في الثالث من يونيو عام 1964، كان ملعب مدينة رامات جان التي أسسها الكيان الصهيوني بالقرب من قرية الشيخ مؤنس التي يعرف محيطها الآن بالعاصمة الإسرائيلية تل أبيب، على موعد مع التاريخ الكروي.
ذلك لأن كلاً من موشي ليون وجدعون تيش، لاعبي منتخب الكيان الصهيوني لكرة القدم، قد حققا المستحيل، وهزما بهدفيهما أقوى منتخبات القارة الآسيوية، كوريا الجنوبية.
الكيان الصهيوني دخيل على التاريخ، عمره لم يتعدَّ الثمانين عاماً، لكنه ليس دخيلاً على الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، تلك المؤسسة التي كان أحد أعضائها المؤسسين، وأحد 4 فرق فقط شاركت في البطولة الأولى لكأس آسيا، والتي أقيمت في هونج كونج عام 1956.
حصل على الوصافة في تلك النسخة، ثم نسخة 1960، وحصل على لقب 1964، وشارك في كأس العالم 1970 بعد سنوات قليلة؛ لأن كوريا الشمالية سهلت الطريق للمونديال بالانسحاب أمامهم.
كل المعطيات تشير إلى حقيقة واحدة، يوماً ما، وقبل نحو 55 عاماً، كان الكيان الصهيوني يملك واحداً من أقوى منتخبات آسيا.
والحق أن العرب لم يكونوا موجودين في الاتحاد الآسيوي منذ نشأته، وبحلول عام 1968، كان كلٌّ من الكويت ولبنان العضوين العربيين الوحيدين في الاتحاد الآسيوي، وضعية لن ترضي رجلاً يعرف جيداً أن إسرائيل لا بد أن تُطرد، ومن سوء حظ إسرائيل أن هذا الرجل تحديداً هو من كان يشغل منصب رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم في ذلك التوقيت، إنه أحمد السعدون أحد الوجوه السياسية العتيقة في الكويت، والرئيس السابق لمجلس الأمة الكويتي.
في مقابلة له مع قناة الجزيرة مؤخرًا، عبَّر السعدون عن كرهه للكيان الصهيوني قائلاً: «حينما أضطر لذكر كلمة إسرائيل في أي لقاء يخص منظمات دولية أو ما شابه، أجد الأمر مشيناً، اسمه الكيان الصهيوني!»
هذا الرجل دخل الاتحاد الآسيوي ممثلاً للاتحاد الكويتي في غفلة من إسرائيل، لو كانت تعلم ما سيفعله لصوتت مبكراً لطرد الكويت، التي ستكتب على إسرائيل الشتات، ولكن في كرة القدم، بخطة أسسها السعدون.
في البداية، كان السعدون يعرف أن العرب ليسوا قوة فاعلة في الاتحاد الآسيوي، فبدأ بإقناع الاتحادات العربية بالانضواء تحت راية الاتحاد، رغم رفض الكثيرين لأسباب أبرزها عضوية إسرائيل.
أقنع السعدون في البداية 4 اتحادات عربية بالانضمام، وهي اتحادات: البحرين، والعراق، والأردن، وسوريا، وذلك بين عامي 1969 و1970، ثم السعودية في 1972، ثم قطر والإمارات في 1974، ثم قدَّم دعوات بالانضمام للدول الإسلامية، وتلك المتعاطفة مع القضية الفلسطينية مثل كوريا الشمالية، وبحلول عام 1974 كان السعدون قد أدخل عدداً لا بأس به من اتحادات الدول التي لا تقبل الكيان الصهيوني في الاتحاد الآسيوي، وحان موعد الضربة التالية.
لم تكن الضربة سوى طلب رسمي في الجمعية العمومية للاتحاد الآسيوي لكرة القدم عام 1974، والمنعقدة في العاصمة الإيرانية طهران، والتي كانت آنذاك من أبرز الداعمين للوجود الصهيوني، طلب ينادي بطرد إسرائيل من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
ورغم أن شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي كان من أهم المساندين لإسرائيل، فإن السعدون دخل مساومة فارقة تضمن صوت إيران لصالح الطلب الكويتي، صوت الدولة المستضيفة للقمة مهم للغاية في مثل هذه المناسبات، وبالأخص صوت إيران العضو المؤسس للاتحاد الآسيوي، والمعروفة رسمياً بدعمها لإسرائيل.
كانت هناك قضية أخرى بين أروقة الاتحاد تخص طلباً صينياً بتعليق عضوية تايوان، كانت اللعبة ثلاثية بين السعدون وقمبيز أتاباي رئيس الاتحاد الإيراني لكرة القدم آنذاك، وهنري فوك رئيس اتحاد هونج كونج لتمرير الطلب الصيني، وحينها ساومهم السعدون على أصوات العرب في الاتحاد مقابل الصوت الإيراني لصالح الطلب الكويتي. والفعل، قمبيز أتاباي لم يحضر الجمعية، لكنه أبلغ الوفد الإيراني بالتصويت لصالح الطلب الكويتي، وهو ما كان!
وفي سبتمبر من العام نفسه، وافق الاتحاد الآسيوي برئاسة الماليزي تونكو عبد الرحمن المناصر للقضية الفلسطينية على تجميد عضوية إسرائيل، ما ترتب عليه عدم مشاركة المنتخبات والأندية الإسرائيلية في البطولات الآسيوية كمرحلة أولى تسبق قرار الطرد، الذي ستحاول إسرائيل خلال عامين منعه بشتى السبل.
كان طرد إسرائيل من الاتحاد الآسيوي قراراً لن يقبله فيفا بسهولة، قد يمرر تجميد العضوية لحين انقشاع الخلافات، لكن الطرد النهائي من اللعبة لن يكون مقبولاً بالنسبة إلى فيفا، وهنا كان لا بد من اتحاد آخر يلعب له الكيان الصهيوني.
هنا ظهر دور رجل آخر يمقت الكيان الصهيوني حتى النخاع، أبو الفهود كما يحب الكويتيون تسميته، وهو الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح، الرجل ذو المكانة الرفيعة في التاريخ الكويتي رغم وفاته شاباً على يد الجيش العراقي في عام 1990، وهو تاسع أبناء أمير الكويت العاشر أحمد الجابر الصباح، وأصغر أبنائه الذكور.
الصباح كان بداخله من مقت الكيان الصهيوني الكثير، لقد حارب بنفسه أمامهم في 1965 مع منظمة التحرير الفلسطينية، وفي 1967 ضابطاً عاملاً بالجبهة المصرية، وأصيب 3 مرات برصاص جنود جيش الاحتلال.
هذا الرجل سيكون رئيساً للجنة الأولمبية الكويتية في أثناء حملة السعدون، التي وصلت إلى تجميد العضوية في 1974 كما أسلفنا، وآن الأوان كي يكون هناك تدخل محنك، يحول التجميد إلى طرد بلا رجعة.
وفقاً للإعلامي الكويتي عبد العزيز العطية، فإن الصباح استغل علاقاته وأقنع الاتحاد اليوغوسلافي لكرة القدم بتقديم طلب بنقل عضوية إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، كي يتسنى تمرير قرار طردها من الاتحاد الآسيوي.
وفي عام 1976، موعد انعقاد الجمعية العمومية التالية للاتحاد الآسيوي بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، كان السعدون - الذي زادت قوته بين الأروقة بعد أن أصبح نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم - ورفاقه يجهزون الضربة القاضية، تصويت على مشروع قرار يعدل أحد مواد النظام الأساسي للاتحاد، والمتعلقة بفقدان العضوية لصالح إضافة نص يشير بوضوح إلى فقدان الدولة المنتمية للاتحاد عضويتها، إذا كان وجودها «يحول دون تطور كرة القدم في المنطقة»، وهو ما تبناه الطلب العربي بقيادة السعدون آنذاك بدعوى أن المنتخبات والأندية العربية ترفض المشاركة ضد أي طرف إسرائيلي، وهذا من شأنه تحقيق هذا الشرط.
هذه الإضافة التي صوتت 16 دولة بالموافقة عليها، و13 ضدها، وامتنعت 6 دول عن التصويت، حكمت على إسرائيل في نهاية المطاف بالطرد رسمياً من الاتحاد الآسيوي.
بعد ذلك، كانت الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم بالعاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس تناقش الطلب اليوغوسلافي بنقل إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي، كان الاجتماع بحضور الصباح رئيس اللجنة الأولمبية الكويتية، قبل أن تتنامى إلى أذنه أخبار اجتماع آخر في العاصمة التايلاندية بانكوك، يسعى فيه ممثلو إسرائيل لإقناع الأعضاء الآسيويين بالتصويت لصالح القرار اليوغوسلافي، فما كان من الصباح إلا أن طار من فوره إلى بانكوك.
هناك، حرض الصباح الاتحادات الآسيوية المنضوية تحت لواء الطلب الكويتي من البداية على الامتناع عن التصويت لصالح القرار اليوغوسلافي، ما مثَّل شيئاً غير متوقع، كونه من البداية صاحب الفكرة.
هنا أتت الجملة التي أثارت الضحك في مقر انعقاد الجمعية، حين سأل رئيس الوفد الإسرائيلي يوسف يكوتييلي، الصباح، قائلاً: «لا آسيا ولا أوروبا … أين تريدون أن نلعب إذن؟» فأجابه الصباح: «العبوا في البحر!»
الآن باتت الأمور واضحة، القرار اليوغوسلافي غير موافق عليه آسيوياً، إسرائيل خارج الاتحاد الآسيوي، تارة تشترك ضيفاً في تصفيات أوروبا، وتارة تحسب على أوقيانوسيا، شتات سيُكتَب على الكرة الإسرائيلية من عام 1976 وحتى عام 1991 الذي تمت الموافقة فيه على مشاركة الأندية الإسرائيلية في المنافسات الأوروبية، ومع قدوم عام 1994 كان فيفا قد أقر انتقال عضوية الاتحاد الإسرائيلي إلى أوروبا رسمياً.
المنافسة في أوروبا مختلفة، لن يكفيك أصلك البولندي أو المجري كي تنافس هولندا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا وإسبانيا، وهكذا انتقلت إسرائيل بعد سنوات الشتات من فريق يملك الريادة في آسيا، إلى فريق همل لا يعبأ به أحد إلا لإكمال عدد فرق التصفيات في أوروبا.
18 عاماً من الشتات، بعد أن كانت هناك ألف احتمالية لارتفاع العلم الإسرائيلي في بلدان آسيوية وعربية، لدخول أسماء عربية ماهرة في وجداننا الكروي الذي لا يزال يتذكر في لا وعيه وجود لاعب اسمه يوسي بنعيون شارك بقميص ليفربول، فما بالك لو كان منتخب إسرائيل جاثماً على صدورنا جثوم كيانه على الأراضي المحتلة؟!
هكذا أنقذت الكويت القضية الفلسطينية بما ملكت آنذاك من فرصة جديدة لغسيل المخ، للتطبيع قبل الأوان، وهكذا أثبت العرب يوماً ما أنهم حينما اتحدوا مرة واحدة ضد هذا الكيان، لفظوه من مساحة كان قد ثبَّت أقدامه فيها بالفعل لا مجرد دخيل على كتب التاريخ.