يظهر جلياً لأي متابع للشأن الإقليمي أن منطقة الشرق الأوسط ككل تتجه نحو مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، سواء من حيث توسع رقعة الصراعات لتشمل بقاعاً أخرى أو من حيث ازدياد وتصاعد وتيرة تلك القائمة بالفعل. وبينما تتجه أنظار العالم نحو كيفية احتواء حريق المنطقة المستعر، يظل الأمر الأكيد أن جميع الحروب تنتهي، ومن تحت ركامها تبرز المجتمعات والشعوب التي كانت أوطانها ميداناً لتلك الصراعات كالخاسر الأكبر، أياً كان الطرف الذي أعلن انتصاره.
هنا يطل موضوع إعادة الإعمار كنقطة الحديث الأبرز بين الأطراف المعنية حتى قبل أن تضع الحروب أوزارها، ومع تزايد مستوى وحجم الدمار يومياً في مناطق مثل غزة ولبنان والسودان، يكون التساؤل الأبرز هو عن إمكانية وكيفية تنفيذ عملية إعادة إعمار ناجحة في مرحلة ما بعد الحرب، وكيف يمكن تحقيق ذلك في ظل موازين القوى الحالية على المستويات المحلية، الإقليمية، والدولية؟
إن إعادة الإعمار بعد الحروب والصراعات تُعد واحدة من أعقد وأدق العمليات التي تواجه الدول المتضررة، حيث تبرز الحاجة إلى بذل جهود كبيرة لاستعادة الاستقرار السياسي، الاجتماعي، والاقتصادي في ظل ظرف جيوسياسي لا يزال يعاني من عدم الاستقرار.
يستعرض هذا المقال مفهوم إعادة الإعمار بعد الحروب، التحديات الاقتصادية الرئيسية، والدروس المستفادة من بعض تجارب الشرق الأوسط، إضافة إلى استراتيجيات التغلب على العقبات التي تعترض هذه الجهود.
إن عملية إعادة الإعمار بعد النزاعات هي عملية متعددة الأبعاد، تهدف بطبيعتها إلى استعادة السلام والاستقرار والازدهار في الدول التي خرجت من نزاعات عنيفة. بشكل عام، تشمل هذه العملية عدة أبعاد تتمثل في جوانب مثل إعادة بناء البنية التحتية المادية، وإنعاش الاقتصاد، واستعادة المؤسسات الحكومية، ومعالجة الآثار الاجتماعية للصراع. غير أن تعقيدات إعادة الإعمار تتطلب اتباع نهج شامل يعالج الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
على الجانب المادي تُعد البنية التحتية المتضررة أول وأبرز جانب يحتاج إلى إعادة الإعمار، يتضمن ذلك إصلاح أو إعادة بناء الطرق والجسور والمباني العامة، إضافة إلى إعادة شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، فمن المفروغ منه أن تدهور البنية التحتية يعوق حركة الأشخاص والبضائع، ويعرقل الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. لهذا السبب، يعد إصلاح هذه المرافق خطوة أولية وحاسمة لضمان استئناف الحياة اليومية وتسهيل عودة المهجرين من السكان إلى منازلهم، وكذا استئناف النشاط الاقتصادي.
تُعنى هذه المرحلة بشكل عام بإعادة دوران عجلة الإنتاج، وتحفيز الاستثمارات، وإصلاح الأنظمة المالية والنقدية. ويتطلب ذلك توفير فرص عمل للسكان المتضررين، وتحقيق نمو اقتصادي يساعد في تحسين مستوى المعيشة واستعادة الاستقرار الاقتصادي.
وعلى الجانب الآخر تتطلب عملية إعادة الإعمار إعادة بناء الجانب المعنوي والمؤسسي، فالحروب غالباً ما تضعف أو تؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة، مثل القضاء والشرطة والهيئات التشريعية. هذه المؤسسات، وبغض النظر عن مدى فاعليتها في فترة ما قبل الصراع، تلعب إضافة إلى دورها الرسمي المعلن دوراً آخر يتمثل في تشكيلها لمعالم الصورة الذهنية للدولة والسلم الاجتماعي في ذهن السكان، ومن ثم فإن إعادة بناء هذه المؤسسات، وضمان سير وسلالة أداء مهامها، إلى جانب إصلاح الإدارة العامة، ووضع سياسات تضمن حكم القانون والشفافية، هي خطوات أساسية ليس فقط في عملية إعادة الإعمار، بل ولضمان عدم تكرار الصراعات، وتعزيز الثقة بين الشعب والحكومة.
على الصعيد الاجتماعي، غالباً ما تترك الحروب ندوبا عميقة سواء بين المجتمع ومحيطه الإقليمي أو بين المكونات المختلفة للمجتمع الواحد. حيث غالباً ما تزداد التوترات الطائفية أو العرقية نتيجة الصراعات، مما يفاقم الفجوات الاجتماعية. من ثم، تهدف عملية إعادة الإعمار إلى تحقيق المصالحة الوطنية من خلال جهود تسعى إلى تجاوز الخلافات، وتعزيز التفاهم بين مختلف الفئات.
تشمل هذه الجهود برامج لإعادة توطين المهجرين داخلياً وإعادة واللاجئين خارج حدود الدولة إلى أوطانهم، وتمتد إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناجين من هذه النزاعات. يشتمل هذا أبعد كذلك على جانب السعي إلى تحقيق المساءلة والمحاسبة عن الجرائم المرتكبة، وتوفير تعويضات للضحايا، وهو ما يعرف اصطلاحاً بـ«العدالة الانتقالية»، التي تهدف إلى تحقيق العدالة وإرساء الأسس للمصالحة، وبناء نظام قانوني يحمي حقوق الإنسان ويمنع تكرار الانتهاكات.
تواجه الدول الخارجة من النزاعات تحديات هائلة تجعل عملية إعادة الإعمار مهمة صعبة. يقدم بحث سمير مقدسي ورايموندو سوتو «الأجندة الاقتصادية لإعادة الإعمار بعد الصراع» Economic Agenda for Post-Conflict Reconstruction، رؤى قيمة حول الجوانب الاقتصادية لإعادة الإعمار، لا سيما في الدول العربية المتأثرة بالحروب، حيث يتعين على المجتمعات التي دمرتها الحروب التعامل مع تدمير رأس المال المادي والبشري والاجتماعي، وضعف المؤسسات الحكومية، وتشوه الحوافز الاقتصادية، وانتشار البطالة والفقر. هذه الظروف يمكن أن تشعل فتيل الصراعات مرة أخرى، حيث تظل العوامل التي غذت العنف الأصلي، مثل عدم المساواة ونقص الوصول إلى الموارد والإقصاء السياسي، دون حل.
من هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أبرز المعوقات المتمثلة في الآتي:
من أكبر التحديات التي تواجه أي دولة خارجة من حرب هو إيجاد التمويل اللازم لإعادة بناء البلاد. في سوريا، على سبيل المثال، قُدرت تكلفة إعادة الإعمار بنحو 400 مليار دولار، وهو مبلغ يعجز الاقتصاد السوري عن تحمله. بينما تقدر الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة ما بين 500 و600 مليون دولار وفترة قد تصل إلى ثمانية عقود. لهذه الأسباب تتجه الدول عادة إلى الاعتماد على المساعدات الخارجية، مثل تلك التي تقدمها الدول المانحة أو المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومع ذلك، هذه المساعدات غالباً ما تكون غير كافية أو مشروطة بسياسات قد تثير بعض التحديات الأخرى، مثل فرض إصلاحات هيكلية قاسية قد تؤدي إلى زيادة الأعباء على المواطنين.
جدول 1: تقديرات تكلفة إعادة الإعمار لبعض دول الشرق الأوسط (المصدر: من إعداد الباحث اعتماداً على أرقام الأمم المتحدة والبنك الدولي)
يعتبر الفساد أحد العوائق الرئيسية أمام نجاح جهود إعادة الإعمار في منطقة الشرق الأوسط. في العراق، على سبيل المثال، أُهدرت مليارات الدولارات التي خُصصت لإعادة بناء البنية التحتية بعد سقوط نظام صدام حسين بسبب الفساد وسوء الإدارة. وفقاً للتقارير، لم يتم تنفيذ عديد من المشاريع المخططة، أو تم تنفيذها بجودة منخفضة نتيجة التلاعب في العقود والمناقصات الحكومية.
البيئة السياسية غير المستقرة تمثل تحدياً كبيراً أمام تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار. في دول مثل اليمن وسوريا، لا تزال الصراعات الداخلية مستمرة بين الأطراف المتنازعة، مما يؤدي إلى تأخير الجهود المبذولة لإعادة البناء. إضافة إلى ما سبق، فالانقسامات السياسية وتداخل المصالح الإقليمية والدولية تجعل من الصعب على الحكومات المتضررة تنفيذ استراتيجيات فعالة لإعادة الإعمار.
من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصادات المتضررة من الحروب هو نزوح الكفاءات والمهارات العالية إلى الخارج. هذه الهجرة تؤدي إلى نقص حاد في القدرات البشرية التي تحتاجها الدول لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار. على سبيل المثال، تعاني سوريا من هجرة واسعة للمهندسين والأطباء وغيرهم من الكفاءات التي كان يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في إعادة بناء البلاد.
مما سبق يمكن القول إن أحد أكبر التحديات في هذا السياق معالجة مسألة العنف السياسي. حيث تميل النزاعات والحروب الأهلية بشكل خاص إلى ترك تأثيرات طويلة الأمد على المجتمع، مما يجعل من الصعب الوصول إلى تسوية سياسية مستقرة. فالحروب الأهلية تترك ندوباً عميقة، واحتمال تكرار الصراع يعد خطراً حقيقياً ما لم يتم وضع تدابير قوية لبناء السلام، وذلك بسبب ضعف المؤسسات السياسية والاقتصادية. ومن ثم، فإن التحدي ليس فقط إعادة البناء، بل أيضاً تحويل هذه المؤسسات لتسهم في تحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل.
يُعد التعافي الاقتصادي ركيزة أساسية لإعادة الإعمار بعد الصراع. إن الإصلاحات الاقتصادية ضرورية للتقليل من مخاطر تكرار الصراع، وتوفير فرص العمل، وتشجيع الاستثمار، واستعادة الثقة في المؤسسات الاقتصادية. فالسياسات الاقتصادية ينبغي أن تهدف إلى استعادة قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، وتطبيق سيادة القانون، وضمان الأمن للمجتمع ككل. كما أن إعادة الإعمار يجب ألا تركز فقط على العودة إلى الهيكل الاقتصادي السابق للحرب، الذي ربما كان جزءاً من المشكلة. بدلاً من ذلك، يجب أن تهدف جهود إعادة الإعمار إلى تغيير أو إلغاء المؤسسات التي أسهمت في تأجيج الصراع.
غالباً ما يتطلب هذا التحول إجراء إصلاحات هيكلية تهدف إلى معالجة أوجه عدم المساواة التي قد تكون أسهمت في اندلاع العنف. الفوارق الاقتصادية، خصوصاً تلك القائمة على الهوية الجماعية (الإثنية، الطائفية، أو الإقليمية)، يمكن أن تكون بيئة خصبة للصراع. ففي عديد من الحروب الأهلية، تلعب المظالم الاقتصادية، مثل التفاوت في النفاذ إلى الموارد وعدالة الوصول إلى الفرص، دوراً كبيراً في تأجيج العنف. لذلك، يجب أن تكون الإصلاحات الاقتصادية في صلبها تعزيز الإدماج، لضمان حصول جميع فئات المجتمع على فوائد إعادة الإعمار.
كما أن توفير فرص العمل يعد قضية أساسية في تلك المجتمعات. فالبطالة، خصوصاً بين الشباب، تُعد محركاً رئيسياً لعدم الاستقرار. ففي العالم العربي، كانت البطالة المرتفعة بين الشباب عاملاً رئيسياً في الاضطرابات التي شهدتها المنطقة خلال الربيع العربي. ومن ثم فإن توفير فرص العمل يجب أن يكون في قلب أي أجندة لإعادة الإعمار، حيث إنها لا تحسن سبل العيش فحسب، بل تعزز أيضاً الاستقرار الاجتماعي. ومن وجهة نظر سياسية بحتة، فإن فرص العمل تمنح الأفراد مصلحة في النظام بعد الصراع مما يقلل من احتمال لجوئهم إلى العنف في محاولة لتغيير الوضع القائم.
على الجانب الآخر، تتضح ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية كلية وجزئية في الدول الخارجة من الصراع لتحقيق الاستقرار والنمو. يتطلب الاستقرار الاقتصادي الكلي سرعة معالجة مشكلات مثل التضخم والعجز المالي وميزان المدفوعات. فالسيطرة على التضخم تُعد مهمة أساسية لضمان استقرار الاقتصاد وتعزيز القوة الشرائية، مما يمهد لبناء سياسات النقدية الفعالة وبناء مؤسسات قادرة على إدارة التضخم. أما الإصلاحات الاقتصادية الجزئية، فتسعى لضمان توزيع عادل لفوائد السلام والنمو. تشمل هذه الإصلاحات ضمان حقوق الملكية، تنظيم الأسواق، وتنظيم إدارة الموارد الطبيعية. في كثير من الدول الخارجة من النزاعات، يؤجج سوء إدارة الموارد من احتمالية الفساد الذي يؤدي بدوره إلى خلق سبل جديدة نحو العنف، لذا فإن إنشاء آليات شفافة لإدارة هذه الموارد يعد أمراً حاسماً لاستقرار طويل الأمد.
بينما تعد الإصلاحات الاقتصادية ضرورية، فإنها يجب أن تترافق مع إصلاحات سياسية تعزز الحوكمة الشاملة. إن أحد الدروس الأساسية المستفادة من جهود إعادة الإعمار في مختلف أنحاء العالم هي أن الإقصاء السياسي غالباً ما يؤدي إلى تجدد العنف. ومن ثم يمكن القول إن المؤسسات السياسية الشاملة التي تستوعب مواطنيها بشكل كامل هي ضرورية للحفاظ على السلام في المجتمعات الخارجة من الصراع.
تشمل الحوكمة الشاملة أيضاً معالجة قضايا الفساد واستحواذ النخب على الموارد العامة. فواقع الأمر أن الفساد الذي يعد مشكلة متفشية في عديد من الدول المذكورة، يقوض الثقة في الحكومة ويضعف شرعية الدولة. ومن ثم تصبح الشفافية والمساءلة هما مفتاح استعادة ثقة الجماهير. في هذا السياق، يعد من المناسب أن تتم الدعوة إلى قيام عقد اجتماعي جديد بين الشعب والدولة. وبدوره يجب أن يعكس هذا العقد الاجتماعي الجديد تطلعات المواطنين، ويضمن توزيع فوائد إعادة الإعمار بشكل عادل، ومن ثم يؤكد أن الدولة قادرة على تقديم الخدمات الأساسية للجميع بشكل متساوٍ.
تلعب المساعدات الدولية دوراً حيوياً في إعادة الإعمار بعد الصراع. في كثير من الأحيان، تكون المساعدات الخارجية ضرورية لتمويل جهود إعادة الإعمار، وتوفير الخبرات الفنية، وضمان أن عملية إعادة الإعمار تتماشى مع المعايير الدولية. ومع ذلك، فإن جهود إعادة الإعمار يجب أن تكون مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات وظروف كل دولة، مع مراعاة الديناميكيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفريدة لكل حالة.
غير أن السؤال المحوري الذي يبرز عند الحديث عن إعادة الإعمار هو: من سيتحمل تكاليفه؟ ففي حالة حرب غزة الأخيرة تبدو تعهدات إعادة الإعمار كوعود فارغة أو تصريحات محملة بكثير من الأجندات والاشتراطات السياسية. لا تبدو تلك الرؤية التشاؤمية بعيدة عن الواقع عند النظر إلى تعهدات إعادة الإعمار التي تلت الحروب السابقة على القطاع والتي انتقدتها تقارير دولية متعددة بسبب تأخرها أو عدم وصولها للمستوى المتوقع.
ففي الحروب السابقة، كانت تُطلق دعوات دولية واسعة للمساهمة في عمليات الإعمار، ولكن تقارير لاحقة انتقدت التأخير في تنفيذ تلك التعهدات. في الختام، لا يمكن النظر إلى إعادة إعمار قطاع غزة أو أي منطقة أخرى في الشرق الأوسط بمعزل عن السياق السياسي الأوسع الذي يشكل الأساس لأي استقرار مستدام. إن أي جهود لإعادة الإعمار لن تنجح على المدى الطويل ما لم تترافق مع حلول سياسية عادلة ودائمة تضع حداً لجولات الصراع المتكررة.
إن كل عملية إعمار تتم بعد أي حرب دون معالجة الجذور السياسية للصراع تصبح عرضة للتدمير مرة أخرى في أي مواجهة مستقبلية. هذا الموقف يتناغم مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في يناير 2023، حينما أشار إلى أن الدول العربية لن تشارك في إعادة إعمار غزة بعد الحرب إذا كان القطاع سيُدمر مجدداً في غضون سنوات قليلة.
هذا الواقع المرير يصل بالمراقب للشأن الإقليمي إلى نتيجة منطقية تخلص إلى أن عملية إعادة الإعمار في حد ذاتها قد تصبح شرارة لصراع جديد بين القوى الإقليمية والدولية المتنافسة. لذلك، وفي حالة غزة، يُعد التوصل إلى اتفاقية سلام شاملة تضمن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، ضرورة حتمية ليس فقط لإنهاء النزاع، بل لضمان بيئة آمنة ومستقرة تحفز الاستثمار والتطوير المستدام.
غير أنه في حالة فلسطين وغيرها من دول المنطقة كاليمن ولبنان وسوريا والعراق وليبيا، يظل العنصر الأهم المفقود في عملية إعادة الإعمار هو الإرادة السياسية بين أطراف الصراع للتوصل إلى حلول تساومية تضمن على الأقل تشارك بعض المكاسب وتحمل بعض التنازلات بين تلك الأطراف. على العكس فإن انعدام الثقة سواء بين أطراف تلك الصراعات أو بينهم وبين الوكلاء والوسطاء الدوليين والإقليميين، تحمل في طياتها نذيراً بتقويض أي جهود جادة قد تنشأ لإعادة الإعمار في منطقة الشرق الأوسط. تلك النتيجة قد تشير إلى أن المعاناة المستمرة لملايين من المدنيين في المنطقة قد تصبح هي الواقع الجديد. تلك المعاناة التي قد تكون بدورها الجذوة التي ستشتعل منها صراعات أخرى في المستقبل.