كثيراً وجعله يفكر عن طريق الكتابة، ثم اختار فن الرواية للتعبير عن أفكاره ورؤيته للحياة.

أسأله متى أدرك كونه كاتباً وما الذي دفعه لكتابة روايته الأولى؟ فأجابني أن رؤساءه بالعمل عندما كان محققاً هم أول من لفت نظره لقدرته على الكتابة والحكي إذ كان يقوم بتلخيص القضايا قبل إحالتها للمحكمة، حينها نبهه مدير النيابة لأنه يسهب في وصف المكان ومشاعر الأشخاص وهو أمر لا يهتم به القانون كثيراً لكنه كان يعطيه اهتماماً زائداً.

 ثم يضيف لـ«كروم» كتبت في تلك الفترة قصصاً طويلة، ثم شرعت في كتابة روايتي «تويا» عام 1998 ثم لم تعجبني فتركتها، وكتبت رواية «زمن الضباع» بعنوان أولي هو «عندما غاب الأسد». إذ كتبتها متأثراً بتجربة حياتي العملية وما رأيته من نماذج إنسانية مختلفة لكنني حولتهم إلى حيوانات كي أكتب بحرية أكثر ولا يعرف أحد حتى الآن من الشخصيات التي قصدتها في تلك الرواية.

ويستطرد «ربما كان الدافع هو الرغبة في التعبير لا التجريح»

أسأله لماذا اختار الكتابة؟ فيقول «لا أجيد الكلام ولست خطيباً مفوهاً ولدي رهاب من التجمعات والمنصات المخصصة للمتحدثين فاخترت الكتابة وراقت لي الرواية كي أحكي ما بداخلي وما أفكر فيه من هموم عامة وخاصة».

ثم يضيف، «وجدت في كتابة الرواية متعة كبيرة لارتباطها بفن الحكي وهو القالب الذي أفضله للتعبير عما بداخلي، وعندما نشرت أول رواية عام 2010 بعد سنوات من التردد والقلق ووجدت ترحيباً من الجمهور والنقاد تجاوزت مخاوفي وأكملت الرحلة التي لا أزال مستمتعاً بها للغاية».

أديب في محراب القضاء

أشرف العشماوي يعمل بالقضاء منذ عام 2007 وقبله بالنيابة العامة، يذكرني هذا الأمر بتوفيق الحكيم الذي درس القانون في باريس وعاد ليعمل محققاً قضائياً في الريف المصري في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، تلك الفترة التي أفرزت روايته البديعة «يوميات نائب في الأرياف» المنشورة عام 1937 التي يسرد فيها مشاهدات من الحوادث والقصص التي عرضت عليه أثناء عمله في القضاء في إحدى مناطق الريف المصري.

سألته عن تأثر موهبته في الكتابة بعمله في سلك القضاء، فأكد لي أن المهنة تؤثر في صاحبها فما بالنا لو كان روائياً. ثم يضيف أنه تأثر بعمله في القضاء بالفعل، حيث اختزن الكثير من مشاهداته وغير فيها وخلطها بخياله، فخرج الناتج في شكل روائي متكامل حتى إنه نسي الأصل الذي بنى عليه العمل الروائي. 

فأسأله السؤال معكوساً لأعرف هل تأثر عمله القضائي بكونه كاتباً، فيؤكد لي أنه بالفعل تأثر بكونه أديباً وكاتباً حيث صار أكثر إنسانية ورحمة، وأكثر تفهماً لمشاكل المجتمع وأكثر عذراً للناس.

هذا الربط بين العمل في القضاء والكتابة يقودني للسؤال عن التجربة الفريدة التي عايشها إبان عمله في النيابة، إذ عمل في تحقيقات قضية الشروع في اغتيال نجيب محفوظ، فأسأله عن ذكرياته وتأثره ككاتب بالعمل على تلك القضية.

فيخبرني أنه عندما كان يحقق في قضية محاولة اغتيال نجيب محفوظ لم يكن يدرك أنه سيصبح كاتباً ولم يكن شعوره بمقدرته على الحكي وبناء رواية من الخيال قد اكتمل بعد، كان أمر الكتابة وقتها أشبه بهواجس داخلية فقط، ومن ثم التقى الأستاذ العظيم وهو قارئ فقط، ثم يضيف أن نجيب أحد القلائل الذين انبهر بهم في حياته لإبداعه الذي كان قد قرأ معظمه وقتها.

ويستطرد في ذكرياته لـ«كروم» لا أزال أذكر اليوم الأول من لقائي معه في المستشفى، جلست ساعة كاملة أتحدث معه عن صحته وكتبه ورواية «أولاد حارتنا» التي تسببت في قضية محاولة اغتياله، ورواية «الحرافيش» التي تعد المحطة الأخيرة في طريق الوصول لنوبل.

يحكي: لم أدون حرفاً في المحضر الذي أتيت من أجله مما دفع رئيس النيابة في المرة الثانية للحضور معي وباشر هو التحقيق بنفسه مع الأستاذ بينما تفرغت أنا لسماعه والحوار معه على هامش التحقيق.

يومها أهدى محفوظ كتبه لمن حاولوا اغتياله، وطلب من الأستاذ رجاء النقاش كتابة الإهداء الشهير «إلى من يخالفونني الرأي والفكر أهدي بعضاً مما كتبت لعلّي أفلح في إصلاح حال المجتمع بالثقافة».

عمله بالقضاء يدفعني لسؤاله عن الكتاب غير الروائي الوحيد الذي أصدره «سرقات مشروعة» وهل كان ليتم دون عملك القضائي، فيؤكد لي أن فكرة الكتاب أصلاً لم تكن لتظهر للنور أو لترد حتى فكرته له بعيداً عن عمله القضائي والقانوني في وزارة الثقافة باعتباره عضواً في اللجنة القومية لاستراد الآثار المصرية المهربة للخارج لتسع سنوات متصلة.

وأضاف «ربما كنت سأكتب رواية عن تجارة الآثار أو تهريبها لكن بهذا الشكل الوثائقي أظنه صعباً جداً بغير عملي القضائي».

شغف كبير بالتاريخ

أسأله عن أعماله الروائية، ولماذا يغلب على موضوعاتها الصبغة التاريخية، وهل الكتابة عن الماضي اختياره الدائم؟ فيجيبني بأنه لا يختار الزمن الذي يكتب فيه بشكل منفصل وإنما تفرضه الفكرة التي تشغله حتى تكتمل في ذهنه كرواية.

ثم يضيف «أنا لا أكتب رواية تاريخية ولا أجرؤ على وضع كلمة رواية تاريخية على رواية لي لأنني فقط أستعين بالتاريخ في الخلفية أو مشهد حقيقي للانطلاق منه وهذا لا يعتبر رواية تاريخية على الإطلاق».

وفي ما يتعلق بكتابة الرواية التاريخية صرح العشماوي لـ«كروم» بأن ما يحدث اليوم من نشر أعمال يقال عنها تاريخية هي أقرب لحكايات في التاريخ، وليست رواية تاريخية بالمعنى الدقيق للرواية التاريخية. وباستثناء أسماء قليلة أصبحت الرواية التي تسمى التاريخية رائجة لأن القارئ يصدّق ما فيها ويستسهله عن قراءة التاريخ، ثم أردف «في العموم أرى أن أي روائي لا يعود للماضي مجاناً، وإنما يستعمل التاريخ للتعبير عن الحاضر بأريحية وليتحرك في مساحة أرحب ليقول كل ما بداخله في حرية تامة».

مراحل إعداد الرواية

الحديث عن الكتابة يأخدنا لأسئلة أخرى فأسأله كيف يكتب رواية، وما المراحل التي تمر بها الفكرة منذ أن تشرق شمسها في ذهنه حتى تصبح رواية مكتملة، وعن نظامه وروتينه اليومي أثناء فترة الكتابة؟ فيجيبني أنه بعد أن تأتيه الفكرة وتختمر في ذهنه، يبدأ في البحث التاريخي أو الاجتماعي المعاصر لزمن الرواية الذي استقر عليه، فيذهب إلى أرشيفات الجرائد وأرشيف دار الكتب والوثائق القومية وأرشيفات خاصة ببعض الهواة لكنهم يملكون كنوزاً توثيقية تاريخية، ثم يجري معايشة للأماكن ثم يبدأ في رسم الشخصيات.

يضيف أن مرحلة الكتابة الأولى هي الأصعب، إذ إنه لا يكتب بالترتيب مثلما يصدر الكتاب في النهاية، بل يكتب ما يريد وما يحس به وما يختمر في عقله ويشعر أنه لا بد من أن يخرج الآن. وقتها يجلس ومعه ورقة وقلم رصاص ويستمر في الكتابة أحياناً لساعتين ثم يتوقف، في اليوم التالي يقوم بنقل ما كتبه بيده إلى الكمبيوتر. مع مرور الشهور الأولى تكون النهاية قد كتبت،أو فصول في المنتصف، وقد يكتب الفصل الأول بعد كتابة الرواية كلها. لا ترتيب هنا.

وعندما يشعر أن المسودة الأولى اكتملت، يعيد ترتيب الفصول لتظهر على شكل رواية وتبدأ مرحلة التحرير والمراجعات التي تستغرق من عام إلى عام ونصف.

وعن روتينه اليومي أثناء الكتابة يقول لـ«كروم»، «أنا أكتب منذ 25 عاماً ونشرت 14 كتاباً، إذ أعمل يومياً لمدة ثماني ساعات تقريباً. حتى لو لم أستطع كتابة مشهد أو فقرة أقوم بمراجعة وتنقيح ما كتبت، وهكذا حتى تصدر الرواية بعد أربع أو خمس مراجعات عادة».

تلك الطريقة المختلفة في الكتابة تدفعني لسؤاله عن المحرر الأدبي ودوره في عمله، فيجيبني «أعمل مع محرر أدبي منذ رواية البارمان وحتى اليوم، أي أكثر من 10 سنوات متصلة، محرري هو الأستاذ أحمد كمال وهو شاعر وقاص أثق فيه جداً، وأرتاح للعمل معه. ولدي أيضاً عيون ودودة ربما أقوى من المحرر الأدبي لأنهم يقومون بدوره فأحصل على وجهات نظر متباينة وخبرات متنوعة كل مرة، هؤلاء غالباً أصدقاء أثق فيهم للغاية، بعضهم من الكتاب والروائيين، وغالبيتهم من خارج الوسط الأدبي».

ثم يستطرد عن دور المحرر الأدبي «أرى أن المحرر الأدبي مهم للغاية ومن دونه تفقد الرواية الكثير من رونقها وجمالها، وأنا أسمح له بأن يقول كل ما يريد، وأؤكد له على ذلك وأنا أعطيه المسودة، لكنني لا ألتزم برأيه إلا لو اقتنعت، وبالطبع لو لم أقتنع وشعرت أن ما كتبته أفضل، أو إن لم أشعر بإضافته فنياً، أو إن ما يريد حذفه يضر الرواية من وجهة نظري، فلا ألتزم بما يقول».

كيف تكون الرواية ناجحة؟

ألاحظ دائماً أن روايات أشرف العشماوي يغلب عليها الطول إذ تعالج فترات زمنية طويلة، أو تتعمق في تتبع أثر موضوع معين على أبطال الرواية، إلا أن كتابه الأخير «مواليد حديقة الحيوان» احتوى ثلاث قصص طويلة. فأسأله لمَ اختار هذا القالب السردي لعمله الأخير، وفيمَ يختلف عن أعماله الأخرى؟

فيجيبني «عملي الأخير مواليد حديقة الحيوان تجربة مختلفة النوع، فلأول مرة أكتب نوفيلا، والحقيقة وجدتها أصعب في الكتابة من الرواية، ربما لأنها المرة الأولى بالنسبة إلي، وربما لأن بها قدراً من التكثيف. لكن الفكرة والبناء والحبكة أمور فرضت هذا الشكل الفني، فخرجت الروايات القصيرة الثلاث تباعاً في قالب سردي مكثف، يربط بينهم خيط رفيع عن الإنسانية التي غابت عنا منذ سنين وعن الأحلام البسيطة المشروعة لمواطنين مهمشين ومع ذلك تحولوا إلى مجرمين في حين أنهم ضحايا مجتمع اغتال براءتهم منذ طفولتهم.

وعن أثر السوشيال ميديا عليه وعلى كتاباته يقول إنه يخصص نصف ساعة يومياً للرد على رسائل القراء والتعليق على ما يكتبونه عنه بكلمة شكر.

وعن باقي يومه يقول، إنه ينظم وقته منذ دراسته الجامعية، فينام سبع ساعات متصلة يومياً، ويعمل بقية اليوم إما في كتابة الروايات وإنجاز القضايا في عمله الأصلي، أو مشاهدة فيلم سينمائي، وممارسة رياضة خفيفة أحياناً، وبالطبع القراءة أو لقاء صديق أو إجراء حوار صحفي.

رشحت روايته «تويا» للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، وحصلت روايته «كلاب الراعي» على جائزة أفضل رواية تاريخية من ملتقى مملكة البحرين الثقافية، وفازت رواية «الجمعية السرية للمواطنين» بجائزة كتارا.

أسأله عن الجوائز الأدبية ورؤيته لها، فيجيبني بأنه يسعد بكل جائزة يحصل عليها لكنه لا ينتظرها أبداً، ثم يضيف، «لم أكتب لجائزة، ولم يدر بخلدي يوماً أنني سوف أحصل على جائزة عن رواية لي، وعندما فزت بخمس جوائز عن أعمالي آخرها كتارا العام الماضي كنت في غاية السعادة كل مرة، لكنني لم أتوقع على الإطلاق في أية جائزة من الجوائز الخمس التي حصلت عليها أنني سأفوز».

ثم يضيف «الرواية الوحيدة التي كتبتها وظننت لفترة قصيرة أنها ستحصل على عدة جوائز لم تفز بأية جائزة هي رواية تذكرة وحيدة للقاهرة»، ويستطرد «بالطبع لا أشعر بأي ضيق لو لم أفز، ولا أهيل التراب على لجان التحكيم إذا خسرت».

وعن موقف تعرض له يخص الجوائز يخبرني أنه تعرض لموقف سخيف في جائزة كبيرة رشح لها، وأخطر بالفوز قبلها بعدة أيام، وقبل الاحتفال بيوم تغيرت النتيجة فجأة وتم استبعاد روايته، ومع ذلك لم يعلن ما حدث بالأسماء ولن يفعل، فاللجان تتغير والأشخاص يتبدلون والفن باق.

ثم يضيف «الجوائز عموماً هي تقدير للكاتب، ففيها قدر من الدعاية وقدر من التكريم الذي يحتاجه كل مبدع ليواصل مسيرته بحماسة، هي مزيج من بهجة وسعادة وتحفيز وتقدير معنوي مع جانب مادي يحتاجه غالبية الكتاب بالطبع، لكنها ليست معياراً لنجاح العمل لأنها في النهاية ذائقة خاصة للجنة تحكيم من ثلاثة أو خمسة أشخاص، لو كانوا من الأسماء اللامعة نقدياً وأدبياً يعطي هذا شعوراً أعلى بالرضى».

وعن المقياس الذي يراه دليلاً على نجاح كتاباته غير نيلها للجوائز يقول العشماوي إن «دليل النجاح هو استمرارية الرواية لعقود طويلة، أن تُقرأ في أزمنة مختلفة وبتأويلات متعددة من أجيال متعاقبة، لكن الجوائز أو قائمة الأكثر مبيعاً ليسا المعيار الأهم للنجاح، إنما الخلود والمقروئية والكتابة عما كتبنا من المعايير الأهم في ظني».

# أدب # فن

فيلم «دخل الربيع يضحك»: موسيقى الحياة اليومية
بين الحزن والانتظار: فيروزية المشرق ومشرقية فيروز
فيلم «أبو زعبل 89»: عن مصر التي نعرفها

معرفة