رياضة

حقوق التسمية: كيف تجني الأندية المال من تغيير اسم ملعبها؟

ما الذي يدفع الأندية لبيع حقوق تسمية ملاعبها، ويدفع الشركات والعلامات التجارية لشرائها؟ ولماذا لا تُفلح تلك الطريقة مع الفرق الكبرى وملاعبها العريقة؟

future من الشمال: آنفيلد/ سنتياجو برنابيو / أولد ترافورد

ملعب ليفربول؟ آنفيلد.

ملعب مانشيستر يونايتد؟ أولد ترافورد.

 ملعب ريال مدريد؟ سنتياجو برنابيو.

لعبة مُسلّية، يمكن أن تنافس فيها أصدقاءك طوال الليل على المقهى، في ألعاب التحديات الكروية المنتشرةِ مؤخراً. ولكن، هل تصورت أن تستيقظ من نومك ذات يومٍ، لتجد ملعب فريقك المفضل قد تغّير اسمه؟

وبعدما كان يحمل اسمه العريق الشهير الذي بُنيت حوله الأساطير، وسُطّرت على وقعِ نغماته الملاحم والأهازيج؛ صار يحمل اسم شركة طيرانٍ في بلدٍ لا تعرفه، أو شركة تأمين بالكاد تقدر على نطق اسمها؟

هذا السيناريو ليس أسطورياً، يحدث للآخرين فحسب. وإنما من الممكن أن يكون ملعب ناديك المفضل قد حمل اسم شركة أو علامة تجارية في وقتٍ ما، وربما يكون ذلك الاسم هو أول ما وعيت له عند تشجيعك لهذا النادي.

يحمل ملعب نادي بايرن ميونخ اسم شركة التأمين الألمانية Allianz منذ عام 2014. ويحمل ملعب نادي أرسنال اسم شركة الطيران الإماراتية Emirates منذ إنشائه عام 2006. وفي عام 2022، استيقظ جمهور برشلونة على خبر تغيير اسم ملعب فريقهم العريق ليضاف له اسم شركة الموسيقى الرقمية السويدية، ويصبح اسمه Spotify Camp Nou.

فمتى بدأ هذا التغيير، وما الذي يدفع الأندية لبيع حقوق تسمية ملاعبها، وما الذي يدفع الشركات والعلامات التجارية لشرائها، ولماذا لا تُفلح تلك الطريقة مع الفرق الكبرى وملاعبها العريقة، رغم قيمة اسم ملاعبها؟

حقوق التسمية: الاسم قبل كل شيء

تُعد حقوق التسمية إحدى آليات التسويق التي تتضمن اتفاقاً على بيع حق تسمية منشأة رياضية ما، كالملاعب ومقرات التدريب وحتى بعض البطولات والأحداث الرياضية، لشركة أو علامة تجارية بعينها. بموجب ذلك الاتفاق، يحمل الملعب اسم الشركة صاحبة حقوق التسمية، ليس على مداخله ومخارجه فحسب، بل يصبح ذلك الاسم الجديد هو المستخدم في المعاملات والبيانات الرسمية المرتبطة بالملعب.

ليس هذا أمراً مستحدَثاً أو مقتصراً على ملاعب كرة القدم، فحسب تقريرٍ صدر عن مجلة فوربس الاقتصادية، فإن عام 1912 قد شهد أول محاولة خجولة للاستفادة من حقوق التسمية، حين تم إنشاء ملعب فينواي بارك لكرة البيسبول في ضاحية فينواي في بوسطن، وتصادف أن صاحب الملعب يمتلك شركة عقارية تحمل اسم فينواي، فكان لتلك التسمية أثر اقتصادي جيد.

أما البداية الحقيقية لتلك الفكرة التسويقية بحسب التقرير، فتعود إلى عام 1953 حين حصلت شركة المشروبات أنهايزر بوش على حقوق تسمية ملعب فريق البيسبول سانت لويس كاردينالز، وتنشأ حملة تسويقية للشركة حول هذا الاسم.

وقد أخذت تلك الفكرة مساراً تصاعدياً في الانتشارِ والكفاءة، فحسب قاعدة بيانات شركة Global Data لعام 2022؛ فإن 97% من فرق دوري كرة القدم الأمريكية وفرق كرة السلة الأمريكية يمتلكون عقوداً ببيع حقوق تسمية ملاعبهم. تصل تلك النسبة إلى 94% من ملاعب فرق الهوكي الأمريكية، و90% من ملاعب كرة القدم، و77% من ملاعب البيسبول، بمتوسط 91% من جملة ملاعب الرياضات الخمس في الولايات المتحدة الأمريكية.

أما في الدوريات الخمس الكبرى لكرة القدم في أوروبا فهناك فارقٌ ملحوظ، إذ تحمل 30% من ملاعب أندية البريميرليج أسماء شركات وعلامات تجارية، تلك النسبة تنخفض إلى 25% في الدوريين الإسباني والإيطالي، وتصل إلى 20% في الدوري الفرنسي. وتظهر ألمانيا كلحنٍ ناشزٍ وسط جيرانها بنسبة 83% من أنديتها.

ولكن ما الفائدة من استبدال اسمٍ بآخر؟

اسم الملعب: لوحة إعلان دائمة

نشر عالمان من جامعة ليموج الفرنسية عام 2023، تحليلاً نقدياً عن تسمية الملاعب، كواحدة من مصادر التكسّب للأندية والشركات على حدٍ سواء.

تبزغ فكرة تسمية ملعب باسم شركة أو علامة تجارية، كحل مبتكر في ظل اكتظاظ الأسواق بالمنتجات التي تعتمد الطرق التقليدية ذاتها في التسويق. بتلك الطريقة تعلن بعض الشركات عن نفسها، وتقدم نفسها للجمهور.

ولأن بناء العلامة التجارية قد يستغرق جيلاً كاملاً من عمر الشركات؛ فوجود اسم الشركة على واجهة الملعب، أمام نواظر الجمهورِ داخل الملعب ووراء الشاشات، أسبوعاً بعد أسبوعٍ، يسهم بنسبة كبيرة في خلق وعي جماهيري بالعلامة التجارية وإثبات وجودها في لا وعي المشجعين.

بحسب موقع شبكة CBS News الإخبارية، فإن تكلفة الإعلان التلفزيوني لمدة 30 ثانية فقط، أثناء مباراة البطولة السنوية لكرة القدم الأمريكية المعروفة بـ«سوبر بول» يبلغ سبعة ملايين دولار. وهو أعلى بنسبة 55% من تكلفة نفس الإعلان عام 2019.

فمن المنطلق الدعائي البحت وتدعيم قوة العلامة التجارية للشركات الكُبرى؛ فإن شراء حقوق التسمية يشكل وسيلة دعاية ضخمة لا تقتصر فقط على بضع ثوانٍ بين فواصلِ مباراة، وإنما تمتد لسنواتٍ ومواسم.

وبحسب الدراسة، فتلك الوسيلة كان تأثيرها أكبر بـ10 مرات في ما يخص التعرفَ اللحظي على العلامة التجارية لشركة Allianz الحاصلة على حقوق تسمية ملعب بايرن ميونخ حتى عام 2041، من رعاية قميص الفريق، بتكلفة ستة ملايين يورو في السنة بدلاً من 22.

غير أن دراسةً نُشرت في مجلة الاقتصاد الرياضي عام 2007، عن حقوق التسمية للملاعب في الولايات المتحدة، تظهر أن الاعتماد على فكرة التسمية كأداة للتواصل بين العلامات التجارية والجمهور، لا يدوم تأثيرها لمدة طويلة ولا يؤثر بالشكل الكافي على أرباح تلك العلامات التجارية.

إذن، ما الذي يدفع الأندية الرياضية لمنح شركات وعلامات تجارية أخرى حقوق تسمية ملاعبها؟

المال مقابلَ الاسم!

إن تضمنت إجابتك عن السؤال الماضي أي إشارة أو إلماح لأي سببٍ غير المال، فأخشى أن أخبرك أن إجابتك خطأ تماماً!

شهد عام 2021 عدداً من صفقات شراء حقوق التسمية، أولها حصول شركة التكنولوجيا المالية Q2 Holdings على حقوق تسمية ملعب فريق Austin FC لكرة القدم في مدينة تكساس، بقيمة 26 مليون دولار.

بعد ذلك، أُبرمت مجموعةٌ من الصفقات القياسية، منها شراء شركة Intuit حقوق تسمية ملعب فريق السلة لوس أنجلوس كليبرز الجديد مقابل 500 مليون دولار. وشراء شركة FTX حقوق تسمية الملعب الرئيسي لفريق السلة «ميامي هيت» مقابل 135 مليون دولار، كما قامت شركة Crypto.com بشراء حقوق تسمية الملعب الرئيسي لفريق السلة الأشهر «لوس أنجلوس ليكرز» مقابل 700 مليون دولار!

مثل تلك الصفقات تصبُّ بشكلٍ مباشر في مصلحة الفرق التي تبيع حقوق التسمية، والمكسب واضح ولا جدال فيه، خصوصاً أن الولايات المتحدة هي السوق الأساسي وبلغ حجم التداول المالي التراكمي فيه حوالي 3.5 بليون يورو.

في أوروبا، ووفقًا للخبير الاقتصادي الرياضي «لوكاس بيكزيك» فإن حقوق تسمية ملعب الاتحاد الخاص بنادي مانشستر سيتي بلغت 15 مليون باوند عام 2024. تلك الأموال يمكن أن تستخدمها الأندية في إنعاش خزائنها أو إعادة توجيهها إلى مناحٍ استثمارية وتنافسية أخرى، ترفع من جودة الفريق أو تزيد من الكسب الماديّ لمُلّاكه.

ورغم تلك المكاسب الضخمة فإن نسبةً قليلةً من أندية الكرة الأوروبية، تتجه نحو بيع حقوق التسمية كأحد مصادر الدخل التي يمكن الاعتماد عليها، فما الدوافع وراء غضّ الطرف عن مكسبٍ سهلٍ لا ينطوي على شيء إلا مجرد تغيير اسم الملعب؟

العراقة والتاريخ أمام المال

كتب مايكل ويفر المدير الإداري لشركة الاستشارات المالية العالمية Duff & Phelps، عدة تقارير تشرح الفارقَ بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في استخدام حقوق التسمية وتحقيق الاستفادة المادية المُثلى منها.

في موسم 2018/2019، كان لدى 6 أندية فقط من أندية البريميرليج اتفاقات بيع حقوق التسمية. بلغت قيمتها حوالي 44.05 مليون باوند، في حين يرى ويفير أن الـ14 نادياً الباقين يُضيعون على أنفسهم فرصة مكسب محتمل قدره 97.95 مليون باوند، لرفضهم أو لعدم قدرتهم على بيع حقوق تسمية ملاعبهم.

اعترف كيث وينيس المدير التنفيذي السابق لأندية إيفرتون وأستون فيلا، أنه فكر في بيع حقوق التسمية في كلا الناديين. وفي إيفرتون تحديداً كان من المتوقع أن تصير مصدرَ الدخل الأساسي للنادي. لكن العائق تمثّل في أن الناديين يمتلكان اثنين من أكثر الملاعب شهرة وعراقة: جوديسون بارك، وفيلا بارك.

وفقَ تقارير ويفر فإن مانشستر يونايتد كان على رأس قائمة أندية البريميرليج المتوقع لها تحصيل مكاسب ضخمة من بيع حقوق اسم ملعبها الشهير أولد ترافورد، بقيمة قد تصل إلى 26.75 مليون باوند في السنة.

لكن الجمهور لن يروق له ذلك الوضع، خصوصاً إذا كان جمهور فريق عريق مثل اليونايتد. أثبتت دراسة نشرت في المجلة الأوروبية للتسويق عام 2013، أن جمهور أي فريق يرى أن تميزه عن غيره يكمن في بمجموعة مُحددِّات، من بينها اسم الملعب. وإن خالف المُلاك إرادةَ الجماهير، وباعوا حقوق تسميته؛ فإنهم يرفضون الاعتراف بالاسم الجديد فضلاً عن استخدامه، وهو ما ينعكس بالسلب على الشركة الشارية لحقوق التسمية.

وتعي الشركات ذلك، فلا تجازف بحدوث تأثير عكسي من قاعدة جماهيرية كبيرة، خصوصاًَ إذا كان من بينها لاعب صراحته فجّة، مثل إيريك كانتونا الذي أعلن أنه سيهجر كرة القدم للأبد إن باع اليونايتد حقوق تسمية ملعبه.

يبرر كانتونا موقفه:

«لقد فقدت تلك الملاعب روحَ وتاريخ أنديتها، مثل أرسنال وويستهام. هل يمكن أن تتخيل أن أولد ترافورد، يصبح ملعباً جديداً يحمل اسم علامة تجارية؟ إن حدث ذلك؛ فلن أصبح مشجعاً لليونايتد بعدها، وسأهجر كرة القدم للأبد».

# كرة القدم العالمية # بايرن ميونيخ # برشلونة # ريال مدريد # مانشستر يونايتد

هانزي فليك: شراسة العالم خلف هدوء حي ماكينلوش
الطابق المسحور: أين اختفى جيل منتصف التسعينيات؟
أتلتيك بيلباو: أسطورة الولاء للإقليم

رياضة