معرفة

التدافع على جرينلاند

جرينلاند… الجزيرة التي كانت هامشًا، فأصبحت محور الصراع بين واشنطن وبكين وموسكو، حيث يُعاد رسم حدود النفوذ العالمي تحت الجليد.

future غلاف كتاب «cold rush: the astonishing true story of the new quest for the polar north martin breum»

صدر الكتاب الذي بين أيدينا في عام 2018، ولكن قراءته تبدو طازجة مع الشهور الأولى لعام 2025، حين أعلن دونالد ترامب في مستهل فترته الرئاسية الثانية عن رغبته في شراء جزيرة جرينلاند من الدانمارك.

ورغم تعجّب كثيرين من تصريحات ترامب هذه، إلا أن الحقيقة أن الرئيس الأمريكي لم يذهب مذهبًا جنونيًا كما وصفه البعض، بل كان ينطلق من تاريخ طويل من الأهمية الاستراتيجية لأكبر جزيرة في العالم، تُشرف على القطب الشمالي.

مؤلف كتابنا – مارتن بريم – صحفي دانماركي خبير في شؤون القطب الشمالي، يعتمد منهج الصحافة البحثية الاستقصائية، التي مكنته من تأليف كتاب سابق بعنوان «عندما يختفي الجليد»، حاز به على جائزة رابطة المؤلفين الدانماركيين، كما حظيت مقالاته بالاهتمام ووجدت لنفسها مكانًا مهمًا في منابر بارزة مثل «نيويورك تايمز» و«ناشيونال جيوجرافيك» والعديد من وسائل الإعلام الدولية الأخرى.

والكتاب الذي نعرض له هنا طُبع في دار نشر جامعية في مونتريال بكندا. وقد سافر مؤلفنا إلى القطب الشمالي، وقابل المسؤولين، وجمع معلومات مكنته من كتابة 12 فصلًا في تحليل تاريخي سياسي ثقافي لعدة قضايا متداخلة، أهمها:

  • علاقة الدانمارك وجرينلاند: تاريخ الظهور السياسي في القطب الشمالي

  • الماضي السياسي والعسكري وتاريخ الحرب العالمية الثانية

  • الخيارات المتاحة أمام جرينلاند بين الحكم الذاتي واحتمالات الانفصال

  • تغير المناخ وإعادة موقع جرينلاند في الصراع على القطب الشمالي

  • الروس والزحف نحو القطب الشمالي

  • المخاوف من الصين الساعية إلى طريق حرير جليدي

  • جرينلاند – الواقع والخيال في الثروة النفطية وخامات اليورانيوم

الصراع على جرينلاند

يقول مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا إنه لقرون عديدة كانت جرينلاند محط الأساطير والأحلام، فقد انتشرت في العصور القديمة أقاويل عديدة عن احتواء الجزيرة الجليدية الهائلة على معادن النيازك التي سقطت من الفضاء، الأمر الذي دفع المنقبين عبر أمريكا الشمالية إلى الاستكشاف والتنقيب بحثًا عن ثرواتها.

والأسماء الموجودة على الخريطة البحرية في جرينلاند هي تذكير دائم بأن السفن الدانماركية في السابق لم تكن هي الوحيدة التي تستكشف هذا الجزء من جرينلاند. فالأسماء هنا ذات أصول متعددة ما بين نرويجية ونمساوية وألمانية وبريطانية وفرنسية وسويدية. المسيحية نفسها جاءت إلى جرينلاند من النرويج في منتصف القرن 18، في وقت كانت النرويج والدانمارك لا تزالان تشكلان مملكة موحدة.

ويُعتبر عام 1814 تاريخًا مهمًا، حين مارست بريطانيا العظمى – باعتبارها أكبر قوة في شمال الأطلسي – سلطات حاسمة لتحديد مصير جرينلاند بعد الحروب النابليونية. وظلت جرينلاند في تبعية الدانمارك حتى وقعت الحرب العالمية الثانية، فتعرّضت للصراع بين القوى الأوروبية الكبرى.

المحطة الثانية المهمة كانت خلال الحرب العالمية الثانية، حين نجح هتلر في إرسال قواته لاحتلال الدانمارك عام 1940، وسرعان ما أصبح من الواضح أن الساحل الشرقي لجرينلاند كان مهمًا للحرب في أوروبا. وبينما تحركت قوات هتلر شرقًا وداخل الاتحاد السوفيتي، أصبحت المنطقة القطبية مهمة بالنسبة للحلفاء لتوفير إمداد السوفييت بالأسلحة لمواجهة ألمانيا الهتلرية. أبحرت القوافل المحملة بأثقال من الموانئ الإنجليزية عبر بحر الشمال، فوصلت إلى ميناء القطب الشمالي الروسي في مورمانسك. وأحضرت البحرية الألمانية الغواصات والسفن الحربية والطائرات لوقف هذه القوافل.

في هذه الحالة، أصبحت تقارير الطقس الواردة من شرق جرينلاند حاسمة لمجريات الحرب، ومن ثم أرسل هتلر إلى الساحل الشرقي لجرينلاند للسيطرة على محطات الرصد الجوي الثلاث التي كانت ترسل بشكل دوري تقارير الطقس لشمال المحيط الأطلسي، كما أسّس الألمان في 1942 محطتين للرصد الجوي في شرق جرينلاند.

تعاونت قوات الولايات المتحدة مع بعض مواطني جرينلاند لطرد قوات هتلر من الجزيرة. وحين بدأ الأمريكيون في قصف جوي للوجود الألماني في جرينلاند، التقطت طائرة نقل ألمانية آخر الجنود الألمان والسجلات والأدوات من الساحل الشرقي للجزيرة في 3 يونيو 1944.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومع العلامات الأولى للحرب الباردة، عرضت الولايات المتحدة على الدانمارك في عام 1946 شراء جرينلاند بمبلغ 100 مليون دولار أمريكي، وكان مبررها أن جرينلاند لها أهمية حاسمة كمنطقة عازلة في مواجهة الاتحاد السوفيتي.

في عام 2025، وفي سعيه لشراء جرينلاند، كان ترامب يُعبّر عن طموحات العسكرية الأمريكية القديمة التي ترى أن جرينلاند تقع على مسار القطب الشمالي، مشرفة على الطريق الذي يمكن أن تصل إليه الصواريخ المحتملة بين أمريكا الشمالية وروسيا وكوريا الشمالية.

ما لا تقوله عناوين الأخبار أن كُلًّا من الصين والاتحاد الأوروبي يبذلان بدورهما جهودًا متزايدة لاحتواء جرينلاند ومواردها المعدنية الهائلة. ويعترف كل طرف منهما بإمكانات تلك الجزيرة كمركز لطرق الشحن الجديدة في القطب الشمالي.

ولقد تزايدت أهمية جرينلاند للصين بعد التغير المناخي الذي شهده مناخ العالم، وأدى إلى ذوبان الجليد البحري، ومن ثم توفير مسافة معتبرة في الطرق التجارية، وتقليص كلفة النقل عبر الطريق القطبي الشمالي، بما لا يتجاوز ثلث المسافة عبر الطرق التقليدية القديمة.

لا تتوقف أهمية جرينلاند عند حدودها الساحلية، بل تمتد لأبعد من هذا، ولا سيما بعد أن تقدّمت الدانمارك في عام 2014 إلى الأمم المتحدة تطالب بالاعتراف بحقوق جرينلاند فيما يقرب من مليون كيلومتر مربع من قاع المحيط، على طول الطريق عبر القطب الشمالي إلى المياه الإقليمية في اتجاه روسيا.

وبعد خطوة الدانمارك، طالبت كل من السويد والنرويج بنفس المطالب، وسرعان ما حذت روسيا حذوهما بمطالبها الخاصة، وقريبًا ستُضيف كندا مطالبها المتداخلة، وستواجه الدول في الإقليم تضاربًا معقّدًا في المصالح.

المدينة الرئيسة في جرينلاند وعاصمة الإقليم هي «نوك Nuuk». في هذه المدينة تتعالى في بعض الأوقات مطالب النخبة السياسية من أهل الجزيرة بضرورة كتابة دستور خاص بجزيرتهم، رغم أن أغلبية مواطني الجزيرة يتفقون على أن مسعى جرينلاند إلى الاستقلال لا يزال طموحًا بعيدًا ويحتاج عدة عقود، ويفضلون البقاء في المملكة الدانماركية.

لكن في غضون عقود قريبة، سيكون قد ظهر جيل جديد يتطلع إلى اليوم الذي تظهر فيه جرينلاند دولة مستقلة، دولة رفاهية وديمقراطية، وعضوًا في حلف شمال الأطلسي والعالم الغربي، ولكنها مستقلة عن الدانمارك. وهذا الخيار نحو الاستقلال عن الدانمارك ليس مستبعدًا، لا سيما مع تزايد الأهمية الاستراتيجية، فضلًا عن احتمالات الكشف عن النفط واليورانيوم والمعادن الاستراتيجية الأخرى.

على هذا النحو، تُمثّل جرينلاند لمملكة الدانمارك منطقة بالغة الأهمية، حيث يزداد الطلب عليها من كل الأطياف: العلماء، والسائحين، ورجال الأعمال، وكل من يرغب في الانخراط في القطب الشمالي. ويقول سياسي دانماركي بارز:

«إن أكبر عدو للمصالح الدانماركية في القطب الشمالي ليس الروس، بل احتمال انفصال جرينلاند عن مملكة الدانمارك، بعد 300 سنة من تاريخ مشترك».

وتُخفي هذه العبارة حقيقة أن العلاقة بدأت بداية استعمارية، وانتهت بشراكة وتكامل بين الجانبين، مع عدم استبعاد خيار الانفصال في تلك الجزيرة التي يسكنها نحو 60 ألف نسمة، ولهم أصول عرقية من الإنويت Inuit (أقاربهم في شمال كندا وآلاسكا). ولا يخلو الأمر من تاريخ استعماري تم فيه اضطهاد السكان الأصليين، ومعاملتهم معاملة استعمارية تستوجب الاعتذار من الدانمارك، فضلًا عن ضعف المال الذي تتلقاه جرينلاند من الحكومة الملكية مقارنة بما يخرج من أرضها من ثروات.

وفي العصر الحديث، ومع مطالبة الولايات المتحدة بمصالح استراتيجية في جرينلاند – علاوة على القاعدة العسكرية التي تسيطر عليها في «ثول Thule» في شمال غرب الجزيرة – فإنه منذ 2016 تسعى مملكة الدانمارك إلى دعم احتياجاتها الدفاعية في القطب الشمالي، حتى لا تشعر الولايات المتحدة بضرورة حضورها بنفسها إلى المنطقة، أو طلب ضم جرينلاند إليها، في ظل التخويف من تنامي القدرة العسكرية الروسية في القطب الشمالي، والحضور الصيني. ويزعم المغالون في الولايات المتحدة أن بوسع الغواصات الصينية المسلحة نوويًا أن تقترب في المستقبل – كما فعلت الغواصات الروسية – من وضع نفسها تحت الجليد في المحيط المتجمد الشمالي، وتزرع علمًا كما زرعت روسيا علمها على أعتاب الحدود الجليدية للولايات المتحدة.

زرع العلم الروسي

في عام 2007، قامت روسيا بعملية زرع علم بلادها بطريقة مذهلة في قاع القطب الشمالي. يقف العلم الروسي علامة لا يمكن دحضها في منتصف تاريخ القطب الشمالي الحديث، وأصبح بداية لاعتبارات عميقة في كلّ من البنتاجون، وفي البيت الأبيض، وفي أوتاوا، وأوسلو، وفي دوائر السياسة الدانماركية في جرينلاند.

وكردّ فعل على زرع العلم الروسي، عقد مجلس الأمن القومي الأمريكي ووزارة الخارجية في واشنطن سلسلة من المشاورات، أعقبها إدانة من عدة مؤسسات أمريكية لغرس العلم الروسي، قالت فيه:

«إنّ هذه الخطوة هي ارتداد مخيف للمحاولات التي جرت خلال ثلاثينيات القرن الماضي لغزو القطب الشمالي، والسنوات التي سيطر فيها الخوف من الاتحاد السوفيتي».

كانت ردود الفعل في الدانمارك أكثر تحديدًا نحو الاقتصاد؛ علّقت وسائل الإعلام الدانماركية بقولها: «لقد بدأت روسيا السباق للحصول على موارد النفط الهائلة، التي يُقال إنها موجودة تحت قاع المحيط في القطب الشمالي، والتي يمكن استخراجها بالتزامن مع ذوبان الجليد».

وعلى أطراف جرينلاند تقع سلسلة جبال لومونوسوف، وهو اسم يعتبره الروس مبررًا لمطالبهم في مزيد من الثروات في الإقليم. ويعود السبب في ذلك إلى القرن الثامن عشر، حين أصبح العالِم والكاتب والشاعر ميخائيل فاسيليفيتش لومونوسوف معروفًا عالميًّا برؤاه حول المحيط المتجمد الشمالي، والجليد القطبي، وزحزحة الجبال الجليدية فوق التيارات القطبية، وذلك في سبق عالمي قبل 150 عامًا من قيام العالِم النرويجي فريدجوف نانسن بإجراء تجاربه الميدانية على الجليد، التي أكدت الآراء النظرية التي طرحها لومونوسوف.

في روسيا، يُعرف لومونوسوف باسم «أبو العلوم»، وتمت تسمية أكبر جامعة في البلاد، الواقعة في موسكو، باسمه. في عام 1763، قام لومونوسوف برسم أول خريطة للمحيطات، وبفضل هذه الخريطة الدقيقة اعتبرت روسيا أن أي صخرة في المحيط المتجمد الشمالي، من ساحل سيبيريا إلى القطب الشمالي نفسه، يجب اعتبارها أراضي سوفيتية.

في العهد السوفيتي، أصبح الطيار إيفان دميترييفيتش بابانين بطلًا قوميًّا في روسيا عندما طار مع فريق من زملائه العلماء إلى القطب الشمالي في عام 1937، كبداية لرحلة علمية مذهلة. وباستخدام معدات الملاحة الحديثة، أصبحت روسيا الدولة الأولى التي تثبت أن مبعوثيها كانوا في القطب الشمالي في مهمة شجعها ستالين بشكل مباشر.

واليوم – في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين – تأمل الدانمارك أن تثبت التحليلات الجيوفيزيائية بأن سلسلة جبال لومونوسوف مرتبطة مباشرة بالأساس الصخري لجرينلاند. وهذا هو جوهر استراتيجية الدانمارك وجرينلاند، وتعوّل عليه في أن تثبت أن سلسلة الجبال التي تحمل اسم العالِم الروسي هي أرض دانماركية لا روسية. وبدون وجود دليل على اتصال سلسلة جبال لومونوسوف بجرينلاند، فإنّ فرص توسّع المملكة الدانماركية في المحيط المتجمد الشمالي ضئيلة للغاية.

تمتدّ أشكال الصراع إلى دوائر البحث العلمي أيضًا، ولا سيّما بعد صدور الحكم على الباحث الدانماركي من جامعة كوبنهاغن، تيمو كيفيماكي، بالسجن لمدة خمسة أشهر بتهمة التجسس. وكانت تهمته الأساسية قبول المكافآت المالية من موسكو، ووفق هذه التهمة فإنّ تيمو كيفيماكي ساعد الدبلوماسيين الروس على فهم موقف الدانمارك في القطب الشمالي.

الصين تريد الوصول إلى جرينلاند

في عام 2012، أثار الجدل الدائر بين الدانمارك وجرينلاند حول العلاقات مع الصين ضجّة على طول الطريق إلى بكين. وفي جرينلاند، يتطلّع الكثيرون إلى الاستثمارات الصينية. وفي الدانمارك، تتزايد المخاوف من أن تتمكّن الصين، من خلال قوتها المالية الهائلة، من الفوز بالنفوذ السياسي في جرينلاند. ومرة أخرى، يتم التأكيد على الأهمية العالمية المتزايدة لجرينلاند.

وتخشى كوبنهاغن أن يؤدي الوجود الصيني في جرينلاند إلى إفساد التسوية المعقدة بين الدانمارك والولايات المتحدة بشأن قاعدة ثول الجوية في غرب جرينلاند ضمن المجمع الأمني للقطب الشمالي.

وفي الوقت الذي ترغب الدول الأقرب إلى القطب الشمالي – مثل آيسلندا وروسيا وكندا وعدد قليل من الدول الأوروبية الأخرى – في أن يكون القطب الشمالي ملكية خاصة، تُصرّ الصين على أن القطب الشمالي ملكٌ للجميع، تمامًا مثل القمر، وترى بكين أن «القطب الشمالي يجب أن يكون ملكية مشتركة للإنسانية».

صحيح أن الأوساط العلمية الأوروبية والأمريكية ليس لديها دليل حاليًّا على أن المستثمرين الصينيين يرغبون في السيطرة على رواسب جرينلاند، لكنّ الخوف من نشوء مثل هذا الاهتمام يزدهر ويتزايد في المستقبل، وخاصة في الدانمارك والاتحاد الأوروبي، حتى إنّ المفوضية الأوروبية دخلت في عام 2009 في مفاوضات مع السلطات في جرينلاند لضمان عدم سيطرة الصين على المعادن في جرينلاند.

وفي يونيو 2012، وقّع رئيس وزراء سلطة الحكم الذاتي في جرينلاند، في نوك، إعلان نوايا متبادَل مع نائب رئيس المفوضية الأوروبية. بهذا الإعلان، وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم الاقتصادي للبحث والتعليم، ممّا سيساعد جرينلاند على بناء صناعة تعدين أقوى. وبتوقيع هذا الاتفاق، ستبذل جرينلاند قصارى جهدها لضمان «جلب المعادن الجرينلانديّة إلى السوق في ظل المراعاة الكاملة للتشريعات المعتمدة دوليًّا بشأن الوصول العادل إلى الأسواق». وهو ما يعني تفويت الفرصة على احتكار الصين للخامات النادرة في جرينلاند.

وفعلت السلطات في جرينلاند الشيء نفسه مع السلطات في الولايات المتحدة، وأكّدت لها أنها لا تمنح فرصة لاحتكار بكين لخامات جرينلاند. ورغبةً منها في عدم هروب الاستثمارات الصينية المغرية، أكّدت سلطات جرينلاند أن الإعلان المشترك مع الاتحاد الأوروبي لا يمنع الشركات الصينية من جني الأموال من استخراج العناصر الأرضية النادرة في جرينلاند، لأن الإعلان يتعلّق فقط بكيفية عرض المعادن للبيع في السوق العالمية.

ويبدو في هذه الخطوة إدراكٌ لصعوبة الموقف الجيوسياسي، لأنه حتى لو خرجت الشركات الصينية من جرينلاند، سيكون من المستحيل استبعاد المستثمرين الصينيين من مشاريع التعدين، وذلك لأنه من الصعب تحديد «من هم الصينيون اليوم؟». فقد يأتون تحت أسماء شركات أسترالية أو غيرها من المؤسسات المالية المعولمة.

يدخل رأس المال الصيني القوي هنا تحت أسماء شركات وتكتلات صناعية مختلفة، وهناك شركات بريطانية كبرى تقع فعليًّا تحت سيطرة رأس المال الصيني. وفي ذلك، علّق الأدميرال نيلز وانغ، رئيس أكاديمية الدفاع الملكية الدانماركية، قائلًا:

«إنّ جرينلاند ذات أهمية كبيرة للصين، لأنها تحتوي على الكثير من المواد الخام والمعادن. هذه هي شروط استمرار النمو الصيني».

لا تتوقف الصين عند جرينلاند فقط، فهي تعمل بشراكة قوية مع آيسلندا، وقد وقّعت آيسلندا والصين على ستة اتفاقيات متنوعة. والسبب الذي يدفع الصين إلى ذلك هو أنه في السنوات القادمة سيزداد الشحن عبر الطريق البحري الشمالي من الصين إلى أوروبا، وتقع آيسلندا مباشرة على هذا الممر البحري الناشئ.

في عام 2011، أطلق وزير الخارجية الآيسلندي على الممر الشمالي الشرقي اسم «طريق الحرير الجديد في المحيط المتجمد الشمالي»، حيث تُعتبر آيسلندا مركزًا مهمًّا للنقل على هذا الطريق.

وكانت آيسلندا، التي واجهت الإفلاس في عام 2008، تحلم بأن تصبح وكأنها سنغافورة القطب الشمالي، بدخل ثابت من مئات سفن الشحن بحثًا عن الخدمة والموانئ والوقود. وبالطبع، كل ذلك من خلال الشراكة مع الصين.

على هذا النحو، يعلّق الباحث الفرنسي داميان ديجورج في مجلة دانماركية بقوله:

«جرينلاند سوف تصبح نقطة التقاء ومواجهة جديدة لأكبر قوتين عظميين في العالم: الولايات المتحدة والصين».

# سياسة # كتب # قراءات كتب # جغرافيا

«على بصيرة»: خارطة طريق للتعافي من الإساءات الروحية واسترداد الإيمان
سنوات الإسلام الأولى من خليفة بن خياط إلى المطهر المقدسي
سيكولوجية الإنسان المقهور: جذور العنف في مجتمعات التخلف

معرفة