معرفة

الهجوم على مكة والمدينة: كيف حاول الصليبيون سرقة جسد النبي محمد؟

مهمة شبه مستحيلة لفارس صليبي، اكتسب منها موقعه كعدو الإسلام الأكبر، غيَّر بها قواعد الصراع وألهب مشاعر العالم الإسلامي، وعلى رأسه صلاح الدين الأيوبي.

future مجسم تخيلي معروض في متحف (دار المدينة) الموجود في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، يُزعم أنه لقبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم

منذ أن حطت أقدام الجيوش الأوروبية في المشرق العربي عام 1096، معلنة عن بدء ما عرف بالحملة الصليبية الأولى، حتى سقوط القدس في 1099 وقيام المملكة الصليبية للمرة الأولى، اقتصر الوجود الصليبي على المسرح الشامي وساحل البحر المتوسط، مع محاولات قليلة للتقدم شرقاً نحو مصر.

خالف ذلك مرة وحيدة، نفذ فيها الفارس الصليبي رينالد دي شاتيون مهمة شبه مستحيلة، واكتسب منها موقعه كعدو الإسلام الأكبر، غيَّر بها قواعد الصراع وألهب مشاعر العالم الإسلامي، وعلى رأسه صلاح الدين الأيوبي الذي لم يقبل إلا برأس رينالد بين يديه، وأنزل كامل غضبه على كل من شاركوا في الحملة، بعد أن قام أسطول صليبي بعبور البحر الأحمر، صوب ساحل الحجاز، بنية استهداف المدن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة، لتوجيه ضربة غير مسبوقة لمعنويات المسلمين والعرب، والانتقام من ضغط الأيوبيين المتكرر على القدس، فماذا حدث؟

فارس سيئ السمعة

في 1174 لبت الجيوش الأوروبية نداء البابا من جديد، ووصلت الحملة الصليبية الثانية بقيادة «لويس السابع - Louis VII» ملك فرنسا، و«كونراد الثالث - Conrad III» ملك ألمانيا، رداً على سقوط الرها أولى الإمارات الصليبية بيد القائد السلجوقي عماد الدين زنكي، واستشعار خطر المقاومة الإسلامية لأول مرة منذ قيام مملكة القدس، ورغم النتائج الكارثية للحملة وفشلها في النهاية، فإنها خلفت مجموعة من الفرسان والمحاربين عاشوا في القدس كمرتزقة، ضمن صفوف الجيوش الصليبية، ومن بينهم «رينالد دي شاتيون - Raynald of Châtillon» أو المعروف لدى العرب باسم أرناط.

ينحدر رينالد من عائلة نبيلة صغيرة من مقاطعة «برجاندي -Duchy of Burgundy» شرق فرنسا، وورث عن والده أملاكاً صغيرة كونه الابن الثاني، لكنه خسرها في ظروف غامضة مطلع 1124، مما دعاه لتحويل أنظاره تجاه أراضٍ جديدة، وفرصة أكبر للترقي الاجتماعي في الشرق، حتى انضم للجيوش الفرنسية في الحملة الصليبية الثانية.

بعد الحملة شارك بصحبة ملك القدس «بالدوين الثالث - Baldwin III»، في معركة عسقلان 1153، والتي حقق فيها الصليبيون انتصاراً مهماً على الجيش الفاطمي القادم من مصر، وفرضوا سيطرتهم المطلقة على الساحل الفلسطيني بالكامل لأول مرة، ووضعوا حداً للغارات المصرية على القدس، والتي كانت عسقلان مركز انطلاقها منذ أيام الوزير الأفضل شاهنشاه بداية من 1099، وأثبت رينالد براعته الحربية في المعركة، وكسب رضا الملك بالدوين عنه، مما ضمن لرينالد زواجاً حوَّله لأحد أغنى وأهم الأمراء الصليبيين، طبقاً للمؤرخ البريطاني مالكوم باربر في كتابه «The Crusader States».

في نفس العام بارك الملك بالدوين زواج رينالد دي شاتيون من «كونستانس أميرة أنطاكية - Constance, Princess of Antioch»، ومعه تحول رينالد من فارس مأجور وضيع النسب، إلى أمير ثاني أهم الإمارات الصليبية، لكنه سرعان ما أطلق العنان لوحشيته وحبه للعنف، حين رفض أسقف المدينة دفع مبالغ طائلة لرينالد، قام الأمير الجديد بتعذيب الأسقف، وخلع ملابسه ودهن جسده بالعسل، ثم إجباره على الجلوس تحت الشمس الحارقة لساعات طويلة، حتى ألقاه في السجن، ولم يخرج إلا بوساطة الملك بالدوين.
بعدها نُبذ رينالد من الكنيسة في 1154، بسبب نزاعه مع تجار مدينة جنوى، والتعدي على حقوق الفاتيكان، قبل أن يحصل على العفو سريعاً.

ثم دخل أرناط في صدام الإمبراطور البيزنطي «مانويل كومنينوس - Manuel I Komnenos»، الحاكم الشرفي لأنطاكية، والذي يعد رينالد تابعاً له، حين تحالف مع أعداء الإمبراطور مانويل، وهاجم قبرص في 1156، واستمر في نهب وتدمير الجزيرة المسيحية لثلاثة أسابيع متتالية، قبل أن يجبر جميع سكان الجزيرة على دفع فدية مقابل حياتهم، ويعود ببعض الأغنياء أسرى إلى أنطاكية، من بينهم ابن شقيق الإمبراطور البيزنطي.

ومع وصول جيش الإمبراطور للانتقام في 1158، سارع رينالد بالاستسلام وطلب العفو من مانويل، وذلل نفسه عاري القدمين أمام جمع من القادة والسفراء من العرب والصليبيين، وعند دخول مانويل مدينة أنطاكية أمسك رينالد لجام فرسه، بدلاً من خادم الإمبراطور تعبيراً عن الإذعان لسلطته.

واستمر رينالد في سلوكه المتهور وتعطشه للدماء والنهب، حين هم بمهاجمة قوافل تجارية في مناطق متفرقة حول حلب في 1160، حتى جمع مجد الدين أبو بكر حاكم حلب قوة ضخمة من 10000 جندي، وطارد رينالد أثناء عودته بالغنائم إلى أنطاكية، وتمكن من القبض على الأمير الذي سيقضي الـ 15 عاماً القادمة في الأسر، حيث لم يكلف أي من الأمراء والملوك المسيحيين أنفسهم عناء الدفاع عنه أو دفع فديته لعقد ونصف.

مما دفع أغلب مؤرخي الحملات الصليبية لاتخاذ موقف سلبي من رينالد، ولم يتوانَ بعضهم عن ذم صفاته الخبيثة أو التأكيد على إجرامه وعنصريته ضد العرب والمسلمين، والتي لم يساعد في تغييرها محبسه الطويل، ويصفه المؤرخ الإنجليزي «إدوين جيمس كينج - Edwin James King» بأنه «نموذج للفارس اللـص في عصره، اتصف بالجشع وعدم الوفاء والغـدر والوحـشية والتعصب الأعمى»، وكذلك من عاصروه مثل «وليم الصوري - William of Tyre»، والذي قال عن رينالد إنه صاحب تصرفات طائشة، ويصف كثيـراً مـن تـصرفاته بالمشينة، وأنه لم يكن يتورع عن مهاجمة الأديرة، أو الاعتداء على الراهبات، كما يذكر أنه كان «كثيراً ما يشذ عـن إجماع الأمراء، ويثير المشاكل بينهم».

العالم العربي بين 1182-1183

مع وفاة نور الدين زنكي المفاجئة في 1174 بسبب المرض، بدأ عهد جديد في تاريخ العالم الإسلامي، برز فيه نجم تلميذه النجيب صلاح الدين الأيوبي سلطان مصر، والذي لم يضيع الفرصة وحاول بسط سيطرته على دولة نور الدين، وإعلان نفسه الوريث الشرعي للمملكة الفسيحة، التي امتدت من مصر إلى الموصل في العراق، في مواجهة ولي العهد الحقيقي الصالح إسماعيل نجل نور الدين صاحب الـ 11 عاماً والأوصياء عليه، ومجموعة أمراء من عائلة زنكي قرروا الاستقلال كما في حالة الموصل وسنجار.

وبعد أن ثبَّت صلاح الدين حكمه في مصر وقضى على ما تبقى من تمردات الفاطميين، مع إعلانه الولاء بشكل كامل لسيده الصالح، بدأ تحركه نحو الشام بحجة توحيد الصف في مواجهة الصليبيين، منتقداً تقاعس الأمراء عن الجهاد ضد المملكة الأوروبية، وانطلق صوب دمشق التي كانت في يد شمس الدين ابن المقدم، أحد قادة نور الدين زنكي السابقين، وبعد تبادل التهديدات والمجاملات، قرر ابن المقدم في النهاية الاستعانة بصلاح الدين والتسليم تحت رايته، خوفاً من التحالف القائم بين حلب الموصل على دمشق.

وفي أكتوبر 1174 حقق صلاح الدين انتصاره السياسي الأول، ودخل دمشق بسلام وسط احتفالات من سكان المدينة بصحبة جيشه، وكما يصف المشهد بهاء الدين ابن شداد مستشار صلاح الدين في سيرته لحياة صلاح الدين، كيف قام السلطان بتوزيع كميات طائلة من الأموال على الناس، ورفع الضرائب الباهظة وأعاد تنظيم المؤسسات الدينية، وتوالت المدن الأخرى في إعلان ولائها للسلطان صلاح الدين، أمثال حماة وحمص وبعلبك.

بينما ظلت حلب منيعة ضد محاولاته وحصاراته المتتالية في 1175 و1176، حيث احتفظ الخصي سعد الدين كمشتكين راعي الصالح إسماعيل بالطفل وبالمدينة في وجه صلاح الدين، ومع تجنب صلاح الدين الدخول في معركة مباشرة أو حصار مكلف، استعان بالخليفة العباسي الظاهر في إعلان شرعية صلاح الدين، وحقه في حكم جنوب حلب في 1176، ثم تزوج من أرملة نور الدين زنكي السيدة عصمت الدين خاتون في نفس العام، وضم لحاشيته السكرتير الشخصي السابق لنور الدين، عماد الدين الكاتب الأصبهاني، أملاً في استمالة الملك الصغير لصالحه.

لكن رد كمشتكين كان في طلب العون من الصليبيين، واتفق على تحالف مع مملكة القدس في 1176، خرج بموجبه مجموعة من النبلاء الصليبيين من الأسر، ومنهم رينالد دي شاتيون، ونجا كمشتكين بحلب من حصار الأيوبيين.
وفي مقابل توسع صلاح الدين ومحاصرته للمملكة الصليبية، انتهج ملك القدس «بالدوين الرابع - Baldwin IV» سياسة عدائية بعد توليه العرش في 1174، ورفض عقد هدنة أو سلام مع صلاح الدين، وحاول توسيع نطاق سيطرته والتحالف مع البيزنطيين للهجوم على مصر، حتى قرر صلاح الدين المبادرة، وتقابل الطرفان في مواجهة حاسمة بحلول 1177 قرب مدينة الرملة.

وأوقع الصليبيون هزيمة فادحة بالعرب في معركة «تل الجزر -Battle of Montgisard»، لعب فيها رينالد دي شاتيون المفرج عنه حديثاً، دوراً مهماً وقاد الهجوم الصليبي نيابة عن الملك المريض بالجذام، تبع ذلك عدة هجمات متبادلة بين الطرفين، ثم معاهدة سلام مع القدس أخيراً في 1180 لمدة عام، وعاد صلاح الدين لبناء دولته وبسط سيطرته على العراق من جديد.

وفي 1181 توفي الصالح إسماعيل وكذلك قائده كمشتكين في حلب، وبات الطريق مفتوحاً أمام صلاح الدين أخيراً لخلافة نور الدين زنكي رسمياً، وتراجع عن حصار الموصل وعبر الفرات إلى سوريا، واستمر السلطان في إرسال الاعتراضات للخليفة العباسي عن تآمر حكام حلب والموصل ضده مع الصليبيين، ورفضهم الاشتراك في الجهاد لاستعادة القدس، ودأب على تضييق الخناق حول حلب وحاكمها الجديد عماد الدين زنكي بن مودود، وعقد تحالفات مع المدن والأمراء المحيطين، حتى 1183 حين فتحت حلب أبوابها أمام السلطان وأعلنت الولاء للأيوبيين أخيراً، وأعاد صلاح الدين توحيد مصر والشام في مواجهة الصليبيين، لكن انشغاله في بناء دولته الجديدة، فتح الطريق أمام عدوه الأكبر لتنفيذ أكثر خططه جرأة.

الهجوم على مكة والمدينة

وعند خروج رينالد دي شاتيون من الأسر في 1175، وجد أن وفاة زوجته خلال محبسه قد أفقدته كرسي إمارة أنطاكية، لصالح «بوهمند الثالث - Bohemond III» ابن زوجته، وعاد بلا أراضٍ من جديد أو مستقبل مبشر، لكن زواج ابنة زوجته من الإمبراطور البيزنطي مانويل، وزواج ابنته من «بيلا الثالث ملك المجر - Béla III of Hungary»، منحه موقعاً متميزاً في البلاط الصليبي، وأهمية سياسية استغلها ملك القدس في إرساله إلى القسطنطينية لبحث هجوم مشترك على مصر، وفور عودة رينالد زوَّجه الملك من أرملة حاكم شرق الأردن فاحشة الثراء Transjordan، وأصبح بموجب الزواج سيد قلعة الكرك المتركزة على الطريق الواصل بين القاهرة ودمشق، وحليفاً مهماً للملك بالدوين الرابع في عدائيته ضد المسلمين.

وفي 1181 بدأت تتشكل أطماع رينالد الحقيقية، حين توغل جنوب الأردن نحو الجزيرة العربية، ووصل إلى مدينة تبوك لقطع طريق الحج بين مكة ودمشق، حتى لاحقه فروخ شاه أمير بعلبك وأجبره على العودة إلى الكرك، طبقاً للمؤرخ الإنجليزي برنارد هاملتون في كتابه The Leper King and His Heirs: Baldwin IV and the
Crusader Kingdom of Jerusalem، لكن أعمال رينالد العدائية لم تتوقف عند هذا الحد، واستولى على قافلة عربية عبرت أراضيه، ومع اعتراضات صلاح الدين المتكررة وتهديداته، أمر ملك القدس بتحرير أسرى القافلة وبضائعها، لكن رينالد رفض مما أغضب بالدوين من فارسه المفضل، وصنع شرخاً في العلاقة بينهما، فقرر رينالد إطلاق العنان لجنونه الدموي.

وفي 1182 مع انشغال صلاح الدين في صراعاته مع حلب والموصل، نفذ رينالد أخطر أفكاره وأكثرها طموحاً، حين قرر مهاجمة المدن المقدسة الإسلامية مباشرة بعد أن فشل في قطع طريق الحج، وقام بنقل 5 من السفن الضخمة إلى ميناء العقبة على ظهر الجمال، ونزل بها البحر الأحمر بمساعدة بعض القراصنة والبدو، وشق طريقه صوب مكة والمدينة المنورة.

بدأ رحلته بالسيطرة على ميناء إيلات في مضيق العقبة والجزيرة المعروفة باسم جزيرة فرعون التي تبعد 8 كم من طابا، ثم هم أسطوله بمهاجمة السفن المصرية وتصيد الحجاج، وهاجم ونهب ميناء عيذاب جنوب مصر، حتى توجه إلى الحجاز وأغار على المدن الساحلية لأسابيع.

وسجل الرحالة الأندلسي ابن جبير، في كتاب رحلة ابن جبير تحقيق حسين نصار، أن هدف رينالد كان الوصول إلى مكة وهدم الكعبة المشرفة، ثم دخول المدينة المنورة وسرقة رفات النبي محمد، على أن يعود بجسده إلى القدس، موقعاً إهانة نكراء بالمسلمين وقتلاً للروح المعنوية، على أن الباحث البريطاني ستانلي بول يذكر في كتابه Saladin and the Fall of the Kingdom of Jerusalem، نية رينالد في استغلال جسد الرسول في صنع بقعة جديدة للحج في الكرك، يجني من ورائها الأموال الطائلة التي لاحظها في قوافل الحج.

حتى وصل إلى رابغ وينبع على ساحل البحر الأحمر، والقريبتين من مكة والمدينة، وأغرق إحدى قوافل الحج المتوجهة إلى جدة من مصر، ويقول مؤرخ الموصل ابن الأثير في الكامل فـي التـاريخ إن الهجوم الصليبي باغت سكان الحجاز، حيث لم يرَ أي منهم أوروبياً من قبل، حيث ظلت المنطقة معزولة تماماً عن النزاع القائم في الشمال، ولم يبدُ أن بالإمكان إيقاف تقدم رينالد.

لكن صلاح الدين فطن أخيراً لما يجري في البحر الأحمر، بعد ما يقارب الـ4 أشهر طبقاً للمؤرخ والقاضي السوري ابن واصل في بحثه مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، وكتب السلطان إلى شقيقه العادل في مصر، والذي سارع بدوره في إرسال أسطول للبحر الأحمر، بقيادة نائبه حسام الدين لؤلؤ، وتمكن من تدمير 3 سفن صليبية، ومحاصرة رينالد وجنوده في الصحراء العربية في الطريق إلى المدينة المنورة، لكن رينالد تمكن من الفرار شمالاً مع عدد صغير من جنوده بمساعدة من البدو المحليين وعاد إلى الكرك، بينما وقع ما يقارب 170 جندياً في الأسر، عاد بهم لؤلؤ إلى القاهرة.

ويذكر المؤرخ البريطاني السير ستيفن رنسيمان، في الجزء الثاني من موسوعته A History of the Crusades، كيف رفض صلاح الدين الأيوبي وساطة شقيقه العادل، للعفو عن المستسلمين من رجال رينالد وأمر بصنع عبرة منهم، حتى تم إعدام بعضهم في ضواحي مكة خلال موسم الحج، وهو ما امتدحه ابن الأثير كعقاب مناسب لمن يستهدف تدنيس الأرض المقدسة، ونجا من الحملة رينالد دي شاتيون، الذي أصبح عدو الإسلام الأول بلا منازع، واستقطب غضب المؤرخين العرب ضد أفعاله.

ذمه ابن الأثير الذي عاصره بقوله: «كان البرنس أرناط، صاحب الكرك، مـن أعظـم الفرنج وأخبثهم، وأشدهم عداوة للمسلمين، وأعظمهم ضرراً عليهم»، أو أبو شامة المقدسي الذي وصفه في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية بأن رينالد «كان أغدر الفرنجية وأخبثها، وأفحصها عـن الـردى والرداءة، وأنقضها للمواثيق المحكمة والأيمان المبرمة وأنكثهـا وأحنثهـا».

انتقام صلاح الدين

قرر صلاح الدين معاقبة رينالد فوراً على تجاوزه غير المسبوق، وأغار على ريف الكرك ونهب أراضيه، حتى حاصر الحصن في 1183 استعداداً لقصف القلعة بالمنجنيق، لكن عجزه عن اقتحام القلعة مع وصول جيش صليبي من القدس لرفع الحصار، أجبر صلاح الدين على التراجع بانتظار الفرصة المناسبة للانتقام.

لكن مع وفاة ملك القدس بالدوين الرابع في 1185، ارتفعت أسهم رينالد من جديد في البلاط، مع تولى شقيقة الملك بالدوين «سبيلا – Sybilla» وزوجها «جي دي ليزنيان - Guy of Lusignan» عرش القدس، كون رينالد كان من أكبر مناصري الملوك الجدد، وعند التفاوض على معاهدة سلام مع صلاح الدين كان رينالد كذلك في مقدمة الموقعين مع الملك جي، حتى يؤكد ابن الأثير توقيع رينالد دي شاتيون على اتفاقية منفصلة مع صلاح الدين خلافاً للمعاهدة الرسمية، لوقف الأعمال العدائية بينهما وعبور القوافل بأمان من شرق الأردن، وعدم التعرض للحجاج مرة أخرى.

وبعد ذلك هاجم رينالد بلا سبب قافلة عربية عبرت بالقرب من الكرك في 1187 للحج، واستولى على قدر ضخم من الكنوز والبضائع، وأسر عدداً كبيراً من التجار وعائلاتهم، وصاح في الحجاج أن «اجعلوا محمد ينقذكم من الموت»، طبقاً للكاتب اللبناني أمين معلوف في كتابه الحروب الصليبية كما رآها العرب، وكذلك رفض رينالد استقبال رسل صلاح الدين أو الاستماع لاعتراضاته، كما خالف أوامر الملك جي برد القافلة، وأعلن حريته في التصرف داخل أراضيه وأعلن نقض السلام مع صلاح الدين.

فما كان من السلطان إلا أن أوقف الهدنة، وأعلن الحرب على مملكة القدس الصليبية، وأقسم على قتل رينالد دي شاتيون بيديه، بسبب اعتداءاته المتكررة وعداوته للإسلام.

وبدأ صلاح الدين هجومه بالانقضاض على أراضي رينالد دي شاتيون، ونهبها لما يزيد عن الشهر في انتظار تجمع قوات جيشه في دمشق، حتى تقابل مع الصليبيين في تلال حطين منتصف 1187، وسحق صلاح الدين الجيش الصليبي المرهق من الطقس الحار وقطع مصادر المياه عنهم، وبعد الهزيمة وقع ملك القدس جي دي ليزنيان ورينالد دي شاتيون في الأسر، وسطر السلطان الصفحة الأخيرة من حياة رينالد دي شاتيون، وأزهق روحه عقاباً على جرائمه ضد الإسلام والمسلمين.

# دين # تاريخ

فضيلة التخلي: لماذا يكون الترك شرطًا للوصول؟
كيف وصلت لنا أقدم مصنفات السير والمغازي؟
بابل في الوجدان الفني: من خمْرِها أُسْكِرَ الفنانون كلهم

معرفة