رياضة

اللاعب السيء: ماذا نعرف عن مأساة المهرج؟

لماذا يتقاضى لاعب كرة القدم أضعاف ما يتقاضاه الطبيب أو المهندس أو رجل الشرطة… إلخ؟ هل يستحق هذه الأرقام الطائلة؟

future صورة تعبيرية: على اليمين، جيريمي وينستون، لاعب مانشيستر سيتي السابق، ونيكلاس بيندتنر، لاعب أرسنال السابق

«لا يوجد لدينا أي شعور بالذنب أو العار. إذا كان بإمكاننا الحصول على عقد يساوي 10 مليارات لفعلنا ذلك. هذا هو النظام الذي تعمل به كرة القدم».

— فايزة العماري، وكيلة أعمال الفرنسي كيليان مبابي

في 1981 نجح الإنجليزي بريان روبسون في إقناع إدارة مانشستر يونايتد الإنجليزي في منحه عقداً يضمن له الحصول على راتب أسبوعي يصل إلى ألف جنيه إسترليني. وقتئذ غضبت الجماهير الإنجليزية التي ارتأت أن هذا اللاعب يتقاضى أجراً لا يستحقه، لتهتف الجماهير كلما وصلت الكرة لروبسون: يا لها من مضيعة للمال.

في كرة القدم، السماء هي أقصى توقعات اللاعب في ما يخص راتبه؛ لن تجد لاعباً يرفض الحصول على مبلغ خرافي، وهذه بالفعل سمة بشرية جداً.

قيمة مقابل سعر

«أدرك جيداً أنني لا أغير مسار التاريخ. أنا مجرد ممثل، مجرد مهرج يستأجر».

— الممثل الأمريكي ليوناردو دي كابريو

في أبريل 2020، اقترح مات هانكوك عضو البرلمان البريطاني أن يقوم لاعبو كرة القدم بتخفيض أجورهم واستخدام ما استُقطع من أموال في دعم هيئة الخدمات الصحية.

طبقاً لما نشرته ذي أثليتيك، انزعج بعض اللاعبين من مثل هذه المطالبات، لأنها تضع اللاعب في موقف ضعف؛ إذا أعلن رفضه دعم هيئة يفترض أنها حكومية وليست خيرية، بالتالي سيصور بوصفه شخصاً جشعاً، أما إذا قبل، فسيشعر أنه هدف سهل للحكومة التي تفشل في إعطاء موظفيها الأجور التي يستحقونها.

بالطبع، تظهر الآن الجدلية الأشهر. أيهما أكثر أهمية للمجتمع: الطبيب أم لاعب كرة القدم؟ ثم نتطرق للمعضلة الأخلاقية الأكثر الأهمية: لماذا يتقاضى لاعب كرة القدم أضعاف ما يتقاضاه الطبيب أو المهندس أو رجل الشرطة إلخ؟

الإجابة هي مبدأ العرض والطلب. صناعة كرة القدم تربح كثيراً من الأموال مقارنة بمجالات أخرى، بالتالي تتنافس الأندية في ما بينها لاستقطاب العمالة الأمهر، عن طريق عرض أجور خيالية تتخطى أحياناً حدود المعقول؛ ببساطة لأن امتلاك الأفضل بين صفوفك يعني بداهة مزيداً من الأرباح، هذه هي الرأسمالية، شئنا أو أبينا.

لكن لا تزال هناك مشكلة رئيسية في هذا الطرح؛ ليس كل اللاعبين كيليان مبابي وبريان روبسون، هناك بعض اللاعبين السيئين الذين استطاعوا على الرغم من تواضع إمكانياتهم في كرة القدم أن ينجحوا في مراكمة ثروات ضخمة.

سيئ في رواية أحدهم

«أنا أنشط في أعلى مستويات، إذ يوجد أرسنال، وبما أن كرة القدم هي صناعة ترفيهية من الدرجة الأولى، لذلك من الخطأ مقارنة راتبي براتب موظف، يمكن مقارنته بممثلي الأفلام».

الدنماركي نيكلاس بيندتنر، مهاجم أرسنال السابق

ربما لن تضع بيندتنر أو اللورد كما يلقب، في قائمة أفضل 100 مهاجم في تاريخ البريميرليج بشكله الجديد الذي انطلق موسم 1992-1993، ومع ذلك وصل راتب اللاعب الدنماركي الذي سجل 47 هدفاً خلال 171 مباراة لـ50 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً. وإذا ما افترضنا أن بندتنر نفسه مقتنع بما صرح به أعلاه، فذلك قد يعني أنه بالفعل مهرج -كما يرى دي كابريو- لكنه مهرج سيئ.

هنا، يبدأ اللاعب في الدفاع عن نفسه، مؤكداً استحقاقه لكل دولار تقاضاه عبر مسيرته؛ إذ قام بدفع الثمن بشكل مسبق، عندما كرس أزهى فترات شبابه وجسده لحياة كرة القدم الشاقة وضحى بخصوصيته، وتلك تضحيات قد لا يقبلها الجميع.

وفي الحقيقة، حتى هذا المستوى من المعاناة قد لا يبرر استحقاق اللاعبين لمثل تلك المبالغ الضخمة، لسبب بسيط جداً، لأن اللاعب يتقاضى راتباً مقابل عمل يقوم به، وليس مقابلاً لتضحياته، التي لربما قدم مثلها ملايين من البشر دون أن يتملكهم هذا الشعور بالاستحقاق.

ربما لم تكن هذه الطريقة المثلى لشرح معاناة لاعب كرة القدم الذي كان محظوظاً كفاية ليجلس في مقابلة صحفية لشرح معاناته، بل الأجدر هو تسليط الضوء على من طاردوا الحلم المستحيل دون أن ينجحوا في تحقيقه.

مأساة المهرج

في الـ24 من أكتوبر 2020، أنهى جيريمي وينستون حياته، بعدما فشل في إدارة اكتئابه عقب تسريحه من أكاديمية مانشستر سيتي قبل عامين.

في كتابه «No Hunger In Paradise» يشرح المؤلف مايكل كالڤين مدى صعوبة احتراف لعبة كرة القدم. على سبيل المثال، من ضمن 1.5 مليون لاعب ناشئ مسجلاً بالاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، ينجح فقط 180 في الوصول البريميرليج بنسبة تصل لنحو 0.012%. بينما يستطيع 30% من لاعبي الأكاديميات حول العالم من الحصول على عقد احترافي، يمكنهم من امتهان كرة القدم كوظيفة.

ربما لم تسمع من قبل عن لاعب اسمه ماكس نوبل، ولك كل الحق إذ لم يكن الويلزي أكثر من لاعب كرة قدم متواضع في رأي أحدهم، إذ تقرر تسريحه من أكاديمية فولهام الإنجليزي عام 2005، قبل أن يختبر أسوأ لحظات حياته.

في سن الـ18، كان نوبل موهبة واعدة، يعيش حلم النجم القادم كما ينبغي إذ كرس حياته بالفعل لكرة القدم، ولم يمتلك علاقات اجتماعية جيدة مع أصدقائه في المدرسة، لأنه كان قد أقنع بأن التسكع مع أصدقائه لن يمكنه من الاستيقاظ باكراً للتدريبات. لكن كانت المفاجأة حين أصبح وحيداً بلا ناد قبل أن يتمم عامه الـ19 بثلاثة أيام، لأنه تعرض لإصابة قوية في ركبته.

يقول نوبل عن هذه الفترة: «بينما كان كل من هم في عمري يسافرون ويذهبون إلى الجامعة ويحصلون على وظائف ويصبحون أكثر نضجاً كنت مجر د فاشل خذل عائلته بأكملها».

من دون أي خبرة أو شهادة جامعية لم ينجح الجناح الذي ابتلع كل كلمات المدح منذ سنوات في الحصول على أي وظيفة منخفضة الأجر، بل سجل اسمه في برنامج إعانة البطالة، لكنه لم يكن وحده؛ آلاف اللاعبين ينتهي بهم المطاف بالتسريح كل عام، وتقودهم الحياة لاختبار السقوط من القمة إلى القاع بعد مكالمة هاتفية واحدة.

هذا هو حجم الضغط الذي يتحمله لاعب كرة القدم قبل أن يصبح مشهوراً، ويبدأ في الحديث عن استحقاقه لأجره، لأنه بالفعل لا يرى نفسه لاعباً سيئاً، بل لاعباً لم تسعفه الظروف حتى اللحظة، حتى وإن لم تقتنع بذلك، لأنه يعلم تماماً حقيقة ما مر به أثناء رحلة تخطي مئات الآلاف من اللاعبين قبل الحصول على وظيفته بوصفه لاعب كرة قدم محترفاً.

لذا، حتى وإن كان لاعب كرة القدم المتواضع مهرجاً سيئاً فلديه مأساته؛ فهو يحاول قدر استطاعته ضخ الدم في عروق النكتة حتى ولو لم يضحك أحداً.

حسام لوقا: عنكبوت سوريا والانقلابي المنتظر
ليسوا جميعاً إيتو ودروجبا: كيف تتبخر أحلام الاحتراف الأفريقي في أوروبا؟
رامي صبري وويجز: بين رقم 17 ورقم 40

رياضة