رياضة

حريات بلاد العم سام: الاحتفال بالفوز قد يسبب الوفاة

لماذا تتكرر عمليات إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما الذي يجعل بلداً متقدماً مثل أمريكا يعاني من أزمة بهذا الحجم؟

future لاعبون ومشجعون وطلاب يختبئون بعد إطلاق النار في ختام مبارة كرة قدم بمدرسة بليزنتفيل الثانوية في نيوجيرسي، 2019

يجد لاعب كرة القدم الأمريكي نفسه مضطراً للإجابة على عدة تساؤلات فور اتخاذه قرار التخلي عن تقاليد بلاده وممارسة كرة القدم بشكل احترافي، بدلاً من أي من الرياضات الأمريكية.

يبدأ الاختبار بسؤال حول كيفية إيجاد توازن مناسب بين الدراسة ولعب كرة القدم، ثم الإجابة على سؤال فرق الجودة بينه كلاعب أمريكي وأي لاعب أوروبي أو لاتيني يسبقه بأشواط من حيث الخبرة والتجربة والتأسيس، ثم أخيراً خوض تجربة الخروج من الولايات المتحدة الأمريكية نحو أحد الدوريات الأوروبية ومحاولة المنافسة على مقعد له بين الكبار.

الأمريكي أليخاندرو بيدويا لاعب رينجرز الأسكتلندي ونانت الفرنسي السابق، يعد أحد القلائل الذين نجحوا في الإجابة على كل الأسئلة السابقة. لكنه مع ذلك لم ينجح في الإجابة على سؤال وحيد خلال الفترة التي أمضاها في أوروبا: لماذا تتكرر عمليات إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة الأمريكية؟

هكذا وجدنا أجدادنا

بعد مرور 84 يوماً من عام 2024، سُجلت 83 عملية إطلاق نار جماعي في الولايات المتحدة الأمريكية.

- أرشيف العنف المسلح، 24 مارس 2024

 

للوهلة الأولى، تبدو الإحصائية أعلاه مفزعة؛ لأنها تعني أن هناك -على الأقل- حادثة إطلاق نار جماعي كل يوم في إحدى الولايات الأمريكية. ومن أجل مزيد من التوضيح، تعرف حادثة إطلاق النار الجماعي طبقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) على أنها حادثة قتل أو محاولة قتل يقوم بتنفيذها فرد أو مجموعة من الأفراد المسلحين في منطقة مأهولة بالسكان، ينتج عنها سقوط ثلاثة أو أكثر من القتلى أو المصابين.

لكن في الواقع حتى وإن كانت الإحصائية أعلاه مفزعة تظل منطقية؛ لأن الولايات المتحدة الأمريكية لديها أعلى معدل امتلاك للسلاح لكل فرد، بواقع 120.5 قطعة سلاح لكل 100 فرد، وهو بكل تأكيد المعدل الأعلى في العالم وبفارق ضخم عن الدولة صاحبة المركز الثاني.

ربما تبادر إلى ذهنك الآن نفس السؤال الذي لطالما كرره زملاء «بيدويا»: ما الذي يجعل بلداً متقدماً مثل الولايات المتحدة الأمريكية يعاني من أزمة بهذا الحجم؟

الإجابة التي تُلقن  لكل أمريكي وليس أليخاندرو بيدويا وحده، هي: «لأننا نمتلك التعديل الدستوري الثاني».

طبقاً للدستور الأمريكي لا يجوز انتهاك حق الشعب في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها، وذلك لضمان أمن الدولة الحرة.

بعد صدور وثيقة الحقوق المدنية الأمريكية عام 1791، كان التعديل الثاني أهم عوامل تشكيل المشهد الدموي الحالي، إذ ينقسم الأمريكيون في تفسير حق امتلاك السلاح لمذهبين؛ الأول يرى أن التعديل جاء في ذلك الوقت للحفاظ على حق الآباء المؤسسين ضد الظلم وهو ما يعرف بالحق الجماعي، أما الثاني الذي يتبناه اليمينيون فهو الحق الفردي في امتلاك وحمل السلاح بشكل مطلق، وأن محاولة تقويض هذا الحق تعد خرقاً واضحاً للدستور.

على كل حال يبدو المجتمع الأمريكي محباً لحمل السلاح. طبقاً لإحصائيات معهد بيو الأمريكي للدراسات، اكتشفنا مجموعة من الحقائق:

أولاً: 40% من المواطنين الأمريكيين يعيشون في منازل بداخلها على الأقل سلاح واحد، 32% منهم يمتلكون هذا السلاح بشكل شخصي.

ثانياً: يقتني نحو 72% من هؤلاء السلاح من أجل الدفاع عن النفس، فيما يرى 71% من ملاك السلاح أن اقتناء سلاح ناري شعور ممتع.

بالطبع لا تخبرنا هذه الإحصائيات بالحقيقة الكاملة؛ هناك شريحة كبيرة من الأمريكيين ترى في تقويض حمل الأسلحة حلاً لإنهاء أزمة العنف المسلح في أمريكا. ذلك العنف الذي قد يطال أي مواطن أمريكي، حتى ولو كان مجرد مشجع ذهب إلى ملعب مباراة مرتدياً قميص فريقه للاحتفال بانتصار تاريخي.

القصة الأكثر أمريكية على الإطلاق

في نوفمبر 2019، نجح ميكا ذو الـ10 سنوات في إقناع والدته أنجيلا وشقيقته الكبرى بالذهاب إلى إحدى مباريات كرة القدم الأمريكية الفاصلة بمدرسة بليزنتفيل الثانوية في نيوجيرسي. كان حدثاً فريداً بالنسبة للمدينة، شهد حضوراً جماهيرياً، كما العادة في مباريات الشباب بكرة القدم الأمريكية التي تشهد حضور الآلاف من المشجعين.

بحلول منتصف الربع الثالث، سُمع في الأرجاء دوي إطلاق نار، تفرقت الجماهير للبحث عن مكان للاختباء، انبطح اللاعبون على الأرض، فيما لم يستجب ميكا لمطالبات والدته بالركض؛ لأنه كان قد أصيب بالفعل بعيار ناري، توفي على إثره بعد أيام.

مفاجأة، هذه ليست حادثة فردية طبقاً لـESPN، فمنذ عام 2014 وحتى عام 2024 سُجلت نحو 170 حادثة إطلاق نار جماعي بالأحداث الرياضية المدرسية الأمريكية. لكن المفاجأة الأكبر هي أن هذه الفظائع لا علاقة لها بضعف تأمين الأحداث الرياضية المدرسية مقارنة بأحداث دوريات المحترفين.

في فبراير 2024 كتب جون برانش لنيويورك تايمز تعليقاً على إطلاق النار الجماعي بالقرب من موكب احتفال فريق كانساس شيڤز بالفوز بالسوبر بول، الذي راح ضحيته سيدة وأصيب خلاله نحو 22 شخصاً منهم 11 طفلاً.

مباراة سوبر بول، موكب انتصار، إطلاق نار. لا توجد قصة أكثر أمريكية من تلك.

لم يكن إطلاق النار مرتبطاً بالمباراة ولا بالرياضة من الأساس، بالضبط كما لا يتعلق إطلاق النار داخل قاعة سينما أو مركز تجاري بالأفلام أو التسوق. لكنه حول الحدث الرياضي الأهم بالولايات المتحدة (السوبر بول) الذي يشاهده نحو 123 مليون أمريكي لكارثة لا يمكن تجاهلها.

هنا يجب أن نتوقف للحظة لم يتم توثيق أي حادثة مشابهة داخل أي من ملاعب مباريات دوريات الرياضات الأمريكية المحترفة التي تُأَمن بشكل ممتاز عبر خطط أمنية غاية في التعقيد والاحترافية. لكن الأزمة الحقيقية هي أن حادثة موكب كانساس شيڤز وغيره من الاحتفالات تكون بعيدة عن ملعب المباراة نفسها، وأحياناً بعد انتهائها بعد أيام، مما يجعل التنبؤ بها شبه مستحيل.

كوميديا سوداء

«لسوء الحظ لا نمتلك ضمانات أمنية بنسبة 100%، لكن تعاون مؤسسات دولية مثل الإنتربول وغيرها مع مكتب التحقيقات الفيدرالي قد يساعد حقاً».

- آلان روثنبرغ عضو مشارك في تنظيم كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة الأمريكية

في صيف 2026 ستكون الولايات المتحدة أمام اختبار جديد، حين تستضيف 11 مدينة أمريكية 60 مباراة بكأس العالم لكرة القدم، إذ يتوقع أن يصل إلى الأراضي الأمريكية نحو 5.5 مليون مشجع أجنبي خلال الفترة التي يتوقع أن تمتد أكثر من 39 يوماً.

بحسب ذي أثليتيك، تضمنت الوثائق المقدمة داخل الملف الأمريكي لاستضافة كأس العالم خطط الأمن والسلامة للبطولة، ولكنها لم تذكر على وجه التحديد التهديد المحتمل للعنف المسلح، في حين اكتُفي بأن الخطط الأمنية التي سيتم تطبيقها في محيط الملاعب ومناطق تجمع الجماهير ستتم بناء على تحليل التهديدات طبقاً للسلطات المختصة.

هل يعني ذلك أن الجماهير التي ستصل إلى الولايات المتحدة لمشاهدة كأس العالم مهددة؟

الإجابة على هذا السؤال نسبية جداً. لكن على كل حال سبعة من الـ11 مدينة أمريكية التي يتوقع أن تستقبل جماهير المنتخبات الضيفة لا تجرم حمل السلاح في الأماكن العامة. لكن إذا أردنا البحث عن إجابة مثالية، يخبرنا چون برانش صحفي نيويورك تايمز الأمريكية، أنه «لا يوجد في الحياة الأمريكية مكان عام يمكن وصفه بالآمن. ولا يبدو أي إطلاق نار مفاجأة، إلا بالنسبة للأشخاص الذين يُطلق الرصاص عليهم».

# الولايات المتحدة الأمريكية

جولات بلينكن في المنطقة ولعبة سياسة الهندسة
المعادن الحرجة: عودة إلى ساحة الصراع في ظل هيمنة التنين
بايدن ينسحب وكامالا هاريس في مواجهة ترامب

رياضة