رياضة

الصحافة الرياضية: عصا الأندية السحرية لتحقيق أحلامها

كيف تجعل الصحافة الأحلام واقعاً؟ لهذا لم يدهشك انتقال مبابي إلى ريال مدريد!

future نجم ريال مدريد كيليان مبابي

بدءاً من معلقة عمرو بن كلثوم إلى إعلان قائمة المغضوب عليهم بألواح على أستار الكعبة، وانتهاء بصحافة الخبر والإشعارات الآنية في القرن الـ21، يظل الخبر في المجتمع البشري الأداة الأقوى لتحريك أي ماء مهما بلغ ركوده، وطالما بقي الإنسان مَصْدَراً لهذا الخبر، ومُصدِّراً له متى وكيف وأين شاء.

في الرياضة يمكنك أن ترى بقوة نماذج عدة لهذا الزخم، خصوصاً مع المتابعة المليارية لرياضة مثل كرة القدم، تجذب البشر جميعاً لأخبار نجومها متخطية كل حواجز الزمان والمكان واللغة والحالات الاجتماعية.

إذا كنت متابعاً لأخبار كرة القدم العالمية بشكل متوسط حتى، فربما تعلم أن هناك مصطلحاً اسمه «صحيفة كذا كذا المقربة لنادي كذا». هل فكرت يوماً -عزيزي- في تفسير هذه القرابة؟ ما معناها، وما حدود الاستفادة منها؟

في إيطاليا مثلاً، تشتهر توتو سبورت بأنها مقربة ليوفنتوس، ولكن هل تحمل وجهة نظر إدارة يوفنتوس في كل شيء؟ الإجابة بالقطع لا، القصة كلها أن الصحيفة تملك بين أروقة يوفنتوس مصادر ثقة، إما لأن الإدارة تملك علاقات بها وإما لأن هواها «يوفنتيني» ولكن في أوروبا والدول المتقدمة لا توجد بوضوح قرابة تجعلك تتبنى موقف أي كيان.. يحتفظ الصحفي لنفسه بدرجة ما من الاحترام!

في إسبانيا مثلاً... يحدث ما هو أسوأ!

الكل يعرف أن آس وماركا مقربتان لريال مدريد، وموندو وسبورت مقربتان لبرشلونة، نحن هنا نتحدث عن أهم أربعة مصادر رياضية في إسبانيا، القرابة هي نفسها تلك الموجودة في أوروبا، يملك كل من آس وماركا مصادر أكثر لدى ريال مدريد بحكم وجود مقراتهما أصلاً في العاصمة وبحكم الشراكة التشجيعية والإدارية الكبيرة لريال مدريد داخل مكاتب الصحيفتين.

في النهاية كل من الصحيفتين تمارسان دوراً صحفياً موضوعياً وحيادياً تماماً إلا إذا احتاج ريال مدريد وبدرجة أقل أتلتيكو مدريد وبدرجة أقل رايو فاييكانو الصحيفة في بعض الملفات التي يحسمها صراع الأنباء الاعتيادي الموجود في كل زمان ومكان.

في إسبانيا مثلًا، لا يتم الأمر بنظافة.. وإن كان الغلاف الأخير الخارج للناس صحافة بيضاء تماماً لا تشوبها شائبة، فـ آس وماركا يذكران كواليس صاخبة من داخل غرف ملابس ريال مدريد، وكذلك تفعل موندو وسبورت من كشف المستور بين اللاعبين والإدارة في برشلونة.

أن تخلق الحدث!

ولكن إذا أراد برشلونة أو ريال مدريد تسهيل جلب لاعب في صفقة معقدة، فلا بد من استغلال تلك «القوى الناعمة» إن جاز التعبير.. وهذا ما يمكن أن نسميه «خلق الحدث!».

خلق الحدث يختلف عن نشر أنباء كاذبة أو فلنقل، إن خلق الحدث يعني استغلال ثغرة يعرفها الصحفيون بقربهم من دوائر صنع القرارات في الأندية، مشكلة تعاقدية، مشادة بين لاعب ومدرب، سر شخصي صرح به نجم في جلسة صفا، أي شيء من هذا القبيل.

حينما يتم استغلال الصحافة في خلق الحدث، تجتمع أنباء كاذبة متتالية، تستطيع أن تلمس فيها جميعاً الصدق، رغم أنه لا أحداث تدعمها.. إلا أن منطلقها قد يحتمل أن يكون منصة إطلاق صواريخ إخبارية في المستقبل.. لاعب ومدرب حدثت بينهما مشادة على سبيل المثال، والمدرب وضعيته مستقرة في النادي ويحقق الألقاب وتعاقده طويل الأمد.. ما المشكلة أن يبدأ تسريب الأخبار عن رغبة اللاعب في الرحيل؟ نبأ كاذب فعلًا.. لكن نشره على مدار اليوم 3-4 مرات بصيغ مختلفة، قد يجعله واقعاً داخل غرفة ملابس الفريق نفسه!

فابريجاس.. عملية السنوات الأربع

من يتذكر الفترة التي انضم فيها سيسك فابريجاس إلى برشلونة (أو عاد بالأحرى) فسيتذكر أنها كانت نهاية أربعة أعوام كاملة من خبر يومي يجوب كل وسائل الإعلام عن ارتباط فابريجاس ببرشلونة، إما ضغط فابريجاس على آرسنال للرحيل، أو رغبته في إنهاء مشواره داخل برشلونة حيث نشأ.. ثم خبر عن علاقته الوطيدة بميسي وبيكيه اللذين تأسس معهما في لاماسيا، ثم خبر عن عدم إجادة فابريجاس للإنجليزية، ثم خبر عن تذبذب مستواه فور وصول عرض من برشلونة.

التضخيم في عروض برشلونة، تقريباً كان يصل عرض كل يوم على وسائل الإعلام.. تبحث عن أصل ذلك الخبر، ستجد المصدر دوماً في موندو وسبورت عام أو عامين من هذا الصخب، وستجد كل المصادر تتحدث عن انتقال فابريجاس إلى برشلونة كأنه واقع مسلم به..

أصبح فابريجاس محل توتر في آرسنال، من دون أن يتحدث إلا قليلاً، أو يتحدث مدربه آرسين فينجر، ولكن تلك الهالة التي خلقتها الصحافة الكتالونية مهدت الطريق لجلبه في الأخير بالوقت الذي أراده برشلونة، ومن دون معاناة كبيرة مع آرسنال.. تم استنزاف اللاعب وناديه إعلامياً إلى حد أن صفقته باتت شبه منتهية من قبل حتى أن يدخل برشلونة على مائدة المفاوضات بعرض رسمي.

حدث هذا في برشلونة أيضاً حينما تعلق الأمر بفيليبي كوتينيو.. عام كامل من فقرة «صباحك كوتينيو» في الصحافة الكتالونية، ولكن ليفربول لم يغرر به، تركه وسط ضجيج كبير ولكن بقيمة استثنائية، وبرشلونة كانت خزينته منتعشة بأموال صفقة نيمار، وكان لديه أحمق مثل بارتوميو يستعد لدفع أي قيمة مقابل أن تلتقط له الصور وهو يمسك قميص اللاعب الجديد ويصافحه ويرحب به في عالم المجد الكتالوني!

حين وقعت قدم محمد صلاح في الفخ المدريدي!

ستكون مخطئاً عزيزي إن تصورت أن حوار محمد صلاح مع صحيفة آس الإسبانية عام 2020، الذي لمح فيه آنذاك إلى أنه يريد اللعب في إسبانيا قد أتى عبثاً في هذا التوقيت، أولاً لخصوصية محمد صلاح، ولحساسية موقفه تجاه ريال مدريد بعد واقعته مع راموس، وحساسية موقفه من ناحية أخرى مع آس التي كتب وكيله رامي عباس تغريدة ينتقد الأخبار التي تنشرها ضد موكله، حينما قالت الصحيفة الإسبانية نهاية موسم 2017-2018، إن لديها كواليس مؤكدة حول رغبة صلاح في الرحيل عن ليفربول والتوجه إلى ريال مدريد، بسبب مشادة حصلت مع كلوب، دون إبداء أسباب واضحة.

من واقع تجربة شخصية، حين كنت أعمل في جريدة آس الإسبانية بنسختها العربية، طلب منا نشر هذا الخبر بعنوان «صلاح يرحل عن ليفربول الموسم المقبل.. وكلوب السبب!».. صحيح أن ريال مدريد كان قد توصل إلى أنباء عن مشادة بين الطرفين في 2019 من قبل لاعب إسباني زامل صلاح في الريدز آنذاك.. ولكن الصيغة كانت بتوجيه مباشر من ريال مدريد.. وهذا موقف رأيته بعيني ولم يخبرني به أحد.

ماكينة ومافيا أخبار كرة القدم.. قال فيرجسون

لن أجبرك على تصديق كلامي، ولكن طالع ما قاله السير أليكس فيرجسون في 2008 حينما كان ريال مدريد يستعد لتقديم عرض خرافي لضم كريستيانو رونالدو، وبدأت الآلة في الدوران لجلب كريستيانو وهو ما حدث بالفعل.

أليكس فيرجسون في تصريحات لصحيفة الجارديان البريطانية قال إنه مستاء جداً من الطريقة التي كان ريال مدريد يحاول ترويج التعاقد مع كريستيانو، وصف حينها ريال مدريد بأنه «مافيا كرة القدم» وقال إن لو الأمر 100% في يده، فلن يبيع لريال مدريد ولو «فيروس صغير يملكه».

وبالنص قال فيرجسون: «يتحدث رئيس النادي (كالديرون) عن الأمر، ثم يتحدث المدرب (تشوستر) ثم يستخدمون ماركا كماكينة عدم استقرار للاعبين، قبل أربع سنوات من انتهاء تعاقد رونالدو بدأ هذا العمل وبإشراف من كالديرون، تلك طريقة من الاستعباد تمارس هناك».

ماذا لو قال أحدهم لك في عام 2018، إن ريال مدريد يوشك على ضم كيليان مبابي بعد أيام.. كيف تستقبل الأمر؟ ستكون لها ضجة هائلة بالتأكيد.

لكنك -وكل متابعي كرة القدم- تعرضنا لـ6 أعوام من سيل الأخبار اليومية التي تخص تلك الصفقة، التي تمت دون أن يعلن قبلها أي من الطرفين بشكل رسمي أن مبابي سيذهب إلى ريال مدريد.. هل تتصور؟

لقد عرفنا جميعاً بسبب سيل الأخبار الذي شكل تلافيف أمخاخنا طيلة 6 أعوام، أن كارلو أنشيلوتي يحب مبابي، ومبابي يريد الألقاب، وقبلها أن مبابي يحب زيدان، وأن زيدان يحب مبابي، وأن مبابي يشجع ريال مدريد وأتى في دورة تدريبية إلى النادي حين كان صغيراً، وعرفت أيضاً أن له صوراً مع كريستيانو رونالدو، وأن الأخير قدوته ومثله الأعلى، وأنه فرنسي مثل زيدان، وأن جبهة ريال مدريد اليسرى في حاجة ماسة إلى مبابي، وأنه سيحمل راية الليجا بعد ميسي.. إلخ.

عالم لا نهائي من الأخبار والتحليلات والتقارير التي جعلت تجديد مبابي لباريس سان جيرمان كل عام عملية معقدة، ومررت لدينا جميعاً فكرة التعاقد المجاني معه من قبل ريال مدريد وجعلتها عملية مستساغة وصعبت دخول أي خصم لريال مدريد على خط المفاوضات لأن اقتناعاً ضمنياً تولد لدى الكل مفاده بأن مبابي يريد ريال مدريد وريال مدريد يريده.. والداخل بينهما عذول!

هكذا تدار اللعبة، عبر أروقة قد لا تعرف منها عزيزي سوى أن صحيفة كذا هي الصحيفة «المقربة لنادي كذا»، وسط تصفيقات العالم أجمع لشعارات النزاهة والمهنية الموهومة.. والآن قل لي، حينما قرأت بيان ريال مدريد مشفوعًا بـ Comunicado Oficial KYLIAN MBAPPE، هل خبر بهذه الضخامة أدهشك حين قرأته؟!

# كرة القدم # كيليان مبابي # ريال مدريد

ليسوا جميعاً إيتو ودروجبا: كيف تتبخر أحلام الاحتراف الأفريقي في أوروبا؟
مَن الذي أغضب روي كين؟
جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً

رياضة