عندما فرط مانشستر يونايتد في لاعبه السابق بول بوجبا بلا مقابل وهو في التاسعة عشرة، لصالح يوفنتوس عام 2012؛ لم يدر أنه سيعود بعد أربع سنوات فقط ليشتريه مرة أخرى بصفقة قياسية بلغت قيمتها 89.3 مليون باوند.
تُرجع بعض المصادر داخل أولد ترافور سبب رحيل بوجبا الأول، إلى العلاقة المتوترة بين السير أليكس فيرغسون ووكيل اللاعب مينو رايولا.
لم يطق فيرغسون رايولا منذ التعامل الأول بينهما، ولم تعجبه الطريقة التي ناقش بها عقد وكيله ولا مقابل توقيعه مع الفريق الأول، بعد أن أمضى ثلاث سنوات في الفئات العمرية الأصغر داخل القلعة الحمراء.
ويبدو أن رايولا كان أذكى من الجميع، ليس لأنه أمّن لبوجبا انتقالًا للسيدة العجوز أثبت فيه قيمته وأعاده لناديه مرة أخرى بصفقة قياسية؛ وإنما لأنه حصل من صفقة الانتقال القياسية عمولة معلنة قدرت بـ23 مليون باوند، أي ما يعادل نحو ربع قيمة الصفقة.
وما خفي كان بمقدار ما أعلن تقريبًا، فبحسب ما ورد في كتاب «تسريبات كرة القدم، البيزنس القذر في كرة القدم»، فإن رايولا وضع شرطًا في عقد بوجبا، يضمن له الحصول من النادي على 3.3 مليون باوند لكل سنة يمكثها وكيله من سنوات عقده الخمسة، مع عمولة قيمتها 2.2 مليون باوند، تدفع لشركته نيابة عن اللاعب.
بعض اللاعبين يفكرون أن عمولات بهذا الحجم، ربما كانت أسرهم أولى بها، وما المانع، أليس في الأمر مكاسب تستحق أن تجنيها الأسرة من وراء ابنها اللاعب القيم، أم إن للأمر سلبيات تحول دون تعميمه؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب أولًا أن نعرف من هم وكلاء اللاعبين، وما الخدمات التي يقدمونها من أجل الحصول على رواتب وعمولات بهذا القدر؟
بحسب توصيف FIFA، فالوكيل في كرة القدم هو الشخص الذي يمتلك ترخيصًا معتمدًا من الفيفا، للنيابة عن لاعب أو مدرب أو حتى ناد بغرض إبرام صفقة ما.
ووفقًا للفيفا، فإن عمولات الوكلاء من انتقالات اللاعبين عام 2021 فقط، بلغت 500.8 مليون دولار، دفعت الأندية الأوروبية وحدها 95.8% منها.
لا يبدو هذا التعريف مختلفًا كثيرًا عن التعريف العام لفكرة الوكالة، في أي من مجالات الحياة الأخرى. ولكن الفارق ظهر مع تطور اللعبة وزيادة أجور اللاعبين، واشتغالهم بمجالات أخرى خارج الملعب، تحتاج للوقت والإدارة والجهد.
تدفع الأندية مبالغ ضخمة للتعاقد مع اللاعبين، ومبالغ ليست أقل ضخامة لرواتبهم الأسبوعية، وفي المقابل يرجى من هؤلاء اللاعبين تقديم جهد غير منقوص في الملعب، لا يتأثر بحياتهم خارج أسوار الفريق وطريقة إدارتهم لها.
ومن هنا تنبثق حاجة اللاعبين الأساسية للوكلاء، التي لا تقتصر على مجرد إبرام العقود وتجديدها، بل تتجاوزها إلى ما يخص حياة اللاعب، الذي تحول لشركة قائمة بذاتها، الشخصية والمالية والاجتماعية، من صنع علامة تجارية والتسويق لها عبر منصات التواصل المختلفة واللقاءات التلفزيونية والصحفية، وكذلك عقود الرعاية والتخطيط المالي، انتهاء بأدق التفاصيل مثل المأكل والمشرب والمسكن.
كل ذلك، من أجل تقليل انخراط اللاعبين في أي نشاط ذهني مشتت غير الكرة، وحتى ينصب تركيزهم الأكبر على أدائهم في الملعب، الذي سيتحدد بناء على جودته -ضمنيًا- استمرارهم في هذا المستوى من الشهرة والثراء.
تبدو تلك المهام بسيطة في معظمها للبعض، وهكذا بدت بالفعل لعدد كبير من اللاعبين؛ مما دفعهم للتفكير: لماذا لا أستعين بأحد أفراد عائلتي كوكيل لي؟
يعجب جاري نيفيل في سيرته الذاتية من إصرار كثير من اللاعبين على دفع أموال طائلة للوكلاء من قيمة عقود انتقالهم أو تجديدها. ويسخر من فكرة حصول اللاعب على عقد محسن أو تمديد تعاقد، عمل بجد طوال مسيرته ليناله، ثم يأتي وكيل ما ويقتطع نسبة من ذلك العقد!
اتساق نيفيل مع أفكاره كان واضحًا، فقد اتخذ والده وكيلًا له في مسيرته، وربما أيضًا كان ذلك التفكير الذي حدا بكيفين دي بروين للتفاوض على تجديد عقده مع مانشستر سيتي بنفسه، من دون الحاجة لوكيل، فقد استعان بشركة للبيانات أعدت تقريرًا، يوضح مميزات البلجيكي وتأثيره على الفريق، وتم الاتفاق على الفور.
يشعر بعض اللاعبين بالأمان والثقة، من فكرة تولي أحد أفراد العائلة (الأب أو الأم أو كليهما أو الأخ) شئون حياته وتدبير أموره خارج الملعب، والأمثلة على ذلك كثيرة: ميسي ووالده خورخي، نيمار ووالده نيمار سانتوس، وهاري كين وأخوه الأكبر تشارلي وغيرهم الكثير.
لكن سببًا أكثر وجاهة يؤجج تلك الفكرة، ويضمن لها انتشارًا واسعًا. وهي نظرة العائلة إلى اللاعب على أنه أصل قيم، ومؤسسة كاملة تقوم على خدمة رجل واحد. تلك المؤسسة يمكن أن تتسع لبعض أفراد العائلة، فيكون منهم الوكيل والمستشار المالي والمتعهد بشئون اللاعب الخاصة وخلافه.
يشاع أن والد نيمار قد حصل على ما يقرب من 100 مليون باوند من وراء صفقات انتقال ابنه، وكذلك حصل خورخي ميسي على 75 مليون باوند من عقود ميسي الابن، تخيل أن تنتهي تلك العمولات وقدرها الملايين، في جيب فرد غريب عن العائلة، أو ليس الأقربون أولى؟
خصوصًا إن كانت تلك العوائل معدمة، تنحدر عن أصل فقير، ثم وجدت في هذا الابن/ اللاعب فرصة لانتشال أكبر عدد ممكن من أفرادها من البطالة والفقر.
لم تكن ساندرا ديفو والدة مهاجم توتنهام والمنتخب الإنجليزي جيرمين ديفو وكيلة أعماله بالمعنى المتعارف عليه، لكنها حرصت على أن يكون لها إشرافٌ على كل تفاصيل حياته.
بالنسبة لي، من حيث أتينا من الحضيض، وبسبب كل العقبات التي مررنا بها لنصل إلى هذا الوضع؛ لا بد أن نحافظ عليه على هذا النحو.
— ساندرا ديفو
على هذا النحو، سيضمن وجود العائلة في وكالة اللاعبين، فوائد جمة لها. من ناحية مادية بالطبع وأيضًا من ناحية تعويضية عن الجهد النفسي المبذول من قبلهم في تلك الرحلة. ولكن، هل يضمن ذلك تحقيق أكبر منفعة للاعب؟
جدد هاري كين عقده مع توتنهام عام 2018 لمدة ست سنوات، كان وكيله في تلك المفاوضات أخاه الأكبر تشارلي، الذي لم يفطن لضرورة إضافة شرط جزائي يسمح لأخيه بالخروج في حال تفعيله من قبل أي ناد. وبدلًا من ذلك أقنعه دانيل ليفي رئيس النادي بشرط شفهي يضمن تسهيل الخروج. وحين رغب كين في الانتقال لفريق آخر، أنكر النادي وجود أي اتفاقات غير المكتوبة.
تجسد تلك المشكلة، وعلى شاكلتها مشكلة الخروج الكبير لميسي من برشلونة، أحد مساوئ تعيين أحد أفراد الأسرة كوكيل. فنقص الخبرة الإدارية والتعاقدية لديهم تجعلهم فرائس مفضلة لرؤساء الأندية. بما يضمن لهم وضع بنود وشروط تحايلية لا يفطنون لها، على عكس وكلاء اللاعبين المحنكين.
ليست تلك المشكلة الوحيدة؛ فمن واقع خبرة أحد الإداريين التنفيذيين في أحد أندية الدوري الإنجليزي؛ فإن كثيرًا من آباء اللاعبين وخصوصًا أولئك الذين يتحسسون أولى خطواتهم الكبرى في مسيرتهم الاحترافية، يرون في أبنائهم مجرد وسيلة لتحصيل كسب مادي سريع.
ويمكن أن يرفضوا عرضًا جيدًا سيفيد في تطوير مسيرة ابنهم الكروية بمقابل معقول؛ من أجل عرض آخر ضخم من ناد كبير، حتى ولو انتهى بابنهم الحال في ضباب الأكاديميات والإعارات.
بعيدًا عن كرة القدم، كان أنتوني هاميلتون وكيل ابنه بطل الفورمولا وان لويس هاميلتون في بداية مسيرته، ولكن لويس قرر أن يختار الأفضل لمسيرته وألا يعيش في جلباب أبيه.
وصلت لمرحلة كنت أفكر (أبي، أريدك أن تكون أبي فحسب)، لقد كان قرارًا صعبًا عليه أن تقبله، وصعبًا عليّ اتخاذه.
— لويس هاميلتون
يتعقد الموقف أكثر، كما في كل مجالات العمل والحياة، حين تكون العائلة جزءًا من المشكلة، إذ يصبح الأمر أشبه بمحاولة إزاحة حجر ثقيل جاسم على الصدر، إما الجسارة في إزالته والمضي قدمًا أو الاستسلام التام له وانتظار المصير المحتوم.