رياضة

تحديات كرة القدم: كيف نحكي علاقتنا بالكرة في 30 ثانية؟

لماذا تحظى تحديات كرة القدم بحالة من الزخم الممتد؟ وما الذي تغذيه في النفس البشرية سيكولوجياً؟

future برنامج تحدي الثلاثين

طاولة صغيرة، خصمان وحكم، تكوين بصري لا يدل على الأبهة مطلقاً، انفعالات غير مدروسة أمام الكاميرا وخلفها، جورج قرداحي لم يمر من هنا، ولا أحد سيربح المليون!

كم لاعباً لعب في قارتين أو أكثر، يمكن أن تذكر في 30 ثانية؟ يطرح الحكم سؤاله بسرعة وكأنما يتخلص من حزام ناسف، وبالسرعة نفسها يقرر أحد الخصمين العدد الأدنى الذي يمكن أن يقدماه كجواب للسؤال، ويبدأ المزاد.

يقص الحكم قصة لاعب مجهول من خلال الأندية التي لعب لها. يُجري المتسابقان حساباتهما ويقلبان دفاتر الذاكرة القريبة والبعيدة في ثوانٍ، يتتبعان المسيرة ويكشف أحدهما اسم صاحبها قبل الآخر.

لا بد أن تلك النوعية من المحتوى قد ظهرت لك مرةً على الأقل، عبر قنوات اليوتيوب الخاصة بصانعي المحتوى الرياضي الإنفلونسرز أو عبر قنوات أُنشئت وقامت على ذلك المحتوى حصراً. ومهما كان اسم التحدي «صباحو تحدي، تحدي الشلة، تحدي الثلاثين … إلخ»؛ فإن الجمهور الكروي، خصوصاً فئة الشباب منه؛ يلتهمه أولاً بأول، ويتحرق شوقاً للمزيد منه.

يمكن أن تلحظ أيضاً أن تلك التحديات، سواء بصيغتها الشفهية الارتجالية، أو بصيغتها الإلكترونية عبر تطبيقات الهاتف المحمول والمواقع الإلكترونية؛ قد أصبحت معادلاً لألعاب المقاهي والكافيهات التقليدية، وحجزت مكاناً لها بين ألعاب النرد والورق.

فكيف حصلت التحديات الكروية تلك الشعبية بهذه السرعة؟ وما دوافع الشباب للإقبال عليها بنهم، سواء بالمشاهدة أو الممارسة؟ ولماذا يحرص المطورون وصناع المحتوى، المحترفون منهم والهواة، على استنساخ نموذج التحديات الكروية، سواء عبر التطبيقات الإلكترونية أو عبر الوسائط المرئية مثل اليوتيوب؟

سيكولوجية التحدي

تحظى تحديات كرة القدم بحالة من الزخم الممتد، يمكن تتبعه في الوطن العربي عبر برنامجين على اليوتيوب، كان لهما نصيب الأسد من الانتشار والتأثير، وهما: صباحو تحدي لليوتيوبر المصري عمرو نصوحي، وبرنامج تحدي الثلاثين للاعب كرة القدم الكويتي المعتزل وصانع المحتوى مساعد الفوزان.

حققت تلك البرامج شهرةً واسعةً في المحتوى الكروي العربي المرئي، ووصلت ملايين المشاهدات في فترة وجيزة. وهو أمر يمكن تفسيره بالقاعدة الجماهيرية العريضة لكرة القدم باعتبارها الرياضة الأكثر ممارسةً ومتابعةً في الوطن العربي، وكذلك من جانب سيكولوجي بحت، يغذي عطش النفس البشرية باختلاف مشاربها وأهوائها للتحديات وألعاب العقل.

فعلى سبيل المثال، يتضمن أحد تلك التحديات سرد أدلة وإشارات للاعب ما، تحت عنوان: «من أنا؟» دون الإلماح المباشر إلى جنسيته أو ناديه أو أي من المحددات شديدة الخصوصية، وهو ما يمثل أحجية توافِق التوق البشري للتحفيز المعرفي.

وكما يحدث في تحديات الكلمات المتقاطعة ومكعب روبيك وغيرها؛ يفتش العقل في غرفاته، يحصر ويستبعد، يجرب الحلول ويتوقع النتائج، يلجأ للذاكرة كمنبع للأفكار وينشطها، وفي ذروة النهاية يأتي الحل، محملاً بجرعات من الدوبامين، هرمون المكافأة.

ينغمس الناس بمختلف أعمارهم وميولهم في تلك التحديات، ليس فقط من أجل الإحساس بالكفاءة والجدارة والتفوق على الأقران؛ وإن كانت غرضاً لا يستهان به، وإنما أيضاً ما يتوفر في تلك التحديات من غرض الهروب من الواقع وتعزيز العلاقات الاجتماعية، خصوصاً إن كانت تلك الألعاب لا تنتقي لاعبيها ولا تختبر تعمقهم في مجالات العلوم والفنون، كما يحدث في المنافسات الثقافية الكبرى وبرنامج من سيربح المليون، وإنما المراكمة المعرفية بالمشاهدة والمتابعة.

عام 2019، أثبتت دراسة أجراها بروفيسور متخصص في مجال التعليم بالألعاب في جامعة برايتون، أن التحديات في صورتها الجماعية تقوي من الروابط الاجتماعية وروح التعاون وكذلك تحفز عملية التعليم من خلال النقاشات المتعمقة، واستخدمت الدراسة  لعبة « غرفة الهروب  -Escape Room» كإحدى صور التحديات.

أصبحت التحديات معتمدةً على الجمهور بشكل أساسي في الوقت الحالي، هذه المرة صانعاً للمحتوى ومشاركاً فيه كمتحدٍّ، بالإضافة لدوره الأساسي خلف الشاشة مشجعاً ومتابعاً.

محتوى الجمهور، وجمهور المحتوى

أُعلن عن تدشين «تحدي الثلاثين - كأس الجمهور» قبل حوالي ثمانية شهور، في أربع دول عربية: الكويت، والسعودية، والأردن، ومصر. يقال والعهدة على الراوي إن ما يقارب نصف مليون شخص قد تقدموا للمشاركة في مرحلة التصفيات عبر التطبيق الذي أنشئ لهذا الغرض.

 

هذا الراوي العليم هو محمود عاشور، الفائز بالمركز الأول على مستوى تصفيات مصر، وأحد أضلاع المربع الذهبي في كأس الجمهور المقرر انتهاؤه في أكتوبر القادم. شارك عاشور «كروم» بعض تصوراته ومعلوماته عن تلك النوعية من التحديات، بناءً على تجربته الفريدة داخل أحد أشهر مطابخها.

يرى عاشور الذي يقدم أيضاً محتوى كروياً عبر اليوتيوب منذ سنوات، أن برامج التحديات تمثل طفرة في عالم صناعة المحتوى الكروي، على المستويين الإبداعي والتفاعلي. فالفكرة بسيطة جداً، بل منتشرة من قبل أن تؤطر في تلك البرامج وتكتسب شعبيتها الجارفة بمسمياتها وتصميماتها الجديدة. وقد كانت في انتظار عين خبيرة في التطوير والتنفيذ لتلتقطها وتصنع منها ما يلفت الأنظار، وهو ما تحقق في السنوات القليلة الماضية.

وعلى عكس الأنماط الأخرى من المحتوى المرئي، التي تتطلب جهداً مرهقاً وتحضيراً طويلاً، بإعداد تحليل تكتيكي للمباريات أو بتناول أحد الجوانب التاريخية والمعلوماتية للعبة بغرض التوثيق، أو حتى محتويات الترفيه التي تتطلب الحركة ونقل المعدات وحجز مواقع التصوير الخارجية وربما السفر لتصوير Vlogs؛ يظهر محتوى التحديات كبديل سهل التحضير، سريع الانتشار، يمتاز عن تلك الأنماط جميعها بميزة يطمح لها صناع المحتوى جميعاً، وهي: التوافقية.

ومن ناحية الربح والمنفعة، فلذلك النوع من المحتوى قابلية الجمع بين عدد من المؤثرين (الإنفلونسرز) أو مشاهير المحتوى الكروي في الوقت نفسه، في إطار تنافسي لا يخلو من فكاهة، فمن ذا الذي يرغب في أن يفوِّت عرضاً كهذا؟!

أصابت تلك التحديات وتراً حساساً عند كثير من الشباب، ومن بينهم عاشور، الذي قرر أن يخوض تلك المغامرة، ويقطع فيها شوطاً كبيراً، ويغنم من مكاسبها التي كان أهمها أن «تحس إنك متشاف».

هناك فئة أخرى من الشباب قررت ألا يفوتها العرض المتصل، وأن تلحق بهذا الركب، ولكن من طريق آخر؛ أن تشارك بنفسها في صنع تلك التحديات.

تحدٍّ لكل مواطن!

في خانة البحث في محرك جوجل أو في متجر التطبيقات جوجل بلاي وآب ستور، اكتب كلمة تحدي أو أسئلة كروية؛ وستغرق في سيل من المواقع والتطبيقات التي تقدم مئات الأسئلة عن تحديات كرة القدم بأشكالها المختلفة.

عرض منطقي لحالة الانتشار التي حققتها برامج التحديات، وزاد على الميزات المتحققة لتلك الألعاب سلفاً، ميزات إضافية منها مواكبة المناخ الكروي العام المهيأ لاستقبال واستهلاك كل جديد في تلك الفئة من المحتوى والألعاب.

أما عن الميزات المتحققة سلفاً، فأهمها ما يتعلق بالجمهور المقدمة له الخدمة؛ إذ قلما تجد جمهوراً وفياً لاستهلاك منتج بعينه بقدر ما تجد في جمهور الرياضات وكرة القدم بعينها. وطبقاً لإحصائية صدرت عام 2022 عن منصة الإحصاءات الشهيرة Statista، فإن نسبة 39% من جمهور كرة القدم في شمال أفريقيا والشرق الأوسط من فئة الجمهور الوفي، الذي يستهلك المحتوى الرياضي بشكل منتظم، في حين أن 37% من الجمهور ينتمي للفئة المتعصبة، التي تفتش برغبة ونهم عن أي محتوى كروي يصلح للاستهلاك.

أسئلة كروية شقية هو أحد تلك التطبيقات التي قد تتعثر بها في رحلة البحث، شارك في إنشائه مجموعة من الشباب لا يجمعهم مجال دراسة واحد ولا يتفقون على حب نادٍ واحد.

يتحدث الشبان الأربعة لـ «كروم» عن انبثاق الفكرة، وكيف بقيت حبيسة جلسات السهر على المقهى بينهم، قبل أن تمهد برامج التحديات الصاعدة في العامين الماضيين الطريق لتجارب مشابهة.

«بدأت الفكرة حين شاهدنا مقطعاً على اليوتيوب لمجموعة من صناع المحتوى الأجانب، يعرض صوراً لأربعة لاعبين والمطلوب معرفة الرابط بينهم، انهمكنا في البحث عن الرابط لساعات، دون أن نشعر بالوقت. من وقتها صار غرامنا بذلك النوع من التحديات الصعبة وجمعها ومنافسة بعضنا فيها».

لا ينكر منشئو التطبيق رغبتهم في التكسب من ورائه، بل يزعمون أنها رغبة يشتركون فيها مع كثير من نظرائهم من منشئي تطبيقات مشابهة، والطرق لذلك كثيرة، بدءاً بالإعلانات وانتهاءً بتجربة الألعاب المدفوعة والاشتراكات.

سألتهم: ماذا لو لم ينجح تطبيقكم الناشيء ولم يسمع به أحد، بعد ما بذلتموه من جهد وبحث؟

«لا شيء، ستعود تلك التجربة - كما بدأت - إلى تجمعنا الصغير، وسنستمر في ابتكار تحديات جديدة نغرم بها ولا نشعر معها بانقضاء الوقت».

# كرة قدم # رياضة # ألعاب # علم نفس

جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً
الخسارة كنز: هل تجعلك الهزيمة خفيف الظل؟
المقبرة الملكية: هل يحمي ريال مدريد المواهب أم يدفنها؟

رياضة