مجتمع

إشارات اليد: ملخص تاريخ العالم في 5 أصابع

في لحظةٍ ما برزت إشارات اليد ككلمات معبّرة يستخدمها الجميع، وأصبحت حركة اليد الواحدة كفيلة بإزعاج جيوش، وتحريض جمهور، إليكم قصة إشارات اليد وإيحاءاتها

future إشارات اليد

في فيلم «القاهرة 30» الذي صدر عام 1966 توجد صورة أيقونية للرجل الذي يوافق على الزواج من عشيقة الباشا الكبير، وخلفه قرون حيوان. هذان القرنان يُستخدمان شعبيًا للتعبير عن الرجل غير الغيور. عرف الفلاحون تلك الإشارة من الثور الخصيّ، الذي لا يبالي باقتراب ذكر آخر من الإناث القريبة منه.

قد تبدو تلك الإشارة خاصة بالفلاحين أو بالمناطق الشعبية المصرية، لكن المفاجئ أن تلك الإشارة موجودة في أغلب دول العالم مثل إيطاليا وإسبانيا. وتشير بصورة واضحة إلى أن هذه الزوجة تخون زوجها، والزوج ربما يعرف لكن لا يبالي. وبدلًا من استخدام قرنيْن حقيقيين ابتكر الأفراد نفس الإشارة باستخدام اليد. تُعرف باسم علامة «شاكا»، يكون فيها الخنصر والإبهام مرفوعين، وباقي الأصابع مضمومة. وقد تكون الخنصر والسبابة هما المرفوعين في بعض الدول، وباقي الأصابع مضمومة.

قصة الإصبع الأوسط

بينما تعد اليد لسان الصُم والبُكم، يستخدمونها للتواصل مع العالم، ويستخدمها الآخرون للحديث معهم. لكن في لحظةٍ ما برزت إشارات اليد ككلمات معبّرة يستخدمها الجميع. وأصبحت حركة اليد الواحدة كفيلة بإزعاج جيوش، وتحريض جمهور. يبدأ الأمر غالبًا من حدث محليّ، تُولد فيه تلك الإشارة، ثم تنتقل لمستوى إقليمي، ثم تنتشر للعالم فتصبح علامة دولية معروفة في أنحاء العالم. والمفاجئ أن تلك الإشارات حين تنتقل من منطقة لأخرى قد لا تظل محتفظةً بدلالتها الأولى، بل ربما تُطّوع للتعبير عن أمر آخر.

من المنظور الريفي المصري تُعد الإشارة بأصابع اليد الخمسة في وجه أحد الأشخاص، دليلًا على الخوف من الحسد، ومحاولة لمقاومة تأثير عين ذلك الحاسد. بينما في باكستان واليونان مثلًا تعني تلك الإشارة للشخص المقابل أن يغرب عن وجهك وينصرف. نفس الإشارة في جزر الكاريبي تعني بشكل واضح سبّ الأم، فرفع الأصابع الخمسة في وجه أي فرد قد ينتج عنها مشاجرة تنتهي بالقتل.

كذلك من أشهر حركات اليد المرفوضة مجتمعيًا حركة الإصبع الأوسط. هذه الحركة يُنظر لها على أنها إهانة للطرف الآخر. هي بالفعل إهانة، لكن في إحدى الروايات التي تتحدث عن نشأتها نجد أنها كانت إهانة عسكرية وإشارة من علامات القوة. ففي عام 1415 خلال معركة آجن كورت، بين إنجلترا وفرنسا، هدّد الفرنسيون خصومهم بأنهم سوف يقطعون أول إصبعين في يد أي جندي إنجليزي يقابلونه لمنعهم من رمي السهام من خلال الأقواس. حينها بدأ الجنود الإنجليز في استخدام إصبعهم الأوسط لرمي السهام، وأشاروا به للفرنسيين، للدلالة على قدرتهم على رمي السهام حتى لو قُطعت أصابعهم الأولى.

تلك المعركة تحديدًا يُنسب إليها علامتان مشهورتان، العلامة السابقة، وعلامة النصر الأخرى التي على شكل حرف V. إذ تضيف بعض الروايات أن في نهاية المعركة رفع الجنود إصبع السبابة والوسطى لإخبار الفرنسيين أنهم فشلوا في الوفاء بوعيدهم بقطع أصابع أيديهم التي تُستخدم في رمي السهام.

إذن فإشارة الإصبع الوسطى المرفوضة كانت في لحظة ما دلالة على النصر، وعلى إهانة العدو وفشل خطته. في بعض دول شرق آسيا، كماليزيا، تُعد الإشارة بالسبابة أشد بذاءة من أي حركة أخرى. فرغم أن عديدًا من الدول يتعامل أفرادها مع التلويح بالسبابة باعتباره إشارة للغضب أو الحزم، فإن ماليزيا تعد الإشارة بالسبابة فعلًا وقحًا. لهذا ففي الأماكن العامة في ماليزيا إذا سألت شخصًا عن مكان ما، فإنه لا يشرح لك الاتجاهات أو يشير إلى الطريق باستخدام السبابة، بل يستخدم إبهام يده اليمنى بديلًا لذلك.

تحول الإشارة لنقيضها

الإبهام الذي يستخدمه الماليزيون بأريحية يتحسس منه الهنود والباكستانيون، فوضعه أمام فم الشخص يعني سبّه لعائلة من أمامه. كذلك يعتبره الإيرانيون مهينًا، كأنه إشارة الإصبع الوسط. كما أن ضم الإبهام وإخفاءه في وسط الأصابع الأربعة الباقية يعني أن هذا الشخص تعرض لخدعة كبيرة.

بالطبع لا يمكن الحديث عن إشارات الإبهام من دون الحديث عن علامة الإعجاب والثناء برفع الإبهام وضم باقي الأصابع. ونقيض ذلك هو خفض الإبهام لأسفل وضم الأصابع فيكون علامةً على التهكم أو الفشل.

ومن أشهر حركات اليد علامة النصر، وهي رفع السبابة والوسطى متباعدين. ورغم الرواية المذكورة أعلاه عن تلك العلامة، فإنه من الثابت أن العالم قد عرف – حديثًا - تلك العلامة مع بدايات الحرب العالمية الثانية، إذ كانت قوات هتلر النازية قد احتلت غالبية الدول الأوروبية. فقامت هيئة الإذاعة البريطانية في 14 يناير عام 1941 بالبث عبر إذاعة موجهة إلى بلجيكا لدعوة المواطنين لرسم الحرف الإنجليزي V على جدران منازلهم، اختصارًا لكلمة نصر.

يقول فيكتور دي لافي مُعد البرامج في بي بي سي وقتها، إن الفكرة جاءت من حاجتهم لشعار بسيط يستطيع السكان رسمه في الظلام وبسرعة، ليمثل هزيمة معنوية للألمان. وانتقلت الإشارة من جدران البيوت إلى أصابع السكان. ثم صارت رمزًا عالميًا، عبر انتقاله من بلجيكا إلى فرنسا. وأصبحت بعد ذلك شارة يمكن نقلها عبر شفرة مورس وعبر أبواق السيارات أيضًا.

لكن المفاجئ أن علامة النصر نفسها يمكن تأويلها على طرفي نقيض. فقد تكون علامة للإهانة، إذ أشار الشخص بعلامة النصر لكن وجه كفه نحو الشخص، لا باطن اليد كما نراها دائمًا. فالمرأة الحديدية مارجريت تاتشر استخدمت علامة النصر وكفّ يدها موجه للكاميرا أثناء حرب الفوكلاند ضد الأرجنتين، مما أثار موجةً من الغضب، واضطرت رئيسة الوزراء لإعادة تصويب الخطأ، والاعتذار عنه.

مسألة تحول الإشارة لنقيضها بتغيير راحة اليد ليست خاصة في شارة النصر فحسب، بل تمتد إلى إشارات أخرى. مثل إشارة ضم الإبهام والسبابة مع فرد الأصابع الثلاثة الأخرى، التي تشبه كلمة OK الإنجليزية. لكن مع تحويل راحة اليد نحو الداخل تصبح إشارة إلى الخطر، وطلب الشخص للمساعدة. وقد شهدت الصين حالة إنقاذ حقيقية لفتاة كانت برفقة أحد الرجال، فحين أشارت بتلك الإشارة تدخّل المارة للجدال مع الرجل الذي يصاحبها، ليتضح للشرطة أنها كانت معه رغمًا عنها.

وأحيانًا يرتجل المتظاهرون إشارات لبيان اعتراضهم. فمثلًا في تايلاند عند مرور موكب الملك في أكتوبر عام 2020، رفع الموجودون الأصابع الثلاثة الوسطى، مع ثني الخنصر والإبهام. كانت تلك علامة اعتراضهم على النظام الملكي، والمطالبة بإقالة رئيس الوزراء. إشارة الأصابع الثلاثة كذلك ظهرت في ميانمار كرمز لمقاومة الانقلاب العسكري في البلاد؛ إذ استخدمه الموظفون والطلاب في احتجاجاتهم.

جدير بالذكر هنا أن الإشارة مُستلهمة من سلسلة أفلام «ألعاب الجوع». حيث استخدام الثوّار في الفيلم تلك الإشارة بوصفها علامة على تمردهم ضد السلطة المستبدة. الفيلم نقل الإشارة أيضًا للصين، فقد استخدمها الشباب الذين انتفضوا ضد الحكومة الصينية مطالبين بالحرية. وفي مظاهرات هونج كونج كذلك ابتكر الشباب إشارة جديدة، إذ رفعوا أياديهم فوق رؤوسهم بشكل متقاطع، ليصبح ذلك هو شعار انتفاضتهم.

كرة القدم كمسرح للإشارات السياسية

استخدام كلتا اليدين برز أيضًا في الاحتجاجات الأمريكية على مقتل المراهق مايكل براون على يد الشرطة الأمريكية. في تلك الاحتجاجات رفع المتظاهرون أياديهم في الهواء ليثبتوا سلميّتهم للشرطة، ويسخروا من الشرطي الذي قتل المراهق رغم أنه لم يمثل تهديدًا له.

وتحاول الشعوب أحيانًا الإشارة لاتحادها، لهذا يستخدمون الإشارة بقبضة اليد؛ إذ كافة الأصابع مضمومة تشير إلى القوة والاتحاد. وقد يستخدمها لاعبو كرة القدم للإشارة بها إلى الفريق المنافس كنايةً عن سحقهم لهم. أو قد تستخدمها الحركات السياسية شعارًا للدلالة على الاتحاد في وجه الجهة المعارضة لهم.

وكرة القدم تحديدًا تعد مسرحًا خصبًا لعديد من الإشارات السياسية، كان أبرزها اللاعبَيْن السويسريين – من أصل ألباني - جرانيت تشاكا وشيردان شاكري، اللذين أشارا بعلامة مميزة بعد إحراز هدفين أمام منتخب صربيا، ضمن منافسات كأس العالم 2018. فقد رسم اللاعبان بأيديهما نسرًا مجنحًا برأسيين، وهو النسر المرسوم على علم ألبانيا. اللاعبان ترجع أصولهما لإقليم كوسوفو التي تسكنه الأغلبية الألبانية، التي ترفض صربيا الاعتراف به رغم استقلاله.

لا تنتهي الشعارات والإشارات التي سيقوم الإنسان بابتكارها للتعبير عن شعوره أو تمرّده أو انتصاره. فدائمًا ما يبتكر الإنسان إشارات جديدة، تُميز جيلًا عن الجيل الآخر، وتُعبر عن خصوصية معركته. وبعض الإشارات تكون وليدة المكان أو اللحظة التاريخية التي دارت فيها، حين يكون الإنسان مجرد مُستقبل لإلهام البيئة المحيطة به، وأداة يرفع بها الكون إشارة جديدة لسُكانه كي يجدوا وسيلة جديدة للاتحاد والتغلب على عوائق اللغات المتباينة والجغرافيا المتباعدة.

# إشارات اليد # مجتمع # علم اجتماع

كلاب مصر: قصة الهروب الكبير من مشرحة الطب البيطري إلى قمة هرم خوفو
«ورقي » أم «إلكتروني»؟: الصراع الذي مزق نقابة الصحفيين
حوار| كايل أندرسون: توثيق تاريخ الفلاحين أجمل تجارب حياتي

مجتمع