بنهاية مارس 2012، كانت جماهير فريق ماغديبورغ الألماني الذي نافس آنذاك بدوري الدرجة الرابعة، قد ضاقت ذرعاً بمستوى اللاعبين ومدربهم الذين فشلوا ليس فقط في تحقيق أي انتصار، بل فشلوا أيضاً في تسجيل أي هدف خلال خمس مباريات متتالية.
خلال مباراة الفريق ضد إيه كيه برلينير قامت مجموعة من مشجعي ماغديبورغ بالتجمع خلف مرمى الخصم، رافعين عدد من الأسهم الملونة الضخمة، ومن ثم أشاروا بها تجاه مرمى المنافس. ثم قاموا برفع لافتة كبيرة كتب عليها:
«لا تقلقوا يا شباب، سوف نخبركم بمكان المرمى».
على كلٍ، أتت الحيلة أكلها، وسجل ماغديبورغ هدفاً، لكن المباراة انتهت بخسارة الفريق في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة.
بالطبع، كان تصرف جماهير الفريق نتاجاً لغضب عارم، لكنهم قرروا التعبير عنه بأكثر طريقة كوميدية ممكنة. والسؤال: هل تمنحنا الرياضة القدرة على التعبير عن الغضب بخفة ظل أم إن القصة أكثر تشابكاً لنر.
يبدو من المفهوم أن يتحول اللاعب أو المدرب إلى جزء من الفريق الذي يعمل لصالحه، لكن تشير الدراسات إلى أن المشجع أيضاً مع الوقت يصبح أكثر تعلقاً بالفريق، تتحسن حالته النفسية بتحسُّن نتائجه، وتسوء كلما تراجع مستواه.
يرى لدانييل ڤان أستاذ علم النفس في جامعة ولاية موراي الأمريكية الذي أمضى معظم مسيرته المهنية في تحليل سلوكيات جماهير الرياضة، أن هناك أوجهاً للتشابه بين تعريف البشر لأنفسهم كمشجعين لفريق رياضي معين، وبين تعريفهم لأنفسهم على أساس قومي أو عرقي أو ديني.
«نتائج الفريق، الإيجابية أو السلبية، تتحوَّل لجزء من تعريف المشجع لنفسه، بمعنى أنها تشكل جزءاً كبيراً من هويته».
— إدوارد هيرت، أستاذ العلوم النفسية والدماغية بجامعة إنديانا- بلومنجتون.
في الواقع، يبحث المشجع حين يربط هويته بفريق رياضي عن رفع ثقته بنفسه. يعرِّف علم النفس هذه الظاهرة بظاهرة الاستمتاع بالمجد المنعكس/ Basking in Reflected Glory وتعرف اختصاراً بـ«BIRGing. وتشرح هذه الظاهرة كيفية قدرة الفريق الرياضي على التأثير على إحساس المشجع بتقديره لنفسه.
يربط المشجع نفسه بشكل رمزي بالفريق، من خلال ارتداء زي الفريق الرياضي أو حضور مبارياته أو مشاهدتها على التلفزيون، من ثم تصبح نجاحات الفريق نجاحات المشجع، ونتيجة لذلك، تُترجم الانتصارات في الملعب إلى تعزيز احترام الذات. بينما يساعد تكوين روابط اجتماعية مع الأشخاص الذين يشجعون نفس الفريق إلى شعور أقل بالوحدة أو الاغتراب.
هذه هي نصف الحقيقة، لأن النصف الآخر هو أن تشجيع فريق رياضي مقامرة لا يمكن تربحها على الدوام. أياً ما كان الفريق الذي قررت الارتباط به ناجحاً، ستأتي ليلة ما ويخسر.
«تشجيع الفرق الرياضية غريب. هو نشاط تطوعي، لن يحب نصف من يحضرونه ناتجه النهائي. غالباً لن تذهب لمشاهدة فيلم إذا ما أخبرناك أن فرصة إعجابك به بعد انتهائه 50%».
— دانييل ڤان، أستاذ علم النفس
مع ذلك، يستثمر المشجع وقته ومشاعره وأحياناً ماله أملاً في ربح هذه المقامرة، حتى مع إدراكه بالتجربة لتبعات الهزيمة إن حدثت.
أثناء المباراة يشعر المشجع بالضغط والقلق والتوتر، وكأنه سبب في سوء مستوى الفريق، بينما قد يدخل في حالة اكتئاب مؤقتة في حال الهزيمة، أو الذهاب لما هو أبعد من ذلك، بالتحوُّل لشخص أكثر عدوانية ضد جماهير المنافس.
في مايو 2006، قام الزوجان بيث وليفتي بإطلاق موقع إلكتروني تحت عنوان «Yankees Sucks». كان هدف الثنائي هو السخرية من أداء فريق البيسبول الأمريكي، لكن تطور الأمر وتحولت التعليقات الساخرة إلى رسائل تهديدات وسب لأصحاب الموقع من جماهير اليانكيز الغاضبة، وصولاً إلى محاولة لقرصنة الموقع.
بالطبع، بيث وليفتي لم يكونا سبباً في أداء اليانكيز السيئ، ولن يغيِّر اختفاء موقعهم الإلكتروني الساخر أي شيء، لكن ربما كانت هذه الطريقة الغاضبة هي مجرد محاولة من جماهير الفريق الرياضي الذي يعيش وقتاً صعباً في التكيُّف مع الوضع الراهن. لكن في عصر الفضاء الإلكتروني، هذه ليست الطريقة الوحيدة للتعبير عن الغضب.
بعد خسارة منتخب إنجلترا ضد إسبانيا في نهائي يورو 2024 بهدف من توقيع أويارزابال في آخر أنفاس اللقاء، كان الغضب منتشراً في أوساط المشجعين الإنجليز الذين طمحوا في أن تعود الكأس أخيراً للديار، لكن ذلك لم يحدث.
وسط حالة الغضب العارم من نتيجة اللقاء، كان قطاعاً من المشجعين الإنجليز يبحثون عن الابتسامة في منتصف الحزن. إذ غرد أحدهم: فليضع أحدهم GPS داخل الكرة، إنها تحاول العودة للديار منذ 58 عاماً، لكنها لا تزال تائهة. في الواقع، لا يمكننا تحديداً معرفة شعور المُشجع الذي كتب هذه التغريدة، لكن ما يمكننا التأكيد عليه أن حس الدعابة حاضر. فكيف لمشجع يعاني أن يظل محتفظاً بخفة ظله في لحظة عصيبة كتلك؟
توجد عديد من ميكانيزمات التأقلم مع الخسارة لدى المشجع، يقوم بها بشكل تلقائي دون وعي، مثل لوم الآخرين أو إرجاع الهزيمة للعنة ما، أو العودة والتفاخر بأمجاد الفريق التاريخية أو التأكيد على أن ارتباطه بالفريق لا علاقة له بالفوز بل بالتجربة، لكن حين تستمر الهزائم وتنفذ كل الحيل تظهر روح الدعابة كمنفذ للهروب من وقع الخسارة السيئ.
أثناء انتشار وباء كورونا، قامت مجموعة بحثية بقيادة جيسيكا ميريك، أستاذة الدراسات الإعلامية في كلية دونالد ب. بيليسا، بإقامة تجربة على 748 شخصاً، للوصول إلى حقيقة تأثير مشاهدة الميمز المتعلقة بالوباء على الحالة النفسية للمشاركين أثناء الجائحة.
طبقاً لميريك، ساعدت الميمز المشاركين بالتجربة في التعامل مع الضغوطات والقلق الناتج عن انتشار الوباء بشكل أفضل، حتى وإن كان مصدر القلق (الوباء) موضوعاً حساساً ومرهقاً للغاية.
في 2019، نشر قسم المخ والسلوك بالمكتبة الوطنية للطب مقالاً بعنوان: الفكاهة كإستراتيجية لتنظيم المشاعر. بعد إقامة تجربة على 55 شخصاً يعانون من أعراض الاكتئاب الحاد، اتضح أن محاولة استخدام مرضى الاكتئاب للنكات أسهم في تقليل مشاعرهم السلبية وعظَّم من مشاعرهم الإيجابية، بل إن مرضى الاكتئاب نجحوا في إنتاج تعليقات خفيفة الظل أثناء مرورهم بوقت عصيب، بينما لم تتأثر حالتهم النفسية سلباً حين فشلوا في استخراج النكات من موقفهم الصعب.
ربما يمكننا الآن أن نصل لإجابة. الخسارة لا تجعل المشجع خفيف الظل بكل تأكيد، لكنها ربما مجرَّد حيلة أخيرة يستخدمها المشجع للتأقلم مع وضع لم يختره، ولا يستطيع تغييره.