أدرك الخلفاء العباسيون أهمية استرضاء القادة العسكريين والجند وكسب ولائهم بشتى الطرق والوسائل، وذلك تقديرًا للأعمال التي قاموا بها من ناحية، وخوفًا من انقلابهم على السلطة والانحياز لقوى المعارضة آنذاك من ناحية أخرى، لذا منحوهم الألقاب، وأغدقوا الأموال عليهم، وأقطعوهم الأراضي.
كانت الألقاب إحدى وسائل استرضاء القادة العسكريين في العصر العباسي نظرًا للمكانة السياسية التي تمتعوا بها. وتروي سماح محمد فياض، وسهام جميل جاسم، في دراستهما «الاسترضاء السياسي العسكري وأثره في الدولة العربية الإسلامية في العصر العباسي»، أنه لما تولى أبو العباس السفاح الخلافة (132-136هـ/ 749-753م) لقب أبا مسلم الخراساني قائد الجيش الخراساني بلقب أمين آل محمد، تقديرًا لجهوده التي بذلها في سبيل قيام الدولة العباسية وانتشارها، كما منحه الخليفة ولاية خراسان.
كما لعب قائد الجيش العباسي خازم بن خزيمة التميمي دورًا كبيرًا في الحرب بين الأمويين والعباسيين، وكذلك في القضاء على الحركات المعارضة ومنها الخوارج، لذا لقّبه الخليفة العباسي أبو العباس السفاح بالقائد.
وفي عهد الخليفة المأمون (198-218هـ/ 813-833م)، ظهرت شجاعة قائده طاهر بن الحسين وحسن تدبيره في إدارة الحروب وسياسته في استمالة الناس، عندما عُهد إليه بتولي قيادة الجيش الذي واجه جيش الأمين بقيادة علي بن عيسى بن ماهان، إذ أظهر طاهر مهارة وقدرة كبيرة، فقتل علي بن عيسى وفرق جيش الأمين، وأرسل إلى المأمون يبشره بالنصر، فسُر المأمون وأرسل إلى طاهر الإمدادات والخُلع ولقبه بذي اليمنيين، بحسب الباحثتين.
أما في عهد الخليفة الواثق (227-232هـ/ 843-847م) فقد زاد نفوذ القادة الأتراك، لذا عظّم الخليفة شأنهم وولاهم المناصب المهمة في الدولة، بل واستحدث منصبًا جديدًا لاستمالتهم ومنحهم الألقاب، ففي سنة (228هـ/844م) استخلف القائد التركي أبا جعفر أشناس ولقبه بلقب سلطان، وتوجه بتاج من ذهب ووشاحين.
كما عين الخليفة المقتدر القائد التركي مؤنس رئيسًا على شرطة بغداد سنة (296هـ/ 909م)، إذ طُلب منه ملاحقة أنصار ابن المعتز، فخلع عليه الخلافة ولقبه بالمظفر، وأصبح يُنظر إليه باعتباره الحامي الأول للدولة.
بحسب الدكتور محمد عبدالحفيظ المناصير في كتابه «الجيش في العصر العباسي 132-232هـ»، كان من تقاليد الدولة العباسية أن يخلع الخليفة على قواده اللامعين والمبدعين في الحروب بالأوسمة، التي تتكون من طوق ذهبي يوضع حول العنق، وسوارين ذهبيين يحيطان بالمعصمين، وربما أضيف إليهما السيف والمنطقة، والتاج المرصع بالجوهر، ويضاف لذلك السروج المذهبة، والملابس الفاخرة المنسوجة بخيوط الذهب والفضة.
ويروي المناصير أن الخليفة المعتصم توج سنة 218هـ قائده الأفشين المنتصر على بابك الخرمي بتاج من ذهب، وألبسه وشاحين بالجوهر، ووصله بعشرين مليون درهم، منها عشرة ملايين صلة، وعشرة ملايين يفرقها في جنده، وأدخل عليه الشعراء يمدحونه، كما أنعم على أحد القادة الذين ساعدوا بالقبض على بابك وهو القائد سهل بن سنباط.
مثّل منح الأراضي إحدى الوسائل المهمة لتقريب الموالين والقادة من الأسرة العباسية وتكوين شبكة من الأنصار، لا سيما مع وجود كثير من الأراضي الواسعة التي حصل عليها العباسيون، سواء من المصادرات التي كانت تقوم بها الخلافة ضد أحد خصومها أو أعدائها أو أراضي البوار أو المدن الجديدة التي أنشأوها، بحسب عبد الستار مطلك درويش، وأميمة قاسم يحيى، في دراستهما «الاسترضاء بمنح الإقطاعات في العصر العباسي 132-656هـ/ 749-1258م».
ففي مدينة بغداد، أقطع الخليفة أبو جعفر المنصور (136-158هـ/ 754-775م) مساحات شاسعة لقادته ورجاله، فمنح أحد قواده ويدعى مقاتل بن حكيم بن عبدالرحمن بن الحارث أرضًا بين باب البصرة وباب الكوفة، ومنح قائدًا آخر من خراسان يدعى أبا النجم أرضًا بالجانب الغربي من بغداد، كما أقطع عمه العباس منطقة نهر الأمير في واسط.
أما الخليفة المهدي (158-169هـ/ 755-785م) فأقطع أنصاره قطيعة الأنصار، وسميت بذلك لأن الخليفة منحها أنصاره، كما منح قطيعة الخارجة لوزيره الفضل بن الربيع.
واستمر الخليفة المأمون على هذه السياسة بل وأكثر في منح الإقطاعات، لا سيما مع بنائه مدينة عين زُربي شرقي بغداد، فمنح إقطاعاتها لجند خراسان، وكان الهدف من هذا الاسترضاء هو تسكين المدينة الجديدة.
ويذكر الباحثان أن تأسيس مدينة سامراء في عهد الخليفة المعتصم كان فرصة مواتية له لاسترضاء جنوده الأتراك، فمنحهم فيها إقطاعات كثيرة وواسعة، فأقطع القائد التركي أشناس ورجاله كرخ سامراء.
كما حرص الخلفاء العباسيون منذ قيام دولتهم على منح أنصارهم وعمالهم كثيرًا من المنح والعطايا والأموال بهدف استرضائهم وكسب ولائهم. وتذكر مروة محمد الفلحي، في دراستها «أعطيات الخلفاء في العصرين الأموي والعباسي الأول (41-247هـ/ 662-861)»، أنه مع انتهاء الخلافة الأموية أخذ الخليفة أبو العباس السفاح ما في خزائن مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، واسترضى بهذه الأموال القادة والجند، بل والعامة أيضًا.
وتروي الفلحي أنه عندما نجحت الثورة العباسية وتأسست الدولة الجديدة، خطب الخليفة أبو العباس السفاح في أهل الكوفة، قائلًا: «يا أهل الكوفة، أنتم محل محبتنا، ومنزل مودتنا، أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك.. حتى أدركتم زماننا، وآتاكم الله بدولتنا، فأنتم أسعد الناس بنا، وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فأنا السفاح المبين، والثائر المبير».
كما خطب السفاح في جند الثورة العباسية بالكوفة بعد إعلان البيعة، قائلًا: «كان بنو أمية يفرضون لجندهم 300 درهم في السنة، وإني جعلت رزق الرجل منكم في الشهر 80 درهمًا». وبحسب الفلحي، كان للفارس ضعف هذا الراتب لينفق نصفه على فرسه، وكان ذلك رغبة من الخليفة في كسب ثقة الجيش وتأليف قلوبهم ضد بقايا بني أمية لوضع حد لكل حركات المعارضة الداخلية.
وفي سنة 135هـ/ 752م، منح الخليفة أبو العباس أحد كبار العلويين ويدعى عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب مبلغ مليون درهم، ولسليمان بن علي العباسي 500 ألف، وكانا من كبار الشخصيات المؤثرة في البيت العلوي والعباسي، وذلك رغبة من الخليفة لكسب ثقة العلويين والعباسيين ورفع منزلتهم وصرف أنظارهم عن حقهم في الخلافة.
ورغم أن الخليفة أبا جعفر المنصور كان متقشفًا في نفقاته المالية، فإنه منح ابن عمه عيسى بن موسى عشرة آلاف درهم، ولأبنائه 300 ألف، ولنسائه 700 ألف، وكساه وباقي أولاده كسوة بقيمة مليون درهم مقابل تنازله عن ولاية العهد لابنه محمد المهدي.
وفي سنة (139هـ/ 756م) أعلن المنصور عن زيادة مالية في أرزاق الجند قُدرت بعشرة دنانير في راتب كل جندي، ومعونة قدرها مائة دينار، وذلك بغرض تحفيز المقاتلة على السكن والإقامة في الثغور المحاذية للبيزنطيين من جهة الشام بهدف تحصينها وحمايتها، كما منحهم أراضي وإقطاعات تشجيعًا لهم على ذلك.
وبعد وفاة المنصور، سارع الخليفة المهدي بصرف مائة ألف درهم في خاصته ومواليه وقواده ومن يستحق ذلك لأخذ البيعة له، وأمر باستخراج خزائن أبيه من الذهب والفضة ففرقها في الناس وأجرى لأهل بيته أرزاقًا بحسب كفايتهم من بيت المال لكل واحد منهم 500 درهم في الشهر، وذلك بخلاف غير الأعطيات التي كانت تصلهم من دون تأخير.
وحرص المهدي أيضًا على إخراج الصلات ومنحها أهل بيته الذين شاركوا معه في جيشه لغزو الروم سنة 163هـ/ 779م تشجيعًا ومكافأة لهم، كما أمر لابن عمه محمد بن علي بأربعة آلاف دينار، وعشرة آلاف درهم وقطائع كثيرة لعيسى بن موسى لاستكمال تنحيته من ولاية العهد وتقديم الهادي ثم الرشيد.
ورغم قصر مدة خلافته، فإن الخليفة الهادي (169-170/ 785-786م) أمر للرشيد بمليون دينار، وأن يُحمل له نصف الخراج، كما أطلق يده في بيت المال يأخذ منها كيفما يشاء، وذلك لكسب الرشيد في صفه وصرف نظره عن حقه الشرعي في الخلافة.
أما الخليفة هارون الرشيد (171-193هـ/ 786-808م) فأعلن زيادة معتبرة في رواتب جند الثغور سنة 171هـ/ 787م عما كانت عليه في عصر المهدي، لتشجيعهم على الاستقرار والتوطين في هذه المناطق.
وأدرك الخليفة الأمين (193-198هـ/ 809-813م) أهمية المال في إغراء الجند وكسب ولائهم في حربه ضد أخيه المأمون، فأنفق كثيرًا من العطايا والأرزاق على الجند والقادة ليثبت مركزه وتعزيز جبهته، دون أن يدرك خطورة ذلك على بيت المال، فبدت مظاهر العجز المالي واضحة، إذ لم يعد الأمين أن يفي بالتزاماته المالية المتزايدة للجند لا سيما بعد حالات الشغب والفوضى في طلب الأرزاق والجوائز. ويذكر شمس الدين الذهبي في كتابه «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام»، أن الأمين فرق ما كان في بيت المال العظيمة، فأمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة، وقام بضرب آنية الذهب والفضة دنانير ودراهم لينفقها على الجند.
من وسائل استرضاء الجنود والقادة التي كانت متبعة في العصر العباسي زيادة الرواتب المقررة في بعض الظروف الطارئة، مثل الاشتراك في حرب ما أو القيام بمهمة كبيرة. يروي المناصير في كتابه المذكور آنفًا، أنه بعد هزيمة مروان بن محمد أمام قوات عبدالله بن علي في معركة الزاب عام 132هـ، قام أبو العباس السفاح بدفع 500 درهم لمن شهد الواقعة كمكافأة لهم، غير أرزاقهم وهي ثمانون درهمًا بالشهر، لأنهم كانوا في حالة استنفار دائم.
كما وصل الخليفة المنصور العباس بن محمد العباسي بأربعين ألف دينار عندما غزا الروم في سنة 138هـ، وبمثلها لعيسى بن علي العباسي عندما غزا الروم في نفس العام، ومعن بن زائدة الشيباني بعشرة آلاف درهم لبسالته وشجاعته في حرب الرواندية سنة 141هـ، ووصل المهدي ألفي فارس من خراسان بواقع ألف لكل منهم لقتلهم عبد السلام بن هاشم اليشكري أحد قيادات الخوارج، الذي خرج على الدولة العباسية سنة 161هـ، ووصل الهادي عموم جنده بمائتي درهم لكل جندي ليأمن جانبهم بعد وفاة المهدي سنة 169هـ.