رياضة

«اليسار» الكروي: لماذا نلعب كرة القدم؟

«Futbolistas LA» هم نشطاء يساريون تهدف فكرتهم إلى إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية ومناهضة الإمبريالية عن طريق لعب مباريات كرة القدم كل يوم أحد.

future حدث رياضي تنظمه Futbolistas L.A.

إذا أردنا تغيير العالم فعلينا تغيير طريقة لعبنا أولًا. نلعب كرة القدم كل أحد بطريقة يسارية مناهضة للرأسمالية والإمبريالية.
مجموعة «Futbolistasla» الأمريكية.

مجموعة «Futbolistasla» هم نشطاء يساريون من لوس أنجلوس، تهدف فكرتهم إلى إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية، ومناهضة الإمبريالية والرأسمالية، عن طريق لعب مباريات كرة القدم كل يوم أحد. يؤمنون أن لكرة القدم شكل يساري واضح. فكيف يمكن أن يكون شكل كرة القدم الخاصة باليسار السياسي؟

تُرحب كرة القدم اليسارية بجميع البشر، من كل الهويات، التوجهات، الثقافات، الأجناس، الأعمار والقدرات. وحتى تتمكن من المشاركة فربما عليك أنّ تبدي موافقة على بعض القواعد اليسارية للعب كرة القدم ابتداءً، مثل: الابتعاد التام عن الالتحامات البدنية، تجنُّب الاحتكاكات اللفظية الجارحة، منح مَن هُم أقل مهارةً وقتًا على الكرة؛ لأن الهدف الأسمى ليس الفوز، بل لعب كرة القدم بالطريقة التي تعكس الطريقة التي يتصوَّر بها أي يساري العالم المثالي: متعاون، متسامح، عادل ومتعاطف. 

بالطبع، لا يوجد مكان لمثل هذه القيم في كرة القدم، ومع ذلك يخبرنا التاريخ أنّه على مدار تاريخ الكرة هناك مَن شارك في كرة القدم لأهداف أسمى من الفوز وبطابع يساري واقعي وليس حالمًا. فما القصة؟ 

الدوري الإنجليزي في عصر البراءة 

في 2014، نشر الكاتب رويل جولدن كتابه «عصر البراءة: كرة القدم في السبعينيات». في السبعينيات، لم يكن مسؤولو كرة القدم على دراية تامة بجاذبية اللعبة عالميًا وكيفية استغلالها لأغراض أخرى. وبالطبع لم يكن لاعبو ومدربو هذه الفترة فقراء، لكنَّهم بشكل أو آخر كانوا جزءًا من المجتمع، أو بالأحرى أبناءً له، بشكل يجعل تماهي الجماهير معهم أسهل نسبيًا من الوقت الحالي.

في الواقع، إذا ما قررت النظر للدوري الإنجليزي الممتاز بشكله الحالي، فقد تعتقد أنّه من المستحيل لهذا الدوري أن يكون قد احتضن مجموعةً من أشهر اليساريين، وبالتحديد رجال مثل بيل شانكلي، الذي لم يكن يخجل من أفكاره اليسارية بل يروِّج لها. 

الاشتراكية التي أؤمن بها هي أن يعمل الجميع من أجل بعضهم البعض. كل شخص لديه نصيب من المكافآت. إنها الطريقة التي أرى بها كرة القدم، إنها الطريقة التي أرى بها الحياة.
بيل شانكلي

نجح شانكلي في قيادة ليفربول الإنجليزي في الستينيات وحتى منتصف السبعينيات إلى حصد 3 ألقاب لدوري ولقب كأس الاتحاد الأوروبي، وقتئذٍ أدخل الأسكتلندي مجموعة من القواعد على المجموعة، التي مثلت القيم التي يؤمن بها، مثل: ضرورة إمضاء اللاعبين فترات طويلة معًا لتشكيل روابط خارج الملعب تجعلهم أكثر تعاونًا بداخله، الحرص على فرض نظام غذائي للاعبين وتقييمه للحفاظ على لياقتهم البدنية. بالطبع، تبدو هذه القواعد بديهية، لكننا نتحدَّث هنا عن الستينيات ومنتصف السبعينيات من القرن الماضي.

لم يولد ذلك من العدم، لكنّه نتاج لنشأة الرجل الذي وُلد داخل مُجتمعات التعدين في أسكتلندا، حيث يدين الفرد بالواجب تجاه المجموعة، كما تحمي المجموعة الفرد وتحذره من المخاطر.

ارتبطت الجماهير بهذا الفريق -فريق شانكلي- ليس لأنّه فريق فائز وحسب، لكن لأنّه فريق مرتبط بفلسفة اليسار في هذه الفترة، قريب من الطبقة العاملة وداعيًا للاشتراكية، حتى وإن لم يكن لديه أي اهتمام أكاديمي بالسياسة.

كرة اليسار: اللعب من دون خوف

طبقًا لإحدى النظريات، أساليب لعب كرة القدم مجرَّد استجابة لقضايا مجتمعية أكبر وشهادة على المساهمة الفعلية لليسار في الرياضة.

على سبيل المثال، يعتقد الإنجليزي ديفيد وينر، مؤلف كتاب «العبقرية العصبية لكرة القدم الهولندية» أن الكرة الشاملة الحرة التي قدمها أياكس في السبعينيات مرتبطة بالحركات الأناركية المضادة لثقافة أمستردام المحافظة في الستينيات. 

بينما يرى الفيلسوف الإيطالي اليساري أنطونيو نيجري أن طريقة «الكاتيناتشو» لم تبدأ كطريقة لعب سلبي، بل كرد فعل يساري تبنته الفرق الإيطالية بعد الحرب بهدف بناء فرق قادرة على الفوز دون أي مخاطرة.

هناك كرة قدم يمينية وكرة قدم يسارية. كرة القدم اليمينية تريد أن تشير إلى الحياة كمعاناة،  تتطلب تضحيات للفوز بأي طريقة؛ لا يطلب المدربون من اللاعبين سوى الطاعة والتنفيذ.
سيزار لويس مينوتي

في منتصف الستينيات، عكست كرة القدم الأرجنتينية النهج العملي للحكم الدكتاتوري اليميني، بينما كانت اللحظة الفاصلة هي إذلال هولندا بكرتها الشاملة للأرجنتين في كأس العالم 1974.  ليظهر سيزار لويس مينوتي، الرجل المائل لليسار، الناشط السياسي، عضو الحزب الاشتراكي، والقارئ الشره لأعمال جابرييل جارسيا ماركيز وخورخي لويس بورجيس. 

آمن مينوتي بجمالية اللعبة، وضرورة عدم التنازل عن الإمتاع لصالح النتائج المبنية على عدم المخاطرة؛ لأن الطريقة الوحيدة الحذرة للعب كرة القدم، هي التوقُّف عن اللعب من الأساس.

في عام 1976، انحرفت الأرجنتين سياسيًا إلى اليمين، بعد الانقلاب الذي قاد المجلس العسكري اليميني للحكم، قبل عامين فقط من استضافة الأرجنتين لكأس العالم 1978 والتتويج به.

تسامح المجلس العسكري بقيادة «فيديلا» مع معتقدات «مينوتي» اليسارية؛ لأن الفوز بكأس العالم كان أداة لغسل يد النظام الأرجنتيني من قمع المعارضة.

يعتقد مينوتي أنّه قرر بدلًا من انتهاج الطريقة اليمينية للعب كرة القدم، أن يقدم فريقًا أكثر حرية وإبداعًا، إذ ربما يتذكَّر الأرجنتينيون من خلالها الأرجنتين الحرة المبدعة التي كانت موجودة قبل الحكم العسكري في البلاد.

سقراط: العالم بحاجة إلى بطل 

يعيش لاعبو كرة القدم في عالم مواز، لا يملكون أي فكرة عن أهميتهم الاجتماعية، فقط يتسترون خلف الدين، دائمًا ما يرددون: الحمدلله فزنا بالنقاط الثلاث، الحمدلله تم استدعائي للمنتخب الوطني، وهكذا.
سقراط، قائد منتخب البرازيل الأسبق

نشأ سقراط في عائلة من الطبقة المتوسطة، وكان والده إدموندو يساريًا، شاهده نجله وهو يدمر كتبه السياسية اليسارية بعد أن استولى الجيش على السلطة في البرازيل عام 1964. 

كان سقراط لاعب كرة قدم فريدًا من نوعه، لكنّه قرر أن تكون ساقه مجرَّد أداة لتعظيم صوته، بل وإيصال صوت أبناء بلاده للعالم.

بعد وصوله لفريق «كورينثيانز» عام 1978، بدأ في الانجذاب نحو اليسار، وكان أهم تدخُّل سياسي له هو إنشاء حركة «الديمقراطية الكورنثية». كان هدف الحركة هو تقديم شكل من أشكال الديمقراطية، حيث يصوِّت الجميع في النادي على كيفية إدارته، وتخفيف القيود على اللاعبين الذين كان يتم حبسهم داخل معسكر تدريبي قاسٍ قبل المباريات.

حقق الفريق نجاحًا في ظل الديمقراطية، الأمر الذي مثَّل تحديًا للنظام، عبر تبني أساليب الديمقراطية داخل مؤسسة رياضية رفيعة المستوى. لهذا، سرعان ما تجاوزت الحركة طريقة إدارة النادي، في عام 1982، قبل أول انتخابات متعددة للأحزاب، شارك فريق «كورينثيانز» في مباراة بأقمصة تحث الجماهير على التصويت في الانتخابات، بينما قام في 1985، بخطاب أمام آلاف الجماهير في ساو باولو مطالبًا النظام بتعديل دستوري يضمن انتخابات حرة.

طبقًا للكاتب «أدرو داوني»، مؤلف كتاب «دكتور سقراط: لاعب كرة قدم، فيلسوف وأسطورة» كان قائد منتخب البرازيل على دراية تامة بأهمية كرة القدم للنظام العسكري في البرازيل، الذي استغل انتصاراته، لذا كان محميًا لكونه أبرز نجوم جيل «اللعبة الجميلة» من قمع النظام للسياسيين المعارضين، وأكثر قدرة على المعارضة بصراحة والتعبير عن مظالم شعبه الاجتماعية من دون تردد.

الواقع: المعارك الآمنة 

العثور على فريق يُمثِّل أيديولوجية محددة مثل كورينثيانز، لاعب يواجه نظامًا مثل سقراط، أو مدرب يصرِّح بميوله السياسية علنًا مثل شانكلي أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش. 

دون شك، يعاني كل الأفراد المحسوبين على كرة القدم الحديثة من نفس القضايا التي حاول اليسار تسليط الضوء عليها لعقود، مثل: انعدام الأمان الوظيفي، الرؤساء القاسيين، والصحافة التي تشوُّه سمعة كل من يحاول التغيير. لكن الفارق الوحيد يكمن في حصول هؤلاء على آلاف الدولارات أسبوعيًا والتي قد تجعلهم يتحمّلون مثل هذا الهراء. نعم، تعبّر كرة القدم حاليًا عن نوع معين من السياسة: الرأسمالية المتوحشة. 

بالطبع، لا تزال هناك مساحة ممنوحة للجميع للتعبير عن رأيهم بقضايا العدالة الاجتماعية، لكن فقط القضايا التي تتماشى مع رياح الليبرالية السائدة، مثل: مكافحة العنصرية، حق كرة القدم النسائية في الوجود، وغيرها من المعارك الآمنة، كما يصفها «ستيفان زيمانسكي» مؤلف كتاب «سوكرنوميكس»، أي المعارك السياسية التي تملك إجماعًا عالميًا.

وقتئذٍ، ربما يُسمح للاعب، مدرب، أو حتى فريق بدعم قضية ما أسمى من قضية كرة القدم الحديثة الأهم، وهي البحث عن الفوز.

# اليسار # كرة القدم # الولايات المتحدة

التحرش وكرة القدم النسائية: الخطر الأكبر الذي يهدد اللعبة
جولات بلينكن في المنطقة ولعبة سياسة الهندسة
المعادن الحرجة: عودة إلى ساحة الصراع في ظل هيمنة التنين

رياضة