رياضة

بحثاً عن الكمال: هل يجب تقنين المنشطات في الرياضة؟

بدعوى حقوق الإنسان والحريات ومجموعة من المنشطات.. هل ينجح أباطرة العالم في تحويل اللاعبين إلى وحوش كاسرة لتحقيق متعة زائفة بأداء استثنائي؟

future صورة تعبيرية (هل يجب تقنين المنشطات في الرياضة؟)

تبدو فكرة حظر المنشطات في مختلف الرياضات التنافسية فكرة بديهية تماماً، هذا لأن المنشطات تقوض القيم الأساسية للرياضة، مثل الصحة والنزاهة والالتزام وتكافؤ الفرص. كما تضر المنشطات بصحة الرياضيين أنفسهم، وفي المقابل تضلل المتفرجين والمنظمين والرعاة الذين يؤمنون بمشاهدة منافسة رياضية عادلة.

لهذا تعمل لوائح مكافحة المنشطات على الحد من هذا الخداع، وتساعد في ضمان قدرة الجميع على الاستمتاع برياضة عادلة وتنافس شريف بعيداً عن المزايا التنافسية التي قد يستفيد منها الرياضيون عن طريق المنشطات فيما يصنف دون مواربة كغش غير مقبول.

 لكن ماذا لو تم الاتفاق مسبقاً بين جميع الأطراف على تناول اللاعبين المنشطات من أجل أداء استثنائي، هكذا لن يُخدع أحد ولن يتهم أحد الآخر بالغش ومن المؤكد أننا سنشاهد تحقيق أرقام عالمية جديدة في معظم الألعاب. وإذا ارتضى اللاعبون هذا الأمر، ألا يطهرنا هذا من إثم إيذاء صحتهم البدنية والنفسية؟

يراهن هذا الطرح ببساطة على المتعة التي تتحقق بكسر كافة القيود، طرحاً مثيراً دون شك لكنه بعيد عن جوهر الرياضة، لكن ماذا لو قلت لك إن هذا الطرح ليس ببعيد عن التحقيق، بل تضخ ملايين الدولارات من أجل حدوثه، وكأن أباطرة العالم قد شعروا بالملل من فكرة أخلاقيات الرياضة ويريدون أولمبياد يموت فيها اللاعبون من أجل المتعة.

دعنا نبدأ القصة بثنائية مهمة تقف وراء فكرة تلك الألعاب التي أطلق عليها«الألعاب المُحسَنة»، فكرة لم نكن لنسمع عنها أبداً لولا اللقاء الذي جمع طالب القانون الأسترالي آرون ديسوزا برجل الأعمال الأمريكي بيتر ثيل.

ثنائية أرون ديسوزا وبيتر ثيل

في عام 2009 وصل ديسوزا طالب القانون الأسترالي الذي كان يبلغ من العمر 24 عاماً آنذاك إلى جامعة أكسفورد لتحصيل درجة علمية جديدة في القانون، إلا أن غرض ديسوزا لم يكن تحصيل العلم فقط بل ليكون قريباً من أباطرة العالم الحقيقيين.

كان بيتر ثيل أحد أوائل وأهم هؤلاء، فقد زار الملياردير الأمريكي ومؤسس شركة المدفوعات الرقمية العملاقة «باي بال» جامعة أكسفورد لإلقاء محاضرة ثم قام بجولة في كليات الجامعة وهناك تحديداً انضم إليه ديسوزا.

تطورت المحادثة بينهما، ليسأل ديسوزا العملاق ثيل عن التحدي الأكبر الذي يواجهه حالياً في حياته، إلا أن ثيل لم يتحدث عن العمل كما هو متوقع بل أشار إلى أنه أمر شخصي تماماً.

يتمحور هذا الأمر الشخصي حول الموقع الإلكتروني «Gawker»، وهو موقع متخصص في أخبار المشاهير، الذي كُتب من خلاله مقال كُشف فيه عن مثلية ثيل الجنسية دون موافقته.

شرح ثيل لديسوزا المعضلة التي يواجهها؛ إذ رفع دعوى قضائية، فهذا من شأنه توجيه مزيد من الانتباه إلى الموقع وقصة مثليته تلك، وإذا قام بشراء الموقع وتخلص من المسؤولين عنه، فهو في ذلك سيكافئ هؤلاء المسيئين له بمكافأة كبيرة.

استمع ديسوزا جيداً ثم اقترح بأدب جم خياراً ثالثاً: ماذا لو قرر السيد ثيل أن يمول سراً قضية قانونية لشخص آخر ضد موقع «Gawker»؟

بعد بضعة أسابيع، وفي مطعم فاخر في برلين، عرض ديسوزا خطته بشكل كامل بدءاً من اليوم وصولاً لتدمير «Gawker» بشكل كامل، ولم يوجه له ثيل سوى سؤال وحيد: متى يمكنني تحويل المال اللازم لفعل كل ذلك؟

ما حدث أن السيد ديسوزا عثر على قضية أخرى من شأنها تدمير الموقع الإلكتروني، تتمثل في نشر الموقع مقطع فيديو يظهر خلاله المصارع الشهير هالك هوجان وهو يمارس الجنس مع زوجة أحد أصدقائه.

ثم قام بتشكيل فريق قانوني وقام بمقاضاة الموقع لمدة خمس سنوات متصلة وصولاً لفوز المصارع بتعويض قدره 115 مليون دولار في عام 2016، وبعد خمسة أشهر من هذا الحكم أعلن الموقع التعس الإفلاس وأغلق للأبد.

هل سُرب المقطع عمداً للموقع الذي وقع في الفخ بسذاجة؟ لا أحد يعلم بالطبع، لكن الأكيد أن تلك الواقعة أنتجت لنا ثنائية شديدة الدهاء والخطورة؛ ثنائية امتزج داخلها المال الوفير مع كسر القواعد دون رحمة، ثنائية ديسوزا وثيل، التي لتعاسة حظنا قررت أن تستثمر شراكتها في الرياضة. 

ألا تؤمن بالحرية؟

استمرت شراكة الثنائي من خلال عدة مشاريع وصولاً إلى الألعاب المحسنة، واجتمع الثنائي على الفكرة لأنهم يرون فيها زاوية أعمق وهي محاولة فك القيود المفروضة على الحريات الفردية. يتبنى السيد ثيل على سبيل المثال فكرة إنشاء مدينة عائمة في المياه الدولية، خارج نطاق اختصاص أي دولة وبعيداً عن أي قانون.

أما دي سوزا فهو يرى في الألعاب المحسنة فرصة لإثبات أن البشر يمكن تحويلهم إلى كائنات خارقة، وأن هذا النوع الجديد من البشر الخارقين ممكن وجوده في حياتنا، لأنه حان الوقت للتغلب على ضعف أشكالنا البيولوجية والتحول إلى ما هو أفضل من الإنسان الحالي.

أما عن فكرة تكافؤ الفرص، فيرى دي سوزا أن نظام اختبار المنشطات غير مجدٍ من الأساس ولا يمكن تحسينه، واستشهد في ذلك بدراسة استطلعت آراء الرياضيين في بطولة العالم 2011، وأشارت النتائج إلى أن 44% من المشاركين استخدموا مواد محظورة بالفعل.

أما في ما يخص سلامة الرياضيين، فهو يعتقد أن الاستقلال الجسدي حق أساسي من حقوق الإنسان، ويجب أن يكون لدى اللاعبين الحق الكامل لفعل ما يريدون بأجسادهم. كما أن الرياضيين عندما نمكنهم من البحث علناً عن العقاقير المحسنة للأداء بدلاً من شرائها من مصادر مشبوهة وغير مشروعة، فهذا سيجعلهم أكثر أماناً.

إنسانية الرياضة

حسناً، هنا نصل للفصل الأخير من القصة. ألا يشبه الأمر تماًما أفلام الخيال العلمي، إذ يقرر عالم مجنون رفقة رجل أعمال جشع أن يصنعا وحشاً للسيطرة على العالم،

وحش يتم حقنه بالمنشطات والمحفزات ليكون أقوى وأسرع وأفضل من النسخة الإنسانية التي تتسم دون شك بالضعف الإنساني الفطري، وحش يقوم المليارديرات بمشاهدته وهو يحطم منافسيه دون رحمة فقط من أجل كسر الملل، وإذا حدث وتفجرت عروق هذا الوحش من كثرة ما حقن داخله، فهذا سيكون أمتع للعرض ولن يشعر أحدهم بالندم، ألم يوافق الوحش على اللعبة، إنها الحرية التي ينادي بها الجميع.

لكن هل حقاً يتابع الناس الرياضة من أجل مشاهدة تفوق كاسح على المنافسين فقط، هل يشعر أحدهم بالنشوة عندما يرى سباحاً كسر الرقم العالمي لأن هذا فعل في حد ذاته يسبب النشوة.

الإجابة القاطعة هي لا، يتابع الناس الرياضة لأن أبطالها أناس عاديون مثلهم تماماً، أناس عانوا وفشلوا وحلموا وخلفوا وراءهم سنوات من المجهود وصولاً إلى لحظات التتويج التي تخطف قلوب الجميع.

لهذا تحديداً يبكي المشجع بعد مشاهدته أحد الرياضيين يحقق ميدالية أولمبية في لعبة لا يعرف المشجع عنها شيئاً، لكنه يبكي لأنه يعرف أن هذا الإنسان الضعيف فطرياً تحدى نفسه أياماً وسنوات حتى يصل لتلك الدرجة من النجاح.

لا يشاهد الناس الرياضة بحثاً عن الكمال، وإلا فلماذا لا نشجع الروبوتات في مختلف الألعاب ونحظى بمشاهدة مثالية بعيداً عن هؤلاء اللاعبين المنقوصين حتماً من الكمال المصنوع تقنياً.

إن إنسانية الرياضة جزء من سحرها لا عائق يجب التغلب عليه، هذا إذا كنت واحداً من هؤلاء المحبين للرياضة في معناها البسيط والحقيقي، إما إذا كنت مليارديراً شعر بالملل فلا عجب أن تنتظر السيد هالك في مواجهة دامية مع فرانكشتاين من أجل الميدالية الذهبية التي تعني بالطبع أن الحرية انتصرت أخيراً.

# رياضة # صحة

تبادل القمصان: التقليد الكروي الذي قد يجعلك مليونيراً
الطابق المسحور: أين اختفى جيل منتصف التسعينيات؟
هل يمكن للكرة المصرية مواجهة نفوذ الخليج؟

رياضة