رياضة

الطابق المسحور: أين اختفى جيل منتصف التسعينيات؟

مع انتهاء حقبة ميسي ورونالدو بدأت حقبة هالاند ومبابي، لكن أين ذهب الجيل الذي وُلد بينهما، جيل منتصف التسعينيات؟ هل ضاعت هذه الفئة بفعل فاعل، أم صدفة؟

future صورة تعبيرية (أين اختفى جيل التسعينات)

الطابق المسحور هو طابق موجود في البنايات الضخمة لا يقف عنده المصعد ولا يمكن الوصول له سوى عبر الدرج، لأنه يحتوي على أحشاء المبنى لذا يعد ملغياً، على الرغم من أهميته بالنسبة للمبنى.

نحن الآن في 2024 خفت نجم رونالدو وميسي وصعدت أسماء مثل هالاند ومبابي وفينيسيوس وغيرهم، لكن هناك فئة عمرية «مسحورة» بين مواليد أواخر الثمانينيات وجيل مواليد الألفية الثالثة: مواليد منتصف التسعينيات الذين ربما تفشل في تصدير أي اسم منهم لكرة القدم العالمية.

هل ضاعت هذه الفئة العمرية بفعل فاعل، أم كانت مجرد صدفة، أم إن الحقيقة في مساحة ما بين هذا وذاك؟ سنرى.

عز التألق

ربما من الأفضل أن نبدأ بالبديهيات. عن أي فئة عمرية نتحدث؟ حسناً، لا نتحدث عن المجموعة التي طحنتها آلة ميسي ورونالدو، والتي يمكن أن نرمز لها بجيل نيمار جونيور بل المجموعة اللاحقة وهؤلاء الذين ولدوا في الفترة ما بين عامي 1994 و1997.

في محاولته لتفسير ابتعاد هذه الفئة عن المشهد الكروي العالمي استخدم أوليڤر كاي محرر «ذي أثلتيك» قائمة أفضل 20 مرشحاً لجائزة الكرة الذهبية خلال الفترة ما بين 2008 و2024. ما لاحظه كاي هو أن مواليد الفترة ما بين 1994 و1997 هم الأقل تمثيلاً. بالطبع لا يبدو هذا الاستنتاج شافياً، فالجوائز من هذا النوع لا تعبر عن جودة اللاعبين.

بعد تحليل مشاركات لاعبي هذه الفئة العمرية في الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الفترة ما بين عامي 2018 و2021، ثم إحصاء مشاركات نفس الفئة خلال الفترة ما بين 2021 و2024 أي الفترة التي يتوقع أن يصلوا خلالها لقمة نضجهم الفني، اتضح أيضاً أنهم ليسوا الأكثر استحواذاً على دقائق اللعب، بل شهدت هذه الفترة تحديداً تقلصاً واضحاً في الدقائق الممنوحة لمواليد 1995 لصالح من هم أصغر سناً. 

لم يختلف الوضع كثيراً على مستوى الدوريات الخمس الكبرى، إذ شهدت الفترة ما بين 2021 و2024 تراجعاً نسبياً في الدقائق الممنوحة لهذه الفئة العمرية مقابل صعود أسهم الفئة العمرية الأصغر. والسؤال المنطقي الآن: لماذا مر القطار سريعاً دون أن يُمنح هؤلاء فرصة؟

للكرة أحكام

يعتقد خوسيه كييرا كشاف المواهب البرتغالي أنه لا يوجد فجوة بين الأجيال، على الأقل من حيث المواهب والجودة، لكن مع ذلك، قد تخلق السوق هذه الفجوات دون تدخل من أحد.

طبقاً لتقرير نشره موقع «Off The Pitch»، المتخصص في اقتصاديات كرة القدم يوجد توجه رائج منذ عام 2016 يوضح سعي الأندية الأوروبية بشكل عام لاستقطاب اللاعبين في سن صغيرة، ومن ثم الاستثمار فيهم كأصول مملوكة لهذه الأندية، بدلاً من التعاقد مع لاعبين متحققين. هذا ما قد يُفسر حصول مواليد الألفية الجديدة على دقائق لعب أكثر مقارنة بجيل منتصف التسعينيات الذين اقتربوا حالياً من سن الـ30؛ لأن الأندية ببساطة مهتمة بتطوير هذه المواهب ومنحها دقائق لعب أكثر، لكن هذه ليست الحقيقة الكاملة.

«كرة القدم السريعة هي المستقبل»

جواو نونو فونيسكا مدير قسم المنهجية السابق في مانشستر سيتي.

كرة القدم الحالية أسرع من كرة القدم التي لعبت قبل عقد، ورزنامة الأندية أثقلت بعدد كبير من المباريات الزائدة على الحاجة. وفي ظل هذا الوضع قد لا تكترث الأندية سوى بحل المشكلة القائمة، عبر التعاقد مع أسماء أكثر شباباً، أكثر قدرة بدنياً على التكيف مع متطلبات الكرة الحالية.

طبقاً لتقرير نشره المركز الدولي للدراسات الرياضية فإن 54% من رسوم الانتقالات التي دفعت في 2021 كانت لاستقطاب لاعبين تحت 24 عاماً، أي لاعبين من مواليد عام 1997 أو أصغر.

«لا تقوم الأندية حالياً بالبحث عن لاعبين ولدوا قبل عام 2000، لأنها تعد صفقات غير جذابة. لهذا التحول عواقب على خصائص الجيل الذي يسيطر على كرة القدم العالمية».

خوسيه كييرا.

جوارديولا كالعادة

بذكر الخصائص فإن صراع بيب جوارديولا ويورجن كلوب كان عنواناً لكرة القدم التي لعبت أثناء العقد الأخير، لا يعني ذلك أنهما فقط من نجحا في تقديم كرة قدم جيدة، لكن ببساطة يمكننا اختزال الأساليب التكتيكية الأكثر رواجاً خلال هذه الفترة في ما قدمه الثنائي.

للمفارقة شهد صعود الثنائي وتأثر أجيال من المدربين بهما مرحلة تكوين هذه الفئة العمرية التي لا زلنا نُفتش معاً عنه. وهنا تتضح الأزمة التي واجهت هذا الجيل من اللاعبين، فعلى الرغم من نمو الفردانية خارج الملعب بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح اللاعب الأفضل من وجهة نظر الاتجاه السائد هو اللاعب الأقل فردانية داخل الملعب، والأكثر قدرة على التضحية بسماته الأبرز لصالح الفريق. بالتالي، ربما تغير مفهوم اللاعب الأفضل عند مرحلة ما.

البرتغالي برناردو سيلڤا أبرز مثال لشرح هذا التحول، فهذا اللاعب الذي ينتمي لنفس الفئة الضائعة، والذي يعد بكل تأكيد لاعباً ممتازاً، لكنه لا يمكن أن يصبح واجهة للعبة أمام أسماء أكبر سناً مثل نيمار أو أصغر سناً مثل مبابي وهالاند.

في مقال بعنوان: «كيف انتقل نجوم البريميرليج إلى مرحلة الهوس بالتكتيك؟»، أشار بين والش صحفي « ESPN » إلى حادثة فريدة في فبراير 2023، حين طلب بيب جوارديولا من برناردو سيلڨا أن يلعب ظهيراً أيسر ضد أستون ڤيلا.

 تحول سيلڤا للاعب أفضل تحت قيادة بيب، على الأقل من وجهة نظره، لكن نظام اللعب الصارم بكل ما يتطلبه من متطلبات جسدية وتكتيكية غير قابلة للتفاوض كان يعني بداهة تنازله عن كونه نجماً في كثير من الأحيان.

ماذا لو؟

أثناء بحثنا عن إجابة تفسر اختفاء شريحة عريضة من اللاعبين عن المشهد العالمي، لربما نسينا أن نسأل أكثر الأسئلة بداهة، ماذا لو أن لاعبي هذه الفئة العمرية افتقدوا بالفعل للجودة؟

في الواقع، إجابة هذا السؤال أكثر تعقيداً، فبالفعل قد لا تجذبك أي من أسماء هذه الفئة إلا في استثناءات نادرة، فمثلاً في الفترة ما بين 2014 و2016 كان رحيم سترلينج وأنتوني مارشال وماركينهوس وريناتو سانشيز وراشفورد وأوريجي وهيكتور بيلرين المرشحين لجائزة أفضل لاعب شاب في العالم. وبمقارنة هذه الأسماء بمواهب سابقة مثل واين روني وفابريجاس أو مواهب لاحقة مثل مبابي وهالاند نستنتج أننا بالفعل أمام أسماء لم تمتلك جودة كافية.

لكن الحقيقة هي أن هذا التقييم قد تم بأثر رجعي؛ لأننا نتحدث رياضة تفاعلية، يؤثر كل عامل بها على آخر. فزيادة عدد المباريات عند لحظة ما استدعت ضرورة التعاقد مع لاعبين أصغر سناً، والتطورات التكتيكية بدلت خصائص اللاعبين المستهدفين من الأندية.

إذن، ربما لكل هذه الأسباب، كان لاعبو منتصف التسعينيات كالطابق المسحور الذي يسهم في حمل عبء المبنى، من دون أن يشير إليه أحد.

# رياضة # كرة القدم العالمية

تبادل القمصان: التقليد الكروي الذي قد يجعلك مليونيراً
هانزي فليك: شراسة العالم خلف هدوء حي ماكينلوش
هل يمكن للكرة المصرية مواجهة نفوذ الخليج؟

رياضة